– في أبريل السنة اللي فاتت رئيس الوزراء الأرميني سيرج ساركسيان قدم استقالته، بعد احتجاجات شعبية عنيفة في بسبب محاولته تمديد فترة سلطته، وبكده سقط حكمه المستمر منذ 10 سنوات في 11 يوم فقط من بداية موجة المظاهرات.

– في بيان تنحيه قال بكلمات مقتضبة ” لقد كنت مخطئا، ونيكول بانيشيان (زعيم المعارضة) كان على حق .. الشعب لا يريد ان أكون رئيس وزراء، وأنا ألبي مطلبهم حتى يسود الأمن والسلام في أرمينيا”

*****

خلينا نعرف القصة بالتفصيل:

– ساركسيان كان رئيس الجمهورية لمدة عشر سنوات من 2008 لحد 2018، والتجديد ليه سنة 2013 كان بنسبة حوالي 59% في انتخابات وصفها مراقبين أوروبيين انها كانت سلمية وجيدة التنظيم “إلا أن مجال المرشحين المحدود يعني أن الانتخابات افتقرت لمنافسة حقيقية”، لأن المرشحين انسحبوا من قدامه بسبب ضغوط سياسية وخوفاً من التلاعبات.
– كان مفروض بنهاية الفترة التانية يغادر السلطة حسب الدستور، لكن عشان يستمر في الحكم قرر يغير الدستور، ومرر تعديلات دستورية من البرلمان اللي أغلبه من حزبه، تجعل رئيس الوزراء هوا صاحب الصلاحيات الرئيسية والرئيس مجرد منصب شرفي، وبعدها رشح نفسه أمام البرلمان لرئاسة الوزراء وحزبه صوت ليه، وحلف اليمين الدستورية فى 9 ابريل.
– المعارضة قدرت تتجاوز خلافاتها لتوحيد جهودها ضد القرار، وقاد المعارضة تحالف كان تشكل من سنتين سنة 2016، يتكون من يسار الوسط والليبراليين اسمه (طريق الخروج) ، ويضم 3 أحزاب مختلفة .

– بداية من 12 إبريل بدأ الألاف من المواطنين من كل الاتجاهات تظاهرات واعتصامات مفتوحة في ميدان الجمهورية في العاصمة الأرمينية يريفين، واتهمو ساركسيان بمحاولة التشبث بالسلطة والفساد السياسي، والمسئولية المباشرة عن تدهور الأوضاع الاقتصادية خلال عهده اللي استمر 10 سنوات.

– المظاهرات حاصرت مقر الحكومة فى ميدان الجمهورية فى العاصمة الأرمينية، ومقر التلفزيون الرسمي لمدة 11 يوم متتالية، ورفعت مطالب محددة من البداية على رأسها استقالة رئيس الوزراء .
– أحزاب المعارضة فوضت عضو برلماني واحد هو نيكول باشينيان، للتفاوض مع الحكومة كممثل موحد عنهم.
– تم القبض على زعيم المعارضة مع 277 آخرين، من بينهم نواب من المعارضة، خلال المظاهرات اللي شهدت قمع من الشرطة الأرمينية ليها، لكن بسبب ضغط الاحتجاجات أفرج لاحقا عن المقبوض عليهم، وتم إجبار رئيس الوزراء على الدخول فى مفاوضات مع المعارضة وممثلها نيكول باشينيان .
– فى المفاوضات اللي تمت في نفس يوم الاستقالة فى أحد فنادق العاصمة وتم تصويرها وعرضها على التلفزيون الوطني، بدأ رئيس الوزراء بالقول أنه جاء للمفاوضات فقط من أجل حقن الدماء والحفاظ على استقرار البلاد، لكن زعيم المعارضة رد عليه “أنا جاي النهاردة عشان أناقش معاك أمر إستقالتك”، رئيس الوزراء غادر الاجتماع علي الهواء غاضباَ، وبعد ساعتين أعلن موقع الحكومة استقالة رئيس الوزراء وتعيين قائم بالاعمال .
– احتفلت الجماهير فى الشارع في نفس اليوم ، لكن زعيم المعارضة دعا الجماهير للاستمرار فى التظاهر لحين التأكد من نوايا الحكومة فى تسليم السلطة، وده اللي حصل استمرت التظاهرات فى الشارع وتم رفع سقف المطالب بتغيير الحكومة كلها، وأيضا بإجراء انتخابات برلمانية مبكرة. ولغاية دلوقتي المظاهرات مستمرة والعالم بيترقب المشهد وتطوراته المحتملة.

*****

طب إيه اللي ممكن نستفيده من الحدث ده ؟

– أولاً أنه محاولات التشبث بالسلطة أمر مرفوض حتي لو في ظاهرها كانت اعطاء شكل قانوني عن طريق تعديل الدستور، ده اسمه تلاعب مش اجراءات قانونية ودستورية بجد .. التداول السلمي للسلطة هو الطريق الوحيد نحو ديمقراطية حقيقة لصالح حكم أكثر كفاءة لأي بلد.

– ثانياً ضرورة وجود معارضة موحدة على الحد الأدنى، يعني برنامج واضح وأهداف واضحة على المدى الزمني القصير لحين استقرار قواعد العمل السياسي، ودا اللى يخليها تخش العملية السياسية بوصفها ممثل عن مجموعات وفئات شعبية حقيقية وليها ظهير جماهيري تقدر تفاوض بيه .. لو مكانتش الأحزاب عملت تحالف جاد من 2016، وقدمت متحدث واحد للمفاوضة دلوقتي، مكانش هيتم ترجمة الحراك الشعبي لتمثيل ومكسب سياسي بالشكل ده.

– ثالثا هو أهمية المفاوضات كإستراتيجية ناجحة ومهمة مع السلطة في لحظات مواتية بالتوازي مع أشكال ضغط أخرى كان منها التظاهر في الوقت المناسب في حالة أرمينيا .. وبالتالي أهمية عملية السياسة نفسها ووجود كوادر سياسية من المعارضة قادرة على لعب الأدوار ده بدون تخوين من الحشود بل بدعمهم الواضح.

– رابعاً انه الثورات والحركات الجماهيرية لا يمكن التوقع بها، وفي الوقت اللى فيه رئيس أرمينيا بسهولة اخد الفترة الرئاسية التانية، ثم عدل الدستور، وتولى بالفعل رئيس الوزراء بأغلبية نيابية وكان فاكر انها هتعدي عادي وهوا محمي بشرطته ورجاله، فجأة وجد فى مواجهته حركة جماهيرية واسعة قدرت تستخدم كل الاستراتيجات والوسائل السلمية لإجباره على الاستقالة.

– خامسا وأخيرا أنه دائما وأبدا فيه أمل حتى في أصعب اللحظات ..




مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *