– قبل ساعات صدر حكم على منار سامي، البنت المعروفة على تطبيق “تيك توك” لصناعة الفيديوهات القصيرة، بالسجن 3 سنوات مع الشغل، وكفالة 20 ألف لوقف التنفيذ، وغرامة 300 ألف جنيه، بتهم تتضمن “نشر الفجور والتحريض على الفسق”.
– القضية شملت كمان القبض على والد منار وأخوها وأختها على ذمة اتهامهم “التعدى على ضابط شرطة وأفراد التأمين والحراسة بمحكمة كفر شكر”.
– الحكم ده مشابه للحكم الصادر يوم الاتنين الماضي على 5 أشخاص، منهم مودة الأدهم وحنين حسام، بنفس النوع من التهم، بالحبس سنتين و300 ألف جنيه على مودة وحنين و3 أشخاص تانيين هما صديق لمودة الأدهم اتهم بالتستر عليها، واتنين من العاملين في شركة لايكي صاحبة تطبيق سوشيال ميديا زي تيك توك، على خلفية اتهامات تتعلق بالتعدي على “القيم والمبادئ الأسرية”.
– النهاردة حنناقش الحكم ده؟ ايه خطورة حكم زي ده على منظومة العدالة والقانون في مصر؟ وليه في مشكلة في حاجات زي قيم ومبادئ الأسرة؟
*****
إيه اللي حصل؟
– مودة وحنين ومنار وغيرهم بنات عادية بتشارك في تطبيق “تيك توك” اللي كان عدد المشتركين فيه السنة اللي فاتت بمصر2.5 مليون مصري، وزيهم زي المشتركين فيه وفي انستجرام وغيرها من التطبيقات الشبيهة كسبوا متابعين من خلال فديوهات تقليد أو رقص وغيرها من الأنشطة الترفيهية.
– في حالة حنين حسام التهمة اتبنت على فيديو كان فيه دعوة حنين للبنات أنهم يعملوا فيديوهات على تطبيق لايكي مقابل الحصول على مبالغ من المال، مع انها في نفس الفيديو بتأكد جدا إنه مطلوب بنات محترمة ومفيش أي مخالفات هتقبلها، وهيا نفسها محجبة أصلا، لكن بعد تحريض من اعلاميين محسوبين على النظام زي نشأت الديهي وناس زي مرتضى منصور تم القبض عليها في إبريل الماضي، واعتبار الفديو ده دعوة لممارسة الدعارة!!
– بخصوص مودة ومنار وغيرهم مفيش أي حاجة واضحة أصلا فين الجريمة، مفيش أي قانون في مصر بيعاقب على الرقص أو التمثيل أو الملابس القصيرة مثلا!
*****
اتحكم عليهم ليه؟
– الاتهامات اللي وجهتها النيابة العامة، واللي معظمها بستند على قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات اللي صدر في 2018 وبدأ تطبيقه السنة دي:
1- الاعتداء على قيم ومبادئ الأسرة المصرية والمجتمع.
2- الاشتراك مع آخرين في استدراج الفتيات واستغلالهم عبر البث المباشر
3- ارتكاب جريمة الإتجار بالبشر
4- تلقي تحويلات بنكية من إدارة التطبيق مقابل ما حققتاه من مشاهدة.
5- نشر فيديوهات تحرض على الفسق لزيادة المتابعين لهما، والتحريض على الفسق.
6- المشاركة في مجموعة “واتس أب” لتلقي تكليفات استغلال الفتيات.
7- تشجيع الفتيات المراهقات على بث فيديوهات مشابهة.
8- الهروب من العدالة ومحاولة التخفي وتشفير هواتفهما وحساباتهما.
******
إيه المشاكل القانونية في الاتهامات دي؟
– أولاً:
لأنه مفيش استغلال ولا إجبار لأي حد على أي حاجة. فين “الضحايا” و “المجني عليهم؟! ومفيش طبعا “الاتجار بالبشر” واللي هي جريمة لازم فيها ركن مادي للإدانة، يعني فلان أو فلانة يعترفوا بالتفاصيل إنه حنين أو مودة ادتهم فلوس في مقابل ممارسة الجنس مع شخص آخر أو أجبروهم على ده، محصلش والنيابة والشرطة مقدموش ولا دليل على شيء زي ده.
– ثانياً: موضوع جمع الأرباح والفلوس من الانترنت ده مش شيء غريب ولا مشين، اليوتيوب بيقدم فلوس لأصحاب القنوات اللي عليها مشاهدات كبيرة سواء كان المحتوى ترفيهي أو رياضي أو سياسي أو ديني، وده شيء معروف في العالم كله، وفي مصر كل أسبوع بنلاقي حد من المشاهير في مجالات مختلفة بيعلنوا عن استلامهم درع من اليوتيوب بسبب تحقيقهم لمشاهدات عالية.
وبالتالي النمط ده في حد ذاته مش جريمة بغض النظر عن اتفاقك او للطريقة دي في الربح، أو المحتوى اللي بيتقدم، منعرفش إزاي معلومة زي دي غايبة عن المحكمة الاقتصادية !
ثالثا:
أكبر دليل إنه مفيش أي سند قانوني إنه حسب محامي مودة الأدهم هيا رفضت طلبت ممثل النيابة انها تكشف حساباتها البنكية، وانها تجري كشف عذرية!
لو فيه أي سند قانوني حقيقي كان أتقدم وكان البنك المركزي أمر بكشف حساباتها زي ما بيحصل لأي متهم بجريمة “اقتصادية” حقيقية.
– وبرضه لو فيه أي سند قانوني لجريمة الدعارة كان اتقدم، مش يتطلب كشف عذرية كإن المتهم هوا اللي مفروض يثبت براءته مش النيابة هيا اللي تثبت الجريمة، ده غير انه أصلا طلب غير قانوني برضه لان عدم العذرية مش دليل على ممارسة الدعارة، لانه من الناحية القانونية البحتة بالقانون المصري الجنس الرضائي خارج الزواج سواء من ذكر او أنثي ملوش أي عقوبة قانونية، ده غير الرفض المبدئي للإجبار على إجراء “كشف العذرية” المهين وغير الانساني ده.
– رابعا:
إيه هي “قيم الأسرة المصرية” والمجتمع اللي اعتدت عليها البنات دي؟
يعني إيه هي القيم المشتركة بين المصريين باختلاف طبقاتهم ومستواهم الاجتماعي وأديانهم اللي ثبت ان البنات دي تمثل تهديد ليها؟! كلها اتهامات فضفاضة جداً وبتتعارض مع مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات لأن النص القانوني غير محدد.
– وبوضوح كدة إحنا أقدم بلد في العالم العربي فيها تمثيل سينمائي والأفلام المرخصة قانون بيتعرض فيها محتوى ميفرقش خالص عن البنات دي، كمان عندنا رقص شرقي مرخص قانونا من زمان وفيديوهاتهم مالية الانترنت، ده كمان كان عندنا برنامج بيذاع على قناة القاهرة والناس كمنافسة للرقص الشرقي وأي حد يقدر يتفرج في بيته، وعندنا ملاهي ليلية مرخصة قائم عليها أنشطة كتير اقتصادية وسياحية.
– ده أصلا لو أي حد فتح انستجرام دلوقي هيشوف صور كتير من القرى السياحية والفنادق للطبقة الأغنى في مصر وهما منزلين حفلاتهم وحياتهم وفيها بنات لابسة مايوهات أو بترقص، وعندنا موقع كامل اسمه “كايرو زوم” قائم على النمط ده.
– إيه جريمة البنات دي المختلفة عن كل هذا الوضع (القانوني) القائم بالفعل والمعلن بالفعل؟ دي أسئلة محدش بيجاوب عليها لا نيابة ولا محكمة دستورية ولا مشرع قانوني.
*****
ليه اللي حصل شيء خطير ومفروض يهمنا كلنا كمجتمع؟
– الدولة بحكم الدستور المصري والقوانين المحلية والمعاهدات الدولية المفروض إنها بترعى وتحمي الحريات الشخصية للمواطنين، طالما لم تتعرض لحريات مواطنين آخرين، الدستور يكفل حرية الدين والاعتقاد، وحرية التعبير، وغيرها من الحريات.
– وبناء على الفهم ده فمن حق أي حد إنه يرقص طالما رقصه ده مبيضرنيش، من حقه يلبس براحته طالما مبيجبرنيش ألبس زيه، وطبعا محدش أجبر حد يتفرج على حاجة مش حاببها، فإيه الجريمة اللي ارتكبتها حنين أو منار وغيرهم؟
والسؤال الأهم: احنا كمجتمع ازاي نكون آمنين على حرياتنا وحياتنا بينما كل واحد فينا ممكن يتقبض عليه بتهم عامة جدا زي دي؟
– هل النيابة والداخلية والقضاء بيتحركو بالطريقة دي وبالسرعة دي مع بنات الطبقة الأغنى اللي صورهم منشورة بالبكيني على شواطئهم في السحال والعلمين الجديدة وغيرها؟
بالتأكيد لأ لأنه الناس دي عندها فلوس ونفوذ بيخلوا النيابة والداخلية ساعتها يتجاهلوا “قيم الأسرة المصرية” اللي بيمارسوها عالبنات الأفقر واللي من الطبقة الوسطى واللي مفيش في عيلتهم مستشارين أو ظباط أو رجال أعمال.
مش التمييز ده في التعامل القانوني مع نفس الأفعال هوا الخطر فعلا على المجتمع؟
– هل الدولة بأجهزتها بتتحرك بنفس السرعة والقوة لردع جرايم التحرش والاغتصاب اللي فيها ركن مادي متوفر وجريمة واضحة؟ ولا بتستنى لغاية ما الحادثة يبقى ليها تريند وزخم على السوشيال ميديا؟
وليه الدولة دايما شايفة البنت جانية حتى لو مجني عليها، زي انه يتم عقاب مجرمين اغتصبو “منة عبدالعزيز” أحد فتيات تيك توك بقضية تانية، في حين إنهم برضه قابضين عليها وحابسينها بدون سبب مفهوم.
– هل المحامين اللي تخصصو في النوع ده من البلاغات الوصائية التافهة، وأيضا في بلاغات المكايدة السياسية، وتجاوب النيابة معاهم، مش خطر حقيقي على الممارسة القانونية في البلد؟
*****
– هنا مش بنقول انه مطلوب خالص إن يعجبه ما يقدمه البنات دي، أو يعيش حياته زيهم، أو يشوف انهم صح وهوا غلط، مش الهدف خالص الانحياز مع أو ضد ممارسة اجتماعية معينة.
– احنا دايماً في صفحة الموقف المصري انحيازنا للحريات السياسية والاجتماعية، وضد يخلينا ضد إنه الدولة تلعب دور في الإجبار على تصور أخلاقي معين للمجتمع، دورها حماية الحريات وبعدها كل طرف حر يدعو للي عايزه ويعيش هوا وأسرته بطريقته .. ومجتمعنا بالفعل فيه ناس كتير جدا عايشين نمط حياة محافظ ومتدين، ومنهم اللي بينشر على نفس منصة “توك توك” فيديوهات لتقليد قراء قرآن مثلا، وناس اتشهروا وبيكسبوا فلوس برضه من محتوى ديني ومحافظ، وده حقهم برضه ودور الدولة تضمن حريتهم هما كمان.
– والتجربة أثبتت ان الحريات السياسية والاجتماعية مش بعيدة كتير عن بعض، ونفس النوع من التهم العامة بيتم استخدامه سياسيا، ويتحول حقوق متاحة بالدستور والقانون لمنع كامل زي مثلا المظاهرات السلمية فعل قانوني تماما إلا في حالة تعطيل المرور أو تخريب المنشآت وده مبيحصلش طبعا.
– الدولة دورها تتدخل بس في الجرايم الفعلية زي التحرش والاغتصاب والتحريض على العنف الإرهاب والطائفية، واللي أفعال خارج إطار الحرية الشخصية وبتمثل اعتداء عليها.
– نتمنى إنه الدولة والقانون المصري يتوقفوا عن الانشغال بلبس السيدات وأجسامهم، والجهد ده يتوجه ضد جرايم التحرش والاغتصاب، وضد حبس الناس ظلم، وضد الانتخابات غير النزيهة، وضد هدم الأماكن الأثرية، وضد عدم العدالة في الوظايف والتعيينات، وضد التحريض والطائفية ضد المسيحيين، وغيرها من جرايم كتير بتمثل فعلا خطر على المجتمع المصري و”الأسرة المصرية”.
*****