بنواصل معاكم ملفنا عن الذكرى العاشرة للثورة، والنهاردة بنناقش التساؤلات عن اعتبار الثورة فشلت وخلصت لأنها محققتش مطالبها.
– جزء من الميل العام لطرح الكلام ده حتى بعد شهور قليلة من يناير هو الاعتقاد بأنه بمجرد إزاحة الدكتاتور لازم تتحقق كل أهداف الثورة.
– بالتالي النهاردة وبعد 10 سنين وبعد محاولات مستميته من جهات كتير لإعادة كتاب تاريخ ما حدث في يناير 2011 على أنه مؤامرة مش ثورة ، فدي فرصة للتفكير في الثورة نفسها وهل فشلت ولو فشلت إيه هي معايير الفشل وإيه اللي ممكن نشوفه من التاريخ والتجارب الأخرى يقولنا عن مستقبل ثورة يناير؟
*****
هل ثورة يناير فشلت؟
– جزء من النقد الذاتي اللي لازم نعمله كناس شاركت في ثورة يناير هو محاولة تفكيك السؤال ده نفسه، خلينا نفكر في السؤال بشكل أوسع ونبدأ بسؤال هل الوضع قبل يناير كان مثالي؟
– بالطبع لا، كان في نوع من الديمقراطية الصورية، لكن الانتخابات كانت بتتزور، القضاء كان غير مستقل، الفقر وطوابير العيش كانت حاضرة في كل يوم من حياة المصريين والأدهى إنه كان في مشروع واضح للتوريث، وتحول اقتصادي بيقضي على الفقراء في مصر.
– هل بالمعيار التاريخي الثورة فشلت ؟ ده سؤال مهم محتاجين نبص فيه على التجارب التاريخية للثورات في العصر الحديث عشان نفهم يعني إيه الثورة تنجح ويعني إيه الثورة تفشل؟
– الفكرة في نجاح الثورات السريع في التحول الديمقراطي جاي من ثورات شرق أوروبا فيما بعد إنهيار الإتحاد السوفيتي، الثورات في بولندا والتشيك ولاحقا ثورة صربيا 2000 اللي أطاحت سلوبودان ميلوشيفيتش والثورة البرتقالية في أوكرانيا.
– اللي حصل باختصار مع بداية انهيار الاتحاد السوفيتي في أواخر الثمانينات، أوروبا الشرقية كان بيحكمها أنظمة شمولية بقبضة أمنية شرسة مكنتش يتوقع أحد سقوطها، لكنها انهارت سريعاً مع موجة ثورات خرجت مع انهيارات اقتصادية حادة، ودا وجه تشابه كبير مع ثورة يناير.
– الثورات دي أخدت طابع سياسي وأحدثت تغييرات جذرية في نظم الحكم، لكن من الخطأ جداً الاعتقاد إن الدول دي أحدثت تغييرات متساوية أو بنفس القوة، الحقيقة كان فيه تباين النتايج واختلاف من دولة لدولة، والنماذج المنتجة عانت وبتعاني لحد الآن، ومن هنا نقدر نفهم مسألة خصوصية البلدان وظروفها الإقليمية والدولية، خاصة لما نعرف إن الثورات دي كان في مناخ خارجي ساعدها بشكل كبير نظرا لسقوط الاتحاد السوفيتي.
– والتعامل مع الثورات دي على إنها ثورات ناجحة في المطلق بدون دراسة كل حالة على حدة فيه كثير من المشكلات، فبعيداً عن كون اللحظة التاريخية للثورات دي واللي شهدت انطلاقة للترويج للتحول الديمقراطي، والوضع الاستراتيجي للدول دي وعلاقتها بالاتحاد الأوروبي، ولاحقا دخول دول منهم في الاتحاد الأوروبي، فاللي بنحاول نقوله إن الثورات دي نفسها لسه عندها مشاكل والتحول الديمقراطي لسه فيه مشاكل في دول زي بولندا، وأوكرانيا وصربيا واللي بتشهد استعادة للسلطوية من آن لآخر.
*****
إيه الثورات اللي خدت وقت عشان تنجح؟
– تاريخيا، الثورات الحديثة بداية من الثورة الفرنسية، وحتي ثورات أمريكا اللاتينية في السبعينات كانت دائما بتواجه نوع من الثورة المضادة اللي تكون قادرة علي استيعاب الثورة الأخيرة وعودة الديكتاتورية مرة أخري أو أشكال سلطوية.
– الثورة الفرنسية، واللي عملت الجمهورية الأولى بكل ما حملته من دموية منجحتش في تحقيق شعارها الشهير، حرية، إخاء، مساواة وفي 1804 يعني بعد أقل من 12 سنة من تأسيس الجمهورية الأولي بقى نابليون إمبراطور بيخدم طموح توسعي وبعد هزيمة نابليون عادت الملكية مرة أخرى، وفضلت فرنسا في التخبط ده بين جمهوريات عدة لحد الجمهورية الخامسة اللي أنشأها ديجول في 1958 واللي مستمرة لحد دلوقتي في فرنسا.
– يعني الثورة الفرنسية نجحت في النهاية بعد أكثر من 150 سنة في إنشاء ديمقراطية مستقرة.
– في ثورات أمريكا اللاتينية التحول الديمقراطي كان صعب جدا في بداية القرن العشرين بعد الاستقلال، فبعد تمتع دول زي تشيلي والأرجنتين والبرازيل بفترة جيدة من الديمقراطية الليبرالية إلا أنه في الخمسينات والستينات حصلت انقلابات عسكرية.
– في تشيلي واللي الوضع فيها كان شبيه بقدر ما بمصر ما بعد 2013، وبعد الانقلاب على سلفادور أليندي في 1973 البلد دخلت في موجه من الدكتاتورية راح ضحيتها الآلاف لكن وبسبب فشل نظام الجنرال بينوشيه على عدد من المستويات منها المستوي الاقتصادي وقدرة المعارضة المدنية على تجميع قواها ضد تعديل الدستور وبالتالي بداية التحول الديمقراطي في تشيلي في التسعينات.
– وحتى الآن في تشيلي ما زالت الاحتجاجات بتتجدد من وقت للتاني ضد الحكومة، لكن في المجمل التحول الديمقراطي هناك ناجح على الأقل في تخطي ميراث القمع العنيف للديكتاتورية السابقة.
– في الأرجنتين كان الوضع شبيه بعد البيرونية ( النسخة الأرجنتينية من الناصرية ) بالوضع الحالي في مصر، جنرالات عسكريين يسيطروا علي مجمل الحياة السياسية في البلد مدعومين بتحول نيوليبرالي استمر الحكم العسكري من 1976 لحد 1983 وتبدأ من بعدها عملية تحول ديمقراطي في بلد شهير بالانقلابات العسكرية.
– ومن الثمانينات لحد دلوقتي لسه في مشاكل في الديمقراطية والعدالة الاجتماعية في بلد كبير زي الأرجنتين وفي مشكلات اقتصادية كبيرة في البلد ده.
– حتى في ثورات بتبقي مضرب المثل في الليبرالية زي الثورة الليبرالية الأمريكية (حرب الاستقلال) فكثير من شعارات الاستقلال لم تتحقق إلا بعد مرور قرن تقريبا لحد منح حقوق التصويت للسود بعد حركة الحريات المدنية في الستينات والسبعينات.
*****
عاوزين نقول إيه من دا كله؟
– التاريخ بيقولنا أنه الثورة هي فعل مستمر، ومش مقتصر فقط علي الفعل الاحتجاجي وإنما فعل تنظيم مستمر وطويل الأمد وممكن يتطلب تغيرات أجيال كاملة عشان يبان التأثير الحقيقي ليها وتحقق كامل أهدافها.
– بتعبير الأكاديمي”جلبير الأشقر” اللي حصل في الربيع العربي هو ” سيرورة ثورية ” مستمرة لحد تحقيق أهدافها، ده ممكن نشوفه بشكل واضح في الموجة التانية من ثورات الربيع العربي في السودان والعراق والجزائر واللي فيها ثورات قدرت تزيح أنظمة زي الجزائر والسودان وفي مرحلة انتقالية رغم صعوبتها قدرت تحصل علي قدر جيد من المكاسب، ولسه بتحارب.
– هنعرف نفهم الوضع ده لو بصينا للثورة اللي حصلت في يناير 2011 علي أنها رمت طوبه في نهر من الركود السياسي في البلد دي، لأول مرة الشعب المصري يكون قادر بشكل مباشر على خلع رئيس وإزالة نظام كامل، بالتالي الشعب المصري أدرك للمرة الأولي أنه يقدر من خلال الاحتجاج في الميادين أنه يشيل النظام.
– لكن تحقيق أهداف الثورة بيجي بأشياء أخري غير الاحتجاج تتطلب ممارسة السياسة وبناء تنظيمات سياسية قادرة تستوعب مطالب الثورة وتعمل على الدخول في صراع مع الدولة العميقة ومراكز القوى السياسية في البلد عشان المطالب دي.
– لازم نشوف دا من تجربة تشيلي اللي حكينا عنها فوق إن وجود فواعل سياسية معارضة حقيقية مهم في عملية التحول الديمقراطي، وإنه كل شيء بيتبني بالتراكم.
– في ثورات الربيع العربي شفنا تجارب بتنجح سلميا زي الثورة التونسية، ومؤخراً المسار اللي فيه الثورة السودانية والجزائرية، ونجحوا في الحصول على مكاسب كتير، وبالمقابل شفنا بالطبع المسارات الفاشلة الأخرى في الربيع العربي ومهم نتعلم من النجاح والفشل.
– ولازم نقول إن التجارب اللي ممكن يطلق عليها ناجحة دي عندها خصوصيتها ومشاكلها لحد الآن، لأن حلم الضربة القاضية دي مش موجود وغير ممكن في سياقات جيوسياسية مختلفة، وإن مطالب الثورات في البلدان خاصة الاجتماعية والاقتصادية لسه محل تساؤل.
– مهم جدا أننا نقرأ ونتعلم من التجارب دي، ونستفيد منها، وفي نفس الوقت لازم ندرك إنه “السياق” السياسي والاقتصادي والاجتماعي في بلد بيفرق، يعني مفيش خطة محددة إزاي تعمل ثورة أو ازاي تعمل ديمقراطية، وكل تجربة ديمقراطية في العالم كان ليها سياق خاص بيها رغم التشابه في الأهداف وفي الوسائل، وإنه نجاح أي حراك سياسي أو اجتماعي لازم يكون ليه قيادة عندها فهم جيد في السياسة كمعرفة وممارسة، إنما التجرد والعشوائية والاندفاع وعدم الفهم دايماً نتايجهم بتبقى كارثية، ومش محتاجين نذكر أمثلة كتير على ده.
– معرفة تاريخ الثورات في العالم مهم لأنه مليان دروس، لكن كمان معرفة تاريخ الثورات في بلدنا وطبيعة الاحتجاجات والحراكات فيها مهم كذلك عشان ما نيأسش ولا نستسلم من الجولة الأولى.
– مهم كمان نعرف إنخراط واشتباك مع الوضع السياسي هو مفيد وإيجابي وبيبني في رصيد المجتمع عشان لما نوصل لحظة الانتقال الديمقراطي يكون في جاهزية أكتر من الجولة الأولى.
العيش والحرية والعدالة الاجتماعية مطالب نبيلة لثورة يناير بس لازم نعرف إن طريقها طويل، ونتمني يجي اليوم اللي نشوف فيه مصر بتتغير للأحسن.
نتمنى نشوف مصر فيها ديمقراطية وممارسة حريات ومستوى معيشة أفضل لكل المواطنين، ولحد ما يجي اليوم ده. مهم نقرأ ونتعلم ونتناقش.
*****



مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *