-من المتوقع أنه القاهرة تعاني أزمة مائية بحلول عام 2025 بحسب تقارير بحثية من الأمم المتحدة. ودا خلا الحكومة بتتكلم كتير في خطابها السياسي وفي حملات إعلامية كبيرة عن ترشيد الاستهلاك في المياه.

– لكن الحقيقة الموضوع مش بالبساطة لازم نفهم مين بيستهلك مياه أكتر عشان نقوله يوفر فيها؟
– دا كان موضوع مقال تحليلي للباحثة دينا خليل تحت عنوان “ندرة المياه الحضرية الخفية في القاهرة “، بتناقش الوضع عير المتكافئ لتوزيع المياه في مصر.
– المقال في أول تعليق للي حابب يطلع عليه، وهو جزء من شغل جيد جدا بيعمله مركز حلول للسياسات البديله التابع للجامعة الأمريكية في القاهرة، واللي فيه مجموعة من الباحثين والأكاديمين والخبراء بيحاولوا يتكلموا عن حلول لمختلف مشاكل مصر خاصة الاقتصادية منها.
*****

مين بيهدر في المياه؟

– الخطاب الإعلامي بتاع ” يلا كلنا نرشد في استهلاك المياه ” بيخفي حاجتين مهمين جدا أولا أنه الاستهلاك المنزلي للمياة في مصرلا يتخطي 20 % من الاستهلاك الكلي للمياة في الزراعة وغيرها من الأنشطة الاقتصادية.
– الحقيقة التانية أنه مش كل المصريين بيستهلكوا المياه بشكل مبذر في ناس بتلاقي صعوبة كبيرة في الوصول لمياة الشرب أصلا وفي ناس فعلا بتستهلك المياه بتبذير كبير.
– في البداية عندنا 7 % من المصريين مفيش عندهم أصلا حنفية في البيت، وبيضطروا لمغادرة المنزل للحصول علي مياة، ال 7 % دول مش رقم صغير دول تقريبا حوالي 6 مليون مواطن مصري!

– لما نيجي نبص علي نصيب الفرد من المياه المنتجة يوميا، هنلاقي أن مواطن القاهرة هو صاحب النصيب الأعلى في مصر بعد سيناء. (وسبب ان سيناء في القمة هو الانخفاض الشديد في عدد السكان مش ضخامة كمية المياه).
– حصة الفرد في القاهرة هي 599 لتر يوميا، بينما حصة الفرد من مياة الشرب في المنيا مثلا 109 لتر يوميا، يعني نصيب الفرد في القاهرة خمس أضعاف نصيب الفرد في المنيا!

– سوء توزيع المياه مش بين القاهرة والمحافظات بس، لكن حتي جوة القاهرة في تفاوت كبير بين نصيب الفرد في المناطق القديمة وبين نصيب الفرد في المجتمعات العمرانية الجديدة.
– مثلا في الشيخ زايد اللي بيسكن فيها 330 ألف نسمة نصيب الفرد بيكون 1742 لتر كل يوم، أيضا القاهرة الجديدة اللي منها مناطق التجمع والرحاب نصيب الفرد فيها 1733 لتر يوميا، يعني تقريبا 3 أضعاف المتوسط في القاهرة.
– طبعا المياه الزائدة في المناطق دي بتروح للري الحدائق، وملاعب الجولف وحمامات السباحة ونوافير مياه، ومراكز تسوق، وبحيرات صناعية، اللي في المناطق دي بالإضافة للمنتجعات الترفيهية الكتيرة اللي موجودة في المناطق دي.
– لو بصينا بشكل عام هنلاقي أنه الشيخ زايد نصيب الفرد فيها من المياه 16 ضعف نصيب الفرد في المنيا، ودا شيء يخلي أي حد يفكر، مين بقا المفترض أنه بيهدر في المياه وبالتالي لازم يوفر فيها؟
*****

لية الوضع ده موجود؟

– أكتر شيء صادم كشفته الدراسة هوا ان ده مش قرار فردي أو شخصي، لا دي مرسخة في القانون، تحديدا في “الكود المصري لتصميم وتنفيذ خطوط مواسير مياه الشرب والصرف الصحي”، اللي بيحدد سمك المواسير في المناطق المختلفة وبالتالي كل منطقة هتاخد قد ايه.
– إحنا حاليا ماشيين على الدليل الرسمي الصادر سنة 1998، وفيه بيحدد سمك الماسورة بحيث يدي الفرد في المدن الجديدة 300 لتر يوميا، بينما “عواصم المدن الحضرية” تاخد 220 لتر يوميا، و”مراكز المحافظات الريفية” نصيبها 180 لتر في اليوم، لحد ما نوصل إن نصيب الفرد في “القرى الريفية التي يقل عدد سكانها عن 50 ألف نسمة” بيوصل 150 لتر في اليوم! يعني حتى لو مصر حلت كامل أزمتها من المياه هيبقى البنية التحتية والمواسير مصممة اصلا ان مواطنين أقل من مواطنين!
– طبعا جزء تاني من المشكلة هو ضعف الانفاق العام الحكومي علي تحسين خدمات المياه في المناطق القديمة في القاهرة مثلا في مقابل المدن الجديد اللي عندها بنية تحتية أفضل وأولوية اهتمام.
– حتي الاهتمام بإصلاح مواسير المياه وتنقيتها بيختلف بشكل كبير بين المناطق الشعبية في مصر وبين المناطق الراقية وبين المدن الجديدة، ناس ممكن يتصلح عندها العطل في ساعات وناس ممكن تنتظر أيام.
– التوزيع غير المتكافئ للمياة ممكن يلاحظة أي مواطن مصري من سكان المناطق القديمة في القاهرة واللي في صعوبة في وصول المياه ليها بالضغط المناسب فكل الناس بتلجأ انها تستخدم مواتير لرفع المياه أحياناً للأدوار الأولى مش العالية بس.
*****

طيب وايه الحل؟
– الحقيقة أنه في أزمة حقيقية في مياة الشرب مهما كان مستقبل سد النهضة، عدد السكان بيتضاعف بينما حصتنا من النيل ثابتة، احنا دلوقتي تحت معدل الفقر المائي اللي هوا أقل من 1000 متر مكعب سنويا للفرد، حاليا احنا تحت 700 متر مكعب سنويا للفرد.
– وبالتالي مفيش بديل عن توفير في الاستهلاك، لكن بالطريقة الصح، وأولها إن خطاب الترشيد يتوجه أولاً للفئات الأكثر استهلاكاً للمياه مش للأقل، وللأغراض الرفاهية قبل الاستخدامات الأساسية.
– لازم الحكومة تعيد النظر في قصة المواسير وتوصيل المياه، مش من حق أي حد أنه يميز بين المصريين على حسب طبقاتهم في الوصول للمياه. تغيير تصميمات المواسير ومحطات المياه اللي حصل بالفعل ومتراكم من عقود ممكن يكون مستحيل، لكن بالمستقبل مهم نراعي المساواة في البنية التحتية بين كل المصريين بالمدن الجديدة والقديمة، والمناطق الأغنى والأفقر.
– ع المدى الطويل محتاجين ندور على مصادر اضافية فوق حصتنا من النيل بطرق علمية، زي مثلا تحلية مياه البحر، أو اعادة تدوير مياه الصرف الصحي المعالجة واستخدامها في الزراعة، وبالفعل بعض الآليات دي بدأ استخدامها عندنا.
– كمان محتاجين (مشروع قومي) لتطوير الزراعة، الري بالرش والتنقيط بدل الوضع الحالي الري بالغمر ومجاري مائية مفتوحة، وأيضا جانب تاني تطوير سلالات من نفس المحاصيل تستهلك مياه أقل، بدل استسهال فكرة منع زراعة الرز بلا بديل واللي اتكلمنا عنها قبل كده، وعلى خطورة ده عالأمن الغذائي في مصر.
– زي ما دايما نكرر ان مفيش اقتصاد بدون سياسة، كل قرار اقتصادي يخص توجيه أموال حكومية لاستخدام يعني فورا عدم توجيهها لاستخدام آخر (كلفة الفرصة البديلة)، واللي بيخلي صاحب القرار (ينحاز) لجهة معينة هوا دايما جانب سياسي، وبالتالي احنا قدامنا إرادة سياسية واضحة في تصنيف حقوق المواطنين حسب مستوى سكنهم، رغم ان كلهم بيدفعو نفس نسب الضرايب على دخولهم بقانون واحد .. وضع زي ده لا يتغير بدون تغيير في منظومة الحكم لشكل فيه شفافية وتمثيل ديمقراطي وشراكة شعبية وادراك شعبي لأهمية ده على حياة كل فرد فينا.
*****




مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *