– الصورة اللي قدامنا دي لرئيس وزراء مملكة بوتان تشيرنغ توبغاي نشرها في بداية الشهر الجاري وهوا بيعلن إنه بيسلم عربيته اللي استلمها من خمس سنين بعد انتهاء مدة ولايته، العربية اللي نوعها تويوتا برادو، وهيا نفسها اللي بتخدم منصب رئيس الوزراء هناك من 10 سنين، نفس العربية متغيرتش!
كمان بقية أعضاء الحكومة سلموا عربياتهم بعد انتهاء ولايتهم اللي متغيرتش برضه من عشر سنين.
– المشهد ده بيدينا فكرة ازاي دي دولة مختلفة جداً في نموذجها السياسي والاقتصادي، ومهم نلاحظ ان ده كان مرتبط بقصة التحول الديمقراطي اللى حصل هناك فى العشر سنين اللي فاتوا.
وقصة النمو الاقتصادي هناك مش بس قصة أرقام نمو، لكن تجربة خاص في قياس التأثير على المواطنين، وفي الحرص على البيئة لدرجة إنها الدولة الوحيدة في العالم حالياً اللي عندها معدلات انبعاث كربون بالسالب، الدولة بتمتص 3 أضعاف كمية ثاني أكسيد الكربون اللي بتنتجها.
*****
تجربة بوتان الاقتصادية:
– بوتان دولة صغيرة على حدود الهند، سكانها 800 ألف نسمة، وناتجها المحلي حجمه صغير (2.5-2.9 مليار دولار) لكنها بالمقابل واحدة من أسرع الاقتصادات نموا في العالم، من 2006 إلى 2013 كانت بتحقق معدل نمو سنوي بمتوسط 7.5%، وانخفضت نسبة السكان تحت خط الفقر العالمي إلى 2 % فقط من السكان، بعد ماكانت واحدة من أكثر دول العالم فقرا وأول عربية دخلتها كانت سنة 1962.
– التعليم والصحة هناك هي خدمات مجانية بشكل كامل، والحكومة بتدي منح للمتفوقين عشان يدخلوا الجامعات.
– بوتان هي الدولة ال75 على مستوى العالم في مؤشر أداء الأعمال ده مؤشر بيطلعه البنك الدولي وبيشمل حاجات زي سهولة تأسيس الشركات ونسبة التهرب الضريبي وفساد القطاع العام وتوفر الكهرباء وغيرها، مصر في المرتبة 128 بالمناسبة!
– بوتان ترتيبها في مؤشر مدركات الفساد هو 26 يعني من أقل الدول فسادا حوالين العالم، بينما مصر الدولة 117 في نفس المؤشر. دا ممكن يقولنا كتير خاصة أنه بوتان عملت القفزة دي في محاربة الفساد بعد 2008.
– الحكومة هناك توسعت فى توليد الطاقة من السدود على الأنهار، ومصادر أخرى للطاقة المتجددة وحولت بوتان من دولة عندها عجز في الكهرباء لدولة بتصدر الكهرباء للهند والصين جيرانها.
*****
سعادة المواطن أولوية اقتصادية
– الفكر الاقتصادي السائد في العالم بيعتبر “الناتج القومي الاجمالي” هوا أهم مؤشر على أداء اقتصاد الدولة، رغم ان ده مش بيدل بالضرورة على ان النمو ده وصل لنسبة اد ايه من المواطنين .. في بوتان الوضع مختلف، عندهم مفهوم اسمه مؤشر “السعادة القومية الإجمالية” Gross National Happiness أو GNH
– المؤشر ده بيقيس 9 عوامل منها مستوى الصحة النفسية والجسدية، والتعليم، وحيوية المجتمع، وحماية التنوع البيئي، مستويات معيشة المواطنين.
*****
إيه اللي عملته بوتان في مجال البيئة؟
– سنة 2009 في قمة المناخ بالدنمارك بوتان كانت الدولة الوحيدة اللي وعدت بانها هتبقى “محايدة انبعاثات الكربون”، يعني مش هيلوثو البيئة اطلاقا، واللي حصل بالعكس انهم بقو “بالوعة لثاني اكسيد الكربون” على حد تعبير رئيس وزرائهم.
– الخطة الناجحة شملت الغاء الضرائب عن السيارات الكهربائية، الحفاظ على الغابات الطبيعية لدرجة ان الدستور ينص ان البلد تفضل 60% منها غابات تحت أي ظرف، زراعة أشجار جديدة لدرجة انهم في 2015 دخلوا موسوعة جينس بزراعة حوالي 50 ألف شجرة في ساعة واحدة.
– البلد ليها خصوصية من حيث الغابات والأشجار، وعدد السكان القليل وطبيعة عملهم في الزراعة والثروة الحيوانية، وصناعات منزلية زي النسيج .. الدولة استثمرت في مزاياها دي، وحالياً بتنتج كل طاقتها من السدود وبتصدر فائض كهرباء للهند والصين، وكمان بقت مشهورة بالزراعة العضوية 80% من الزراعة حالياً كده ورئيس الوزراء قال انهم يستهدفوا 100 % في 2020.
*****
ايه اللي حصل في بوتان خلاها توصل للمرحلة دي؟
التغير الرئيسي اللي حصل هوا في النظام السياسي.
– من وقت استقلال بوتان سنة 1907 واختيار أول ملك من جمعية كبار الرهبان البوذيين والأسر الهامة، ونظامها السياسي ملكي مطلق، وكانت متراجعة للغاية في كل حاجة، على سبيل المثال التلفزيون دخل بوتان سنة 1999!
– لكن ملوك بوتان تاريخياً كانو قريبين من شعبهم والبلد محصلش فيها صدامات أهلية، عشان كده في 2005 بدأت عملية إصلاح كبيرة بتوافق بين الملك جيغمي سينغي والشخصيات البارزة في البلد، ده تجربة نادرة لنموذج بيسموه “الديمقراطية من الأعلى”.
– البلد اتحولت إلى ملكية دستورية شبه النظام البريطاني، الملك تنازل عن أغلب صلاحياته بالتوافق لمجلس الوزراء، وبقى من حق البرلمان المنتخب “الجمعية الوطنية” مسائلة الملك بأغلبية الثلثين، ولا يجوز للملك الاستمرار في منصبه بعد سن 65 سنة.
– أعلن الملك نقل سلطته لابنه، وفي نهاية سنة 2007 حصلت الانتخابات البرلمانية الاولى تحت رقابة دولية، واتنافس فيها حزبين رئيسيين الأول حزب السلام والازدهار (DPT) القريب من الملك بشكل كبير، والحزب التاني المعارض حزب الشعب الديمقراطي (PDP) .
– فاز في الانتخابات دي الحزب المقرب من الملك، لكن بعدها بخمس سنين فاز الحزب المعارض وحصل تداول سلمي للسلطة بكل سلاسة وكأنها بلد ديمقراطية عريقة.
– حزب الشعب الديمقراطي المعارض استلم البلد في 2013، والحكومة أعلنت خطة اقتصادية ركزت على 17 محور منها محاربة الفقر والفساد والتركيز على جعل سوق بوتان سوق بمعدلات شفافية عالية، وبالفعل حققوا تقدم في ده مع استمرار خطط التنمية المرتبطة بالبيئة.
*****
– تجربة بوتان بتورينا نموذج لعلاقة الديمقراطية والنظام السياسي بالاقتصادي، دول ملفين متصلين بشكل مباشر مش منفصلين زي ما البعض بيحاول يقولنا.
– عشان يحصل تحول ديمقراطي لازم الناس تبدأ، كان ممكن الملك يقول الشعب مش جاهز، وأنا ادرى بمصلحتهم، لكن ادينا شفنا دولة بقالها عشر سنين بس في التجربة الديمقراطية إزاي بقى بيحصل فيها تداول سلمي للسلطة ومحاربة فساد حقيقية وبتحقق معدلات نمو اقتصادي سريع جدا.
– السلطة اللي بتختار بارادتها الحلول الوسط هيا اللي بتحافظ على البلد وكمان على نفسها، بعد الاصلاح اللي تم الملكية في بوتان بقت أقوى ومستقرة أكتر.
– مهمة الاقتصاد كعلم هو انه البشر يعيشوا بشكل أفضل، والدولة ليها دور أنها توفر لمواطنيها الحد الأدني من الحياة الكريمة اللي تشمل الصحة والتعليم، أنه في النهاية دي فلوس الضرائب اللي بتدفعها الناس، وحقهم يشوفو التحسن في حياتهم مش في الأرقام البعيدة عنهم.
*****