من بداية مايو الحالي الحكومة بدأت تطبيق قرار تحصيل أي مستحقات حكومية من المواطنين تزيد عن 500 جنيه عن طريق خدمات الدفع الإلكتروني، الأقل من كده هتفضل كاش، ومن المفترض أنه الحكومة تقلل الحد الأدنى مع الوقت لحد 200 جنيه، أما اللي عايز يدفع أكتر من 500 جنيه كاش هيتفرض عليه غرامة قيمتها 10% من المبلغ.
– خطوة زي دي مع إنها متأخرة واتأجلت أكثر من مرة، لكنها بشكل عام ايجابية جدا، وليها فوايد في مكافحة الفساد وتوفير وسيلة أسهل للمواطنين لو اتطبقت بالشكل السليم وبالامكانات الكافية. في البوست ده هنتكلم عن معيار نجاح الخطوة ده من عدمها وازاي يتحقق فعلياً.
*****

ايه هو نظام الدفع الإلكتروني؟ والسبب فيه؟
– هو إنه المواطن يدفع أي تعاملات خدمية بينه وبين الدولة باستخدام أي وسيلة الكترونية يفضلها، زي كروت الحسابات البنكية أو عن طريق الانترنت “أون لاين”.
– الجديد حاليا عشان اللي مفيش عندهم حساب بنكي أو قدرة على استخدام الوسائل دي أتاحت الحكومة كروت مسبقة الدفع (كارت ميزة) نفس فكرة كروت المحمول، ومتوافرة في بنوك مصر والبنك الأهلي، وهتكون مجانية لمدة 6 أشهر.
– الدفع الإلكتروني إلزامي بين 500 إلى 10 آلاف جنيه بالوسائل دي، أما أي مبلغ أكبر من 10آلاف (سابقا كان الحد 100 ألف) بقى ممنوع التعامل معاه إلا عبر حساب بنكي فقط لا غير، مش بالكروت مسبقة الدفع.
– القرار خطوة ضمن مبادرة “الشمول المالي” اللي أعلنتها الحكومة المصرية من أكثر من سنة.
– الشمول المالي يعني ربط أكبر نسبة ممكنة من السكان بالنظام البنكي في التعاملات اليومية والاعتماد علي تدوير الفلوس في النظام البنكي والمالي الرسمي، بدل ما جزء كبير منها بيدور في السوق غير الرسمي (اللي بعض التقديرات بتقول انه يمثل 60% من الاقتصاد المصري)، وبالتالي تسهيل مراقبة الأنشطة غير القانونية زي غسيل الأموال والتهرب الضريبي، وتسهيل دمج ملايين العمالة ببرامج التأمين وغيرها.
– هدف الحكومة من الشمول المالي هو السيطرة على الاقتصاد غير الرسمي في مصر، ورفع قدرتها علي التحصيل الضريبي، ومنع ممارسات الفساد من الموظفين الحكوميين على المستوى الأصغر تحديدا.
– حصلت خطوات سابقة لاستخدام التكنولوجيا للمراقبة ومنع الفساد بالخدمات الحكومية زي فكرة كارت البنزين الذكي، لكنه عطل وفشل ومتمش البدأ فيه وتم إهدار 2 مليار جنيه من المال العام في الملف ده ومحدش اتحاسب عليه، لكن بالمقابل كارت التموين نجحت التجربة وتم تعميمها.
*****

طيب ايه المشكلة؟

– المشكلة مش في الفكرة الايجابية جدا، لكن عندنا مشاكل أو مخاوف كتير في التطبيق، أولها هي جودة الخدمة الإلكترونية نفسها بمعنى إنه أجهزة الدفع الالكتروني – زي ماكينات فوري مثلا أو ماكينات قراءة الكروت مسبقة الدفع – تتعطل أو “السيستم يقع” وده شيء مش جديد يعني عالخدمات الالكترونية الحكومية، آخرهاً مثلاً نظام امتحانات الثانوية الإلكتروني اللي السيستم وقع في فترة امتحان الطلاب والمشكلة متعالجتش، ومن يومين بس طلع وزير التعليم يقول إنه السيستيم وقع عشان مكانش فيه فلوس للإنترنت!
– إحنا أساسا عندنا مشكلة كبيرة حصلت لما تم التحول لصرف المعاشات وغيرها من مستحقات المواطنين على كروت بنكية، فبقينا نشوف مكان طوابير البنوك ومكاتب البريد طوابير قدام ماكينات الصرف الآلي اللي ساعات ميكونش منها ولا ماكينة في القرية، أو ماكينة واحدة أو اتنين في المركز، خاصة بمحافظات الصعيد.

– كمان بحسب إبراهيم سرحان رئيس مجلس إدارة شركة e finance فحاليا عندنا حوالي 22 ألف نقطة دفع إلكتروني في المصالح الحكومية. سؤالنا هو لو الهدف تسهيل وتيسير الأعباء على المواطنين ليه لسه الأصل إنهم يروحو المصالح الحكومية عشان يدفعوا ويعملو ده من خلال الكارت؟
ليه ميبقاش عندنا نظام الكتروني لكل المعاملات الحكومية عن بعد، وممكن يتم استخدام الكارت مسبق الدفع فيه؟ حالياً حصلت خطوات أولى لكن لسه واضح ان التصور العام هوا ان الناس تدفع الكتروني عند الموظفين، مش مراجعة المنظومة كلها بحيث ان الناس متروحش للموظفين أصلا إلا للحاجات اللي لا بديل عن عامل بشري فيها وبأقل عدد ممكن من الخطوات.
الوضع الحالي معناه إن برضه المصالح الحكومية والطرق حواليها تفضل زحمة، وكمان لو الماكينات عطلانه أو السيستم واقع فهيبقى المواطن مجبر عالانتظار لحد المشكلة ماتتحل!

– كمان التعاملات الحكومية اللي أقل من 500 جنيه تمثل نسبة ضخمة من تعاملات عامة المواطنين، وبالتالي هتفضل الخطوة ناقصة جدا لو متمش ادماجهم. هل عندنا تصور للخطوة دي ومدى زمني لها؟ وهل هيكون عندنا كافة الإمكانات التقنية وغيرها لده ولا هنتفاجيء وقتها؟ أسئلة للجهات المعنية.
*****

– في اتجاه في العالم كله لميكنة أي تعاملات حكومية، وبقى واحد من مؤشرات التنمية في الأمم المتحدة هو فكرة “الحكومة الإلكترونية” وبقى جزء من حوافز الاستثمار في أي بلد هو إنه الخدمات والتعاملات الحكومية تكون متاحة على الانترنت وبشكل إلكتروني لأنه هيمنع الرشوة ويقلل أي إهدار في الوقت والمجهود.
– في كل المؤشرات المتعلقة بالحكومة الإلكترونية سواء زي مؤشر EDGI أو مؤشر جامعة “واسيدا” اليابانية، فمصر بتيجي في مكان متأخر جداً في أي مؤشر من دول مش بس عالمستوى العالمي لأ كمان على مستوى الدول العربية، وبييجي في الصدارة عربياً دول زي الإمارات والسعودية وقطر والمغرب، وكلهم عندهم تجارب جيدة.
– وفي كمان مؤشر الأمم المتحدة لتنمية الحكومة الإلكترونية اللي بيقيس أداء 193 دولة في تطبيق التعامل الالكتروني بين المواطنين والدولة وتسهيل الوصول للمعلومات ومشاركة المواطنين في التقييم وصناعة القرار، هنلاقي إنه أفضل 5 دول في المجال ده هما ( الدنمارك – استراليا – كوريا الجنوبية – انجلترا – السويد ) وهنلاقي الإمارات هي الأولى عربياً في المركز ال 21 على العالم، وبالتالي لو في إرادة لتطوير الخدمات في مصر فالمفروض الحكومة تتعلم وتتعاون من التجارب الهامة في المجال ده، وخصوصاً إنها مش مستحيلة التطبيق.

– تحقيق الشمول المالي خطوة كويسة لتحسين مؤشرات الاقتصاد وجودة الخدمات وجذب الاستثمار لأنه هيخلي التعاملات المالية مع الحكومة أسهل وأكتر إنجازاً للوقت، ومفيد بمكافحة الفساد، لكن بالرغم من ده نكرر ان مكافحة الفساد أكبر من خطوة واحدة، محتاج استراتيجية كبيرة بتشمل إصلاحات سياسية وحرية للصحافة والرأي ورقابة من المواطنين واستقلال ونزاهة في القضاء، ودي كلها عوامل مش موجودة في مصر حاليا،ومش ممكن أبداً إنه يحصل تطور في نقطة واحدة بدون باقي الخطوات، وده مش كلام نظري لكنها تجارب العالم كله.
*****




مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *