– من أيام بدأت مظاهرات كبيرة جدا في إيران بسبب زيادة أسعار الوقود، ولحد دلوقتي منظمة العفو الدولية قالت انها وثقت 106 حالة قتل للمتظاهرين، وتقدر ان الأعداد الحقيقية أكبر.
– طبعا المعلومات صعبة لأن الحكومة الإيرانية زي أي حكومة ديكتاتورية أول اجراء عملته إنها قطعت الانترنت أو قيدت الوصول إليه في مدن ومناطق كتير.
– هنشوف النهاردة أسباب الاحتجاجات الحالية؟ وليه إيران تحولت لنموذج سيء الدكتاتوريات في المنطقة؟ وتأثير دا على المنطقة ايه وعلينا؟ وايه اللي ممكن نشوفه في كل دا؟

*****

إيه أسباب الاحتجاجات الحالية؟

– سعر البنزين في إيران ارتفع من 15 ألف ريال إيراني (حوالي 13 سنت أمريكي أو 2.1 جنيه مصري)، إلي 30 ألف ريال إيراني بعد أول 60 لتر شهرياً .. يعني كل مواطن معاه كارت بنزين بيتصرف عليه الدعم لأول 60 لتر في الشهر فقط، وبعدها يحسب على السعر الجديد يعني الضعف.
– رغم إن إيران من أكبر الدول النفطية في العالم لكن عندها أزمة اقتصادية مزمنة لأسباب داخلية وخارجية، زادت بعد العقوبات الأمريكية الأخيرة، اللي أدت لخفض انتاج النفط من 40- 60 % سنويا، وده أثر جداً على صادرات النفط اللي تمثل 65% من صادرات إيران.
– طبعا في بلد زي إيران رفع أسعار البنزين هيرفع التضخم اللي هو أساسا مرتفع، حوالي 35 % سنة 2019، وفي المتوسط بين 20-30 % في العقد الأخير، دا طبعا أنتج فقد كبير في قيمة العملة الإيرانية أقل تقديرات بتتكلم عن 50 % من 2017.
– انهيار قيمة العملة دفع الحكومة من شهور لإصدار عملة جديدة وهي “التومان” اللي بيعادل 10 الاف ريال إيراني، وبقت هي وسيلة التعامل المالية أما الريال فبيتم التعامل بيه مع الحكومة بس، وده إجراء بيقول قد إيه التضخم والركود أرقامهم ضخمة.
– نسب الفقر تقديراتها مختلفة بين الأرقام الرسمية والدولية، وكمان حسب المكان في البلاد، بتدور حول 14 % في العاصمة طهران، وتصل ببعض التقديرات إلى 40% من السكان اللي عددهم حوالي 80 مليون.
– الأرقام دي تفسر ليه رغم القبضة الأمنية لكن الاحتجاجات متكررة، أبرزها مؤخرا في 2009 الاحتجاج على نتائج الانتخابات، وفي 2017 احتجاجات بسبب الغلاء وتحولت ببعض المناطق لشعارات سياسية ضد الحكم الديني.

*****

ليه إيران وصلت للمرحلة دي؟

– السبب عوامل داخلية وخارجية. داخلياً البلد بيحكمها واحد من أعجب أنظمة العالم، نظام ديني مستبد، الحاكم الحقيقي فيه هوا “المرشد الأعلى” وده بموجب “ولاية الفقيه” في رأي بأحد المذاهب الشيعية تم اعتماده والنص عليه في الدستور كأساس للدولة، وصلاحياته أكبر من الرئيس بكتير، تشمل انه هوا قائد القوات المسلحة ويعين ويعزل قائدها، يصادق على تعيين رئيس الحكومة، ممكن يعزل الرئيس نفسه .. كل ده وهوا بيحكم مدى الحياة، والشعب مش بينتخبه مباشرة أصلا بل بيتم انتخابه من “مجلس خبراء القيادة”.
– الانتخابات الرئاسية والبرلمانية مش لأي حد يترشح أساسا، من الأول خالص “مجلس صيانة الدستور” هوا اللي بيوافق أو يرفض المرشحين، وده بيتكون من 12 عضو يعين المرشد الأعلى ستة منهم من رجال الدين والستة التانيين من القضاة. المجلس ده مش بس بيرفض أي مرشح معارض للنظام، ده حتى مرشحين عندهم توجهات مختلفة أو إصلاحية من داخل النظام و”أبناء الثورة الإسلامية” بيترفضوا، لدرجة انه سابقا رفض ترشح حسن الخميني حفيد المرشد الأول المؤسس، ورفض ترشح أحمدي نجاد رئيس الجمهورية السابق سنة 2017!
-العوامل الخارجية طبعا واضحة وهي مرتبطة بلحظة التأسيس لما كانت أمريكا والغرب بيدعموا نظام الشاة المستبد ضد الثورة الشعبية، وده أنتج عداء واسع وصادق من الشعب الإيراني اللي اتقتل منه عشرات الآلاف في الثورة ضد الشاه، وبعدها أمريكا دعمت صدام حسين في حربه ضد إيران، فمن البداية حصل العداء والحصار الاقتصادي.
– بالسنوات الأخيرة السياسة الخارجية الإيرانية في المنطقة كانت سبب مشاكل ضخمة، وصورتها اتغيرت شعبيا من التركيز على سياساتها الخارجية املتعلقة بعداء أمريكا وإسرائيل، إلى كون سياستها بتعلب دور طائفي بدعم فصائل شيعية موالية ليها والتدخل بالشوؤن المحلية للبلاد العربية، زي تدخل ايران في لبنان لصالح حزب الله، أو دورها لقمع الثورة السورية وكانت عامل حاسم لصالح بشار الأسد، تدخلها للسيطرة على العراق بعد الغزو الأمريكي ولحد النهاردة بعد بعد مقتل مئات العراقيين إيران داعم رئيسي للحكومة والنظام الطائفي العراقي، لدرجة ان عدد كبير من شهداء المظاهرات اتقتلوا بالرصاص وهما بيحاولو يوصلوا للسفارة الإيرانية رغم ان المتظاهرين انفسهم أغلبهم من مناطق شيعية برضه، وده غير دعم الحوثيين في اليمن.
كل دي سياسات خارجية ليها ثمن اقتصادي مباشر وهو مبالغ ضخمة جدا بتتدفع من الاقتصاد الإيراني لتغطية كلفة كل الحروب دي، وده بيظهر في بعض هتافات المتظاهرين بوضوح اننا مش عايزين فلوسنا تروح سوريا، أو تمن اقتصادي غير مباشر هي العقوبات الدولية والأمريكية على إيران .
– الرئيس الأمريكي أوباما كان أبرم اتفاق رفع العقوبات عن إيران بشرط تخليها عن جانب من برنامجها النووي وتقديم ضمانات شاملة فيه، لكن ترامب لما جه ألغى الاتفاق ده وقال لازم نعيد التفاوض ونعمل اتفاق يشمل كل الملفات منه سياساتها الخارجية، وده رفضه الإيرانيين وهو سبب التصعيد الأخير.
– مع الوقت وعلى الرغم من أنه الثورة كانت بالأساس ضد فساد الشاة والمحيطين بيه، تزايدت معدلات الفساد، وتزايد الفقر خاصة خارج العاصمة، وكمان عامل تاني هو وجود جيل جديد محضرش “الثورة الإسلامية”.
– تعقد الأسباب الداخلية والخارجية خلى المعارضة الإيرانية منقسمة لعدة اتجاهات، منها اللي ضد النظام بأكمله لأنه عاوز ديمقراطية كاملة، ومنها اللي عاوز بس إصلاحات حقيقية داخل النظام، منها اللي عايز يغير السياسات الخارجية منها اللي متمسك بيها جدا، ده غير حركات رافضة للنظام السياسي على أساس طائفي أو عرقي خاصة المتواجدة بمنطقة الأحواز العربية السنية.

*****

ايه اللي ممكن نشوفه في كل ده؟

– أهم نقطة هنا هيا فكرة الانتشار العام للاحتجاجات الشعبية والاقتصادية في مختلف دول العالم، شفنا المظاهرات في العالم العربي وخارجه بكل أنواع الدول، الدول الشيعية والسنية، الدول الحليفة لأمريكا والمعادية ليها، حتى دول ديمقراطية شفنا فيها حراكات شعبية ضخمة، في فرنسا غطينا حركة “السترات الصفراء”، وحتى أمريكا نفسها شهدت مظاهرات كتير سواء اقتصادية زي “أحتلوا وول ستريت” أو اجتماعية زي المظاهرات لدعم السود ضد عنصرية الشرطة وغيرها كتير، لكن لإنها دول ديمقراطية قدرت تحتوي الحراكات دي أو تقدم تنازلات .. ده حتى إسرائيل حصلت فيها مظاهرات كبيرة ضد فساد نتنياهو!
-يعني سقوط فكرة إن المظاهرات الشعبية “مؤامرة من الخارج” و “حروب الجيل الرابع”. المرشد الأعلى قال نفس الكلام اللي بنسمعه في بلادنا ان دي مؤامرة أمريكية ومدعومين من الخارج، لكن الواقع ان العامل الحقيقي هنا هوا الشعوب وحياتها، وشعورها بالرضا أو الغضب، والشراكة أو الاستبعاد. المواطن اللي تضرر من رفع أسعار الوقود فنزل من بيته يهتف محدش حركه إلا معاناته الخاصة.
– إيران كمان نموذج واضح لأن مفيش دولة في العالم هتقدر تقدم رشاوي إجتماعية كبيرة خاصة زي دعم الطاقة للأبد، مفيش دولة مهما كانت غنية هتقدر تستمر في دا، بالتالي الحل بيكون في إعادة صياغة “العقد الاجتماعي”، مينفعش يبقى الدعم مقابل ان ملكش دور سياسي يا مواطن.
– يعني الحل بيكون في الديمقراطية في النهاية، الديمقراطية الحقيقية هي اللي بتسمح للمواطنين بإعادة تقييم الهيكل الاقتصادي وأداؤه واختيار أولويات الإنفاق، الديمقراطية هي اللي تخلي البرلمان وممثلي الشعب المنتخبين بجدية يختارو زيادة الدعم أو خفضه، يختاروا سياسات ضريبية بأنواع معينة، والديمقراطية هي اللي تخلي في رقابة حقيقية على الحكومة وكل مؤسسات الدولة وتكافح المحسوبية وممارسات الفساد.
– بالتالي الديمقراطية هي ضمانة مهمة للنمو الاقتصادي والأهم ارتفاع مستويات المعيشة لأنه الديمقراطية بتضمن توزيع أعباء وأرباح النمو بشراكة شعبية، وتقدر الشعوب بالديمقراطية الحقيقية تختار اتجاهات مختلفة بدل من الإنفاق العسكري المتزايد يكون في إنفاق أكتر على التعليم والبحث العلمي وكفاءة الخدمات. كان ممكن المواطن الإيراني يختار قيادة عندها سياسات مختلفة، أو حتى يختار نفس القيادة الحالية وسياساتها ويتحمل ده باختياره.
– أكتر من دولة في المنطقة العربية والشرق الأوسط حصلت فيها ثورات واتفاضات في السنين الأخيرة بسبب غياب الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، والانتفاضات دي حصلت ضد أنظمة حكمت وقت طويل بإسم حماية القضية الفلسطينية أو حماية الدين أو حماية البلد من الانقسام والمؤامرات الغربية أو الحروب الأهلية، لكن اختيارات الشعوب واضحة، عاوزين ديمقراطية حقيقية وعدالة اجتماعية ومشاركة للمواطنين في شؤون حكمهم، وطول مهو ده مش متاح فالانفجارات الاجتماعية الشعبية معرضة للتكرار مهما كانت قوة النظم والحكومات دي.

– في النهاية نتمنى للشعب الإيراني وباقي شعوب المنطقة أنظمة ديمقراطية وعدل اجتماعي حقيقي وسلام داخلي ومواطنة كاملة، دي أبسط مطالب وحقوق الشعوب في العالم كله، لعل الحكومات والأنظمة تفهم ده وتوفر على بلادها دوامات العنف والدم والانقسام.
********




مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *