استكمالا لمناقشتنا للمبررات اللي بيرددها البعض لتعديل الدستور بما يسمح للسيسي بالبقاء حتى 2034، والكلام عن إن الراجل عنده إنجازات ولازم يكملها، ومافيش بديل ..الخ

– هنتكلم النهاردة عن قصة نيلسون مانديلا، رئيس جنوب أفريقيا اللي عمل “إنجازات” تاريخية كبيرة جدا، وكان ليه دور رئيسي في القضاء على الفصل العنصري بين السود والبيض، وخلال رئاسته بلده بقت بوضع سياسي واقتصادي أفضل كتير من قبله، ومع كده تولى الرئاسة لفترة واحدة فقط 4 سنوات، ورفض تماماً الترشح مرة تانية.
*****

مين هو مانديلا؟

– اتولد سنة 1918 في قرية فقيرة بجنوب أفريقيا، وقدر يدخل التعليم وحصل على بكارليوس الآداب بالمراسلة، وبعدها كملالدراسات العليا في الحقوق، وخلال دراسته اتعرف على كتير من زملائه اللي بقوا بعد كده من أهم مناهضي “الفصل العنصري” في جنوب أفريقيا.

– يعني إيه الفصل العنصري؟ يعني المواطنين السود محرومين من كل الحقوق، ملهومش حق الترشح أو الانتخاب، ولا يستخدموا مواصلات البيض أو أماكنهم، والبيض الأوروبيين هما اللي مالكين أغلب الأراضي وهما اللي بيحكمو البلد.
– مانديلا انضم سنة 1942 للمؤتمر الوطني الأفريقي، اللي هو تجمع سياسي للسود بجنوب أفريقيا، وكان نمط عمل مانديلا الحركة في الشارع، وتنظيم مظاهرات واضرابات وعصيان مدني ومقاطعة وغيرها من الحملات.
*****

ازاي كافح ضد الفصل العنصري في بلده؟

– سنة 1952، فتح مكتب محاماة هو ورفيقة أوليفر تامبو، وكان أول مكتب محاماة للسود في جنوب أفريقيا، ومن خلال المكتب ده والممارسة الحقوقية قررو يعملو حملة لمكافحة التمييز العنصري، وسنة 1956 اتقبض عليه هو و 155 فرد، وتم اتهامهم بالخيانة العظمى لكن بعد 4 سنين من المحاكمة تم إسقاط التهم عنهم.

– سنة 1960 حصلت مجزرة شاربفيل، الحكومة قتلت 69 واحد من المتظاهرين السلميين ضد الفصل العنصري، واعتقلت 18 ألف متظاهر، وقامت بحظر حزب المؤتمر الأفريقي، وبناء على العنف اللي حصل قرر حزب المؤتمر الوطني مواجهة العنف بالعنف عبر تنظيم سري، بالإضافة لنية مانديلا وغيره التحرك للخارج لدول أفريقية وأوروبية لطلب الدعم لقضيته العادلة، لكن تم اعتقال مانديلا بعد 17 شهر سنة 1962، وباقي قادة التنظيم سنة 1963 واتوجهتله تهم تحريض العمال على الإضراب والمغادرة غير القانونية للبلاد.

– في سنوات سجنه الأولى، توفت والدته، ومات إبنه الكبير في حادث تصادم في نفس السنة، وماحدش سمح له يحضر الجنازتين، وقضى مدته في سجون مشددة، لكن مع ذلك قدر يستثمر وجوده في السجن في الحصول على بكالوريوس في القانون من جامعة لندن بالمراسلة، وفي الخارج كانت حملات التضامن معاه مستمرة ومظاهرات الشباب مستمرة، واتوقعت عقوبات دولية على جنوب أفريقيا دفعت السلطة العنصرية للتفاوض مع حزب المؤتمر.
– سنة 1990 الرئيس إف دابليو دي كلارك رفع الحظر عن الحزب، وخرج مانديلا من السجن بعد 27 سنة، وأعلن رفضه للعنف وانحيازه للمشاركة السياسية السلمية، وقاد بنفسه المفاوضات.
*****

كمل ازاي بعد الخروج من السجن ؟

– بعد خروجه من السجن بدأ التفاوض المباشر بين مانديلا زعيم السود والرئيس اللي بيمثل السلطة العنصرية، وقدرو يتفقو على دستور تعددي ديمقراطي بيرسخ لقيم المواطنة، وحق الترشح والتصويت لكل المواطنين بالتساوي، وحصل مانديلا وكلارك على جايزة نوبل للسلام سنة 1993.
– اتعملت في جنوب أفريقيا تجربة رائدة للجان “الحقيقة والمصالحة” اللي بموجبها تم قبول طلبات عفو من المذنبين بجرائم أثناء فترة الفصل العنصري مقابل اعترافاتهم اللي اتذاعت علنا، واعتذارهم لذوي الضحايا، عشان المجتمع كله يشوف ويتعلم ان ده ميتكررش.
– وفي 1994، جنوب افريقيا بكل عرقياتها انتخبت مانديلا رئيسا، وبقا أول رئيس منتخب ديمقراطيا، واعتبر مهمته الأولى هي توفير السكن للفقراء، وتطوير الأحياء الفقيرة اللي بطبيعة الحال كان أغلبها من السود، ومكافحة الفساد في معظم المدن، وإقناع الشركات متعددة الجنسيات بالاستثمار والبقاء في بلاده.

– أثناء حملته الانتخابية وعد بعدم الترشح للرئاسة الا لفترة واحدة، وده اللي نفذه فعلا، وساب الرئاسة سنة 1999، وكان البديل جاهز هوا رفيقه في الكفاح ورئيس وزرائه ثابو مبيكي.
– وبعد خروجه من السلطة اشتغل في فض المنازعات الدولية، وشارك في مفاوضات السلام في بورندي والكونغو الديمقراطية، وعمل مؤسسة خيرية ضخمة لمكافحة الإيدز في بلده، واختير من الأمم المتحدة سفير للنوايا الحسنة سنة 2005 وأقرت الأمم المتحدة قواعده ومقترحاته كحد أدنى لمعاملة السجناء، وساعد بلاده على استضافة كأس العالم لكرة القدم سنة 2010.

– اتوفى مانديلا سنة 2013 بعد صراع مع المرض، وشعبه ودعه وداع مهيب، وتم إعلان الحداد في دول كتير في العالم حزنا على وفاته وعلى القيم الإنسانية الكبيرة اللي ساهم فيها طول حياته.
*****

إحنا هنا في مصر ليه نهتم بالموضوع ده ؟؟
– إحنا بنتكلم عن دولة أفريقية عشان محدش يقول ده الغرب ظروفه غيرنا، والدولة دي عانت من مشاكل أكبر مننا بكتير.
– مانديلا بكل تاريخه النضالي الطويل واللي أنقذ بلده فعلا بوقف التمييز وعمل مصالحة وطنية حقيقية كان يقدر بكل سهولة يستمر في الحكم لحد ما يموت، لكن احترم وعده ومفهوم الديمقراطية اللي كان بيناضل عشانها، وساب الحكم عشان يرسخ لمبدأ تداول السلطة، وان بلده مينفعش ترجع لورا مرة تانية.

– تجربة مانديلا حتى لو محققتش انجازات كاملة بوقت حكمه، وفيه نقد ونقاش على بعض جوانبها، لكن بالتأكيد رسخ لأول خطوة وأهم إنجاز، وهو الحقوق المتساوية للمواطنين، وان التغيير يكون سهل وبالصندوق ومينفعش حد يحكم بالقوة، وإنه البلد مبتنهارش عشان أي رئيس بيمشي، بالعكس تقدر تستفيد من تجربته بايجابياتها وسلبياتها، ويظهر غيره عنده طاقة وافكار مختلفة.
– جنوب أفريقيا بقى فيها تداول سلمي للسلطة، وبقت قوة اقتصادية صاعدة مهمة في العالم حاليا، جنوب أفريقيا من أكبر الدول جذبا للاستثمار في أفريقيا، ترتيبها السادس حسب تقرير “كوانتوم غلوبال ريسيرش لاب” في 2018.
– جنوب أفريقيا انضمت لمنظمة البريكس الاقتصادية مع البرازيل وروسيا والصين والهند، وانضمت كمان لمجموعة العشرين الاقتصادية المكونة من 19 دولة صناعية ناشئة والاتحاد الاوروبي.

– كمان اللي عاوز يخدم بلده وقضاياها فعلاً يقدر يخدمها من جوة السلطة وبراها لو ده هدفه فعلاً، زي ما مانديلا عمل بإنه قدم خبراته عشان إقرار السلام في دول تانية وحاول يساعد بلده في أمور تانية غير إنه يكون الرئيس اللي بيحكم.

– كون إن أي رئيس عمل إنجاز “حقيقي” ده مش معناه إنه يحكم لحد ميموت مكافئة، التغيير مطلوب عشان يفضل الشعب بيحكم ويراقب ويحاسب ويتطرح قدامه أكتر من اختيار وياخد الأفضل والأنسب ليه، وكل ده مبيحصلش لو شخص قرر إنه بالقوة والعافية هيحكم لحد ميموت.
– ولكل الأسباب اللي فوق ده فاحنا بنجدد دعوتنا لكل المواطنين المصريين برفض التعديلات الدستورية المقترحة، من حقنا نختار رئيس جديد وسياسة جديدة تحكمنا، من حقنا نغير ونحاسب لأنها بلدنا ومواردنا ومستقبلنا ودول مينفعش يبقو ملك شخص واحد.
*****




مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *