– فات يومين على حادث قطاري سوهاج (ربنا يرحم الضحايا ويصبر ذويهم ويشفي المصابين) حصل خلالهم تطورات كتير.
– أهم معلومة اتقالت هيا كلام وزير النقل عن تشغيل أجهزة تأمين سير القطارات ATC اللي بيتحكم في القطارات عن بعد، وانه كان أمر بوقفها وهيرجع تشغيلها لحماية الأرواح، لكن هتؤدي لتأخير وصول القطارات بنسبة 25 %!
– الوزير قال للمواطنين “استحملونا شوية لحد ما نخلص تطوير”، وقال ان الخطة هتخلص سنة 2024.
– في البوست ده هنحاول نرصد ونقيم اللي حصل، وهنشرح خلفيات قرار وزير النقل بعودة العمل بنظام الأمان ATC، ونناقش الأسئلة المعتادة زي “مين المسؤول”، وازاي يتحاسب، وإيه العمل لوقف نزيف دماء المصريين وأرواحهم في قطاع السكك الحديدية.
*****
إزاي السلطات تعاملت مع الحادث؟
– في البداية مهم نذكر معلومة مهمة إن وزارة الصحة راجعت أعداد الضحايا، وقالت إن عدد الوفيات 19 شخص فقط، و3 أكياس أشلاء، والمصابين وصل عددهم 185 مصاب.
– وزيرة الصحة بررت تعديل الأرقام المعلن عنها بأن بعض المصابين كانوا في غيبوبة، وإن الأهالي أبلغوا عنهم باعتبارهم متوفين، لكن لما راحوا المستشفيات وتم فحصهم تم التأكد من إنهم على قيد الحياة.
– بعد ساعات من الحادث، رئيس الوزراء توجه لسوهاج، بصحبة 4 وزراء: وزيرة الصحة ووزير التعليم العالي، ووزيرة التضامن، ووزير التنمية المحلية. وزاروا مستشفى جامعة سوهاج اللي نُقل إليها كتير من المصابين. أيضا وزير النقل زار موقع القطار.
– الرئيس عبد الفتاح السيسي وجه بتشكيل لجنة من الرقابة الإدارية والهيئة الهندسية والكلية الفنية العسكرية وكلية الهندسة للتحقيق، وأصدر بيان أكد فيه “على أن ينال الجزاء الرادع كل من تسبب في هذا الحادث الأليم بإهمال أو بفساد أو بسواه، دون استثناء ولا تلكؤ ولا مماطلة”.
– النائب العام أعلن عن تشكيل لجنة من نفس الجهات، لفحص القطاريْن وصلاحية أجهزة التشغيل والسلامة الخاصة فيهما، والتأكد من مدى التزام المسؤولين عن القطارين.
– أيضا توجه النائب العام على رأس فريق من المستشارين لموقع الحادث وبدأت تحقيقات بسماع أقوال سائقي القطارين ومساعديهم ومسؤول لوحة تشغيل برج المراقبة وعامل المزلقان.
*****
إيه سبب الحادث ده؟
– حسب بيان وزارة النقل، أشخاص مجهولين شدو فرامل الطوارئ في القطر الأول رقم 157 ووقف القطار، في الوقت اللي كان فيه قطار رقم 2001 جاي، فاصطدم به من الخلف.
– دي المعلومة الوحيدة الرسمية عن سبب الحادث، لكن بعد دقائق من بيان وزارة النقل، صدر بيان من النائب العام، طالب فيه كافة الجهات بالتزام عدم إصدار أي بيانات أو تصريحات.
– مصدر قال لجريدة الشروق إن سائق القطار لسه حي ومكانش موجود بمكانه، وساب المهمة وقتها لمساعده اللي أصيب بكسر مضاعف في القدم بعد ما رمى نفسه من القطار لحظة التصادم
– تم تداول أخبار عن حوادث سابقة لنفس القطار 157، زي اصطدامه بتروكسل وخروج عربيتين وغيرها، لكن الحقيقة مينفعش التركيز يكون على القطر ده بعينه، لأن كل سنة بيحصل حوادث كتير جدا، ومش بيتشهر اللي اللي فيها ضحايا.
الجهاز المركزي للاحصاء كان ذكر في تقرير سابق إنه خلال عشر سنوات بين 2006-2016 حصل أكتر من 12 ألف حادثة. يعني أي قطر لو دورنا في تاريخه هنلاقيه تعرض لحوادث.
*****
وصلنا فين في خطة التطوير؟
– حسب التصريحات الرسمية خطة التطوير بدأت من سنة 2018 على أكتر من مستوى: تحديث العربات والجرارات، تطوير منظومة الإشارات والسكك الحديدية، تطوير للمحطات والمزلقانات، والمبالغ المخصصة للإنفاق على البنود دي تجاوز 225 مليار جنيه.
– بتقول أيضا إنه لحد ما تنتهي عملية التطوير في الخطوط الأساسية منتصف سنة 2022، وفي باقي الخطوط عام 2024، هيكون في حوادث لأن حركة القطارات شغالة بالتوازي ولم تتوقف.
– لكن الكلام ده محتاج وقفة، لإنه رغم انه صحيح مشاكل الهيئة متراكمة عبر عشرات السنين، وحسب دراسة نشرتها المبادرة المصرية للحقوق الشخصية حصل تراجع في نسبة الإنفاق من 1.3% من الناتج المحلي الإجمالي في 1991 إلى نحو 0.31% في 2016.
– لكن رغم كدة، ورغم حاجة التطوير لسنوات فعلا، لكن ده لا ينطبق على أنظمة الأمان اللي مفروض انها موجودة من الأول، ومفيش أي منطق إنها متكونش شغالة والغريب إن الوزير نفسه يقرر يوقف حاجة منها!
*****
إيه وسائل الأمان في القطارات حاليا؟
– بشكل عام، عندنا 4 وسائل، الأولى إن السائق يوقف القطار يدويا، خلال 24 ثانية من وجود إشارة على حدوث عطل.
– لو فشلت المحاولة، فيتم اللجوء للوسيلة التانية، يستخدم السائق جهاز Dead Man Switch المعروف باسم “رجل الميت” وده عبارة عن دواسة السائق بيحط رجله عليها طول فترة تحرك القطار، ومجرد ما يشيل رجله لأي سبب، سواء تعب أو مات أو حصل أي عطل، تصل إشارة لبرج المراقبة، اللي بيتدخل ويوقف القطار خلال 24 ثانية.
– الوسيلة الثالثة: استخدام جهاز Automatic Train Control المعروف باسم ATC اللي بيسمح لبرج اﻹشارات بوقف القطار أتوماتيكيًا لو حصل شيء غير طبيعي.
– الوسيلة اﻷخيرة: إبرة السقوط، وتعتمد على فصل عامل البرج للقضبان، لإسقاط الجرار من على القضبان قبل اصطدامه.
– حسب مذكرة النائب محمد فؤاد لمجلس النواب بعد حادثة قطار رمسيس، مصر ركبت 2006 أجهزة GPS لتتبع حركة القطارات من سنة 2006، لكنها لم تستخدمها، مع إن اللوائح بتقول ماينفعش الجرار يبدأ الرحلة لو كان الجهاز عطلان.
*****
هل وسائل الأمان دي بتستخدم؟
– لو افترضنا صحة كلام وزارة النقل امبارح عن تسبب مجهولين في توقف القطار بفرامل الطوارئ (رغم إن التحقيقات الرسمية لم تثبت دا لسه)، فالمفروض إن فيه مسافة بين القطرين، وكان يمكن الإبلاغ عن العطل، وتوقيف القطار التاني بطريقة من الأربعة اللي اتكلمنا عنهم، ليه ده ماحصلش؟
– جرار القطار التاني كان جرار روسي دخل الخدمة منذ عدة أشهر في إطار حملة التطوير اللي شغالة حاليا، حسب ما صرح مصدر في هيئة السكة الحديد لموقع مدى مصر.
– كمان برج الإشارة اللي وقع الحادث بالقرب منه في منطقة طهطا بسوهاج، تم الانتهاء من تطويره في ديسمبر الماضي، بالإضافة إلى الانتهاء من تطوير نظام إشارات إلكتروني في المنطقة، يتيح للسائق الاتصال بمراقب التشغيل في حالات الطوارئ أو الأعطال المفاجئة.
– المفاجأة إن وزير النقل قرر شهر نوفمبر السنة اللي فاتت، بإغلاق نظام التحكم الإليكتروني ATC، لما كان فيه اعتراضات من الركاب على تأخير القطارات لعدة ساعات.
– وقتها سائقي القطارات كانوا متمسكين بتشغيل الجهاز، خوفا من تحميلهم المسؤولية القانونية للحوادث اللي بتحصل في غياب وسائل الأمان، خصوصا بعد الحكم بسجن أحد السائقين بسبب حادث روض الفرج اللي حصل السنة اللي فاتت وأصيب فيه 13 ركاب.
– امبارح الوزير قرر عودة العمل بنظام الأمان مرة أخرى، وقال “اه صحيح هنتاخر شوية ولكن قدام سلامتنا مفيش مشكلة إننا نتأخر فاستحملونا شوية لحد ما نخلص التطوير لحد ما نعرف نوائم بين تطوير المرفق وسلامة وأمان المواطنين”.
*****
– وزير النقل الحالي اللواء كامل الوزير، تولى الوزارة بعد إقالة الوزير السابق هشام عرفات في مارس 2017، على خلفية حادثة محطة مصر اللي راح ضحيته 22 مواطن.
– وقتها تم الترويج للوزير على إنه هيعيد الانضباط للوزارة، وإن خلفيته العسكرية هتساعد على تشغيل مرفق السكة الحديد بنظام حاسم، وكمان هيبدأ عملية التطوير بميزانية ضخمة.
– لكن زي ما شرحنا فوق، واضح إن المشكلة في طريقة الإدارة وترتيب الأولويات أكبر من أي شيء آخر. وإن الوزير كان قرر إنه في الوقت الحالي أولويتها ضبط جدول المواعيد وحركة القطارات، حتى لو على حساب معايير الأمان.
– زي ما الكل عارف، حادثة محطة مصر حصلت لأن السائق نزل من الجرار وسابه يمشي لوحده لحد ما اصطدم بالرصيف. اكتشفنا وقتها إن نظام الأمان “رجل الميت” معطل في أغلب القطارات، وإن كتير من السواقين بيحطوا حجر على الرجل دي.
– والآن اتضح إن نظام التحكم الإليكتروني ATC كان معطل بقرار من الوزير، قبل ما يرجع يتطلب تشغيله.
– السؤال الأهم دلوقتي هو إنه لو تعطيل الجهاز كان أحد أسباب الحادث، هل الوزير هيتحمل نتيجة قرار السماح بوقفه تشغيله؟ وهل هيتم التحقيق معاه في إطار التحقيقات اللي بتعملها كل الجهات دي، باعتباره مسؤول مباشر -مش بس مسؤولية سياسية- عن الحادث؟
– ليه لازم نستني تحصل مصيبة عشان ناخد بالنا إن الأهمال أو القرارات المتسرعة ممكن تسبب كارثة وتكلف أرواح العشرات من المواطنين؟
– خطوة مهمة عشان نخرج من المأزق المتكرر دا هو تحقيقات شفافة تنسب الخطأ لمرتكبه الحقيقي، (بدون أي كبش فداء) لأن حجة ومبرر “الأخطاء الفردية” بقت ماسخة جداً قدام كل الحوادث دي، ونعتقد كمان إن مفيش وزير مهما كانت خلفيته هيكون كبير على محاسبة مجلس النواب اللي المفروض يقوم بدوره الرقابي بلا أي حسابات أخرى.
– خاصة وإن فيه مصدر بهيئة سكك حديد مصر، قال لموقع مدى مصر إن كلام الوزير بعد الحادث يعتبر “إغلاقًا للأزمة بدون تحميل المسؤولين بوزارة النقل وبالهيئة مسؤولياتهم السياسية عن الحادث، ومقدمة لقصر المسؤولية على صغار الموظفين”.
– بيتضح بالتبعية إن مسألة تطوير مرفق زي السكة الحديد محتاج إدارة رشيدة مش بس رفع لافتة “التطوير” بدون أي اهتمام لمعايير السلامة والأمان، اللي المفروض تكون في صلب أي عملية تطوير، لأن ممكن في غضون عملية التطوير اللي شغالة تحصل جرايم زي ما شفنا وبنشوف.
– فمينفعش المقايضة اللي الوزير بيقولها “استحملونا لحد ما نخلص التطوير عشان نوديكم أشغالكم وما نقفلش السكة الحديد”، لأن بكده هيبقى دور الوزير إيه؟ وفين إدارة الأزمات؟ لما البديل هيكون إن السكة الحديد تقفل.
– بنكرر عزائنا لأسر الضحايا، وأمنياتنا بالشفاء لكل المصابين، وبنطالب بتحقيق عادل وشامل، يضع كل المسؤولين أمام مسؤولياتهم.
*****