– في الأيام اللي فاتت اتفاجئ كثير من المصريين بصورة البلدوزرات بتهدم مقابر في منطقة جبانة المماليك، اللي على طريق صلاح سالم عشان إنشاء طريق جديد اسمه محور الفردوس هيربط المحاور الرئيسية للطرق.
– المنطقة دي معروف لأي حد شافها إنها مليئة بالمقابر الأثرية، وبعضها مقابر حديثة لكن ليها قيمة معمارية وتراثية، ده غير ناس ناس ساكنين في المقابر، خاصة بالمنطقة المعروفة شعبيا باسم “ترب الغفير”.
– المجلس الأعلى للآثار قال انه متمش هدم أي أثر مسجل، لكن أثريين وخبراء كان ليهم آراء تانية حسب القانون نفسه.
– النهاردة هنحاول نناقش معاكم بهدوء اللي حصل؟ وإزاي التطوير والتنمية ممكن يتعلموا مع الحفاظ على التراث بنفس الوقت؟ وإيه تجاربنا وتجارب الدول الأخرى في مواقف شبيهة؟
*****
إيه اللي حصل؟ إيه اللي اتهدم لحد دلوقتي بالظبط وإيه اللي هيتهدم؟
– الهدم بدأ عشان يتعمل محور “الفردوس” واللي مكانش فيه أي تفاصيل كافية عنه وعن مساره قبلها.
– امبارح بس محافظة القاهرة نشرت خريطة تفصيلية للمحور، وظهر انه يبدأ من مخرج نفق أبوحشيش أسفل شارع أحمد لطفي السيد، وبعدها “يتقاطع سطحيًا مع شارع رمسيس أسفل كوبري أحمد سعيد، ثم شارع أحمد سعيد متقاطعًا مع شارعي العباسية والسرجاني وميدان تاكي وميدان الفردوس أسفل كوبري الفردوس، مارًا بطريق صلاح سالم، فمحور الأوتوستراد، ثم شارع الطيران بحي منشأة ناصر وبعض الوحدات العسكرية بآخر شارع الطيران، حتى كوبري إعمار وامتداد محور المشير. كما يمر المحور بمنطقة الجبل الأحمر العسكرية، متقاطعًا علويًا فوق كوبري امتداد محور المشير، حتى ربطه مع شارع سبيل المؤمنين بجوار هيئة الاستثمار .”
– مش واضح بدقة لحد دلوقتي إيه بالظبط المقابر اللي هتتهدم في المسار ده، ومفيش أي جهة رسمية أعلنت، وده سبب كتير من التخمينات الناس بتحط الخريطة وتحاول تخمن الأماكن المهمة اللي هيمر بيها، وبعدين الحكومة تقول لا تنشروا الشائعات، طيب مهو مفيش أي معلومة رسمية!
– الدكتور مصطفى الصادق، وهو من المهتمين المعروفين بالتراث، نشر على صفحته على فيس بوك شهادته لما راح بنفسه وحاول يشوف الواقع، ولقى انه متمش هدم المباني الأثرية المملوكية المسجلة كآثار فعلا، ولا قبر الشهيد عبدالحكيم الجراحي، لكن اتهدمت فعلا مدافن او أسوار مدافن مهمة تانية”:
1- مدفن المفكر والفيلسوف المصري أحمد لطفي السيد، رائد من رواد النهضة والتنوير في مصر، ووزير المعارف ثم الداخلية، ورئيس مجمع اللغة العربية ومدير الجامعة المصرية.
2- مدفن نازلي هانم حليم ابنه محمد عبد الحليم باشا، وحفيدة محمد علي باشا الكبير.
3- مدفن أسرة عبود باشا، وهو اقتصادي ورجل اعمال مصري ومؤسس شركه السكر وخط البريد الخديوي وشركه الامنيبوس، وأول مدير مصري لشركة قناة السويس ومن مؤسسي بنك مصر، وعلى اسمه تم تسمية “موقف عبود” المعروف.
4- مدفن حسن باشا صبري المحامي الذي تولى عدة مناصب سياسية ودبلوماسية كان آخرها سنة ١٩٤٠ حيث تولي رئاسة الوزراء، والذي توفي داخل مجلس النواب أثناء إلقاء خطبة العرش أمام الملك فاروق.
5- مدفن مراد باشا محسن ناظر الخاصة الملكية في عهد الملك فاروق الأول.
6- مدفن ذو طراز فرعوني في غاية الجمال.
*****
طيب إيه المشكلة مادام اللي اتهدم مش مسجل كآثار حسب بيان المجلس الأعلى للأثار؟
أولا: دي “منطقة تراثية” محمية بالقانون.
– يعني المسألة أكبر من مبنى معين، المقابر دي تاريخها يرجع لقرون طويلة، قديما كان اسمها صحراء العباسية، وكانت منطقة مهمة جدا في تاريخ مصر الإسلامي تحديدا بداية من المماليك الشراكسة اللي اتدفن كثير منهم فيها، واللي صممها واهتم بيها كان السلطان “قايتباي” عشان كده بتتعرف أحياناً بترب قايتباي.
– العديد من الخبراء قالوا المنطقة مش مقابر بس أصلا، هيا كانت امتداد للقاهرة خارج أسوارها، وكان فيها “منطقة السكنية دي تشمل مسجد وساقية وربع وبوابة وسبيل”، ودي كلها عناصر رئيسية في أي تجمع سكني في القاهرة الفاطمية.
-المنطقة هي ضمن نطاق “القاهرة التاريخية”، وده نطاق حطته اليونسكو لحماية المنطقة الأثرية بأكملها دوليا.
– الدكتورة سهير زكي حواس، رئيس الإدارة المركزية للدراسات بالجهاز القومي للتنسيق الحضاري، أكدت ان المنطقة مسجلة منطقة حماية طبقا للقانون رقم ١١٩ لسنة ٢٠٠٨، وكمان العديد من المقابر والاحواش خاصة المرتبطة بشخصيات تاريخية أو ذات الطراز المعماري المتميز مسجلة كتراث طبقا للقانون رقم ١٤٤ لسنة ٢٠٠٦.
– برضه الدكتورة سهير قالت أنه “قد سبق من عدة سنوات طرح تنفيذ المحور وتم إيقافه من قبل الجهاز القومي للتنسيق الحضاري الذي كنت أمثله خلال اجتماعات مناقشة هذا الأمر “.
– عندنا للأسف سوابق تاريخية مشهورة بسبب نفس المنطق ده .. حصل في 2001 هدم قبر المؤرخ الشهير المقريزي، مع قبور ل14 من الشخصيات التاريخية الصوفية وأعلام الفكر منهم عبدالرحمن ابن خلدون مؤسس علم الاجتماع، كانت تبريرات الحكومة فيها نفس التبريرات أنه دي مش مقابر مسجلة كأثار. وبعد معارك في الصحافة ومناشدات من علماء الأثار، تم الهدم لعمل طريق صلاح سالم الحالي.
– وفي 2019، اتهدمت “وكالة العنبريين” وده مبنى عمره 9 قرون في شارع المعز، كان بناه السطان “قلاوون”، وبرضه محافظة القاهرة قالت أصله مش متسجل كآثار وكل المؤسسات بتنفي مسؤوليتها أو معرفتها بالموضوع!
ثانيا: مين قال إن أي حاجة أقل من 100 سنة مش مهمة؟
– مثلا منزل وضريح الرئيس الراحل جمال عبدالناصر عمره أقل من 100 سنة، نفس الأمر بالنسبة لضريح سعد زغلول مثلاً، أو بيوت ومقابر عبدالحليم حافظ وأم كلثوم ونجيب محفوظ وغيرهم كتير جدا من رموز تاريخ مصر الحديثة، هل كده عادي نهدم كل المباني دي!
*****
ايه اللي المفروض أنه يحصل؟
1- الأصل إنه كان الموضوع من الأول ميبدأش بدون دراسة وافية وعلنية، لكن حاليا ايه المانع من التوقف شهرين تلاتة ولا حتى سنة لدراسة المشروع، هل فعلا أولوية وملوش بديل؟
– رئيس قطاع الأثار الإسلامية بالمجلس الأعلى للأثار قال ” أنه على الرغم من أن هذه المقابر غير مسجلة كأثر، إلا أنه هيتم تشكيل لجنة لمعاينة الشواهد والأحجار التي تشتمل على نقوش زخرفية أو كتابية ليتم دراستها، وبحث إمكانية عرضها جزء منها ببعض المتاحف كجزء من تراث مصر ” يعني اللجنة دي هتتشكل دلوقتي وتعاين دلوقتي والهدم بدأ بالفعل؟! ليه ده محصلش من الأول؟
وليه الآن ميقفش لحد ما اللجنة دي تكمل عملها؟
2- في حال إن المشروع فعلا ملوش بديل، إيه المانع من نقل المقابر المهمة بالكامل لأماكن أخرى؟
عندنا تجربة وقت بناء السد العالي لنقل معبد أبوسمبل بالكامل وده ضخم جدا ومحفور في جبل، ونقلنا كمان معبد فيلة وتمثال رمسيس وغيرها، أكيد أسهل منه بكتير نقل المباني المهمة هنا، ده غير اتاحة وقت كافي للأهالي لنقل رفات أقاربهم بحال المقابر الحديثة.
وبنشوف ده متكرر في دول كتير عندها قوانين تمنع تغيير شكل الواجهات التراثية حتى لو المبنى متهالك وهيتم اعادة بناؤه من الداخل.
3- الأصل عندنا غياب كامل لثقافة “الحكم المحلي”، يعني سكان محافظة القاهرة أو سكان المنطقة دي محدش سألهم ولا لهم أي رأي، مفيش مجالس محلية منتخبة، ولا فيه محافظ منتخب رغم نص الدستور بالمادة 179، وكمان غياب ل “دولة المؤسسات” اللي كان مفروض فيها الجهات المسؤولة زي وزارة الآثار وجهاز التنسيق الحضاري يتم أخذ موافقتها من الأول، وده الوضع اللي مفروض كله يتغير بشكل عام زي ما بيحصل في دول أخرى.
*****
ليه دي قضية مهمة؟
– الأهمية الرئيسية مش السياحة ولا أي سبب خارجي، بل إن كل دولة طبيعي تهتم جدا باللي بيكون “هويتها”، اللي بتجمع مواطنيها سوا في بلد واحد، ويعزز انتمائهم ليها، وتخليد شخصياتهم ورموزهم التاريخية بكل المجالات و”اتصالهم التاريخي”.
– حتى في الدول الحديثة اللي معندهاش تاريخ طويل زي الخليج بنلاقي اهتمام كبير بأي شيء ينفع يتصنف كآثار، مع محاولة إنشاء قصص وسرديات حوالين الآثار القليلة دي وبيدفع ليها ملايين عشان تتعمل وتتجهز.
– جانب تاني مهم هوا جذب السياحة، ونشوف دول أوروبية بتجذب سياح أكتر بكتير مننا عشان حسن الاهتمام والتسويق لتراثها اللي ممكن يكون أقل بكتير في العمر والقيمة من اللي عندنا . منطقة جبانة المماليك دي كان ممكن يتم “تطويرها” برضه لتتحول لمركز جذب سياحي.
– ده غير “سمعتنا العالمية”، لأن التصرفات دي اللي فيها عداء للتاريخ والحضارة بتظهر في الصحافة الدولية، ده غير خطورة لو صدر من اليونسكو تحذير عن وضع “القاهرة التاريخية” هتبقى سمعة دولية سيئة جداً كبلد غير أمينة على التراث الإنساني، وده مش كويس لبلد جزء رئيسي من النقد الأجنبي بتاعها بييجي من السياحة!
– نتمنى ولو مرة السلطة تهتم بتاريخنا وهويتنا وتوقف أعمال الهدم المتهورة دي لحين دراستها بشكل وافي، تاريخنا المصري يستحق الاحترام والحفاظ عليه والتوقف عن العبث ده ومعاداة العلم والتاريخ والحضارة.
*****



مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *