– البوست ده هيكون ضمن سلسلة بوستات عن البحث العلمي بنتناول فيها القضية دي من زوايا مختلفة في أكتر من بلد، وهنبدأ النهردة بمصر.

– بنهاية 2018 طلعت مؤشرات عالمية مهمة بتقول إنه مصر فيها زيادة في إنتاج البحث العلمي بيتزايد، وكمان إنه مصر في السنة الأخيرة هي وباكستان حققو أعلى ارتفاع في إنتاج الأبحاث على مستوى العالم!
في مارس اللي فات وزير التعليم العالي قال في ملتقى الشباب العربي والأفريقي إن مصر في المرتبة ال٣٥ من حيث نشر الأبحاث العلمية.
بالتأكيد تطورات ايجابية نفرح بيها، لكن محتاجين نفكر بواقعية إيه معنى الاحصاءات دي؟ وهل فعلا حققنا قفزة علمية كبيرة؟ ده اللي هنشوفه في البوست ده.

*****
هل الأرقام دي حقيقية؟ إيه مصدرها؟

– الإحصائية الأولى ودي جاية من موقع شركة خدمات النشر Clarivate Analytics. والشركة دي بتدير قواعد بيانات المجلات العلمية، ورصد معدلات تأثير وانتشار المجلات دي، وهي شركة كندية وبتمتلك حصة من شركة رويترز، ومقرها في أمريكا وعندها 100 مكتب على مستوى العالم، وبالتالي تصنيفها وبياناتها ليها مصداقية كبيرة فعلا.
– الإحصائية بتقول إن فيه 22 ألف و 18 بحث مصري تم نشرهم دوليا في دوريات علمية خلال 2018، وبالتالي حققت زيادة قدرها 15.9 % في معدلات الأبحاث المنشورة في مجلات علمية، وإنه مصر هي في الترتيب التاني لأكتر دول زاد إنتاجها العلمي السنة دي بعد باكستان اللي زاد إنتاجها العلمي بنسبة 21%.

– الإحصائية التانية وهي من موقع سكيماجو SJR وهو من أهم المواقع المعنية بقياس البحث العلمي وتصنيف المجلات العلمية، وبيقيس ده من خلال مسح كامل ومتابعة لأكثر من 233 دولة في العالم.

– بحسب مؤشر سكيماجو فمصر طلعت في المركز ال 35 على مستوى العالم من حيث نشر الأبحاث العلمية.

– على مستوى منطقة الشرق الأوسط فمصر بتحتل المركز الخامس ورا كل من تركيا، إيران، السعودية، إسرائيل.

– هل كده خلاص المفروض نفرح ونحتفل وإننا على الطريق الصحيح للبحث العلمي المتقدم زي ما الاعلام والمركز الاعلامي لمجلس الوزراء قالو .. الحقيقة إن الكلام ده رغم ايجابيته، وسعادتنا بيه، بعيد عن الواقع زي ما هنوضح دلوقتي.

*******
إيه أسباب التحسن في المؤشرات اللي فاتت؟

1- الشروط الجديدة اللي وضعها المجلس الأعلى للجامعات لترقية الباحثين لدرجة الماجستير أو الدكتوراة بنشر أبحاث معتمدة في مجلات دولية.
2- وجود مؤسسات أكاديمية ذات إنتاج بحثي عالي زي مدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا اللي بمفردها أنتجت 512 بحث علمي منشور في مجلات دولية، وأكتر من 12 براءة اختراع، ومتقدمة على باقي الجامعات المصرية من حيث معدل الاستشهادات بالأبحاث العلمية أو العدد المنشور في الهندسة والعلوم.
3- زيادة المنح والتمويلات الأجنبية والتعاون الدولي للبحث العلمي.
4- زيادة الطلاب والباحثين المصريين الراغبين في استكمال التعليم والمنح الدراسية في الخارج.

– لو بصينا على الأسباب اللي فاتت فهنلاقي إنه 3 منهم ملهمش علاقة بسياسات السلطة أو الحكومة ولا تخطيطها ولا برامجها ورغبتها الحقيقية في تطوير البحث العلمي، باستثناء الخطوة الجيدة اللي عملها المجلس الأعلى للجامعات.
– في العاصمة الادارية الجديدة ومدينة العلمين السلطة بتستخدم في الدعاية ليهم إنه هيتم استقطاب جامعات أجنبية كبيرة ومتخصصة عشان تساهم في رفع كفاءة التعليم والبحث العلمي في مصر، وده شيء جيد لكن الحقيقة دي لوحدها خطوات متعملش تقدم حقيقي.

– مصر لحد دلوقتي معدل الإنفاق فيها على البحث العلمي من الموازنة العامة للدولة متواضع جداً وبيوصل ل 0.61% بس من الناتج الإجمالي المحلي، يعني حتى موصلش لنسبة ال 1 % اللي حطها الدستور كحد أدنى لتحسين الإنفاق على التعليم والبحث العلمي والصحة.بينما دول مثلاً زي إسرائيل بتصرف على البحث العلمي 4.25% من لناتجها القومي.

– في الموازنة الحالية مصر بتصرف 19 مليار جنيه بس على ميزانية البحث العلمي، ومفيش أدلة واضحة على الانخفاض الشديد للرقم ده أكتر من مقارنته بان الموازنة العامة 1600 مليار جنيه، منهم 375 مليار لسداد القروض!

– بشكل عام في نقص بنية تحتية من المعامل والمختبرات العملية، وجامعة القاهرة على سبيل المثال اللي هي الجامعة الأكبر والأقدم بتعاني من النقص ده بشكل كبير وباعترافات رسمية من المسؤولين عن شؤون البحث العلمي في مصر.

– عندنا مشكلة رئيسية تانية هي هي مناخ الحرية الأكاديمية نفسه، واللي للأسف الوضع الحالي سيء جداً على مستوى تدخل الأجهزة الأمنية في الأنشطة العلمية للجامعات، وتقييد المؤتمرات العلمية أو برامج التبادل الأكاديمي، ومفيش دكتور يقدر يسافر مؤتمر، أو يستضيف ضيف أجبني، بدون موافقة أمنية ممكن تاخد أسابيع وشهور، زي ما اتكلمنا في بوست سابق قبل كده.

– المؤشر الأهم بقا هو إيه إسهام الأبحاث العلمية الكتيرة دي في المجتمع والاقتصاد؟
بنشوف مليارات الدولارات بتحقق مكاسب من تطوير علمي واحد أخد مكانه في الصناعة والتسويق في دول أخرى، وده مش بيحصل عندنا، ده اللي بيبين من ناحية إهتمام الحكومات فعلاً بالأبحاث دي، ومن ناحية تانية بيقيس جودة نوعية الأبحاث دي وهل فعلاً بتقدم جديد ولا لأ؟

– مؤشر تاني يخص جودة الأبحاث هوا احصاءات الاستشهاد بيها في الكتابات الاكاديمية، وهنا لقينا الاستشهادات بالابحاث المصرية كانت فقط 260 مرة، بينما المركز الأول وهي أمريكا وصل العدد السنة اللي فاتت بس ل 2222 مرة، إسرائيل اللي في المركز ال 33 عالميا وصل الاستشهادات بأبحاثها ل 665، تركيا اللي في المركز 19 عالمياً تم الاستشهاد بأبحاثها في أكتر من 402.
*****

– مصر فيها عقول مميزة وتقدر توصل لابتكارات مهمة لو اتوفرت لها الظروف المناسبة، واتكلمنا على نماذج منها قبل كدا زي الدكتور هشام سلام الأستاذ المساعد بكلية العلوم جامعة المنصورة اللي اكتشف بمساعدة 4 معيدات، حفريات ديناصور جديد عمره 65 مليون سنة وكان أول ديناصور في مصر وأفريقيا يتم توثيق وجوده في الفترة دي.

– واتكلمنا كمان عن الطالبة ياسمين مصطفى، اللي ناسا أعلنت تسمية كوكب باسمها، بعد ما فازت بمسابقة في معرض “إنتل آيسف” للعلوم والهندسة في مايو ٢٠١٥. مشروع ياسمين كان بينقي المياه الملوثة عن طريق حرق قش الأرز في نظام آمن وغير مضر للبيئة.

– ومن شهرين، الباحث في علوم الفضاء عصام حجي، وباحث مصري آخر اسمه أبو طالب زكي أبو طالب، نشروا دراسة بتقدم أدلة على وجود مياه جوفية عميقة على كوكب المريخ.
– اتكلمنا كمان قبل كده عن دكتور سعيد سليمان وتطويره لسلالات الأرز عشان يتم زراعته بتكلفة مياه أقل وإنتاجية أفضل، والدراسة دي اتطبقت في تجارب جوة وبرة مصر لكن متمش تبنيها على مستوى الحكومة لحد دلوقتي.

– صحيح المناخ التعليمي في مصر سواء في التعليم الأساسي أو الجامعي مش جيد، لكن مصر فيها كتير من الشباب والباحثين المجتهدين ومميزين فعلاً، كل اللي بينقصهم توفير الإمكانيات المادية والمعنوية ليهم ولمجهودهم البحثي، والاستفادة الحقيقية من جهودهم وإمكاناتهم العلمية، مستحيل بلد يحصل فيها تطور أو تقدم بدون ميكون التطور ده مرتبط بالتعليم، كل مؤشرات البحث العلمي أو قوة التعليم أو مستوى الجامعات هنلاقيها في الدول المتقدمة اقتصادياً وعسكرياً وعلمياً وسياسياً، هي كلها حزمة مرتبطة ببعض، الاهتمام بالتعليم والبحث العلمي هم اللي بينقذو الأوطان “الضايعة”.
**********




مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *