لما كان أي خبير بيحذر من سلبيات توسع الدور الاقتصادي للقوات المسلحة كان المؤيدين بيقولوا أن جيوش تانية بالعالم بتعمل كده، ومن أهم النماذج هو الجيش الصيني، مثلاً اليوم السابع كانت عاملة موضوع بعنوان “بيزنس الجيش الأصفر..قلعة الصين الصناعية وأيقونة النهضة”.
– الشهر اللي فات أصدر الرئيس الصيني شي جين بينج قرار بإخراج الجيش الصيني من كل أنشطة القطاع المدني نهائيا، ووقف أي أنشطة مدفوعة الأجر بنهاية 2018، علما بأن اقتصاد الجيش الصيني كان يمتد من شركات استثمار عقاري ضخمة وحتى حضانات الأطفال!
– في البوست دا هنشوف قصة تدخل الجيش الصيني في الاقتصاد؟ وليه دلوقتي بينسحب؟ وليه مهم لينا اننا نشوف التجربة الصينية دي؟

****

ايه قصة تدخل الجيش الصيني في الاقتصاد؟
– الجيش الصيني أو جيش التحرير الشعبي (PLA) كما هو معروف في الصين بدأ يتوسع في أنشطة الاقتصاد المدنية من نهاية السبعينات وبداية التمانينات (نفس الفترة اللي بدأت فيها الأنشطة الاقتصادية المدنية للجيش المصري).

– الجيش الصيني تملك استثمارات كبيرة فى قطاعات المقاولات والبنية التحتية، حتى أنه في التسعينات نفذ المشروعات الأكبر فى البنية التحتية بداية من سدود على الأنهار وحتى منتجعات سياحية كبيرة .. كل المشروعات دي كانت بتنفذها شركات تتبع “هيئة الخدمات اللوجستية لجيش الشعب” تقريباً شبة جهاز مشروعات الخدمة الوطنية عندنا.
– توسع الدور الاقتصادي حتي برة الصين، مثال على ذلك تملكه شركات أمن خاصة زي شركة لتأمين آبار النفط اللي فيها شركات صينية فى جنوب السودان.
– كمان الجيش الصيني كان ليه استثمارات كبيرة في قطاع الاتصالات خاصة فى التسعينات اللي شهدت ثورة فى قطاع الاتصالات الصيني، وكان شركات الجيش عامل رئيسي، خاصة فى البنية التحتية للشبكة دي خاصة فى المقاطعات الجنوبية.

***

طيب وليه الجيش الصيني دلوقتي هيخرج من القطاع المدني دا؟
الموضوع حسب تصريحات الرئيس الصيني في اجتماع المكتب السياسي للحزب الشيوعي الحاكم ليه سببين.
السبب الأول اللي قاله هوا “ضمان توجيه كل الاهتمام لتعزيز القوة العسكرية والقدرات القتالية للجيش الصيني”، وان ده هيضمن تركيز الجيش في القيام بمهامه، وده مرتبط بتطور حاجة الصين لقوة تنافس أمريكا خاصة في المحيطات وطرق التجارة العالمية.
السبب التاني هوا مكافحة الفساد، والرئيس قال إن “الحقائق أثبتت أن الرفض التام لتقديم الخدمات المدفوعة الأجر أمر ذو أهمية لخلق بيئة سياسية نظيفة في صفوف الجيش”

***

هل ده جديد وفجأة أخدوا بالهم؟
بالعكس، الموضوع بدأ من سنوات وخطوات كتير تمت بالفعل.
– في 1998 وجه الزعيم جيانغ زيمان (سكرتير عام الحزب الشيوعي) دعوات من الحزب للجيش بإنهاء نشاطه الاقتصادي، لكنها مرت بدون استجابة تذكر.
– بداية من 2012 بدأت الحكومة الصينية إجراءات جادة للإصلاح الإداري ومحاربة الفساد، وخلال 5 سنوات تمت معاقبة مليون شخص بتهم تخص الفساد، منهم آلاف من مسؤلي الحزب الشيوعي الحاكم، ورجال أعمال وسياسيين، وكمان قادة جيش بالخدمة أو متقاعدين.
– بعد صدور الرؤية الدفاعية الجديدة سنة 2015 تم تغيير أغلب قادة الجيش، منهم 52 على الأقل تم عزلهم بتهم فساد، من أهمهم مثلا شو كايهو نائب رئيس اللجنة العسكرية المركزية اللي التلفزيون أذاع علناً مقابلات لجنرالات سابقين اتهموه بتلقي رشاوى لمنحهم مناصب!
– من بداية 2015 بدأت الحكومة الصينية تصفي الشركات التابعة للجيش وبالذات اللي بتشتغل في قطاعات مدنية بالكامل.
– من يوليو 2015 ولحد دلوقتي تم تصفية ونقل أصول أكتر من 100 ألف شركة كانت تابعة كليا أو جزئيا للجيش الصيني واتبقي حوالي 6000 شركة ومؤسسة وصفتها الحكومة الصينية أنها مؤسسات وشركات حساسة، أي بتربط بالصناعات العسكرية في الصين أو بتقدم خدماتها فقط للجيش الصيني الكبير جدا.
– في يناير 2016 بدأت حركة إصلاح وتطوير واسعة داخل الجيش الصيني، وأصدرت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني دليل مكتوب للخطوات اللي لابد من اتخاذها، وكانت أحد الأولويات هي محاربة الفساد.
– وفي 2017 تم إنشاء اللجنة المركزية للتنمية العسكرية والمدنية المتكاملة، وده هيئة جديدة للإشراف على جهود الاندماج المدني والعسكري وتنسيقها، واتعين نائب رئيس الوزراء المدني تشانغ قاوولي لإدارة شؤون اللجنة اليومية.
– وفي بداية أغسطس الماضي تم اعتماد لائحة جديدة جوة الحزب الحاكم تتضمن تشكيل لجنة متابعة وفحص دائمة مكونة من قيادة عسكرية مركزية، ومشرفين من اللجان العامة للحزب، وهدف اللايحة هو “تشجيع أعضاء الحزب على النزاهة والشعور بالمسؤولية، وتحسين نظام المسائلة داخل الجيش”.
– التحليلات بتقول إن خروج الجيش الصيني من القطاع المدني حيبقي فرصة ذهبية لدخول شركات مدنية صينية للقطاعات دي، ودا هيرفع معدلات النمو الاقتصاد ويزود المنافسة، واحنا بنتكلم عن بلد ناجحة اقتصادياً بمعدلات نمو كبيرة من 8 -9% (يعني اقتصادها بيتضاعف كل 10 سنين).

***
إزاي الجيش الصيني تقبل ده؟ مش دي دولة غير ديمقراطية؟
– هنا أهم مغالطة بيقع فيها بعض اللي بيقارنوا بالنموذج الصيني ويقولك أهو دولة سلطوية وناجحة اقتصادياً وكمان سمحوا بمد فترات الرئيس .. الكلام ده صحيح، وفعلاً نموذج غير مثالي وفيه مشاكل كتير جداً، لكنها برضه دولة لأسباب تاريخية معقدة عندها “نظام سياسي” حقيقي.
– يعني الحزب الشيوعي الحاكم ده عضويته فيها حوالي 90 مليون نسمة، بينتخبوا 2300 مندوب حزبي، دول بينتخبو اللجنة المركزية من 200 عضو، اللي بتنتخب المكتب السياسي من 24 عضو، اللي أخيراً بتنتخب الرئيس،
ده ممكن نشبهه مثلا بالنظام الإيراني اللي فيه برضه ما يمكن اعتباره انتخابات داخل إطار محدد، مش ديمقراطية لكنها حاجة مختلفة خالص عن حكم الفرد الواحد بلا مؤسسات.
– الآليات الداخلية دي هيا اللي سمحت بتغيير مسار الصين كلها من النظام الشيوعي التقليدي إلى نظام رأسمالي توجهه الدولة، وبقى فيه حرية سوق وشركات خاصة عملاقة ورجال أعمال وبورصة .. والآليات دي سمحت بتغيير 5 رؤساء للدولة من سنة 1983.
– الجيش الصيني بيخضع لرقابة من اللجنة المركزية للحزب الشيوعي، ومش كيان مستقل ومنفصل بشكل شبة كامل زي عندنا.
– وكمان جزء من حملات الفساد في الصين هوا الصراعات بين أجنحة مختلفة داخل الحزب والنظام الحاكم، فبيسعى كل طرف إنه يلاقي أخطاء لمنافسيه.

******

ليه بقى دا مهم بالنسبة لينا؟
– فيه تشابهات بيننا وبين الصين، باعتبارها نموذج دولة دكتاتورية ومفيهاش تداول سلطة حقيقي .. وتشابه كمان بين الدور الاقتصادي للجيش هناك والدور الاقتصادي للجيش في مصر حتي في المبررات اللي بتتقال أنه بيساعد في التنمية وبينفذ المشروعات اللي ميقدرش ينفذها الحكومة أو القطاع الخاص وحتى فكرة انضباطه فىي مواعيد تسليم المشروعات، وتشابه بطبيعة أنشطة الجيشين اللي وصلت لحاجات زي لبن الأطفال، المدارس الخاصة، مصانع الأسمنت، شركات التغذية، وغيرها.
– عشان كده مهم جداً نعرف لما يتقالنا مهو الصين ناجحة أهو يترد عليه هيا نجحت ليه .. البلد فيها حزب حاكم حقيقي مش شكلي، وفيها محاسبة علنية لحد أعلى رتبة عسكرية.
والبلد دي نفسها أدركت ان دور جيشها الكبير مش شيء كويس ولا حاجة، لأنه بدأ يأثر على قدرة الجيش العسكرية، وكمان على تجربتها التنموية، وده خلاها تاخد خطوات جدية في محاربة الفساد، وفي إخراج الجيش من القطاع المدني بشكل متدرج.

– الحكومة المصرية أخدت قروض من البنك الدولي وبتثق في نصائحه، طيب البنك الدولي نفسه مؤخراً أصدر دراسة جديدة عن الشركات اللي ليها علاقات سياسية وكان فيها تركيز على حالة مصر، وقالت إن الشركات المرتبطة بالجيش بتزود الفساد السياسي والمحسوبية بشكل عام فى السوق، وبسبب المنافسة غير العادلة بتقلل أفق الابتكار والتطوير في السلع والخدمات اللي ممكن يقدمها القطاع الخاص .. عشان كده ده وضع محتاج نقاش لتغييره التدريجي على المدى الطويل.
– علي المدي القصير محتاجين لمصلحة الكل إجراءات رقابية حقيقية ومستقلة على أنشطة الجيش الاقتصادية، خصوصاً مع تكرار تسريبات غير مؤكدة عن محاكمات سرية أو مسائلة قيادات في الجيش بتهم تتعلق بالفساد، ودي بيثيرالشائعات لما يبقى مفيش حاجة خالص بتُعلن للناس.
– ونفتكر هنا اللي حصل مع الفريق سامي عنان “رئيس أركان الجيش السابق”، واللي لما حاول الترشح اتقال عنه في وسائل إعلام انه عنده فساد مالي واستولى على أراضي، والرئيس السيسي أشار ليه في كلامه قبل ما يترشح لما قال “ابقا عارف انه حرامي واسيبه؟!”، كده المنطقي إما يتحاسب بالأدلة، وإما يتبرأ واللي اتهموه بالباطل هما اللي يتحاسبوا، لكن اللي حصل إن الموضوع اختفى تماماً بعد القبض عليه ومنعه من الترشح، يعني حتى مع شخص مختلف سياسياً برضه الملف ده اختفى، لأن المطلوب تصدير صورة ملائكية كإنه مفيش ولا نفر واحد من الجيش ممكن يغلط، مع ان المحاسبة بتزيد المصداقية والاحترام والنجاح مش العكس زي ما شفنا في التجربة الصينية.

****




مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *