– من أيام البرلمان النمساوي قرر سحب الثقة من رئيس الحكومة المستشار سيباستيان كورتس، بسبب فضيحة فساد تورط فيها نائبه ورئيس حزب الحرية اليميني هاينز شتراخه.
الفضيحة نتج عنها استقالة شتراخه، وبعدين وزير الداخلية، وبعدين كل الوزرا من حزبه يعني نص الحكومة تقريبا، وكمان أثرت
بشكل كبير على نتائج الانتخابات البرلمانية الأوروبية.

– فيه تفاصيل كتير في فضيحة فساد بالحجم ده ممكن نناقشها، ونقارن في أمور زي الشفافية والتعامل مع أحداث فساد زي دي، بين النمسا وعندنا.

*****

إيه تفاصيل الفيديو أو “فضيحة إيبيزا”؟

– ده فيديو مُصور، نشرته وسائل إعلام ألمانية (مجلة دير شبيجل وجريدة زود دويتشه تسايتونغ) اللقاء تم على جزيرة إيبيزا الإسبانية في 2017، بيجتمع فيه رئيس حزب الحرية ونائب المستشار النمساوي مع رئيس الكتلة البرلمانية للحزب، وهما بيتكلموا مع سيدة أعمال روسية.

– الفيديو ظهر فيه إن شتراخه عرض على السيدة الروسية إن يسهلها تاخد تعاقدات مرتبطة بأشغال عامة، لو اشترت أسهم في صحيفة كرونين تسايتونج (الجريدة الأكثر شعبية في النمسا)، مقابل إنها تخلي الجريدة تدعم حزبه. وفي الفيديو اتكلم شتراخه عن فصل صحفيين من الجريدة وصنع وضع إعلامي شبه اللي عمله فيكتور أوربان، الزعيم اليميني المجري.

******

إيه رد فعل الشعب النمساوي؟

– الدنيا اتقلبت. معداش ساعات على انتشار الفيديو إلا وتظاهرالآلاف في العاصمة النمساوية فيينا أمام مقر الحكومة.
– طلع مستشار النمسا سيباستيان كورتس، أنهى تحالفه مع حزب الحرية اليميني المتطرف.
– أعلن شتراخه في مؤتمر صحفي، إنه كان تحت تأثير الكحول لما قال الكلام ده، وأعلن استقالته من جميع المناصب التي يشغلها، بما فيها رئاسته لحزب الحرية اللي استمرت14 عام تقريبا.
– اتقرر إجراء انتخابات مبكرة.
– أكد ممثلي السلطة القضائية في فيينا إنهم بيحققوا في الفيديو.
– نتج عن ده إن الناس ضغطت لإقالة وزير الداخلية هيربرت كيكل، اللي من نفس حزب شتراخه لأنه مينفعش حد له علاقة بالتحقيقات في فضيحة زي دي يكون شخص من نفس الحزب.
– بعدها تحت الضغط الشعبي، استقال بقية أعضاء الحكومة من حزب الحرية، وهما حوالي نصف الوزراء (منهم وزراء الخارجية والنقل والدفاع والشئون الاجتماعية).
– بعد كل ده مستشار النمسا سيباستيان كورتس كان اطمن إن ممكن الفضيحة تمر بدون ما يخسر مكانه، خاصة إنه له مستقبل سياسي واعد بصفته حاليا أصغر زعيم دولة في العالم: 32 سنة، و أعلن إنه مستعد يبقى في الحكم حفاظا على الاستقرار .. لكن اللي حصل إن البرلمان النمساوي سحب الثقة منه ومن حكومته كاملة لأنه في رأيهم لم يتعامل بالحزم الكافي مع الفضيحة. وعشان نستوعب حجم الأمر، فمهم نعرف إنخ محصلش سحب ثقة من أي حكومة في النمسا منذ استقلالها سنة 1955.

******

إزاي السياسين عارفين يلعبوا سياسة ويحصلوا على مكاسب خلال الأزمة؟

– الوضع السياسي في النمسا معبر عن رسوخ الأحزاب الموجودة في المشهد السياسي وعراقتها.. وعشان كده شفنا مثلا خلال الأيام اللي فاتت تحركات ايجابية وسريعة لامتصاص الغضب الشعبي بشكل غير معتاد في عالمنا العربي.

– شفنا مثلا حزب الحرية اليميني المتطرف، بعد استقالة زعيمه التاريخي هاينز شتراخه ونص الحكومة المنتميه ليه، بيحاول من ينتقم من المستشار النمساوي السابق وحزبه (الحزب الشعبي النمساوي)، بتحالفهم مع الحزب الاشتراكي في البرلمان، من أجل سحب الثقة من كورتس وحكومته.

– شفنا كمان الحزب الاشتراكي، بيشارك الشعب في المطالبة بمحاسبة المسئولين عن الفضيحة من حزب الحرية اليميني، وبسرعة إقالة شتراخه، وأعضاء الحكومة من حزب الحرية. لكن لما اتحقق مطلبهم، شفناه بيلعب سياسة، وبيتحالف مع حزب الحرية في البرلمان لسحب الثقة من الحكومة.

– أنعكس كل ده طبعا على نتائج الانتخابات البرلمانية الأوروبية:

1- حصل الحزب الشعبي النمساوي على 35% تقريبا (ودي أحسن نتيجة للحزب الشعبي النمساوي من وقت انضمام النمسا للاتحاد الأوروبي عام 1995).

2- اليمين المتطرف حصل على نسبة 17% من الأصوات، بتراجع 2% عن الانتخابات اللي فاتت. والزعيم الجديد ليهم نوبرت هوفر، أكد إن حزبه متجذر في الحياة السياسية النمساوية من 50 سنة، وإنه قادر على التعافي، والعودة للتأثير في الانتخابات النمساوية الداخلية القادمة.

*****

إيه مهم نطلع بيه عندنا من تجربة زي دي؟

– قصة زي دي، أو غيرها من اللي كتبنا عنهم قبل كده كتير في الموقف المصري، بتؤكد على معايير مهمة لازم نلتزم بيها في مصر لو كنا جادين بالفعل في محاربة الفساد.

– أولا: أن تضارب المصالح شيء مدمر لأي عملية حقيقية لمحاربة الفساد. فمينفعش وزراء من نفس الحزب ولا مسئولين موالين لرئيس فاسد مثلا، يتولوا التحقيق معاه.

– ثانيا: أن مجرد شبهة إساءة استخدام السلطة زي ما حصل مع شتراخه هو شيء يدعو للمحاسبة القانونية والسياسية، حتى لو ده محصلش، حتى لو الواقع إن سيدة الأعمال الروسية مشترتش الصحيفة ولا فازت بعقود حكومية ولا أي شيء، مجرد التصريح بكلام زي ده هو شيء يتطلب المحاسبة الصارمة.

– ثالثا: أن وجود صحافة حرة ومستقلة أهم ضمان حقيقي لمحاسبة الفاسدين وملاحقتهم. لولا شغل دير شبيجل وزود دويتشه كان ممكن الموضوع يبقى مجرد كلمتين قالهم مسئول حكومي أثناء سكره. وأيضا لولا تأثير صحيفة كرونين تسايتونج، مكناش شوفنا زعيم أقدم حزب يميني بيتمنى الخلاص منها بهذا الشكل.

– محدش من النمساويين مثلا قال أنه طالما الفضيحة كشفتها صحيفة ألمانية يبقي دي مؤامرة على النمسا لهدم الاستقرار.

– محدش قال إن استقالة كل وزراء الحكومة، خاصة وإن أغلبهم لم يُخطئ ولا ليه أي علاقة بالقصة، هتعطل البلد أو هتوقف عجلة الإنتاج لأن من المفترض في دول المؤسسات إنها لا تتأثر بغياب مسئول مهما كان حجمه.

– رابعا: إن أي خطة لمحاربة الفساد لازم يكون محيط بيها ديمقراطية حقيقة، بمعنى 1- برلمان منتخب بنزاهة بدون تدخل أجهزة سيادية يقدر يحاسب الحكومة والرئيس. 2- حرية تعبير وصحافة مش مسيطر عليها من أجهزة الدولة ولا في رقابة عليها باستخدام سلطة الحجب. 3- حرية تعبير بمختلف الوسائل للناس بما فيها التظاهر ضد الفساد بدون ما يتقبض عليهم. 4- أجهزة رقابية وقضائية مستقلة.

– خامسا: أن الوعي الشعبي بمحاربة الفساد مهم، لأنه هو اللي هيجبر الحكومة والرئيس وغيره على الرضوخ لمطالبات بتحقيقات شفافة وعادلة.

– سادسا: وطبعا، اطلعنا على حياة سياسية حقيقية، سياسيين شباب، وممثلين لأحزاب عريقة، في منتهى النشاط والمرونة والقدرة على المبادرة وإنشاء تحالفات جديدة، والفوز بمكاسب على حساب الأخر في أيام.

– نتمنى في يوم غير بعيد نشوف ده في بلدنا. دي العناصر السياسية العامة اللي بوجودها بتتدار الدول بكفاءة أفضل، وعبرها بيتم حل المشاكل العويصة المختلفة. دي العناصر اللي بتتبني بيها دول المؤسسات اللي استحالة تغيير طارئ يأثر فيها سلبا.

****




مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *