– العالم كله متابع قصة الصحفي السعودي جمال خاشقجي اللي دخل القنصلية السعودية في اسطنبول ومخرجش منها، بعد قتله على يد فريق مخابراتي سعودي، وإلى الآن محدش لقى جثته.
– اللي حصل مع جمال خاشقجي جريمة غدر بشعة، ومليانة تفاصيل كتير هنقدم هنا ملخص مختصر، ولأننا “الموقف المصري” فاحنا مهتمين بتحليل الموضوع من زاويتنا احنا كمصر.
***
مين هو جمال خاشقجي؟
– جمال صحفي سعودي كبير، درس الصحافة في جامعة انديانا الأمريكية، وبدءاً من 1987 كان صحفي ومراسل بجهات مختلفة.
– اشتغل سابقاً مستشار إعلامي للأمير سعود الفيصل السفير السعودي السابق بواشنطن.
– خاشقجي مكانش معارض سياسي، وهوا اللي رفض الوصف ده في آخر حوار ليه مع بي بي سي، وبالتأكيد كان له آراء مثيرة للجدل، مثلا بالنسبالنا نتحفظ على إنه كان شايف تيران وصنافير سعودية، لكن بالمقابل لازم هوا يتبصله من زاويته كسعودي كان طول مساره بيرسم خط مختلف عن المعتاد في المملكة، وده كان سبب إقالته من رئاسة تحرير الوطن السعودية مرتين في 2004 وفي 2010، ودي كانت بعد نشر مقال بجريدته يهاجم السلفيين، وبالتزامن مع قرب ادانته بسبب نشره ملف في الجريدة تحت عنوان “أنا سعودي أنا مختلف” فاتقدم ضده بلاغ من هيئة الادعاء والتحقيق ضده يتهمه ب”تهديد الوحدة الوطنية”.
– كمان في 2015 البحرين أوقفت بث قناة العرب المملوكة للوليد بن طلال، واللي كان خاشقجي مديرها، لأن أول ضيف ظهر عليها كان معارض بحريني انتقد اسقاط الجنسية عن المعارضين، وده بعد ساعات فقط من بدء البث!
– مع بداية صعود ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بدأت آراء جمال خاشقجي تكون مرفوضة بشكل أكبر، رغم انه في البداية أيد بعض الاصلاح الجزئية لبن سلمان في ملف المرأة وتقليص صلاحيات هيئة الأمر بالمعروف، وأيد مبدأ التدخل في اليمن لمواجهة إيران، لكنه بعدها كان معارض لاستمرار حرب اليمن واسلوب ادارتها، لاحقاً تم منع جمال خاشقجي من الكتابة بعد انتقاده تأييد ترامب، وبعديه تم إيقاف مقالاته في جريدة “الحياة” بعد انتقاده لحبس أمراء ورجال أعمال سعوديين في الواقعة المشهورة في فندق “ريتز”.
– في سبتمبر 2017 ومع بداية الأزمة الخليجية سافر جمال خاشقجي لأمريكا كــ “منفى اختياري”، وبدأ هناك يكتب في جريدة “واشنطن بوست”، في الوقت اللي اتمنعت أسرته من السفر ليه في أمريكا.
– مؤخراً كان متواجد في تركيا وخطب سيدة تركية “خديجة جينكيز” ولما دخل القنصلية في المعاد اللي حددوه ليه لاستلام أوراق محتاجها لجوازه، تم الغدر بيه، وحسب التسريبات التركية للصحف العالمية تم قتله وتقطيع جثته بمنشار عظم وخروج الأشلاء في حقائب لسه بيدورو عليها!
***
إيه الموقف السعودي؟
– لمدة 18 يوم كانت كل الجهات السعودية بتنفي تماماً، محمد بن سلمان قال لبلومبرج إنه خرج من القنصلية بعد 10 دقائق أو ساعة! قناة العربية أذاعت إن فريق الاغتيال كان مجرد سائحين تواجدوا بالصدفة!
– في 20 أكتوبر بعد الضغط الدولي الكبير السعودية تراجعت رسمياً، وقالوا انه فعلاً قتلوه، وده كان فريق أمني مبعوت للتفاوض معاه، لكن قتلوه بالغلط بعد ما حصل “شجار” أدى ل “اشتباك بالأيدي”، وانهم سلموا الجثة لـ “متعاون محلي”. تم الاعلان عن إقالات كبيرة شملت أحمد العيسري نائب رئيس المخابرات السعودية، وسعود القحطاني المستشار بالديوان الملكي.
– أخيرا امبارح السعودية غيرت روايتها للمرة التالتة والنائب العام السعودي قال إن الفريق كان لديه “نية مسبقة” لقتل خاشقجي!
– وطبعاً العالم كله بيشكك في الكلام ده، بسبب تناقضه، وبسبب عدم اجابته على أسئلة زي فين الجثة؟ وازاي نصدق إن ده حصل بدون علم ولي العهد محمد بن سلمان خاصة إن دول أقرب رجاله؟
****
ليه العالم فارق معاه أوي جمال خاشقجي ده ما كل يوم فيه ناس مظلومة بتموت؟
– سبب رئيسي هوا ان مكان الحدث قنصلية، ودي نقطة حساسة جداً عالمياً لان دول كتير بينها عداء أو خلافات بتتبادل وجود البعثات الدبلوماسية، وكمان قواعدها مرتبطة باتفاقيات زي اتفاقية فيينا لحصانة المقرات الدبلوماسية، اللي دلوقتي أردوغان بقى بيطالب بمراجعتها.
– سبب تاني هوا خصوصية الحادثة اللي عملت اهتمام شعبي عالمي، القصة اللي اتنشرت عن شخص مشهور يدخل قنصلية فيتقطع بمنشار العظم حاجة غير مألوفة ومستحيل تتنسي بعد شوية، وبقى ملايين البشر حول العالم بيتابعوها.
– كمان الضغط الكبير اللي عملته الصحافة الغربية، وتحول الموضوع لمادة منافسة سياسية بين ترامب وخصومه في انتخابات الكونجرس المرتقبة.
****
ازاي الصحافة العالمية والمصرية اتعاملت مع القصة؟
– من بداية واقعة الاختفاء يوم 2 أكتوبر بدأت صحيفة الواشنطن بوست حملة كبيرة لكشف مصريه، واحنا هنا بنتكلم عن أحد أهم وأقوى صحف العالم، اللي معروفة إنها أسقطت الرئيس الأمريكي السابق نيكسون في فضيحة “ووتر جيت” بقضية تجسسه على خصومه، وكمان فضحت انتهاكات الجيش الأمريكي في سجون العراق، والضغط على الجيش الأمريكي لإنهاء حرب فيتنام.
– دخلت على الخط كل المؤسسات الكبرى بالعالم في أمريكا وبريطانيا وأوروبا، كلها بقت تطارد المسؤولية بسؤال واحد “فين جمال خاشقجي؟”، لدرجة ده شمل جهات إعلام مؤيدة لترامب زي فوكس نيوز، وبعض أقرب حلفاؤه الجمهوريين بالكونجرس أعلنوا رفضهم، وعشان كده خطة ترامب للتسوية المالية تراجعت، وهوا نفسه وصل إنه قال ربما ان تورط بن سلمان وارد.
– في المقابل الصحافة والقنوات المصرية الرئيسية كان أفضل الممكن منها تجاهل كامل للحدث، أو تغطية محدودة، لكن مفيش جهة صحفية واحدة تضامنت أو طالبت بكشف حقيقة اللي حصل للزميل، أو ناقشت الموقف الرسمي المصري.
– بنقول ده كان الأفضل لأن الأسوأ كان حملات نفاق كبيرة، نفي كامل، ونظرية المؤامرة.
– مثلاً أحمد موسى خصص حلقتين في برنامجه للكلام عن المؤامرة القطرية والتركية ضد السعودية، وتحدى انه يكون جمال خاشقجي اتقتل من الأصل!
– مصطفى بكري قال قضية خاشقجي مش هدفها الحقيقة، ولكن لتدمير المملكة والسيطرة على نفطها، ودندراوي الهواري مدير تحرير اليوم السابع كتب مقال بعنوان: “هل تخلص قطر والإخوان من جمال خاشقجي بعد ندمه وإعلان نيته العودة للسعودية؟”، أما عمرو أديب امتدح بيان الخارجية المصرية المساند للسعودية.
– أغرب موقف كان رئيس جامعة القاهرة محمد عثمان الخشت اللي أصدر بيان أعلن دعمه الكامل للمملكة، ومش مفهوم صفته هنا إيه عشان يعلن بيان سياسي سيء زي ده!
– والحقيقة منقدرش نفصل بعض السلوكيات دي عن التسريبات اللي كانت ظهرت من فترة من السفارة السعودية بالقاهرة وكان فيها تفاصيل عن الهدايا والمدفوعات لصحفيين وغيرهم.
****
إيه الموقف المصري الرسمي؟
– البيان الأول من الخارجية في 14 أكتوبر أكد على “خطورة استباق التحقيقات وتوجيه الاتهامات جزافا”، وقال إن مصر”تؤكد مساندتها للمملكة في جهودها ومواقفها للتعامل مع هذا الحدث.”
– البيان التاني بعد أول اعتراف سعودي كرر الكلام العام عن دعم السعودية، وإن مصر “تُثمن نتائج التحقيقات الأولية”، وإن مصر تثق في أن “الإجراءات القضائية التي تقوم بها الحكومة السعودية ستحسم بالأدلة القاطعة حقائق ما جرى، وتقطع الطريق على اَي محاولة لتسييس القضية بغرض استهداف المملكة”
****
ليه قضيته تهمنا وممكن تأثر علينا؟
– من الناحية الرسمية النظام المصري الحالي بنى سياسته الخارجية على أساس تحالف مع ترامب في أمريكا، ومع بن زايد في الإمارات، وبن سلمان في السعودية، وده انعكس على قضايا كتير اقليمية زي الموقف من قطر وتركيا والقضية الفلسطينية، أو قضايا داخلية زي الاقتصاد أو التعامل مع ملف الربيع العربي .. اهتزاز الحلف ده سواء بتغير ولاية العهد من بن سلمان، أو بتحول بن سلمان لمصالحة قطر وتركيا زي ما شفنا لاول مرة امتداحه قطر خلال المؤتمر الاقتصادي، أو بخسارة حزب ترامب، ممكن يأثر على الموقف الرسمي من القضايا دي، وبالتالي يأثر علينا كلنا.
– غير الجانب الانساني والحقوقي في جريمة قتل إنسان صحفي مسالم بالوحشية ده كلها، لكن حتى من ناحية المصلحة المباشرة، مش من المصلحة ان مصر الرسمية تربط نفسها بشكل كامل بشخص زي بن سلمان بقى مثار غضب عالمي وضغوط كبيرة .. عشان كده من مصلحة مصر تتعاون مع التحقيق، ومحتاجين نشوف توضيح لمسألة ان واحدة من الطائرتين اللي كان فيهم فريق القتلة نزلت في القاهرة قبل ما تروح الرياض، محتاجين إجابة: هل نزل أي أشخاص أو حقائب من الطيارة ولا كانت ترانزيت للوقود فقط؟ هل اجرى أحد الركاب أي اتصالات ممكن تسليم “الميتا داتا” الخاصة بيها؟
– وبالتأكيد مهم لمصريين، أيا كان موقفهم من شخص خاشقجي، يركزوا على القضية، لانه جنب جوانبها الانسانية، مهم أي سلطة في العالم العربي تخاف من مصير مشابه لو تعرضت بأذى لمواطنيها في المقرات الدبلوماسية.
– كل العزاء لأسرة ومحبي جمال خاشقجي، ونتمنى انه المجرمين “كلهم” ياخدوا العقاب المناسب بغض النظر عن أي ألاعيب سياسية قد تحصل من أي طرف حوالين الملف ده، ونتمنى مصر الرسمية لا توفر غطاء سياسي، ومصر الشعبية متنساش أهمية كلمة الحق وتمنها.
****