من أسبوع بدأت في تشيلي احتجاجات كبيرة ضد رفع أسعار تذاكر المترو بنسبة 3 % فقط، وتحولت لمظاهرات ضخمة ضد الرئيس والحكومة، سقط فيها لحد دلوقتي ١٥ قتيل، والرئيس بيحاول يقدم تنازلات للمحتجين

هنحاول نفهم معاكم النهاردة أسباب الاحتجاجات في تشيلي؟ ايه اللي يخلي دولة ناجحة اقتصاديا حسب المؤشرات المعتادة يبقي عندها احتجاجات زي دي؟ وايه اللي ممكن نشوفه في كل داه خاصة مع التشابه الكبير بين اللي عاشته تشيلي من ظروف اقتصادية واجتماعية واللي بنعيشه حاليا.

*******

ايه قصة الاحتجاجات الأخيرة؟

– الأحداث بدئت بقرار حكومي بزيادة بسيطة في أسعار المترو، من 800 بيزوس إلى 830 بيزوس، ودي المرة التانية بعد زيادة طفيفة برضه في أول السنة.
– أول رد شعبي كان احتجاجات محدودة من طلاب المدارس بالقفز فوق ماكينات المترو بدون دفع تذاكر.
– الاحتجاجات اتطورت بسرعة أعداد كبيرة من الفقراء والطبقة المتوسطة نزلو للشوارع وقطعو خطوط المترو، ومع اتساع حركة الاحتجاج واللي وصلت في بعض المناطق لعمليات نهب للمحلات ومحطات البنزين، طلب الرئيس “الملياردير” سباستيان بينيرا من الجيش النزول للشارع لفرض حظر التجول.

– الاحتجاجات بعد حظر التجول اتسعت وشارك فيها ناس أكثر لأنه تشيلي عندها مشاكل كثيرة في التعليم والخدمات الصحية والإسكان. رغم ان الخدمات العامة دي جيدة جدا مقارنة بدول أخرى في أمريكا اللاتينية، لكن أسعارها بتغلي بوتيرة متسارعة.
– تشيلي فيها احتجاجات اجتماعية كبيرة في السنوات الأخيرة، آخرها كانت في 2016 واللي نجحت في أنها تخلي التعليم الجامعي مجاني.

– لكن اللي بيميز الاحتجاجات الحالية هو أنها أضخم احتجاجات من وقت عودة الديمقراطية، ونطاقها واسع جدا، ودا اللي خلى الجيش ينزل للشوارع بطلب من الرئيس، في مشهد محصلش من أيام انقلاب الجنرال بينوشيه سنة 1973.

– الحكومة الحالية في تشيلي هي حكومة يمينية، والرئيس الحالي هو مليادير ثروته تقدر ب 2.7 مليار دولار، والإجراءات اللي خدها من اول ما جه في 2018 معالجتش أي من المشاكل الخاصة بالطبقات الوسطى والدنيا في تشيلي.

– على عكس سياسة الرئيسة السابقة في تشيلي ميشيل باشليت اليسارية، فالحكومة الحالية وعدت بضرائب أقل على أرباح الشركات وقللت الإنفاق على الخدمات العامة.

– الرئيس بينيرا في الأول حاول يخوف الناس بحالة الطوارئ وإعلان حظر التجول وقال إن “تشيلي بتحارب عدو قوي ومنظم مستعد لاستخدام العنف بلا حدود”
– بعد ما فشل وقادة الجيش رفضوا يواجهوا المواطنين اضطر يتراجع، واتكلم في خطاب عاطفي جداً بإنه بيعتذر للتشيليين عن “قصور رؤيته” ، وأعلن اجراءات منها زيادة المعاشات بنسبة 20% وهيثبت سعر الكهرباء بدون زيادة.

– المتظاهرين والنقابات العمالية المشاركة مقبلوش القرارات دي وبيطالبوا باجراءات أكبر، وبعضهم بيطالب بإستقالة الرئيس والدعوة لانتخابات مبكرة.

*******

ايه سبب الأزمة في تشيلي؟

– تشيلي بعد التحول الديمقراطي في بداية التسعينات كانت معجزة اقتصادية في أمريكا اللاتينية، في الفترة من 1990 ولحد دلوقتي معدلات الفقر في تشيلي انخفضت من 30 % إلي 6 % بس دلوقتي.

– تشيلي نجحت في الفترة دي أنها تخفض معدلات البطالة والتضخم من 30 % سنويا إلي حوالي 2.5 % دلوقتي، في مشاكل اقتصادية في الفترة الأخيرة ظهرت مع تباطؤ معدلات النمو الاقتصادي واللي وصلت في سنة 2017 ل 1.5 % بس، في المتوسط تشيلي كانت بتحقق معدلات نمو تفوق 6 % من بداية 2000 لحد دلوقتي.

– المشكلة الأكبر أنه تشيلي واحدة من أكبر دول العالم في معدلات اللا مساواة، أغنى 10 % من السكان في تشيلي بيكسبوا دخول تعادل 30 ضعف أفقر 10 % في البلد.

– معدلات اللامساواة هي نتيجة أنه النمو الاقتصادي في تشيلي كانت أعبائه غير متساوية، ومع أن تشيلي رفعت تقريبا ربع سكانها من تحت خط الفقر إلا أنه معدلات الأجور منخفضة، تقريبا 3 من كل أربع عمال في تشيلي بيكسبوا اقل من 800 دولار في الشهر ودا مقارنة بمستوى المعيشة ومستويات الأسعار هناك قليل.

– كمان جزء كبير من مشكلة تشيلي هو أنه النمو الاقتصادي هناك وسع مساحة العمل غير الرسمي والمؤقت في الاقتصاد، تقريبا تلث العمال في تشيلي بيشتغلوا في وظائف مؤقتة وغير رسمية.

– كل دا بينتج في النهاية أنه مؤشرات الاقتصاد العامة زي معدلات النمو والبطالة بتكون كويسة لكن الوضع على الأرض صعب ومرشح للانفجار في أي لحظة.

*******

ايه اللي ممكن نشوفة كمصريين في الموضوع ده؟

أولا – بحكم أنه الاحتجاجات بدأت للاعتراض على أسعار المترو فهي بتقول للمسئولين في مصر أنه زيادات أسعار المترو والخدمات العامة مش في صالح حد، وأنه اللي هيتم توفيره من الخدمات ده لا يعادل التكلفة الاجتماعية للزيادة، سواء كانت التكلفة دي هي الاحتجاجات وبالتالي تعطيل الاقتصاد، أو التكلفة الاقتصادية اللي هتترتب على المدى الطويل لما تزيد تكلفة الوصول لمكان العمل، ويقل الاستهلاك الشخصي في الاقتصاد.

ثانيا – أنه النمو الاقتصادي مهم، ومعدلات النمو لازم تزيد لكن المهم هو إزاي نوزع أعباء النمو دا وأرباحه بشكل متساوي ومنصف، زي ما مهم أننا نكبر التورتة مهم أيضا نعرف إزاي نقسم التورتة، مينفعش يبقي بنحقق نمو والأجور منخفضة لأنه المواطن الفقير أو المتوسط مش هيحس بقيمة النمو أو الانتاج اللي بيقدمه طالما وضعه هو مبيتحسنش.

ثالثا- إصلاح اللي أفسدته الديكتاتورية عملية صعبة وطويلة، تشيلي كانت التجربة الأولى والأساسية لسياسات النيوليبرالية من نص السبعينات ولحد بداية التسعينات، ودي السياسات اللي بتطبق عندنا دلوقتي سواء رفع الدعم، الخصخصة، وتحرير العملة، دي الإجراءات اللي بتتعالج في تشيلي دلوقتي، لكن دا بياخد وقت طويل، السنة اللي فاتت مثلا كان في احتجاجات كبيرة على نظام المعاشات اللي من أيام بينوشيه متغيرتش.

رابعا- على الرغم من وجود أزمة وغضب بسبب سياسات إجتماعية، لا الجيش قرر يندفع ويحاول ينتزع الحكم لصالحه، ولا الناس قابلين برجوع الجيش مرة تانية، بل على العكس لحد انهاردة ورغم مرور 46 سنة على تجربة الانقلاب العسكري المريرة في تشيلي، واللي ضحاياها من القتلى حوالي 40 ألف شخص في 17 سنة، وفي ذكرى الانقلاب بتخرج مظاهرات بتطالب بمعرفة مصير اللي اختفو قسرياً في وقت الحكم العسكري، ودول بالآلاف، وخرجت مظاهرات قريب ضد الرئيس الحالي بسبب عفوه عن ظباط جيش سابقين قتلو متظاهرين وعملو جرائم ضد الإنسانية في فترة الانقلاب.
المواطنين في تشيلي مش عاوزين الجيش يحكمهم تاني، لأ عاوزين نظام ديمقراطي، وده مش انتخابات نزيهة بس، لكن كمان العدالة الاجتماعية وسياسات جديدة تحقق مساواة ومتزودش من الفقر والمعاناة.
ولأن البلد دي دفعت تمن صعب أوي بسبب الحكم العسكري فكل الأطراف فيها حريصة على إنه التجربة متتكررش تاني.




مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *