– في 23 إبريل البرلمان أقر تعديلات على قانون الزراعة، شملت تقليص المساحة المزروعة من المحاصيل الأكثر استهلاكاً للمياه وهي الأرز و قصب السكر ، وطبعا الأرز هو الأهم بسبب حقيقة إنه محصول الحبوب الوحيد اللي مصر تحقق فائض فيه، ولأنه المساحة الأضخم (مساحة الموز 84 ألف فدان، والقصب 230 ألف)
– وزير الري قرر خفض مساحة زراعة الأزر إلي النصف تقريبا ، فبعد أن كانت تُقدر ب 1.8 مليون فدان (منهم حوالي 600 ألف خارج المساحة اللي الدولة حددتها العام الماضي 1.2 مليون) هتكون المساحة السنادي حوالي 730 الف فدان فقط .
– منذ أعوام طويلة، وبخاصة منذ بدء مشاريع الاستصلاح في توشكى الحكومة كانت بتصدر قرارات سنوية بتحديد مساحات زراعة الأرز والقصب، لكن مكانش فيه جدية في المتابعة ولا كان بيتقدم بديل للفلاحين، فمكانوش بيلتزموا لأهمية المحصولين لهم وللمواطنين.
لكن الجديد المرادي انه القانون أقر امكانية عقوبة الحبس لأول مرة على الفلاحين!
– الحكومة بتقول ان ده طبيعي لتوفير المياه وملوش علاقة بسد النهضة، لكن واقعياً الربط منطقي بين تسارع الخطوات وبين انهيار مفاوضات السد ورفض أثيوبيا مطلبنا برفع مدة ملء الخزان إلى 7 سنوات مش 3.
هنحاول في البوست دا نناقش المشكلة دي في سياق المشكلة الزراعية في مصر واللي مش معزولة عن مشكلة الفقر المائي اللي بتعاني منه مصر حاليا.
*****

إيه مشكلة الحكومة مع الأرز ؟ إيه مشكلتنا مع المياه أصلا؟

– بعيد عن قصة سد النهضة خالص الأرقام بتقول أن مصر من حوالي 20 سنة دخلت مرحلة الفقر المائي، بمعنى اننا تحت خط الفقر المائي اللى بيقدر عالميا بألف متر مكعب للفرد، مصر نصيب الفرد فيها حالياً حوالي من 550 متر مكعب سنويا وهندخل حد الندرة المائية لما ننزل عن 500 متر.
– لما تم توقيع اتفاقية مصر والسودان لمياه النيل سنة 1959 كان عددنا حوالي 25 مليون، وقتها كان نصيب الفرد أكتر من 2000 متر مكعب، النهاردة احنا 100 مليون بنفس حصة ماء النيل مفيش نقطة زيادة. احنا في مشكلة حقيقة تواجه كل مصري.
– الرزاعة هي الغالبية العظمى من استهلاكنا من المياه، في 2016 الزراعة استخدمت 62.1 مليار متر مكعب، يعني نسبة 81.5% من إجمالي المياه في مصر اللى بتوصل ل79 مليار متر مكعب (بإضافة مياه الأمطار والتحلية والجوفية واعادة استخدام الصرف).
– ببساطة الأرز محصول بيستهلك مياه كتير جداً، الفدان الواحد منه بيستهلك بالري بالغمر ما يقرب من 7000 متر مكعب من المياه، باجمالي مساحة الارز بالجمهورية تستهلك حوالي 5 مليار متر مكعب من المياه، يعني حوالي 11 % من حصة مصر من مياه النيل (55 مليار متر مكعب)، وحوالي 6 % من حصة مصر الاجمالية.
*****

طيب ما كده الحكومة عندها حق والقرار اللي طلع ده مظبوط وزي الفل؟
لا مش بالساهل كده!، الموضوع فيه أبعاد تانية:
– أولاً عامل رئيسي جداً إن الأرز هوا المحصول اللي بيحمي التربة من الملوحة، وده مهم جداً في محافظات الدلتا القريبة من البحر، أو محافظة الفيوم اللي تحت مستوى البحر .. لو الأراضي دي متزرعتش أرز هتتسرب لها ملوحة البحر وتبور ومش هتتزرع أصلاً أي حاجة لا أرز ولا غيره، وده خطر رهيب على الأمن الغذائي المصري.
– وده ياخدنا لنقطة إن القرارات اتاخدت فجأة بدون أي نقاش مع أصحاب الشأن اللي هما الفلاحين .. التعديلات صدر قبل 10 أيام فقط من بدء الزراعة حسب شكوى نقيب الفلاحين عماد أبوحسين! والقرارات لم تحدد آلية الحظر وتفاصيله، متروكة لتقدير الوزير.
– لو اهتمينا بالنقاش المجتمعي مع الفلاحين كان ممكن نسمع منهم تصور للحلول التفصيلية المحلية، مثلاً نقيب فلاحي كفرالشيخ علي رجب نصال قال انه كان ممكن يتفقوا على مساحات تتزرع موسم أرز وموسم محصول تاني بالتبادل بين أراضي المحافظة فواقعياً يبقى اتخفضت المساحة للنصف وحمينا الأرض من الملوحة.
– في الصورة الكبيرة للسياسة الزراعية قدامك حاجة من اتنين، اما الدولة رافعة ايدها خالص وسايبة الفلاحين للسوق زي ما بيحصل فترة طويلة للأسف، فكل واحد يزرع اللي يريحه ويتصرف في تسويقه بمعرفته .. وإما انت متدخل بحزمة سياسات مركزية كاملة، يبقى لما تقول الرز ميتزرعش تقول بنفس الوقت ايه البديل اللي يتزرع مكانه، ويكون البديل ده ده مجزي مالياً زي الأرز وهتوفر بذوره وتسويقه .. مهو مينفعش سياسة مركزية لمنع الزراعة ثم تسيب كل واحد يتصرف بمعرفته!
– مرتبط بنفس النقطة فكرة عقوبات الحبس على الفلاحين .. إذا كان التوجه الحكومي العام ضد حبس رجال الأعمال اللي ثبت بالفعل فسادهم، وبتعمل مصالحات زي حسين سالم وغيره، ودي بلد حرية استثمار وو، يبقى من باب أولى هتحبس واحد جريمته انه زرع أرضه؟! مينفعش تكون السياسة منحازة ضد الطرف الأضعف فقط.
*****

طيب هل المساحة اللى قررتها الحكومة هتكون كافية للاستهلاك المحلي ولا الحكومة هتتجه للاستيراد ؟

– دا سؤال صعب الاجابة عليه خاصة أنه في تقارير كتير بتتكلم عن انه تقديرات الحكومة لمتوسط استهلاك الفرد من الأرز سنويا والمقدرة ب 36 كيلو جرام سنويا غير دقيقة وأنه الرقم أكبر من كدا، بالإضافة إلى أن الحكومة في آخر سنوات كانت بتقول ان المساحة المطلوب زراعتها هيا 1.1-1.2 مليون فدان.
– مصر في العشر سنوات اللى قبل 2015 قبل قرار حظر التصدير للأرز على خلفية ارتفاع سعرة كانت بتصدر تقريبا حوالي مليون طن كل سنة، بعائد يبلغ من 1.8 ل 3 مليار دولار سنوياً. وسبق انه وزارة التموين استوردت في 2017 كميات كبيرة من الرز الهندي وخسرت خساير ضخمة بسبب ضعف إقبال المواطنين على شرائه، وبالتالي من الوارد تكرار تجربة الاستيراد من دولة أخرى لكن مفيش أي أخبار معلنة لغاية دلوقتي.
*****

إيه الاثار السلبية للقرار؟
– على المدى القصير القرار ضار جدا للفلاحين، وهيتسبب فى ركود الاقتصاد الزراعي للمحافظات اللي بتعتمد على زراعة الأرز، ولحد ما الدولة تقدم للفلاحين بديل زراعي مناسب، خاصة إن القطن مثلاً اللى بيدي معدل ربحية أقرب للأرز رغم أنه أقل بيعاني من مشاكل كتير في التسويق والانتاج أسبابها حكومية غير انه محصول كثيف الاستهلاك للمياة برضه، بالتالي فى الغالب معظم تلك المساحات هيتم زراعتها بالخضروات واللى هيا مش محاصيل استراتيجية زي القمح والأرز والقطن وهو ما يهدد السيادة الغذائية (اكتفاء الدولة الذاتي من المحاصيل الاستراتيجية)
– زي ما شرحنا مهم جداً النظر للآثار البيئية، تقليص الرز يعني يقلل مستوي المياة الجوفية العذبة في الدلتا واللى هيسمح بتسرب مياة البحر للتربة وتبويرها.
– أيضا القرار بالتأكيد هيكون ليه أثر علي سعر الأرز لأنه معظم التجار هيتجهوا للمضاربة فى الأرز بما أنه الانتاج هيبقي أقل السنة اللي جاية، وبالفعل سعر طن الرز ارتفع 200 جنيه لرز الشعير و 500 للرز الأبيض، وده أثره يضر كل المصريين.
*****

إيه اللي وصلنا للمرحلة دي؟
– نقطة البدء هنا انه مش الفلاح مزارع الأرز هوا المجرم، بل تراكم سياسات حكومية عبر عقود، وبالتالي مش عدل يتحمل وحده العبء.
– بالتأكيد مش فقط فشل مفاوضات سد النهضة بس هو اللى وصلنا هنا، وإن كان دا مينفيش أنه القرار بالتأكيد مرتبط بيه رغم النفي الرسمي، لكن في أقرب وقت كنا هنعاني نفس المشكلة مع تزايد عدد السكان زي ما شرحنا.
– ومن هنا يجي سؤال تاني عن السياسات الزراعية في مصر في اخر 20 سنة خاصة تقييم مشاريع إستصلاح الأراضي أو اللى بيسمي (الزراعة الاستثمارية)، هل فعلا النوع ده من الزراعة في مشاريع كبيرة زي توشكي والعوينات وحتى الأقدم منها كانت مجدية؟ هل عائدها المالي يوازي استهلاكها المائي والمالي؟

علما بأن معظم تلك المساحات كانت زراعة بغرض التصدير ونسبة المحاصيل الاستراتيجية كانت قليلة جدا، في الوقت اللى الزراعة التقليدية فيها فى الوادي والدلتا بتعاني من ضعف الاستثمارات وخاصة فيما يتعلق بالأبحاث العلمية لتطوير البذور وإنتاج سلالات أكثر جودة وأقل إستهلاكا للمياه .
– مشروع توشكي على سبيل المثال في بدايته كان بغرض استصلاح نصف مليون فدان وعلي عكس ما أعلنتة الحكومة أنها هتستخدم المياة الجوفية فى الري والاستصلاح إلا أنها ضخت أكثر من 5 مليارات متر مكعب فى سنة واحدة فى بداية المشروع من بحيرة ناصر!
– مشاكل تانية متعلقة بإهمال الدولة للفلاح، وكل سنة بنسمع عن مشاكل فى أسعار توريد المحاصيل وعن مضاربات التجار فى محاصيل استراتيجة والحكومة بتضطر فى النهاية تستورد احتياجاتها التموينية من برا بسبب ذلك .
*****

هل حظر المحاصيل دي هو الحل الوحيد لحل أزمة ندرة المياة اللى بتعانيها مصر ؟
– بالتأكيد لا، وإن كانت ممكن تكون خطوة على المدى القريب مضطرين ناخدها فعلاً، لكن بشرط مراعاة الأبعاد سابقة الذكر لتحديد المساحات اللي هيتحظر فيها وبديلها.
على المدى الأطول فيه بدائل مختلفة:
– تطوير تقنيات الري في الزراعة التقليدية، سواء بتغطية الترع وتبطينها لأن فاقد المياه من البخر والتسرب يصل إلى 25%، أو بتقليل الاعتماد علي الري بالغمر والاتجاه لطرق الري بالرش (يوفر 35% من كمية المياه) والتنقيط (يوفر 45%) .. التطوير الزراعي الشامل ده مكلف فعلاً لكن ده في المقابل مشروع قومي ذو أولوية حقيقة يستحق يتصرف فيه مليارات ذات مردود لمستقبل مصر كلها .. ويمكن بذات الاطار إدخال القطاع الخاص فى تنفيذ مشاريع لقري نموذجية زي دي فى الوادي والدلتا.

– د سعيد سليمان أستاذ الزراعة بجامعة الزقازيق وعضو لجنة الخبراء بالحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، قدم واحد من أهم الحلول البديلة عن طريق سلالات معينة من الرز بتوفر مياه الري وتقدم محصول أفضل ويمكن كمان زراعة بعضها في الأراضي الرملية، والتجربة نجحت عملياً في شمال سيناء وغيرها وقدمت انتاج ومحصول ممتاز، لكن تم تهميش هذه التجربة وعدم الاهتمام بيها وفي تفاصيل أكثر اتكتبت في بوست سابق هننشر لينكه.
– عندنا تجربة هامة حصلت في قرية بيهامو بمحافظة الفيوم، سنة 2004 اتعملت تجربة لزراعة الرز في 6 شهور وفرت فيها 60% من المياه وزادت إنتاجية الفدان بنسبة 5% بمشاركة بين الفلاحة المصرية نوال خميس صاحبة الأرض والحاصلة على جائزة الانتاج الزراعي بالمحافظة، وبين معهد البحوث المائية بالقناطر الخيرية، والطريقة ده تم تسميتها بطريقة الشرائح أو المصاطب، ونشرتها بين فلاحين قريتها اللي اتأكدوا من نجاح التجربة واستمروا سنتين في زراعة الارز بالطريقة ده، مع محاولة لنشر الفكرة في محافظات أخرى وتم دعوة وزير الري ومحافظ الفيوم وقتها (كان مهندس زراعي) لمتابعة التجربة، وبدل من تبني التجربة وتطويرها واعتمادها كاستراتيجية تم تجاهلها ومؤخراً صدر قرار بمنع زراعة الارز في محافظة الفيوم.

– ترشيد استهلاك المياة النقية اللى بتوصل نسبة الفاقد فيها في شبكات مياة الشرب لحوالي 31 % حسب الجهاز المركزي للتعبئة والاحصاء، يعني حوالي 3 مليار متر مكعب مياة سنوياً، ودا كلة نتيجة تهالك شبكات التوزيع والتسرب من المواسير، وده هيوفر من حصتنا وكمان هيحمي من الأمراض الناتجة عن التلوث فى المياة.
– ضمن ترشيد الاستهلاك مهم تشديد ضوابط السماح بالاستهلاك الترفيهي زي البحيرات الصناعية وملاعب الجولف وحمامات السباحة الخاصة، وتوضيح واقع ده للمواطنين. وزير الري قال قدام البرلمان “ملاعب الجولف مش هنسيبها”، وقال ان أغلب الملاعب تُروى بمياه صرف معالجة على حساب المستثمرين اللي أٌقاموها، وان الدولة بتحاسب الاستخدامات الترفيهية بعداد تجاري .. صحيح ان نسبة الاستهلاك ده محدودة جداً بالنسبة للأزمة ومش مؤثرة في الصورة الكبيرة، لكن الفكرة في ان الناس تشعر بالعدالة وتساوي توزيع الأعباء.
– مهم جنب خفض الاستهلاك وجود استراتيجية لزيادة مواردنا من المياة، زي تحلية مياه البحر حالياً أقل من 1% من مياهنا بتيجي عبر تحلية مياه البحر، باجمالي حوالي ربع مليون متر مكعب باليوم، ومُتوقع كمان سنة نوصل إلى 700 ألف متر مكعب باليوم بدخول محطات العلمين وشرق التفريعة والجلالة ودي خطوات ايجابية وان كانت مصر تأخرت جداً بالمجال ده.
– نقيب فلاحي كفر الشيخ طالب بانشاء محطات معالجة مياه الصرف الزراعي لأنهم بيستخدموها بالفعل، والوزير قال اننا بنعيد استخدام 20 مليار متر مكعب منها. المعالجة مهمة لأنها بتوفر كم ضخم من المياه، وفي نفس الوقت تحمي من الوضع الحالي للمياه غير المعالجة اللي بتأثر على ملوحة الأرض وانتاجية المحاصيل وكمان لحماية صحة الانسان.
– على المدى الطويل لو أمكن تحقيق استقرار في جنوب السودان ممكن نرجع لاحياء مشروع قناة جونجلي المتعثر من عشرات السنين.
*****

بشكل عام كلنا، كل المصريين من كل الاتجاهات، محتاجين ندي الموضوع ده الأولوية اللي يستحقها، ونتشارك جميعاً فيه لأنه يمس كل واحد فينا .. والدولة من باب أولى لو فعلا جادة في حل الأزمة محتاجة تتواصل مع المواطنين أصحاب الشأن ويحسوا انهم شركاء في الهم وفي التعاون للبحث عن حلول وكفاية بقى أسلوب القرارات الفوقية المفاجئة اللي كل مرة يثبت انها مش بتقدم الحل الأمثل.
*****




مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *