– في الأيام اللي فاتت، العالم كله كان متابع تطورات انفجار صاروخ يعمل بالدفع النووي في روسيا، أدي لمقتل 7 مهندسين، وإخلاء المنطقة المحيطة بموقع الانفجار. السلطات هناك أنكرت في البداية وحاولت تخبي، لكنها اعترفت بعدها.
– مع الأخبار دي الناس افتكرت مفاعل تشرنوبل اللي انفجر في 1986، وأثر على آلاف البشر وأنهي الحياة في عشرات الكيلومترات المحيطة بموقع المفاعل، كمان كان طبيعي ان كتير من المصريين ربطوه بتخوفات من مفاعل الضبعة النووي اللي عقده أخدته نفس الشركة الروسية (روس أتوم).
– في البوست ده هنتكلم عن اللي حصل في روسيا، وإلى أي مدى فعلا احنا بعيد عن خطر حدوث مشاكل في مفاعل الضبعة زي ما البيانات الرسمية قالت؟
وبنكرر اللي قلناه قبل كده ان اللي عايز اجابة سهلة مباشرة زي إن المفاعل حلو أو وحش مش هيلاقيها عندنا.
*****
ايه اللي حصل في روسيا الأيام اللي فاتت؟
– كانت بتتم تجربة لإطلاق صاروخ يعمل بالدفع النووي في مدينة أرخانجلسك شمال روسيا، لكنها فشلت، و الصاروخ انفجر. الناس شافت الانفجار الضخم وصورت سحابة عش الغراب (المشروم) المعروفة بإنها بتحصل بسبب انفجار نووي. كمان النشاط الإشعاعي تضاعف 16 مرة أكتر من المعتاد خلال نص ساعة في مدينة “سيفيردوفنيسك” القريبة من مكان التجربة.
– ورغم كدا، كان فيه إنكار في الساعات الأولي، والمقال اللي اتنشر على موقع محلي عن رصد زيادة النشاط الإشعاعي اتحذف بعدها بساعات. وبعد يومين كاملين، شركة روس اتوم – المؤسسة الحكومية المسؤولة – اعلنت إن التجربة شهدت استخدام مواد ليها نشاط إشعاعي. بعد يومين من الاعتراف ده، المدير العلمي للمعهد النووي الفدرالي الروسي اللي كان بيجرب الصاروخ قال إن الهيئة كانت بتعمل أبحاث على مصادر طاقة متناهية الصغر، معتمدة على مواد نشطة إشعاعيا.
– وكالة الارصاد الجوية الروسية قالت بعد 5 أيام من الحادثة إن النشاط الإشعاعي فعلا تجاوز الحد الطبيعي ب 16 مرة، لكنه مش بيشكل خطر على الصحة. لكن التوضيح ده كان متأخر جدا على السكان اللي بمجرد ما عرفوا الخبر راحوا الصيدليات بسرعة يشتروا أقراص اليود، عشان تحميهم من امتصاص الغدة الدرقية للاشعاع، وبدأت موجة نزوح من المكان.
*****
ده انفجار صاروخ مش مفاعل، ايه اللي يخلينا نخاف؟
– خلال الأيام اللي فاتت، ناس كتير كتبت عن تخوفاتها إننا في مصر بنعاني الإهمال المتكرر والفساد وغيرها من المشاكل الإدارية، بالإضافة لعدم خبرة مصر في إدارة مفاعلات انتاج طاقة، خاصة إنها نفس الشركة الروسية.
– في المقابل كان فيه محاولات تطمين من الحكومة اللي طلعت بيان قالت فيه إن محطة الضبعة من الجيل التالت المطور، والمبنى الموجود فيه مصمم بحيث يحتمل اصطدام طائرة محملة بالوقود وزنها 400 طن وسرعتها 150 متر في الساعة. كمان يتحمل تسونامي ارتفاعه 14 متر. البيان بيقول كمان إن المحطة عندها قدرة على الإطفاء الذاتي من غير تدخل العنصر البشري.
– كمان المهندس محمد المساوي، مهندس الأمان في هيئة المحطات النووية كتب على فيس بوك إن “مفاعل الضبعة يمتلك قلب مفاعل لا ينفجر، وانما ينصهر في أسوء الاحتمالات، واحتمالية انصهاره واحد في المائة مليون، وفي حالة انصهاره يوجد ما يسمى “core catcher” ليحتوي علي قلب المفاعل بكل الوقود النووي ويسحبه تحت الأرض في مبنى خرساني ذو تصميم وطبيعة خاصة تمنع الإشعاع”.
– الحقيقة إن ده كلام منطقي وفعلا هناك اختلاف كبير بين انفجار الصاروخ خلال تجربة عسكرية وبين وضع المفاعل، لكن ماننساش برضه إنه رغم كل ده مفيش ضمان كامل، وشفنا في 2011 تجربة مفاعل فوكوشيما في اليابان، رغم كل التأمين والتقدم عندهم لما حصل تسونامي أنظمة التبريد الإسعافية ماشتغلتش، والحرارة ارتفعت جوا المفاعلات، وضغط المفاعل ارتفع وحصل انفجار أثناء تنفيس الغازات، ومات بعض العاملين بالموقع، ووقتها تم تهجير حوالي 300 ألف شخص من دائرة 20 كيلو متر من المحطة.
– المهندس أكرم إسماعيل، العضو المؤسس في رابطة شباب المهندسين، وعضو حزب العيش والحرية، قال انه فعلا الفارق كبير بين الحدثين، واجراءات أمان المفاعل أكبر، لكنه حكى تجربة شخصية كان بيشتغل وقتها مع مهندسين يابانيين وكلهم تم سحبهم للتعامل مع خطة انقاذ طارئة كبيرة شملت خبراء اليابان بكل مكان، وبيسأل ايه اللي ممكن يحصل لو حصل أزمة زي كده عندنا؟ في ظل عدم وجود خبرات فنية كافية، او إدارة قادرة على التعامل مع أزمة مركبة وليها تأثيرات متعددة؟ ده معناه انك هتكون رهينة للي عندهم خبرة، وهتكون في موقف صعب.
*****
أسئلة بلا اجابات
– طرحنا في بوستين سابقين أسئلة مطولة حول جدوى المشروع وحول تفاصيله، وقلنا لأنه ملهاش اجابات واضحة فمحدش أصلا عنده المعلومات الكافية للحكم بتأييد أو رفض المشروع، ودي بحد ذاتها الأزمة الحقيقية لحاجة بالحجم ده تأثر على كل المصريين.
– مثلا المفروض محطة الضبعة اللي حواها 4 مفاعلات، تنتج 4800 ميجا وات كهرباء بمجرد تشغيلها، لكن مصر عندها حاليا مصر عندها اكتفاء من الكهرباء، بالإضافة لفائض حوالي 20% عايزة تصدره، فما سبب الحاجة العاجلة للمفاعلات بالقروض؟
– في السنوات الأخيرة بقا عندنا بدائل مختلفة لإنتاج الكهرباء، بداية من محطات بنتها شركة سيمنسز الألمانية، لحد محطة بنبان للطاقة الشمسية اللي اتعملت في أسوان وأشدنا بيها سابقا، ومحطة الزعفرانة أكبر محطة لطاقة الرياح في أفريقيا. صحيح إن تكلفة وكفاءة وثبات كل طريقة من دول مختلفة، والدول بتسعى لمزيج طاقة خاص بيها وحسب ظروفها، لكن في النهاية إحنا أدام فائض من الصعب تصديره إلا ببنية تحتية ضخمة ومكلفة، ومستمر لسنوات.
– مش المفروض حادثة زي دي تؤدي على الأقل ان مصر تسائل روسيا رسميا عن موقف الشركة اللي هتنفذ المشروع؟ وممكن تعيد التفاوض معاها؟ .المهندس أكرم إسماعيل كتب: “زى ما روسيا من حقها تطمن على إجراءات الأمان في المطارات المصرية من حق مصر انها تطمن على مشروعها النووي وأهلية روس أتوم”
*****
– اتكلمنا في وقت سابق عن تفاصيل اتفاقية إنشاء المفاعل النووي اللي وقعها الرئيس عبدالفتاح السيسي مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أثناء زيارته لمصر سنة 2017، وطرحنا مجموعة كبيرة من الأسئلة المهمة عن تكلفة المشروع، وهل هو مهم أولوية تستحق اننا نقترض عشانه 25 مليار دولار ولا ولأ؟ وغيرها من الأسئلة اللي ماكنش ليها إجابة وقتها ومازالت التفاصيل بشأنها قليلة جدا.
– لكن يهمنا في البوست ده نكرر السؤال عن الكوادر اللي هيسافروا يتعلموا في روسيا عشان يتولوا بالتدريج إدارة المحطة، ايه طبيعة التدريب اللي هيحصلوا عليه؟ وهل هو كافي للتعامل بالطواريء بشكل مستقل عن الخبرة الروسية؟
– هل تم دراسة الآثار البيئية على المناطق المحيطة بالمفاعل، واللي هتبقى موجودة في الوضع الطبيعي من غير ما يحصل تسرب أو انفجار، خصوصا مياه البحر المتوسط اللي هتستخدم في تبريد المفاعل وبعدين ترجع البحر تاني؟
– ازاي هيتم التخلص من النفايات النووية، وهل تم الاتفاق مع الجانب الروسي على دفنها في مصر ولا روسيا هي اللي هتتولى مسؤولية التخلص منها؟
– مين هيتولى مسؤولية تفكيك المفاعل بعد انتهاء عمره الافتراضي، ودي عملية ضرورية لأن نشاطه النووي بيكون مستمر، والتفكيك بيتكلف ميزانية ووقت كبير.
ايه هي تكاليف نظام الرعاية الصحية والتجهيزات والتدريبات اللي لازم تكون موجودة في أي بلد يكون عندها طاقة نووية؟ مين اللي هيتحمل التعويضات في حالة حدوث تلوث أو كارثة لا قدر الله؟ وهنا عايزين نلفت النظر للأضرار اللي بتحصل للعاملين والسكان في مناطق قريبة من المفاعلات، حتى اللي ليها طابع سلمي، وبدون ما يكون فيه كوارث أو أخطاء.
في دراسة فرنسية اتنشرت اتعملت بين ٢٠٠٢ و٢٠٠٧ على أكثر من ٢٧٠٠ حالة سرطان دم متقدمة، واتنشرت نتايجها في 2012، وظهر من خلالها تتركز حالات الإصابة في الناس اللي ساكنة حول مواقع المفاعلات النووية. وعندنا كمان نتيجة مشابهة أظهرتها دراسة طويلة جداً لأكثر من ٢٠ سنة، عملها علماء ألمان على الأطفال اللي عاشوا قرب المفاعلات النووية من ١٩٨٠ إلى ٢٠٠٣، وظهرت زيادة بنسبة ١١٧% بسرطان الدم، و٦٠% بباقي أنواع السرطان.
– هل فيه عقد تأمين على المحطة؟ قيمته أد إيه؟ من يتحملها؟ ايه هي شروطه؟ وايه نسبة التغطية التأمينية؟ من أبرز التعقيدات القانونية إن شركات التأمين بتحط سقف للتعويضات .. مثلاً إجمالي القيمة التأمينية اللي تم دفعها للمواطنين بعد كارثة فوكوشيما اليابانية كانت ١.١ مليار دولار بس، في الوقت اللي وصلت فيه الخسائر حوالي ٥٠٠ مليار.
كل دي أسئلة ماعندناش إجابة عليها، ولازم نفضل نسأل عنها لحد ما توضح الصورة ونطمن إن الحكومة ماشية في الاتجاه الصحيح. حتى لو معظمنا مش متخصصين وماعندوش فكرة عن التفاصيل التقنية لتشغيل المفاعل، لكن من حق المجتمع كله بأحزابه ونقاباته وسياسييه إنهم يطمنوا إن أي إجراء يكون بيحط سلامتهم كأولوية قصوى، وبيصرف فلوسهم على المشروعات اللي ليها جدوى، ومايحملش الأجيال الجاية بدين هيتم دفعها لسنوات طويلة.
المواطنين في العالم كله معندهمش معرفة تقنية وفنية بملف استخدام الطاقة النووية لكن اللي نعرفه انه ليها اثار مدمرة على البيئة والانسان ومخاطرها كبيرة، ازاي نكون سعداء ونطنش الملف ده ومخاطره واحنا معندناش معلومات ومفيش دولة مهتمة انها تقوم بمسؤولياتها في مخاطبتنا وتعريفنا باللي بيحصل بشكل رسمي ومسؤول ونضمن محاسبة المسؤولين دول ؟