في وقت متأخر من مساء الأمس الرئيس السيسي أصدر قانون الهيئات القضائية الجديد، ونشره بالجريدة الرسمية، بعد يوم واحد من مواقفة البرلمان!!
لأول مرة في تاريخ مصر أصبح لرئيس الجمهورية سلطات تعيين رؤساء الهيئات القضائية.
– سنة 1969 عبدالناصر فصل 200 قاضي بتهم ملفقة، وده اللي حمل اسم “مذبحة القضاء”، ولما جه السادات ألغى هذه القرارات المشينة.
لكن لا الملك فاروق، ولا عبدالناصر، ولا السادات، ولا مبارك، ولا مرسي، ولا أي نظام تجرأ يتدخل بتعيين رؤساء الهيئات منذ قانون استقلال القضاء سنة 1943 بعهد النحاس باشا.
يعني احنا النهاردة بنشوف كارثة بتغير تاريخ مصر.
شيء بينهي تماماً ما بقى من مفهوم (مؤسسات الدولة)، واللي بيقولونا نحترمها هما اللي بيتآمروا لتدميرها لصالح فرد واحد!
****
ايه اللي اتغير بالظبط في القانون الجديد؟
– الوضع الحالي إن المجلس الأعلى للقضاء هو الجهة الوحيدة اللي بتختار رؤساء الهيئات، والاختيار ده مش بمزاج حد بل بالتزام كامل بالعرف “الأقدمية المطلقة”، يعني رئيس الهيئة هو أكبر نواب الرئيس سناً.
– القانون الجديد بقى بينص إن الرئيس هوا اللي هيختار الرؤساء من ضمن 3 مرشحين، والـ 3 دول بدورهم يتم اختيارهم من أقدم 7 قضاه.
– بعض الأصوات داخل المجلس الأعلى للقضاء ومجلس الدولة كانت تداولت فكرة ارسال اسم واحد، لكن تم قطع الطريق وإضافة مادة تنص انه لو اتقدم أقل من 3 مرشحين، أو لو اتأخر الترشيح عن 60 يوم قبل خلو المنصب، سيختار الرئيس مباشرة من بين أقدم 7 قضاه.
****
إيه سبب اللي حصل؟ ليه بالأسلوب ده وبالسرعة دي؟
– ببساطة ووضوح: رئيس الجمهورية عايز يمنع قضاة محترمين معروفين من رئاسة الهيئات في يوليو القادم. عايز ينتقم من أحكام ليست على هواه.
– أولهم المستشار يحيي الدكروري، اللي أصدر الحكم التاريخي ببطلان اتفاقية تيران وصنافير!
المستشار يحيي كان مفروض دوره في رئاسة مجلس الدولة، لكن بالتعديل الجديد مؤكد ان الرئيس لن يختاره، وده مش سر، مثلاً اتكلم عنه بصراحة المستشار سمير البهي، رئيس نادي قضاة مجلس الدولة، في مداخلة مع وائل الابراشي.
– المستشار أنس عمارة، اللي كان مفترض يتولى رئاسة محكمة النقض، هوا كمان مستهدف بالقرار.
أهمية محكمة النقض تحديداً إنها أعلى هيئة قضائية مصرية، والدوائر اللي برئاسة المستشار أنس عمارة ألغت العديد من الأحكام الباطلة دون اعتبارات سياسية. مثلاً هو من ألغى حكم أحكام إعدام 6 أشخاص كانوا متهمين بأحداث كرداسة لأنه لم يجد في ورق القضية أدلة. هل مطلوب يقتل المسجونين بدون أدلة؟ والمستشار عمارة كمان محسوب على تيار المستشار الغرياني.
– الجانب التاني إن رئيس محكمة النقض هوا اللي بالدستور ممكن يحاكم رئيس الجمهورية بعد موافقة ثلثيّ البرلمان .. كده بنمنح أي رئيس فرصة اختيار اللي جايز يحاكمه.
***
إيه اللي مترتب على التعديل الجديد؟
– التعديلات بتقضي على عرف الأقدمية، وحتى لو له عيوب، زي ما منظومة القضاء في مصر كلها تحتمل النقد الي تناولنا بعض وجوهه سابقا، لكن الأقدمية بتقفل الباب على مليون احتمال توظيف سياسي وأمني في اختيارات القضاة.
زي كل حاجة في مصر أكيد الأجهزة الأمنية هتتقدم تقاريرها عن المرشحين، وتدي الرئيس نصائحها عن المرشح الأنسب.
ومش بعيد كده الـ 7 قضاة الأقدم بكل هيئة يكون بعضهم طامع في المنصب، فيخافوا يصدروا أحكام معينة، أو يسعوا لرضا السلطة، أو يحاولو يلمعوا نفسهم في الاعلام، أو حتى يضربوا أسافين في زمايلهم!
– اللي حصل بيزيد من نقص الثقة في منظومة القضاء كلها .
مجلس الدولة هو اللي بيحاكم القرارات الادارية للحكومة والرئيس، لما ييجي رئيس المجلس باختيار الرئيس، ازاي مواطن يأمن يرفع قضية هناك ضد قرار حكومي؟
والنقض هيا آخر حصن لمراجعة أخطاء الجنايات والاستئناف. مين يثق دلوقتي خاصة في القضايا ذات الابعاد السياسية؟
– بعيد خالص عن المواطنين، مردود ده سلبي جداً على الاستثمار الخارجي، ويزيد من تراجع مصر في مؤشرات الاستثمار اللي كلها من عناصرها استقلال القضاء، ويزيد من تمسك كتير من المستثمرين انهم لا يتحاكموا أمام القضاء المصري ولكن للتحكيم الدولي.
***
إيه ردود الأفعال القضائية؟
قبل إقرار القانون كل الجهات القضائية رفضت رسميا.ً
– حسب المادة 185 من الدستور ان الهيئات القضائية “يؤخذ رأيها فى مشروعات القوانين المنظمة لشئونها”. ، وكل الجهات القضائية أبلغت البرلمان رفضها القاطع قبل اقرار القانون.
– المجلس الأعلى للقضاء رفض في رسالة رسمية، وبرضه نادي القضاة رفض في أكثر من بيان.
– في فبراير الماضي لما تم ارسال مشروع القانون لمجلس الدولة تم رفضه، وفي الرد الرسمي قالوا انه يتعارض مع استقلال القضاء بالدستور، ومع قانون مجلس الدولة ولائحته التنفيذية.
– مجلس النواب اعتبر ان رأي كل الجهات القضائية “استشاري لا أكثر”!
بعد موافقة البرلمان أول أمس:
– نادي قضاة مجلس الدولة أعلن الاجراءات التالية:
مقاطعة الاشراف على الانتخابات.
انهاء انتدابات مستشاري المجلس بالبرلمان.
تسجيل الاعتراض على القانون في محاضر جلسات المحاكم.
الوقوف دقيقة حداد على إهدار استقلال القضاء.
الدعوة لجمعية عمومية طارئة لقضاة المجلس، وكل الخيارات مفتوحة “مروراً بتدويل القضية، وانتهاءاً بتعليق العمل في المحاكم”
– نادي القضاة ومحكمة النقض بدورهما أصدروا بيانات رفض، ودعوا لجمعيتين عموميتين يومي 2 و 5 مايو.
وواضح ان السرعة الرهيبة في إصدار الرئيس للقانون لقطع أي خط رجعة أو تفاهم أو تفاوض أو مجرد سماع صوت القضاة!
ونفتكر كمان إن نادي القضاة طلب رسمياً مقابلة الرئيس السيسي فلم يتلقى أي رد.
******
– كل ده حصل بعد ساعات من كلام الرئيس في مؤتمر الشباب انه يحذر من “تغول سلطة على أخرى” .. كلام جميل، بس التنفيذ إيه؟ الواقع هو تغول محصلش في التاريخ.
– كل ده حصل بعد ساعات من كلام الرئيس إنه يرحب بالمعارضة .. كلام جميل، لكن معارضة ايه اللي بترحب بيها إذا كنت مش قادر تسمع القضاة اللي هما ولا معارضة ولا حاجة؟
– وكل الشعارات الجميلة اللي قالها طول المؤتمر عن احترام مؤسسات الدولة، واحنا بلد دستور وقانون، كلها اتدهست مليون مرة سابقاً بحكم الواقع، ودلوقتي ده بيتكرر بشكل غير مسبوق.
– اللي بيعارضوا الجنون اللي بيحصل ده هما اللي فعلاً قلبهم على (مؤسسات الدولة)، وزي ما مذبحة قضاء عبدالناصر عدا الزمن وخلصت، لكنها اتسجلت في التاريخ عار على عهده، هيفضل اللي بيحصل ده عار على كل من أيده، وشرف لكل من قاومه ولو بكلمة..
******
– الصورة للمستشار يحيي الدكروري، نائب رئيس مجلس الدولة، صاحب حكم تيران وصنافير.