الشهر اللي فات العالم شاف مشهد بيحصل في أثيوبيا للمرة الأولى في تاريخها.
– البرلمان الأثيوبي انتخب مافريات كامل لرئاسته، واحدة ست ومسلمة ومحجبة، وده كمان بعد شهر واحد من انتخاب رئيس وزراء جديد لأثيوبيا هو آبي أحمد علي، وهو برضه لأول مرة مسلم ومن عرقية الأورومو .. ده حصل رغم ان الأرقام الحكومية بتقول إن المسلمين 34% فقط من السكان مقابل 62% مسيحيين! (حسب آخر تعداد رسمي تم في 2007 بعدها تم منع إصدار التعدادات على أساس ديني أو عرقي)
– المشهد فيه كمان جانب غريب علينا، إن رئيس الوزراء السابق هايل ديسالين تقدم باستقالته، بعد حركة احتجاجية شملت مظاهرات وعصيان مدني استمرت على مدار4 سنوات.
ايه أهمية ده؟ وازاي حصل؟ وليه التغيير السياسي كان حتمى رغم ان البلد مزدهرة اقتصاديا وبتشهد نمو حقيقي؟ ده اللي هنناقشه النهاردة.
*****

قبل ما نتكلم عن اللي حصل في إثيوبيا خلينا نوضح الأول وضع البلد اقتصادياً:
ـ اثيوبيا واحدة من أعلى خمس دول من حيث سرعة معدلات النمو في العالم، وآخر عشر سنين متوسط النمو وصل 10%.
– متوسط دخل الفرد الأثيوبي تضاعف 3 مرات خلال 8 سنين، من 171 دولار في 2005، إلى 550 في 2013.
– الاستثمارات العامة كانت تُعادل ثلث الناتج المحلي الإجمالي في عام 2013، مقابل 22 % باقي البلاد الأفريقية ذات الدخل المنخفض.
– من 2010 إلى 2013 الإنفاق على القطاعات الموجهة للنمو لصالح الفقرا زي التعليم، والزراعة والأمن الغذائي، والمياه والصرف الصحي، والصحة، والطرق وصل إلى 12.7 مليار دولار. وفي 2013 بس كانت نسبة الإنفاق على القطاعات دي أكثر من 70% من الإنفاق الحكومي العام، حسب تقرير بنك التنمية الأفريقي.
– نسبة الناس اللي تحت خط الفقر انخفضت من 44 % سنة 2000، إلى 30 % سنة 2011.
*****

لما اقتصادهم أرقامه زي الفل كده ليه خرجت مظاهرات؟ وليه الراجل اللي بينجز ده استقال؟
– المشكلة العامة هي سوء توزيع الثروة والسلطة، وعدم المساواه بين المواطنين أصحاب الأصول العرقية المختلفة .. عرقيات كبيرة زي الأمهرة (29% من السكان) والأورومو (36%) كانوا مستائين من انفراد عرقية التيجري بالسلطة منذ 1991 – وقت انتهاء الحكم العسكري الشيوعي – رغم أن تعداد التيجري 11 % فقط.
– اللي فجر الأزمة الأخيرة هوا إنه في 2014 الحكومة أعلنت عن خطة “التنمية المدمجة للعاصمة أديس أبابا والمناطق المحيطة”، بموجبها كان هيتم ضم حوالي70 -100 كليومتر بما يشمل مدن تجارية وصناعية إلى العاصمة، ودي ضمنها مناطق من اقليم أروميا موطن عرقية الأرومو.
– ضمن الخطة كان هيتم مصادرة أراضي زراعية للأورومو بموجب مادة في دستور أثيوبيا تسمح بمصادرة الدولة للأراضي الزراعية.
*****

إزاي اتعامل رئيس الوزراء ديسيلن مع المظاهرات؟
– أول خطوة في الوصفة هيا الهرب من الحقيقة واعتبار كل حاجة مؤامرة من الأعداء، عشان كده اتهموا أريتريا العدو التاريخي، ومصر بسبب أزمتنا معاهم حول سد النهضة! المتحدث الرسمي للحكومة الأثيوبية قال في أكتوبر 2016 إن الحكومة ” لديها أدلة واضحة تثبت تقديم مصر كافة أشكال الدعم المالي والتدريب للعناصر الإرهابية لنسف استقرار البلاد”! طبعاً الخارجية المصرية نفت وقتها.
– تم القبض على آلاف المواطنين وسجنهم، واعتقال فنانين وكتاب وصحفيين.
– الجيش الأثيوبي – اللي قيادته من الأقلية التيغراوية – اتدخل لقمع المظاهرات بالقوة، والنتيجة وصلت ل 940 قتيل على الأقل حسب بيانات لجنة حقوق الانسان الأثيوبية.
– تم فرض حالة الطوارئ في اكتوبر 2016.
– رغم كل ده المظاهرات استمرت، وكمان وسعوا أنشطتهم لأنواع عصيان مدني زي تعطيل وسائل النقل والطرق والمرور في العاصمة أديس أبابا، وأحيانا احتجاجاتهم عطلت مرور شحنات الوقود المنقولة من ميناء جيبوتي للعاصمة.
*****

الحل السياسي

– بالتوازي مع المظاهرات كان فيه مسار سياسي بيعمله المحتجين .. النظام السياسي الأثيوبي ممكن نقول انه ديمقراطية غير كاملة، يعني الانتخابات مش بتتزور، لكن واقعياً فيه تحالف حاكم واحد من 4 أحزاب يملك كل مقاعد البرلمان ويستغل المؤسسات لإقصاء منافسيه، وده لأسباب تاريخية تخص انتهاء الحرب الأهلية وتحول الحركات المسلحة لأحزاب.
– جزء من التحالف الحاكم حزب اسمه “منظمة شعب أرومو الديمقراطية”، مفروض انه يمثل الأرومو لكنه واقعياً كان بيشتغل لمصالح قياداته ومهادن مع النظام الحاكم، بينما تم استبعاد الحركة اللي ليها شعبية “جبهة تحرير أرومو” واتهامها بالإرهاب.
– الأرومو عملو شيء غير معهود، قررو بدل ما يكتفوا بشتيمة وعداء الحزب المشارك بالحكم، انهم يدخلوه بكثافة عشان يغيرو مساره، وفعلاً وصلت عضويته 4 مليون عضو!
وبسبب كده تم انتخاب قيادات جديدة لمناصب متوسطة، وهما دول لما جه وقت المظاهرات أعلنوا انحيازهم للناس وبقوا أقوى من القيادات اللي فوقهم، ومنهم كان آبي أحمد اللي تم انتخابه أخيراً كرئيس وزراء جديد.
– لما العديد من السياسيين داخل التحالف بدأوا يستقيلوا ويعلنوا مواقفهم ويتجمعوا، تسببوا بضغط داخلي كبير على ديسيلين اللي بقى خايف من تفكك التحالف اللي بيحكم من 27 سنة.
– ده حصل بينما كان حراك الشارع بيقوده نشطاء وطلاب وسياسيين سابقين وفنانين وأساتذة جامعات، والمظاهرات شملت كمان مناطق أمهارا مش أرومو بس.
– في شهر يناير الماضي أفرجت الحكومة عن 6000 سجين من المعارضة، ورئيس الوزراء دسيلين أعلن التخلي عن ملاحقة أي ناس تانية بهدف تحسين التوافق الوطني.
– المظاهرات هديت لصالح التفاوض السياسي، لكن تعثر المفاوضات والتأخر في الافراج عن باقي المعتقلين، كان سبب في تجدد المظاهرات، وحصل إضراب عام.
– أخيراً بعد كل الضغوط الشعبية والسياسية دي قدم رئيس الوزراء استقالته، وقال إنه بيتنحى عشان يكون جزء من الحل وانه مطالب الجماهير لازم يتم الاستجابة ليها بما تتطلبه المرحلة الحالية.
– التحالف الحاكم “مجلس الجبهة الديمقراطية الثورية لشعوب أثيوبيا” عمل خطوات إصلاحية كبيرة بمنح الأرومو وفئات غير ممثلة سابقاً مناصب عليا، ومنها أهم منصب هوا رئاسة الإئتلاف وبالتالي رئاسة الوزراء، رغم ان ده متمش بالإجماع لكن تم الاحتكام للتصويت الداخلي وفاز بالأغلبية.
*****

– من المهم نشوف أد إيه كان مفيد إن التحالف الحاكم في أثيوبيا في النهاية لما أخيراً فهم انه مستحيل يكمل كده اتعامل بمسؤولية، واتنازل لخطوات إصلاح من الداخل، وده مش بس لصالح البلد كلها المظاهرات هديت ومسار النمو الاقتصادي هيكمل، لكن كمان لصالح التحالف الحاكم نفسه اللي استمر في الحكم.
كان ممكن التحالف يتمسك بديسيلين لآخر لحظة، ويقولو ده منتخب وشرعي واللي قصادنا إرهاب وفوضى ..الخ.
– في المقابل مهم كمان نشوف ازاي المعارضة الأثيوبية استخدمت الوسائل المناسبة ليها، وازاي تم التنسيق بين العمل السياسي والاحتجاجي، وازاي تم القبول بحل وسط إصلاحي زي تولي رئيس وزراء أرومو فعلاً لكنه كان قيادي بالتحالف الحاكم نفسه مش من براه .. طبعاً الظروف مختلفة جداً عن مصر محدش بيقول تتكرر نفس التجربة، وكل دولة ليها أوضاعها وتفاصيلها الخاصة المختلفة.. المبدأ في التفكير في الأفضل لكل حالة.

– مهم كمان نلاحظ إنه حتى لو الدولة فيها فعلا أرقام نمو اقتصادي ايجابية جداً، والجهات الدولية بتقول فيها شعر زي أثيوبيا، لكن مفيش تحسن حقيقي في حياة كل فئات المواطنين، هيفضل شعور الإحباط والغضب، وهتحصل اضطرابات اجتماعية وسياسية مهما طال الوقت .. الاستقرار مش بس الاستقرار الأمني، الاستقرار الحقيقي هو ان الناس تحس بالمساواه أمام القانون، وبالرضا والعدالة في تقاسم الأعباء والمكاسب.

– تمييز فئات معينة في المجتمع على أي أساس سواء ديني أو عرقي أو طبقي أو مؤسسي على حساب الباقي، مع الوقت هيؤدي لتراكمات غاضبة تجاه الفئات دي والتاريخ مليان بالنماذج .. مش معقول أبداً انه وقت جني الأرباح تروح لفئة محددة قوية مسيطرة، ووقت توزيع الأعباء ودفع الثمن يتحملها الفئات الأضعف والأفقر والأبعد عن السلطة.
ده اللي بيفرق بين المجتمعات المستقرة واللي بيحصل فيها تقدم، وبين المجتمعات اللي مؤهلة في أي لحظة مكاشفة للانفجار السريع من الغضب المتراكم.
*****

– الصورة لرئيسة البرلمان الأثيوبي الجديدة




مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *