– خلال الأيام اللي فاتت يمكن كثير من المصريين تابعوا أخبار الحرائق اللي بتحصل في الغابات في اليونان وتركيا والجزائر بسبب ارتفاع درجات الحرارة. الجديد في الحرائق دي غير حجمها غير المسبوق هو أنها بقت متواترة وبتحصل في منطقة جنوب المتوسط بشكل سنوي تقريبا في السنوات الأخيرة.
– دا بيحصل في وقت بتعلن فيه هيئة الأرصاد الجوية مطلع أغسطس الجاري إن الصيف السنة دي هو الأسخن منذ 5 سنوات، عشان درجات الحرارة سجلت ما بين 3 و4 درجات مئوية، أعلى من المعدلات الطبيعية.
– طبعا ده نتيجة مباشرة للتغيرات المناخية اللي بيعيشها العالم حاليا، دا في الوقت اللي الوكالة الوطنية الأمريكية للمحيطات والغلاف الجوي بتعلن فيه إمبارح الجمعة أن شهر يوليو السنة دي كان الأشد حراً في تاريخ كوكب الأرض على الإطلاق، وأبدت قلقها حيال تفاقم الظواهر الطبيعية المرتبطة بالتغير المناخي.
– والتقارير الدولية كمان بتشير أنه مصر ومنطقة الشرق الأوسط بشكل عام هتتأثر بالتغيرات المناخية دي بشكل كبير جدا.
– ايه الوضع الحالي بالنسبة للتغير المناخي في منطقة الشرق الأوسط؟ وايه هو تأثير التغيرات المناخية على المنطقة اللي عايشين فيها وبالأخص مصر؟ ايه اللي المفترض يتعمل من الحكومة في الملف ده ؟ دي الأسئلة الثلاثة اللي هنحاول نجاوب عليها النهاردة في سياق البوست ده ؟
*******
ايه وضع التغيرات المناخية في الشرق الأوسط؟
– من أيام أصدرت اللجنة الحكومية الدولية المعنية بالتغير المناخي التابعة للأمم المتحدة الجزء الأول من تقريرها السادس بخصوص التغير المناخي، التقرير قال إنه درجة حرارة الكوكب زادت حوالي 1.07 درجة مئوية في خلال الـ120 سنة الأخيرة.
– ده مؤشر شديد الخطورة لأنه المستهدف بالنسبة لاتفاقية باريس للمناخ في 2015 هو أنه الزيادة دي متوصلش لأكثر من 2 درجة مئوية، مع تفضيل ألا تتجاوز الزيادة درجة ونص، لكن التقرير الأممي توقع تجاوز التفضيل دا في كل الحالات.
– طيب وايه اللي ممكن يحصل يعني؟ الحقيقة الارتفاع في حرارة الأرض لو وصل لدرجتين هيرتفع مستوى سطح البحر في مناطق كتير، ودا تأثيره هيكون غرق أراضي بيعيش عليها مئات الملايين..
– طبعا التغير المناخي بيؤثر على كل العالم، لكن بالطبع التأثير غير متساو بين كل دولة والتانية على حسب عوامل كثيرة جدا منها الفقر، والقدرة على التكيف، وتكييف أنماط الزراعة والصناعة عشان تكون أفضل مع التغيرات المناخية.
– بالتالي المناطق الأفقر في العالم في إفريقيا وآسيا هتكون أكثر عرضة لتأثيرات التغيرات المناخية وخاصة على قطاعات أساسية زي الزراعة مثلا.
– في تقرير حديث عن الأمم المتحدة بيوصف منطقة الشرق الأوسط بمركز التغير المناخي في العالم بمعنى أنها هتكون من أكثر المناطق تأثرا بارتفاعات درجات الحرارة، التقديرات بتقول إنه 64% من المحاصيل اللي بتعتمد على المطر ممكن تختفي لو استمر الوضع كذلك، و71 % من الناتج المحلي في المناطق دي معرض لضغوط بسبب التغيرات المناخية وطبعا الضغوط كبيرة جدا على القطاع الزراعي، وبالتالي الأمن الغذائي للدول دي، وخاصة في ظل شح الموارد المائية في الدول دي.
******
وايه وضع مصر؟
– يمكن كلنا بنشوف موجات الحر الشديد في مصر بقت بتكرر إزاي في السنوات الأخيرة، وده بيرجح أنها ناتجة عن التغيرات المناخية بشكل مباشر، موجات الحرارة في الصيف والتقلبات الجوية المستمرة دي مش بس بتؤثر على البشر لكنها بتؤثر على الطبيعة كلها بشكل عام.
– بحسب التقارير الدولية فكل نص درجة مئوية زيادة في متوسط درجة الحرارة تؤدي إلى زيادة بشكل ملحوظ في الأحداث المناخية المتطرفة، مثل موجات الحر والسيول والجفاف.
– ارتفاع درجات الحرارة المستمر أيضا بيهدد بمزيد من زوبان الجليد في القطبين، وبالتالي ارتفاع مستوى سطح البحر وتهديد أكبر في المناطق الساحلية، في سيناريوهات من دراسات علمية بتقول أنه ارتفاع نص متر فقط في مستوى سطح البحر بيهدد 30% من أراضي إسكندرية الساحلية، وهيدفع حوالي مليون ونص نسمة للبحث عن سكن بديل.
– أيضا تأثير التغير المناخي على الأمن المائي لمصر واضح وصريح ويمكن كلنا بنشوفه دلوقتي في معدلات الفقر المائي اللي إحنا تحتها بالفعل. مصر تاريخيا كانت منطقة جافة معدلات هطول المصر فيها لا تتجاوز 100 مم في السنة، وسكانها متركزين في حوالي 4-5% من مساحة البلاد ومواردنا المائية كلها تقريبا موارد غير متجددة زي النيل والمياه الجوفية في الدلتا وشمال الدلتا واللي بالمناسبة من سنوات فيها مستويات مرتفعة من السحب الجائر بسبب المزارع الكبيرة في غرب وشرق الدلتا.
– بالتالي الأمن الغذائي المصري في خطر حقيقي، من المتوقع أنه إنتاجية محاصيل مختلفة تقل بسبب ارتفاع درجات الحرارة والتقلبات الجوية وشح المياه، وفي أشد السيناريوهات تفاؤلا يعني من المتوقع أنه تنخفض إنتاجية القمح والذرة بنسب 20% بحلول 2060.
– أيضا من المتوقع أنه نسبة المطر اللي بتهطل على المرتفعات الإثيوبية تقل بنسبة 25% بحلول 2060، وده بالطبع هيعرض مصر لخطر شح مياه أكبر، بالتالي مثلا المشكلة الحالية المتعلقة بسد النهضة أكثر وجودية بالنسبة لنا ولبقية دول حوض النيل.
– مش بس التغيرات المناخية بتوثر على المياه والزراعة والغذاء واللي بدورهم بينعكسوا مع الوقت في معدلات تضخم وفقر أكثر، ولكنها كمان بتؤثر على الإنتاجية في العمل وفي دراسات كثيرة بتربط بين التغير المناخي والإنتاجية في العمل وزيادة معدلات الأمراض.
******
ايه اللي المفروض مصر تعمله؟
– أول حاجة مفروض نعملها إننا منهونش من المشكلة ونشوف مدى جدية الموضوع حوالينا في بلاد زي الجزائر وتركيا واليونان وإسبانيا وغيرها، وإزاي عرض واحد من أعراض التغير المناخي أخد أرواح ومساحات خضرا كتير، وكلف الدول دي جهود إطفاء، دا غير السيول وأضرارها والمناطق المنكوبة اللي بنشوفها حوالينا، فمش مفروض نستبعد الأمر ولا نشوفه بعيد عننا.
– التغير المناخي مش مشكلة مصر بس، لكنها مشكلة عالمية محتاجة تضامن عالمي وخاصة من الدول الكبرى في العالم اللي زي الصين وأمريكا واللي هما أكبر دول بتساهم في الاحتباس الحراري.
– لكن الدول محتاجة على المستوى الداخلي أنها تاخد إجراءات تقلل بها البصمة الكربونية ليها، وإن كان ده لوحده زي ما قلنا مش هيحل المشكلة لأنه لازم دول العالم كلها تقلل البصمة الكربونية لأنه الأرض لها نظام بيئي واحد ومترابط كل حته فيه بتؤثر على التانية.
– إجمالي الانبعاثات الكربونية في مصر حاليا بحسب أحدث بيانات متاحة في 2016 كان 310 مليون طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون، والرقم ده نما بنسبة 140 % من 1990 -2016 بمتوسط نمو سنوي حوالي 3.5% سنويا.
– قطاع الطاقة هو اللي بينتج الكربون الأكبر في مصر بنسبة 71% بينما الزراعة 10% والمخلفات 8 % تقريياً، والصناعة 9.7 %، وبالتالي وبناء على نسبة مساهمة كل قطاع إحنا محتاجين نتحرك في الأطر التالية:
1- التوسع في استخدام الطاقة المتجددة وخاصة الطاقة الشمسية، بنشوف في توجه من الحكومة متزايد نحو الاستثمار في ده، ودا شيء جيد جداً، لكنه ما زال محتاج تسريع خاصة في تعديل التشريعات والبيئة القانونية وإشراك أكبر للقطاع الخاص في إنتاج الطاقة.
2- محتاجين منظومات أكثر تطوراً لإدارة المخلفات، واللي بنشوفها بتحصل في قطاعات زي المياه مثلا دلوقتي بسبب مشكلة المياه لكنها متأخرة في قطاعات أخري زي معالجة المخلفات الصلبة.
3- محتاجين نطور مع الوقت صناعة خضراء، مصانع كاملة مبنية على فكرة أنها تبقى صفر في انبعاثات الكربون، من خلال استخدام مدخلات طاقة نظيفة ومعالجة افضل للمخلفات الصناعية اللي بتنتج الكربون أو الغازات الدفينة الأخرى.
4- في القطاع الزراعي محتاجين توعية ودعم مباشر للفلاحين اللي بيتأثروا بشكل مباشر بالاضطرابات في درجات الحرارة شوفنا تأثير ده في مواسم المانجا والبطاطس وغيرها من المحاصيل بدون أي تدخل من الدولة في دعم الفلاحين، وكمان محتاجين أننا نشتغل مع الفلاحين على التوعية بالأمراض الموسمية اللي بتيجي نتيجة الاحتباس الحراري، ومراكز البحوث الزراعية مطالبة أنها تطور سلالات زراعية أكثر مقاومة للأمراض.
5- التوسع في الزراعة العضوية وإدخالها المستوى الأصغر من الفلاحين مش تركيزها في المزارع الكبيرة بس ولا في مشروعات الجيش بس، لأنها مهمة على المدى الطويل للاقتصاد الزراعي المصري.
6- مدن مصر محتاجة كلها إعادة تصميم عشان تتلائم مع التغيرات المناخية دي وده طبعا يبدو حاليا شيء بعيد المنال في ظل حملة الحكومة المستمرة من سنوات على كل المساحات الخضراء واللي هي رئات تنفس حقيقية لمدن مزدحمة بالسكان زي القاهرة والإسكندرية وغيرها، ودي حاجة يفترض ندرك خطورتها، والحملة على المساحات الخضراء دي تقف.
7- مصر محتاجة بشكل عام خطط استثمار خضراء في كل قطاع، محتاجين نحول مواصلاتنا لمواصلات تقلل الكربون محتاجين استثمار أكبر في السيارات الكهربية محتاجين كل جنية تصرفه الحكومة في الاستثمار يكون بيراعي العامل البيئي ويكون بيراعي أننا من أكثر الدول اللي هتتأثر بخطر التغير المناخي زي ما قولنا فوق.
– كل الخطوات دي، وخطوات أخرى كثير محتاجة تتعمل في مشاركة مجتمعية وتوعية شغالة طول الوقت بخطر الاحتباس الحراري علينا في مصر، عشان المواطن يبقى فاهم أنه الحكومة لما بتصرف فلوس الضرائب على مشروعات خضراء زي دي فهي في مصلحته وبالتالي يبقى فيه وعي جمعي وهدف مشترك من الجميع حكومة ومجتمع، أننا نقلل انبعاث الكربون ونساهم في إنقاذ بلدنا وإنقاذ الكوكب.
– فيه بادرة إيجابية ورائعة من شيخ الأزهر، لما دعا في بيان إلى “تحرك جاد وحازم” لحماية البشرية من مخاطر التغيرات المناخية في العالم، ودا كان بالتزامن مع فيضانات مدمرة أودت بحياة العشرات في ألمانيا والصين وبلجيكا وعدة مناطق بالعالم.
– الموضوع لم يعد مرتبط بجماعات الخضر والدفاع عن البيئة ومش ترف ولا كلام مستقبلي بس، دي حاجة بتهدد وجود الكوكب كله، وكمان القصة متستحملش نظريات مؤامرة اللي بتروج ومتورط فيها حكومات ورؤساء دول بيرددوا كلام فارغ إن فيه ناس بتشعل الحرائق في الغابات، في الوقت اللي بنشوفها بتتكرر بشكل سنوي.
المصادر
مشاركة: