– خلال اليومين اللي فاتوا، الاثنين والثلاثاء، حصلت مظاهرات بعدة محافظات، وبعضها قطع الطرق أو السكة الحديد، لإن الناس دي راحت المخابز ملقتش عيش، والبعض أطلق عليها #انتفاضة_التموين
– قبل ما نتكلم عن تفاصيل القصة مهم نشير إلى أن أول تصريح للوزير علي مصيلحي كان استفزازي جداً، قال لجريدة المال “ما حدش هيلوى دراعنا، لن يتم الضغط على الحكومة” وأكد تمسكه بقراره، لكنه في نفس اليوم مساءاً في مؤتمره الصحفي تراجع تماماً.
الوزير قال إنه ألغى القرار وأمر بعودة الكارت الذهبي – سبب المشكلة – بحدوده القصوى في محافظتين هما الجيزة والإسكندرية، وإنه كمان أصدر كروت ذهبية جديدة بمناطق من كفر الشيخ والفرافرة.
الوزير اعتذر بوضوح عن قراره الخاطيء، قال “نحترم المواطنين، وأنا باعتذرلهم إنهم ملقوش العيش .. الاعتراف بالحق فضيلة كان لابد من إعادة صياغة القرار الذي تم أخذه”
– رغم إن الوزير والنهج الحكومي كله سبب الأزمة، ورغم انه أول تصريح كان متكبر وضد الناس، لكن اللي حصل بعدها ايجابي إن الدولة تتراجع أمام ضغط الشعب لأن ده دورها وواجبها، وطبيعي ان المواطن بيحاسب المسؤول عن النتيجة البحتة .. ده الطبيعي مش العناد بطريقة “محدش يلوي دراعنا”.
*****
إيه اللي حصل بالظبط؟
– مفروض ان كل مواطن يكون معاه بطاقة ذكية بيصرف عليها 5 أرغفة خبز لكل فرد في اليوم، وبالبطاقة دي تم تقليل نسبة كبيرة من الفساد لأنه معادش الدعم بيروح في صورة دقيق مُدعم للمخبز، لكن بقى الدقيق بسعر السوق، وبعدين الدعم نقدي غير مباشر عبر بطاقة كل مواطن. (والمنظومة دي فيها كمان جانب ايجابي نادر عندنا، إنها محصلة تراكم مستمر من أيام ماكانت فكرة مطروحة بحكومة نظيف بعهد مبارك)
– لكن فيه عدد ضخم من المواطنين لسه مصدرتش الكروت الذكية ليهم، ومعاهم بطاقات التموين الورقية القديمة، تحديداً عددهم ٢٩٠ ألف مواطن حالياً حسب كلام الوزير. تاني: الوزير قال ان دول ٢٩٠ ألف مواطن.
– ده غير غير أعداد ضخمة أخرى من اللي مقدمين بدل فاقد وتالف وبياخدوا بطاقة ورقية مؤقتة مكانها برضه، مثلاً الوزير قال إن محافظة الجيزة لوحدها فيها ٦٥ ألف حالة .. وغير اللي تم حذفهم بالخطأ من البطاقات (في يناير الماضي المتحدث الرسمي باسم الوزارة قال انه تم حذف آلاف المواطنين نتيجة خطأ ألكتروني! وقال انه تمت اعادتهم، لكن بعض النواب وقتها نقلوا شكوى مواطنيهم ان اساميهم مرجعتش).
– لكل المواطنين دول الوزير الأسبق خالد حنفي كان عمل حاجة اسمها “الكارت الذهبي”، وده بيستلمه صاحب المخبز عشان يبيع بشكل مباشر للمواطنين عدد من الأرغفة حسب كثافة المنطقة، بمتوسط ٣٠٠٠ رغيف، وبعض الكروت تصل إلى ٦٠٠٠ رغيف في اليوم .. الوزير قرر فجأة يخفض كل الكروت إلى ٥٠٠ رغيف فقط .. النتيجة طبعاً إن مئات الآلاف دول ملقوش عيش، أو لقوا المخابز بتقلل العدد للفرد إلى ٣ أرغفة، فخرجوا غاضبين.
*****
إيه تفسير الوزير لقراره؟
– الوزير قال في المؤتمر الصحفي إنه اللي حصل إيجابي عشان خلاه يعرف الأماكن اللي فيها المشكلة، وقال “الحمدلله انه ده حصل، أنا بقالي اسبوعين في الوزارة مكانتش دي من الاولوية، دلوقتي هذه الامور بقت أولوية قصوى!”
– الوزير قال إنه قراره يشمل الجمهورية كلها، وبالتالي المحافظات اللي حصلت فيها المظاهرات – هوا بيسميها المشاكل – هيا الأماكن المتضررة، وانها حصلت في ٧ محافظات فقط: الاسكندرية، الجيزة، كفر الشيخ، أسيوط، المنيا، الفيوم، الوادي الجديد.
– قال إن المحافظات اللي فيها المشكلة الأكبر كانت المحافظات اللي فيها بطاقات ورقية وبدل فاقد بأعداد أكبر، زي الجيزة اللي فيها ٦٣ ألف بطاقة ورقية و ٦٥ ألف بدل فاقد.
– قال إنه الاجراء الفوري هو عودة الحد الأقصى بمحافظتيَ الجيزة والاسكندرية، واصدار بطاقات ذهبية جديدة بمناطق النقص في كفر الشيخ والفرافرة.
– قال إنه وجد ان المنيا فيها ٥٤ ألف بطاقة صدرت عند المديريات وسيتم توزيعها فوراً، وبالمثل الفيوم فيها ١٠ آلاف بطاقة تسلمتها المديريات النهاردة عشان يستلمها المواطنين بكرة.
– قال إنه أمر ان كل المديريات على مستوى الجمهورية تنهي اجراءات اصدار الكروت الذكية مش بطلبات المواطنين ولكن بناء على قاعدة بيانات البطاقات الورقية اللي عندهم بالفعل، وكده هيخصلوا خلال أسبوع فقط، وبعدها خلال ١٠ أيام ستصدر الكروت ليتم توزيعها على المواطنين، وبالتالي آخر مارس يكون انتهى تماماً وجود البطاقات الورقية، وبالتالي انتهت الحاجة للكروت الذهبية ويتقفل باب الفساد ده بدون إضرار بالمواطنين.
– كلام جميل جداً، ومحترم جداً .. مشكلته: ليه محصلش من الأول؟!!
– يعني من الأول انتا عارف ان عندك مئات آلاف المواطنين بلا كروت ذكية، يبقى على أي أساس أخدت القرار؟ بتجرب تجوعهم يعني وتشوف هيحصل ايه؟
– ومن الأول مكنتش محتاج تحدد الأماكن بالتجربة دي، لأنك أصلاً عندك بيانات دقيقة جداً كل محافظة فيها كام بطاقة ورقية او بدل فاقد، وبتوزيع المناطق، وعارف كل منطقة بيغطيها مخبز ايه، وعارف ان عنده كارت ذهبي انت اللي حددت نطاقه بناء على عدد تغطيته وبيتسجل في المخبز كمان مين صرف ايه .. ليه من الأول لم تتم مقارنة بيانات المستخدمين ببيانات المخابز ببساطة؟ وبالطريقة دي برضه هتعرف المخابز المتلاعبة والمفتشين المقصرين.
– ولو من الأول تقدر تنهي اصدار كل الكروت الذكية بالجمهورية خلال أقل من شهر، معملتش كده ليه وسايب الناس اللي اتكلموا كلهم مقدمين من شهور طويلة ومنهم الي مقدم من أكتر من سنة؟!
*****
– نتمنى اللي حصل يفوق ناس كتير سارعت بالتطوع بالنفاق أو التبرير، اللي يقولك دي اشاعة ومفيش قرار أصلاً والعيش موجود وكله تمام، واللي يقولك ده “جشع التجار” .. أهو الوزير نفسه قال أنا غلطت واعتذر، هتطلعوا تعتذرو؟
– نتمنى اللي حصل يفوق كمان ناس فعلا منفصلة عن الواقع وكانو مستغربين ليه المتظاهرين متضايقين، ما يصبروا، ما العيش رخيص، ومنهم اللي كتب ياريت يتلغي الدعم أصلاً! .. ناس مش فاهمة يعني ايه ملايين هائلة من شعبها، بنسبة ٢٧% تحت خط الفقر، ودي نسبة قبل التعويم يا عالم هما كام دلوقتي .. ناس مش فاهمة يعني ايه بشر بياكلوا عيش حاف حرفيا .. دول جاهلين ببلدهم وكمان جاهلين بالعالم لأنهم ميعرفوش أشكال الدعم الاجتماعي اللي بيتقدم في أعتى دول العالم المتقدم الرأسمالي.
– بدون نزول الناس مكانتش الدولة هتهتم كده، مكانش الوزير هيتراجع عن قراره وكمان يعتذر، ولا كان هيصدر باقي القرارات العاجلة، ولا كان مثلاً مدير أمن الاسكندرية قال انه تم توزيع حصة عساكر الأمن المركزي من الخبز عليهم .. البعض بتجيلهم حساسية رهيبة من أي تحرك في الشارع بحجة انه ده بيخرب البلد، مع ان التخريب الحقيقي هو الأسباب اللي بتخلي الناس تحتج.
– الناس اللي نزلت المظاهرات تلقائياً ولا فارق معاها شرطة ولا قانون تظاهر، ولا احتاجت دعوة من جهة معارضة، هما أصدق تعبير عن المواطنين اللي بيتحركوا لمصالحهم المباشرة جداً، اللي عارفين الحد الأدنى من حقوقهم اللي هيا مش فضل من أي مسؤول ولا من جيب أي مسئول. واجب على كل من في السلطة أو المعارضة انه يحط أولويات الناس أولوية فوق راسه، ولازم ربط مطالبهم بأي حِراك، ولازم التفكير فيهم قبل أي قول أو فعل سياسي.