– يوم الجمعة وزارة الصحة أعلنت استقبال أول دفعة من المواد الخام لتصنيع لقاح سينوفاك الصيني محليا في مصر، والكمية دي تكفي 2 مليون جرعة، هيبدأ انتاجها الشهر القادم، وتستهدف مصر 60 مليون جرعة.
– الخطوة دي تمت باتفاق بين شركة سينوفاك وشركة فاكسيرا المصرية الحكومية، لكن حاليا فيه تحرك دولي واسع ممكن يدي مصر والدول النامية فرصة الانتاج المحلي لأنواع أخرى من اللقاحات بدون الحاجة لاتفاقات ثنائية.
– يوم الأربعاء الاتحاد الأفريقي أصدر بيان باسم وزراء الصحة الأفارقة يرحب باقتراح التنازل عن حقوق الملكية الفكرية اللي قدمته منظمة التجارة العالمية، والرئيس الأمريكي بايدن أعلن دعمه.
– بعد تصريحات بايدن، بدأت تتوالى تصريحات أوروبية مؤيدة للاقتراح، منهم الرئيس الفرنسي ماكرون اللي كان متحفظ على الفكرة قبل كده، قال المرة دي إنه يؤيدها بشكل كامل، بينما ألمانيا أبدت تحفظها على الخطوة، ومتحدث الحكومة الألمانية قال ان حقوق الملكية “مصدر للابتكار ويجب أن تظل كذلك في المستقبل”
– اتكلمنا قبل كدة عن التجربة المصرية الناجحة في تصنيع علاج فيرس سي محلياً بعد ما لجنة الملكية الفكرية المصرية رفضت طلب شركة جلعاد الأمريكية تسجيل الدواء بناء على بنود قانونية دولية، وده أدى لانخفاض كبير جدا في سعر العلاج في مصر.
– إيه قصة الملكية الفكرية؟ وليه هي مهمة؟ وليه في اقتراحات للتنازل عنها؟ وده يفرق معانا في إيه؟ ده اللي هنتكلم عنه في البوست الحالي.
*****
ليه اقتراحات التنازل عن الملكية الفكرية مهمة؟
– الاقتراحات بالتنازل عن الملكية الفكرية بدأت بالهند وجنوب أفريقيا، قدموا طلبات لمنظمة التجارة العالمية، بتطلب رفع قيود الملكية الفكرية اللي بتحميها اتفاقية التريبس، والسماح للدول بإنها تبدأ تصنيع اللقاحات مباشرة بسبب الحالة الاستثنائية للوباء.
– انضم للدعوات دي أكتر من 100 دولة في العالم، ومع الوقت انضم ليها هيئات ومؤسسات صحية، ولكن الطلبات دي في البداية اترفضت من بعض الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية زي أمريكا (وقت ترامب) وبريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي، مدعومة برفض شركات الأدوية المصنعة للقاحات بحجة انه هيؤدي لخسائر ليها بعد ما صرفت مليارات على الأبحاث، لكن ده اترد عليه إن الشركات كسبت خلاص بالتعاقدات الحكومية الغربية الضخمة ومش لازم يكسبوا أكتر.
– المرة دي خطوة إدارة بايدن كانت مهتمة في دعم اتجاه التنازل عن حقوق الملكية الفكرية، لدرجة إن تيدروس أدهانوم غيبريسوس، رئيس منظمة الصحة العالمية وصف القرار الأمريكي بأنه “تاريخي”، وقال إنه بيمثل “لحظة تاريخية في الحرب على كورونا.
– بعدها على طول أكدت رئيسة مفوضية الاتحاد الأوروبي أورسولا فون دير لاين استعدادهم لمناقشة رفع حقوق الملكية الفكرية عن اللقاحات المضادة لفيروس كورونا، ودي خطوة متقدمة كمان.
– الاقتراحات دي لو اتوافق عليها، هتبدأ دول نامية منها مصر وغيرها مباشرة في التصنيع وبالتالي عملية توفير اللقاحات وحماية الشعوب هتكون أسرع بكتير من الوضع الحالي البطيء لصالح الدول الغنية.
– الموضوع فيه مشكلة تانية غير الجانب الربحي لكن كمان تخوفات زي مسألة قدرات التصنيع وضبط الجودة، وكمان مسألة المستقبل، ودا برضه كان ضمن كلام المتحدثة باسم الحكومة الألمانية اللي قالت أن “العناصر الرئيسية تتعلق بالطاقة الإنتاجية ومعايير الجودة أكثر من براءات الاختراع”.
– بعض الآراء قالت إن الدول دي مش خايفة من فقد أرباح اللقاح حاليا، لكن المسألة في المستقبل، لو تم اقرار قاعدة التنازل عن الملكية الفكرية، أو خايفين من عملية نقل التكنولوجيا الحديثة اللي استغرقت من مؤسساتهم وقت وفلوس كتير على البحث العلمي وتطويره، وبالتالي فيه إمكانية واحتمالية بعد كدة الدول النامية المستوردة تستغنى عن عدد كبير من اللقاحات والأدوية في المستقبل.
– رغم إن أصلا فيه تشكيك في مسألة نقل التكنولوجيا دي لأن اللقاحات المستخدمة تقنيات جديدة زي فايزر مثلا، هناك اتجاه بيقول فيه صعوبة شديدة في تصنعيها خارج الولايات المتحدة وأوروبا حتى مع التنازل عن الملكية الفكرية، وشفنا لما شركة “ميد ترونيك” الأمريكية في أول الوباء نشرت تصميمات جهاز تنفس صناعي بتنتجه وأعلنت تنازلها عن الملكية الفكرية لكن برضه مقدرناش نصنعه محلياً لأن بعض مكوناته كانت دقيقة جدا ومحتاجة إمكانات تصنيعية متقدمة ومعقدة مش عندنا.
لكن قد يكون الأمر أكثر إفادة مع تقنيات اللقاح التقليدية المستخدمة في لقاح استرازينيكا مثلا.
*****
إيه هي حقوق الملكية الفكرية؟ وليه هي مهمة؟
– الملكية الفكرية ببساطة هي ملكية الإبداعات الإنسانية والعلمية، زي الاختراعات المحمية ببراءة اختراع، وحقوق التأليف والنشر، والعلامات التجارية.
الحق ده يتم حمايته بخطوتين:
الأولى هي الحصول على تصريح من مالك الحق الفكري لاستخدامه، والتانية دفع مقابل مادي ثمن للانتفاع ده.
– وبالشكل ده بيتم تشجيع الاستثمار والإبداع والبحث العلمي من الأفراد والدول في كافة المجالات، عشان يوصلوا لبراءات الاختراع ويقدروا يكسبو منها.
– بيحمي الحقوق دي مجموعة من الاتفاقيات الدولية والأممية اللي موقعة عليها معظم الدول، وأهمها اتفاقية “التريبس” اللي هي منظمة التجارة الدولية.
– وفي مجال التكنولوجيا الحيوية والطبية، حقوق الملكية الفكرية وبراءات الاختراع هي حافز رئيسي لشركات الأدوية إنها تصرف كتير على البحث والتطوير عشان توصل لأدوية مبتكرة تقدر تكسب منها مكاسب كبيرة بخلاف السمعة الطبية والمهنية.
– والدول الكبيرة والمتقدمة كانت هي صاحبة المبادرة في الاتفاقيات دي، بمنطق تجاري وربحي بحت، لإنها بتصرف على البحث العلمي نسب كبيرة من ميزانياتها وبتظهر عندها أغلب الاختراعات والابتكارات الجديدة.
– في الأوقات العادية بيكون في خلاف حوالين الحقوق دي ومدى أخلاقيتها، بمنطق إنه ده مينفعش مع البحث العلمي والطبي والعلاج لأنه ده بيرسخ لفكرة إنه الدول والأفراد الأغنياء يقدروا يتعالجوا ويتوفرلهم رعاية طبية، والدول والأفراد الفقراء مش هيبقى متوفر لهم، ودي نقطة جدال فلسفي تاريخية.
– طبعاً الحق ده مش مطلق، لأنه برضه بيقيد بمدى زمني معين، ده غير إنه مش أي دواء جديد بيكون دواء مبتكر، وإلا مكانش حد اتعالج في العالم كله، ده موضوع ليه شروط كتير جداً، وفي دول كتير بتحاول تقلد وتنتج من غير ما تتورط في كسر حقوق الملكية الفكرية، بالذات مع نشأة منظمة التجارة العالمية واللي بقت بتحط عقوبات شديدة على أي اختراق وكسر للحقوق.
– ويمكن أكتر دولة في العالم أوروبا وأمريكا عندهم مشاكل معاها بسبب حقوق الملكية الفكرية، هي الصين، ودي خناقة طويلة ومعقدة جداً.
*****
طيب ليه اتفتح الكلام عنها في وقت كورونا؟
– السبب إنه من بداية انتشار الوباء بدأت الدول المتقدمة تحفز شركات الأدوية بتاعتها إنها تطور أبحاثها وشغلها عشان توصل للقاح للفيروس.
– وتم ضخ مليارات الدولارات لشركات الأدوية المتقدمة والكبيرة عشان تقدر تنجز اللقاح في زمن قياسي، وده بياخد وقت طويل جداً ومجهود كبير من البحث، صحيح جزء من الأهداف للعمل ده إنقاذ البشرية لكن في هدف مهم برضه للشركات دي وهو الربح.
– وفي وقت متقارب من كذا شهر بدأت تظهر اللقاحات ورا بعضها، وبتقنيات علمية مختلفة، ومنها تقنيات مبتكرة تماماً زي لقاح الشركات الأمريكية “فايزر” و “موديرنا”، أو تقنيات أقدم زي لقاحات “استرازينيكا” الانجليزية وجونسون آند جونسون.
– مع بداية إنتاج اللقاحات والتأكد من سلامتها، زي ما شفنا كلنا، الدول الغنية اللي عندها شركات أدوية متطورة قدرت تستفيد أكتر بإنتاج اللقاحات، وشفنا أمريكا وانجلترا تحديداً وصلوا لنسبة تلقيح عالية جداً مقارنة بعدد السكان، واشتروا لقاحات بكميات كبيرة قد تفوق الاحتياج، وبعضها نجح في حجز اللقاح وهو لسه في مرحلة التجارب السريرية، بينما كتير من دول آسيا وأفريقيا مقدرتش توصل اللقاحات لنسبة 5% من شعبها، وبتنتظر شهور على كل دفعة من الجرعات توصلها.
– ومع الوقت بدأت تظهر شراكات تجارية للتصنيع، زي اللي حصل مع معهد الأمصال الهندي وشركة استرازينيكا الانجليزية، لتصنيع اللقاح في الهند وإنتاجه، عشان تقدر تستفيد انجلترا بجرعات أكبر، وفي نفس الوقت تستفيد مادياً من إتاحة الحق في التصنيع للدواء من الهند، وفي نفس الوقت الهند تستفيد من إنتاج اللقاح، ومن بيعه لدول كتير زي السعودية والمغرب وغيرها من الدول اللي استفادت من تصنيع لقاح استرازينيكا في الهند.
– نفس القصة بدأت مصر تحاول تعملها مع لقاح “سينوفاك” الصيني، ولقاح سبوتنيك الروسي. مصر ليها تاريخ جيد وامكانات مهمة مع التصنيع الدوائي، لكن طبعاً متأخرين جداً في تطوير البحث العلمي.
*****
إيه اللي ممكن تستفيده مصر من تعليق الملكية الفكرية؟
– اللي ممكن نستفيده بشكل مباشر هو سرعة إنتاج اللقاحات، وبدون تكاليف كبيرة للملكية الفكرية زي ما بيحصل دلوقتي مع محاولات تصنيع أحد اللقاحات الصينية واللقاح الروسي، بالشراكة مع شركة فاكسيرا المصرية.
– وفي الأغلب لو أتيحت الحقوق دي، مصر هتتجه أكتر لتصنيع لقاحي استرازينيكا وسينوفارم الصيني، وربما لقاحات تانية تقدر على توفير اللوجسيتيات بتاعتهم ممكن يكون جونسون آند جونسون، لأن لقاح فايزر ناهيك عن التكنولوجيا الجديدة المستخدمة في تصنيعه، بيتطلب التخزين في درجة حرارة أقل من 70 درجة مئوية، وده مكلف وصعب جداً.
– لكن الأهم من سرعة تصنيع اللقاحات، إنه فك جزء بسيط من تكنولوجيا التصنيع للقاحات الحديثة أو حتى صاحبة التكنولوجيا القديمة، المفروض إنه هيساعد كتير جداً ويطور من قدرات الشركات المصرية من تطوير صناعة الدواء في المستقبل.
– وكمان لأن عندنا شركات أدوية ومصانع أدوية بنسبة كويسة لحد ما، ده هيخلينا نقدر كمان نصدر ونورد اللقاحات لكتير من الدول الأفريقية القريبة اللي الصناعة الدوائية فيها متواضعة للغاية، ودي فرصة اقتصادية طبعاً هايلة جداً.
*****
– نتمنى إنه المقترحات دي تتنفذ ولو حتى بشكل جزئي يساعدنا في عملية تصنيع اللقاحات بشكل أسرع، نقدر ننقذ بيه نفسنا من تفشي إصابات ووفيات كورونا.
– والأهم إنه درس الكورونا كله على بعضه، بيعرفنا قد إيه مهم الإنفاق وبشدة على التعليم وعلى البحث العلمي، اللي مبيتصرفش عليهم 4% من الناتج المحلي الإجمالي زي ما الدستور بيقول، وطبعاً أقل بكتير من المعدلات العالمية اللي متوسطها من 10 – 15%، وبتمكن الدول اللي بتحترم البحث وبتصرف عليه وبتساعد علمائها وجامعاتها على التطوير، لأنه في النهاية بيفيد اقتصاد البلد في مختلف الصناعات ويحولها من بلد مستهلك للتكنولوجيا، لبلد منتج ومصنع.
*****



مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *