– في أغسطس اللي فات، وأثناء افتتاح مصنع العريش للأسمنت، اتكلم الرئيس السيسي عن حجم الإنجاز في المشروع، اللي يعتبر أكبر مصنع أسمنت في الشرق الأوسط، وعن فرص العمل اللي بيوفرها. لكن الرئيس متكلمش عن تبعية المصنع للجيش، ولا تأثير المصنع سلبا على قطاع الأسمنت، القطاع اللي بيعاني أزمة بقاله أكثر من 6 شهور، لدرجة دفعت “أسمنت طرة” وهي أقدم شركة أسمنت في مصر، إنها توقف إنتاج الأسمنت مؤقتا لتفادي الخسائر.
– في المجمل مصر فيها 16 شركة أسمنت، معظمهم بيخسر الفترة اللي فاتت، باستثناء مصنع العريش للأسمنت، ومصنع المصريين للأسمنت التابع لأحمد أبو هشيمة. هنشوف في البوست: إيه أسباب الخسائر دي؟ وليه الجيش دخل قطاع الأسمنت بالأساس؟ وإزاي ممكن نتفادى أخطاء بالحجم ده؟
******
إيه اللي حصل في قطاع الأسمنت؟
– من 20 سنة تقريبا، بدأ قطاع الأسمنت في مصر ينمو بشكل كبير. كان قطاع ربحيته عالية، وبتدخل فيه استثمارات أجنبية كبيرة بسبب مخاطرة البيئية، اللي خلت كثير من الشركات الأوروبية تنقل شغلها لدول زي: تركيا ومصر والإمارات. زي ما عملت لافارج للأسمنت الفرنسية مثلا بشراءها مصنع الأسمنت الخاص بأوراسكوم في 2008.
– قطاع الأسمنت كان قادر يتكيف مع متغيرات كبيرة في السوق، زي زيادات أسعار الطاقة. وكانت معظم الشركات فيه بتحقق مبيعات كويسة، خاصة في ظل نمو الطلب المحلي على الأسمنت في الفترة من 2014 – 2018، بسبب المشاريع العقارية والطرق والكباري الكتير اللي بتنفذها الدولة أو القطاع الخاص أو الجيش.
– في 2018 كان حجم الطلب على الأسمنت في مصر يقدر بـ54 مليون طن سنويا تقريبا، في حين كان الإنتاج حوالي 70 مليون طن سنويا. يعني كان فيه فجوة بين العرض والطلب حوالي 16 مليون طن. ده بالطبع مقللش سعر الأسمنت كتير، بسبب زيادة تكاليف الإنتاج بعد تحرير أسعار الطاقة والتعويم.
– في أغسطس 2018 بدأ الجيش يدخل بقوة قطاع الأسمنت، عن طريق زيادة الطاقة الإنتاجية لمصنع العريش في سيناء لـ6.4 مليون طن، وافتتاح مجمع مصانع الأسمنت في بني سويف اللي بيحتوي 6 خطوط إنتاج، بإجمالي طاقة إنتاجية 13.3 مليون طن سنوياً. وأصبحت الطاقة الإنتاجية للقطاع 83 مليون طن تقريبا، وزادت الفجوة بين العرض والطلب لـ29 مليون طن.
– الحل في الفجوة دي كان إن يتم استثمارها لصالح التصدير. لكن رغم نمو الصادرات في قطاع الأسمنت بنسبة 6.6% السنة اللي فاتت، إلا أن التصدير مستوعبش الزيادة الكبيرة في الإنتاج.
– وكنتيجة لتراجع المبيعات والأرباح في قطاع الأسمنت، قررت شركة زي أسمنت طرة التوقف عن الإنتاج الشهر اللي فات. وشوفنا في أخر شهرين بس إزاي تراجعت مؤشرات شركات الأسمنت في البورصة بمتوسط 12%. ومن أبرز الشركات اللي بتتعرض للخسارة: أسمنت طرة وأسمنت السويس والشركة العربية للأسمنت.
– وبشكل عام تراجعت إجمالي مبيعات شركات الأسمنت خلال الربع الأول من 2019 بنسبة توصل لـ15%.
*****
إذا كان ده وضع الصناعة، ليه الجيش عمل مصانع جديدة للأسمنت؟
– ده سؤال ممكن نلاقي ليه بعض التفسيرات، لكن كلها تفسيرات بتفتح أسئلة حوالين طريقة إدارة الاقتصاد في البلد، أكثر ما بتجاوب عن الأسئلة. الجيش دلوقتي بيمتلك عبر جهاز مشروعات الخدمة الوطنية مصنعين للأسمنت، واحد في العريش ومجمع بني سويف، الطاقة الإنتاجية للمصنعين مع بعض من 18 لـ20 مليون طن سنويا.
– فهل السوق المصري يقدر يستحمل زيادة الإنتاج دي من غير تصدير؟ لا. هل فيه مستقبل لنمو الصادرات؟ على الأغلب لأ. لإن الدول الإقليمية المنافسة لينا في صناعة الأسمنت، زي الامارات وتركيا عندها فوائض كبيرة. ونقل الأسمنت، ومواصفات الجودة، والسعر، كل دي مواصفات بتميز الدولتين عننا. بالتالي مصر هيفضل السوق المحلي هو السوق الأساسي ليها في تصريف الأسمنت.
– كون الجيش، عن طريق جهاز مشروعات الخدمة الوطنية والهيئة الهندسية، شغالين في مشاريع عقارية ومشاريع مقاولات ضخمة من الباطن، فالجيش هيكون قادر إنه يصرف الـ18 مليون طن إنتاج مصانعه، بطبيعة إنه واحد من أكبر مشتري الأسمنت في السوق.
– ده بيخلي فيه ضغوط اقتصادية أكبر على الشركات المدنية سواء، القطاع العام منها أو الخاص. شوفنا مثلا موضوع تصفية القومية للأسمنت من قريب، ودلوقتي مصنع أسمنت بورتلاند طرة، واحدة من أكبر شركات القطاع متوقف بسبب الخسائر.
– اللواء مصطفى أمين مدير عام جهاز مشروعات الخدمة الوطنية، قال أثناء افتتاح مصنع بني سويف أن الجهاز بيشارك بنسبة في رأس مال شركة حديد المصريين، والمملوكة لرجل الأعمال أبو هشيمة، اللي اتكلمنا قبل كده عن كونه واجهة لاستثمارات جهاز المخابرات العامة في مجال الإعلام.
– أبوهشيمة عمل مجمع للصناعات الأسمنتية، منها مصنع للأسمنت في سوهاج، ووارد جداً يكون أغلب أسهم المصنع مملوكة للجيش أو جهاز المخابرات العامة اللي أبو هشيمة واجهة لبعض شركاتها، لكن مش هنقدر نجزم بهيكل الملكية في المصنع لعدم توافر شفافية كافية تحيط بالموضوع.
*******
إيه المشكلة إن الجيش يكسب طالما مملوك للدولة والمصريين هيستفيدوا؟
– لو الوضع استمر كده لفترة طويلة، بمنافسة غير عادلة مع الجيش، الشركات اللي بتخسر دي هتقفل، والعمالة اللي فيها هتتسرح بشكل تدريجي، إحنا بنتكلم هنا عن عمالة بالالآف، خصوصاً لو عرفنا إن كل العمالة في مصانع الجيش 1800عامل.
– والحقيقة في مشكلة كبيرة مع السؤال ده، لإن نشاط الجيش الاقتصادي صعب نعتبره جزء من اقتصاد الدولة، لأسباب كتير:
١- مفيش رقابة بتحصل على أنشطة ومبيعات الجيش.
٢- مبيدفعش ضرايب، وشركاته مش مطروحة في البورصة، ففيش تداول بأسهمها ولا معرفة رأس مالها.
٣- بيستورد احتياجاته بدون جمارك، بحسب قانون الإعفاءات الجمركية لسنة 1986.
٤- تكلفة الإنتاج والتشغيل أقل، بسبب استخدامه أحيانا مجندين للعمل في مصانعه ومشاريعه.
٥- مش معروف حجم أرباح مشاريع الجيش وبتروح فين، لكنها بالتأكيد لا تعود للموازنة العامة، والرئيس السيسي قال في مارس 2018 إن الجيش بيصرف على نفسه من مشاريعه، وبالتالي منقدرش نعتبرها أبداً زي شركات القطاع العام المملوكة للدولة.
– لو كان الغرض من دخول صناعة الأسمنت مثلاً، هو استفادة الدولة بأرباح الصناعة بشكل أكبر، يبقى مهم نفكر إن كان من الأولى وقتها إصلاح الشركات المملوكة للقطاع العام، اللي أرباحها هتدخل الموازنة العامة.
– شركات زي “القومية للأسمنت” اللي اتقفلت السنة اللي فاتت في نفس وقت افتتاح مجمع مصانع الجيش في بني سويف. اتكلمنا في بوست سابق عن تفاصيل اللي حصل في الشركة دي، لكن إجمالاً فهي كانت الشركة “الأخيرة” المملوكة للدولة في قطاع الأسمنت وكانت بتحقق أرباح لحد سنة 2013 وبسبب الفساد وسوء الإدارة خسائر الشركة زادت وتم قفلها وتسريح العمال فيها واتهام العمال بإنهم سبب الخسائر.
– لما الجيش يدخل بمنافسة غير عادلة في صناعات الأسمنت، واستيراد اللحوم، واستيراد أجهزة توريد قساطر القلب، واستيراد لبن الأطفال، وإنشاء شركة إتصالات، والدخول في صناعة الجرانيت، ده غير شركات الطرق ومحطات البنزين، وشركات المياه المعدنية، وتحويل الهيئة الهندسية لمقاول كبير، وتأسيس مدارس دولية، وبناء فنادق ونوادي، يبقى فين دور باقي الوزارات وقطاع الأعمال العام؟
– حتى لو تغاضينا عن الآثار الاقتصادية لده، هل طبيعي أو مفيد للبلد إن الجيش يستقطع جزء من هيئاته ومؤسساته وقوته، ويستخدمهم في كل الأنشطة السابق ذكرها، بدلا من التركيز على تطوير كفاءته العسكرية؟
– غياب الرقابة الكافية على أنشطة مدنية واسعة زي دي سهل يساهم في عمليات فساد واستغلال السلطة. وده بيضعف بنية مؤسسة الجيش وبيهدر فلوس وموارد.
– اللي يحسم ده هو آليات شفافية ومحاسبة شاملة على كل العاملين بالدولة وكل مؤسساتها، نقدر نحتكم ليها عشان نطمن على مصير فلوسنا وضرايبنا ومواردنا اللي هي حق لكل المصريين، مش لأصحاب المناصب الكبيرة والقوية في الأجهزة والمؤسسات العسكرية والأمنية.
– بالتأكيد اللي عاوزينه في النهاية إن الأنشطة الاقتصادية في مصر تزيد وإنتاجيتها تعلى، عشان إحنا كمواطنين نستفيد من ضرايب وموارد أكتر وتوفير فرص عمل. وعشان كده إحنا مهتمين بإن معايير الإدارة الجيدة للاقتصاد تتطبق، لإن ده اللي بيضمن تطور وتقدم أي بلد.
**********