– من حوالي أسبوعين أعلن وزير قطاع الأعمال العام هشام توفيق عن خطة للسيطرة على قطاع الألبان في مصر بالتعاون مع الصندوق السيادي، وقال تصريح عجيب جدا وهو إن 80% من الألبان في السوق “مصدرها أفراد يمتلكون ما بين بقرة إلى خمس بقرات ” وإن ” السوق مفتت ويحتاج لمشروع عملاق لتفادي أي أزمة قد تحدث إذا ما قرر الأفراد التخلي عن تربية أبقارهم.”.
– التصريح الغريب خلانا ندور ورا قطاع الألبان في مصر، ونحاول نفهم ليه الوزير بيقول كده؟ وهل ممكن ينجح؟ وايه وضع قطاعات الألبان في دول تانية زي الهند اللي هي أكبر منتج ومستهلك للألبان في العالم؟ وايه البديل؟
******

ايه هيا الخطة الجديدة؟
– خطة وزارة قطاع الأعمال بتتضمن الدخول في شراكة مع الصندوق السيادي، في تمويل مشروع عملاق لتربية الأبقار المنتجة للألبان على مساحة 28 ألف فدان في توشكي.
– من المفترض أنه وزارة قطاع الأعمال هتوفر الأرض، والصندوق السيادي هيوفر التمويل اللازم للمشروع، بعدها تمتلك الحكومة حصة في الشركة مع الصندوق السيادي ومستثمرين آخرين.
– طبعا مين المستثمرين الأخرين دول منعرفش لأنه خطة الوزارة لسه لم يتم الإعلان عنها، لكن في عدد كبير من المؤشرات اللي بتقول انه المستثمرين الإماراتيين عندهم اهتمام بشيء زي دا.
– أول المؤشرات أنه الصندوق السيادي المصري وقع عقد شراكة مع صندوق أبوظبي السيادي بإستثمارات تقدر ب 20 مليار دولار، والمؤشر التاني والأهم أنه الإمارات ليها استثمارات كبيرة في توشكي عن طريق شركة الظاهرة الإماراتية اللي بتملك أكثر من 100 الف فدان في توشكي كلها تقريبا بتستخدم في زراعة الأعلاف للأبقار المنتجة للألبان.
– بالتالي أفضل للمستثمرين الإمارتيين والسعوديين أنهم يدخلوا في شراكة مع الحكومة في مشروعات تربية الأبقار دي ويستغنوا عن تكلفة شحن الأعلاف للمزارع اللي في الخليج، ويبقى الإنتاج هنا، لكن كل ده غير مؤكد لأنه الخطة لسه مفيش أي تفاصيل عنها.
– طبعا لأن الوزير مش عايز يقول احنا كل اللي بنفكر فيه الربح والمستثمرين الأجانب، فقال الكلام غير المنطقي ده زي ان منتجي الألبان في مصر ممكن فجأة يقرروا يتخلوا عن أبقارهم! أو إنه يستخدم كلمة “احتكار” عن شغل ملايين من صغار المزارعين، بينما الشركة العملاقة اللي هتتعمل دي مش احتكار!
*****

هل إحنا محتاجين فعلا مواجهة تفتت سوق الألبان في مصر؟
– في أي حتة في العالم في قوانين لمكافحة الاحتكار، والوضع المثالي لأي سوق هو أنه يبقي المنتجين فيه عددهم كبير لأنه ده بيضمن المنافسة في جودة المنتجات وخفض الأسعار.
– سوق الألبان في مصر كبير من حيث الحجم، تقريبا مصر بتنتج 5.6 مليون طن سنويا من الألبان، حجم التصدير في القطاع قليل لأنه يدوبك الإنتاج ده بيكفي الاستهلاك المحلي على الرغم من أنه المواطن المصري بيستهلك في المتوسط السنوي أقل من المتوسط العالمي، 13.5 لتر سنويا للمواطن المصري و 33.5 لتر سنويا هو المتوسط العالمي، ده نتيجة عادات غذائية عند المصريين وهي أنهم بياكلوا منتجات الألبان لكن شرب اللبن نفسه مش منتشر بكثافة بين المصريين.
– سوق بالحجم الكبير ده بيخلي في فرص استثمارية كبيرة فيه، لكن قبل ما نفكر في الفرص الاستثمارية لازم نفكر في هيكل السوق القائم بالفعل.
– مصدر 80 % من الألبان في مصر هو المزارعين الصغار، والمزارعين الصغار بيعتمدوا على بيع الألبان دي كمصدر مهم للدخل، مصر زيها زي بقية الدول النامية سوق الألبان فيها لازم يكون مفتت لأنه حجم العاملين بالزراعة فيها كبير. دول زي الهند وباكستان وغيرها في أسيا عندها نفس الوضع.
– بالتالي بيع اللبن بيكون ليه أثر كبير الحد من معدلات الفقر الريفي في مصر اللي نسبة مرتفعة بشكل كبير جدا عن الفقر في المدن، نسب الفقر في ريف الصعيد حوالي 52 % بينما المتوسط العام لمصر 32.5 %… الفلاحين بالبلدي بيعتمدوا على اللبن في توفير نفقات المعيشة اليومية.
– بعيدا عن الفلاحين فحجم الصناعة نفسها في مصر يعني معامل معالجة الألبان وإنتاج الزبادي، والجبنة البيضاء والجبنة الرومي وغيرها من منتجات الألبان تقريبا بتستحوذ على 55% من صناعة الألبان في مصر، ودا معامل ومصانع صغيرة بتشغل ملايين العمال برضه.
– كل دول العالم بتدعم “المشروعات الصغيرة والمتوسطة” لأنها أهم مصدر للقضاء على البطالة، بالتأكيد شيء سلبي جدا ان ملايين المصريين يبقو مهددين بخسارة شغلهم في مشروع صغير جدا ممكن راس ماله بقرة واحدة لأن حكومتهم بتنافسهم!
*****

إيه الوضع في الدول التانية؟
– عندنا قصة شهيرة في الهند، في 2011 حاولت شركة دانون وهي واحدة من أكبر 3 شركات في العالم لمنتجات الألبان، إختراق سوق الألبان في الهند، سوق فيه 1.3 مليون مستهلك وثقافة تغذية نباتية بتعتمد على منتجات الألبان بشكل كبير، الهند بتنتج 186 مليون طن لبن سنويا وبتستحوذ على 22 % من الإنتاج العالمي.
– بعد 7 سنين في 2018، قفلت دانون مصانعها في الهند وخرجت من السوق، ليه؟ عشان السوق بيسيطر عليه صغار المزارعين وكمان معدلات استهلاك الألبان على المستوى الأسري كبيرة كبيرة في الهند زيها زي مصر.
– تقريبا نص الألبان المنتجة في الهند وفي مصر بيتم استهلاكها أو معالجتها للاستهلاك يعني يتتعمل جبنة أو زبدة على مستوى الأسرة صاحبة الأبقار، 48 % من الإنتاج بيتم استهلاكه أسريا، و45 % في مصر.
– ده شيء إيجابي وبتعوض نقص القدرة على شراء أغذية أخري فيها نفس العناصر الغذائية للفقراء والفلاحين في الريف.
– الهند برضه فيها سيطرة لصغار المزارعين على إمدادات الألبان ودي شيء إيجابي والحكومة هناك بتدعمه بأكثر من طريقة عن طريق القروض الموجهة للنساء لتربية الأبقار والجاموس، والدعم المباشر من الحكومة بالترويج لنظام غذائي بيعتمد على الألبان.
– في أمريكا واحدة من دول العالم اللي عندها اكتفاء ذاتي من منتجات الألبان الحكومة بتقدم دعم مباشر وغير مباشر برضه لصغار المنتجين، حتي أنه في فترات كانت الحكومة الأمريكية بتشتري فائض الإنتاج من الألبان للمدارس، وبتفرض على المدارس أنها تدخل الألبان جوة الوجبات المدرسية.
– السعودية والإمارات لأن عندهم قدرات مالية ضخمة وكبيرة فبيعتمدو على نظام إسمه “مزارع كاليفورنيا” وده فكرته الأساسية في إستيراد كامل لأنواع معينة من الأعلاف والأبقار بتطلع إنتاجية أكبر من الألبان، ده غير إنه السعودية والإمارات نقلو المزارع دي لاستثمارات رخيصة خارجياً زي المشاريع في السودان وأثيوبيا ومصر بنسب متفاوتة من الفدادين والأراضي، عشان توفر مواردها المالية في مقابل بيئة أفضل للإنتاج وتكلفة مش عالية لأن الاستثمارات دي لوقت طويل بتبقى معفية من الضرايب والجمارك، وبالتالي مبنستفيدش غير بمقابل قليل قوي من فرص العمل والعائد الاستثماري.
– نوصل من ده كله بنتيجة أنه العادي والايجابي أنه يكون سوق الألبان مفتت لمنتجين صغار، وأنه ده شيء الحكومات بتشجعه.
*****

ايه البديل ؟
– السؤال الحقيقي هوا إزاي نحل مشاكل قطاع الألبان والثروة الحيوانية نفسه، واللي أهمها غياب الرقابة الحكومية على الإنتاج والبسترة في المعامل الصغيرة اللي منها أغلب الإنتاج.
– حل مشاكل الإنتاجية بأننا نستثمر في استيراد أنواع أبقار وجاموس منتجة أكثر للألبان من برة، ونستثمر في البحث العلمي لتطوير أعلاف منتجة أكبر للألبان، وتوفير أعلاف بسعر مناسب لأن دي أزمة رئيسية.
– دعم الانتاج برضه ممكن عن طريق زيادة القروض الصغيرة الموجهة لشراء الأبقار والجاموس بالتالي تقل نسب الفقر الريفي مع الوقت، دعم صغار المزارعين لإنتاج الألبان هي استراتيجية عالمية متبنياها الفاو وبتتطبق في أكثر من دولة في العالم.
– عندنا كمان مشاكل تسويق كبيرة في السوق، اللبن بيتاخد بأسعار قليلة جدا من الفلاحين عشان يروح المعامل أو الشركات الكبيرة، عندنا مشاكل في الظروف الصحية لنقل وتخزين الألبان بتخلي في فاقد كبير في العملية، عندنا مشاكل في متوسط إنتاج الأبقار والجاموس للبن اللي قليل في مصر مقارنة بالعالم، غير مشاكل تانية متعلقة بالتطعيمات وبعض أنماط التغذية اللي بتخلي ألبان كتيرة مش مناسبة لعملية تصنيع مشتقات الألبان التانية.
– حل مشاكل التسويق عن طريق أفكار زي التعاونيات التسويقية للألبان وهي فكرة قديمة وموجودة في دول كثيرة في العالم وهي تجميع لمنتجي الألبان الصغار في تعاونيات، في دول زي النرويج السويد أمريكا والهند وغيرهم كثير هنلاقي أنه التعاونيات بتوفر نسبة كبيرة جدا من احتياجات الألبان في البلاد دي.
– حل مشاكل الصحة عن طريق زيادة الرقابة، نشر التوعية، والاستثمار عن طريق القروض في تطوير معامل صناعة الألبان الصغيرة اللي بتشغل ناس وتعتبر صناعات صغيرة ومتوسطة.
– حل مشاكل النقل والتخزين عن طريق تقديم القروض للناس دي أنها تجيب عربيات حديثة للنقل وتوفير ظروف سليمة لنقل الألبان.
– كل ده بيتطلب من الحكومة أنها تبطل تفكر بعقلية المستثمر الأجنبي، لأنها حكومتنا إحنا ومسئولة عن إدارة شؤون مصر مش بتتشغل لمصلحة مجموعة صغيرة من رجال الأعمال والمستثمرين.
– كل السياسات العامة الزراعية أو في قطاع الألبان وفي كل قطاعات الاقتصاد لازم تتدار بهذا المبدأ، بمبدأ ديمقراطي يراعي أصحاب المصلحة ويحاول يعمل سياسات عامة في مصلحة الأغلبية، وكل داب يتطلب في الأساس ديمقراطية سياسية موجودة هي اللي هتخلي الوزير يحاسب على مشاريع زي دي لما تضر بملايين الفلاحين، وهلي اللي هتخلي منتجي الألبان الصغيرين عندهم جمعيات ونقابات تدافع عن حقوقهم وهي اللي هتخلي في النهاية الحكومة تشتغل لصالح الشعب مش العكس.
*****




مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *