– قبل أيام خلال افتتاح مجمع الإسماعيلية الطبي، وجه الرئيس السيسي رسائل متعلقة بالزيادة السكانية وتأثيرها على شعور الناس بتحسن الاقتصاد.
– مش أول مرة الرئيس يتكلم في الموضوع ده، اتكلم عنه أكتر من مرة في مؤتمرات الشباب، وحتي في المداخلة الأخيرة اللي عملها مع عمرو أديب.
– كلام الرئيس عن الزيادة السكانية محتاج نقاش هادئ ومتوازن من أكثر من منظور، مش بس من زاويةأنه حجة للفقر اللي ثلث المصريين فيه دلوقتي، لكن كمان مش مطلوب نتجاهل المشكلة لمجرد المناكفة السياسية زي ما بيحاول البعض يعمل.
– في البوست ده هنحاول نناقش معاكم بشكل موضوعي قصة ارتباط الزيادة السكانية بالنمو الاقتصادي، وهل فعلا الزيادة السكانية هي سبب الفقر؟ ولا الفقر هوا اللي بيجيب زيادة سكانية؟
*****
إيه وضع الزيادة السكانية في مصر ؟
– خلينا نتفق الأول أنه الزيادة السكانية هي مشكلة حقيقية في مصر، معدل النمو الطبيعي للسكان في مصر مازال مرتفع، المعدل الطبيعي للزيادة السكانية هو الفرق بين المواليد والوفيات وهو في 2019 في مصر كان 1.76 %.
– معدل الزيادة الطبيعية للسكان في مصر انخفض من 2.5% عام 2014 يعني من تولي الرئيس السيسي إلى 1.75% عام 2019.
– الانخفاض ده رغم إنه يبان كويس إلا أنه بمعدلات النمو الاقتصادي الحالية غير كافي، وكمان بالمقارنة بدول زينا زي إيران وماليزيا هو كبير شوية.
– انخفض معدل المواليد في مصر من 28.6 لكل ألف نسمة خلال عـام 2016 إلى 26.8 لكل ألف نسمة خلال عام 2017 ثم انخفض مرة أخرى في عام 2019 ليصل إلى 23.3 لكل ألف نسمة.
– كمان على المدى الطويل (120 سنة تقريباً)، انخفض معدل الإنجاب من 6.7 طفل لكل سيدة، لحوالي 3.4 طفل لكل سيدة.
– كل الأرقام دي للأسف ورغم إنها بتنخفض إلا إنه الانخفاض ده غير كافي، بالنسبة لمعدلات النمو الاقتصادي اللي بتحصل في مصر.
*****
إيه رؤية الرئيس؟
– الرئيس السيسي قال: “هو أنتم مش في 2011 عملتوا ثورة وخرجتوا عشان تحسنوا أحوالكم، كان مفروض إن الناس تعرف إن الأحوال مبتتحسنش إلا إذا كان معدل نمو السكان يتناسب مع قدراتنا الاقتصادية والتشغيلية والموازنة العامة للدولة اللي هتنفق على العدد ده… طالما ده متحققش مش هتشعروا إن فيه إنفاق حقيقي مناسب ليكم”.
– الكلام ده صحيح جزئيا، لكن هو بيعبر عن رؤية قاصرة شوية، لأنه الزيادة السكانية زي ما بتخلي فيه مشكلات في النمو الاقتصادي، إلا أنها في نفس الوقت بتزود معدلاته لأنها بتزود الاستهلاك في الاقتصاد والطلب المحلي وغيرها من الحاجات اللي بتزود النمو الاقتصادي.
– بالتالي الحديث عن أنه الزيادة السكانية بتعمل ضغوط على النمو دا مش دقيق كفاية، إنما هي بالأساس بتعمل ضغوط على الإنفاق الحكومي اللي المفترض أنه يزيد على قطاعات التعليم والصحة والخدمات، لأن ده بحد ذاته هيؤدي لشعور المواطن بالتحسن، وزي ما شرحنا سابقا أكتر من مرة اختيار توجيه النفقات الحكومية ده اختيار سياسي، بتدي الأولوية لإيه؟ ومدى الشفافية والمراقبة والشراكة في الدولة إيه؟
– لكن كمان بالموضوع ده تحديدا الانفاق العام ده هوا جزء من معالجة الزيادة السكانية نفسها مش العكس.
– السؤال المهم اللي لازم الحكومة تفكر فيه هو المصريين اللي بيخلفو كتير بيعملو كده ليه؟ الحقيقة إنه ده له علاقة مباشرة بالفقر والظروف الاقتصادية اللي بتعيد إنتاج الفقر في مصر.
– الخلفة في المجتمعات الفقيرة هي بمثابة إنتاج قوة عمل جديدة في الأسرة، بدل ما الأب بيشتغل يكون الابن بيشتغل لما يخرج من التعليم مبكرا ويساهم في الإنفاق على الأسرة.
– وكمان لأنه أغلب المصريين مش بيشتغلوا في وظائف رسمية فيها أمان وظيفي ومعاش تقاعد كويس بالتالي فإنجاب الأطفال عشان رعاية الأب والأم لما يكبروا بيكون هو الحل.
– الرئيس قال برضه “النهارده بيخرج لسوق العمل 800 … 900 ألف، أنهي فرص عمل دي اللي ممكن أي دولة تحقق لهم تشغيل حقيقي، يعني إيه تشغيل حقيقي، يعني بدخل مستدام، هي فرصة العمل بكام، دي بتتراوح بين الـ100 ألف والمليون، يعني اضرب في 100 مليار أو 900 مليار.”
– الحقيقة وبعيداً عن التقديرات الكبيرة لخلق فرصة عمل ، واللي هي بتختلف من قطاع لآخر في مصر من 74 ألف جنيه في قطاع المناجم والمحاجر لـ2.3 مليون جنيه في قطاع البترول بحسب أرقام 2016 يعني المتوسط حوالي 350 ألف جنيه، لكن حتى بعيدا عن الأرقام دي فالرئيس أشار لفكرة مهمة وهو يعني إيه تشغيل حقيقي؟
– القطاعات المولدة للتشغيل في مصر في السنوات الأخيرة هي قطاعات غير مستقرة زي العقارات والبنية التحتية، ودي بتوفر وظائف لكنها وظائف بدون دخول كبيرة ولا استقرار وظيفي بالتالي بتعيد إنتاج الفقر والزيادة السكانية.
– في مصر حصة القطاع الصناعي من الوظائف انخفضت من 32 % في 1996 لـ21 % بس في 2017، الانخفاض المستمر في حصة القطاع الصناعي من التشغيل يعني انخفاض قدرة الاقتصاد ككل على توليد وظائف جيدة بدخول جيدة تقلل من الزيادة السكانية ويكون فيها معدلات أمان وظيفي أفضل.
– بالتالي سياسة الدولة الاقتصادية في تشجيع طفرة العقارات والانفاق المكثف على البنية التحتية بهذه الشراهة سبب مباشر في تدهور الصناعة وبالتالي تدهور قدرة الاقتصاد على خلق وظائف عمل جيدة.
– الرئيس قال كمان “اللي بذلته الحكومة خلال الـ 5..6 سنين اللي فاتت معتبر وغير متوقع.. كل الناس بتقول عملتوه إزاي، وهتعملوا الجاي إزاي، لكن النهاية مهما عملنا من غير ما نظبط النقطة دي [تقليل معدل النمو السكاني] غير كده متلوموش حد تاني مش الدولة، مش الحكومة”.
– والحقيقة لو الرئيس يقصد المشروعات القومية باللي بيقول أنه الحكومة بذلته، ففي مشكلة لأنه المشروعات دي واللي اتصرف عليها بحسب الرئيس نفسه في 2019 حوالي 4 تريليون جنيه في 5 سنين، يعني تقريبا حوالي 800 مليار جنيه سنويا على البنية التحتية ومشروعات أخرى بدرجة أقل، ولو بأرقام الرئيس نفسها الأخيرة فده كان قادر على توليد 800 ألف فرصة عمل جديدة في الاقتصاد كل سنة، وبالتالي يستوعب العمالة الخارجة للسوق.
– ولكن ولأنه الرقم الكبير ده تم إنفاقه على قطاعات غير إنتاجية، وأنفق كله على البنية التحتية بشكل غير مدروس كفاية، اللي زي ما قولنا بتولد وظائف هشة معدلات الأجور فيها منخفضة فتوليد الوظائف بقى في مشكلة في مصر.
– ودا كلام مش معناه إن مشروعات البنية التحتية ملهاش قيمة مثلا، بالعكس دي حاجة مهمة بالتأكيد، بس مينفعش نبص للاقتصاد من زاوية واحدة بس وإحنا بنتكلم عن مشكلة كبيرة زي الانفجار السكاني.
*****
إيه اللي ممكن نفهمه من كل ده؟
– الرئيس في كلامه قال ” استوقفتني جدًا الكلمة بتاعة حقوق الإنسان، أيوة من حق الناس تعبر عن رأيها وتعترض، بس الهدف منها تحسين أحوال الناس، مش المعارضة للمعارضة، بتكلم عشان تقول أيوة بُصُو هنا في مشكلة، بنقبله من أي حد، بس يكون فاهم بيقول إيه”
– ورغم ان الكلام ده بيستخدم في الواقع لمنع المعارضة، لكن دي فرصة للنقاش الهادئ مع الرئيس حوالين اعتبار النمو السكاني فقط كدة مشكلة وخلاص، لأنه حتى مع اعترافنا أنه مشكلة إلا أنه الدولة في إيديها حلول كثيرة.
– وكمان الرئيس قال إن بمعدلات النمو الحالية محتاجين تريليون دولار اللي هما 16 تريليون جنيه عشان المواطن يحس بالتحسن، ومفيش أي مصدر واضح الحسبة دي اتحسبت ازاي مادام احنا بنتكلم بالأرقام والمعلومات.
– لازم نشير هنا إن كان عندنا تجربة في مصر قد يستغرب البعض منها نجحت في الحد نسبيا من الزيادة السكانية خلال الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي.
– نجحت سياسات تنظيم الأسرة القديمة في خفض معدل الخصوبة الكلي في البلاد من 5.3 طفل لكل امرأة في عام 1980 إلى 3.4 في عام 1998، وأخيرا إلى 2.8 في عام 2011، ودا انخفاض ملحوظ عن فترة الستينيات من القرن الماضي لما كانت نسبة عدد الأطفال لدى معظم الأسر المصرية، إحصائيا 7.2، ودا معناه إن دور الدولة حقيقي وفعال في المشكلة.
– الدور اللي على الدولة بجانب الاستمرار في سياسات تنظيم الأسرة زي التوعية والخدمات الصحية يتمثل في دور اقتصادي مباشر وهو أنه تحول الاقتصاد لاقتصاد منتج لفرص العمل المستدامة.
– يعني مثلا لازم توفير وسائل منع الحمل للرجال والنساء ببلاش وبدون تعقيدات بيروقراطية في المستشفيات الحكومية، وتفعيل منظومة طب الأسرة وتقديم الاستشارات الزوجية ببلاش من قبل الحكومة وده اللي هيرفع الوعي بالمشكلة السكانية.
– بالتالي لازم الحكومة والناس تفهم إن مشكلة الزيادة السكانية لها أسباب لازم معالجتها قبل لوم طرف، المشكلة السكانية مش هتبقى مشكلة لما نقدر نخلق وظائف جيدة في سوق العمل ترفع من دخل المواطنين وتوسع مساحة الطبقة الوسطي المصرية بالتالي تكون معدلات الإنجاب أقل لأنه لما الناس يرتفع مستوى دخولها ويرتفع مستوى تعليمها هتكون قادرة على الاهتمام بشكل أكبر بصحة وتعليم أبنائها بالتالي هتكون بتفكر بطريقة مختلفة في الإنجاب.
– يعني انخفاض الإنجاب بيكون عادة نتيجة لتحقيق خطوات بالتعليم والاقتصاد، مش العكس، إلا في حالة سياسات غير إنسانية زي الصين اللي فرضت بالإجبار والقمع طفل واحد فقط لكل أسرة، وده غير انه مش مقبول، أدى كمان لأزمة عكسية في الصين بعد عقود لما بقى أغلب المواليد ذكور لأن الأسر بتجهض الاناث، وبعدين كمان دلوقتي بقى الناس مش عايزة تخلف حتى بعد رفع قانون الطفل الواحد.
– الكلام دا عليه دليل في أي مكان حوالينا؟
– الإجابة نعم في العديد من الدول النامية تجارب بتثبت ده، زي إيران مثلا كانت بتشجع على الإنجاب لحد انتهاء الحرب الإيرانية-العراقية وجدوا نفسهم قدام كارثة سكانية.
– إيران بمجموعة خطوات نجحت في إن يكون عندها أكبر وأسرع انخفاض تم تسجيله على الإطلاق فيما يتعلق بمعدلات الخصوبة، من 7 ولادات لكل امرأة إلى أقل من ولادتين تقريبا في غضون 30 سنة.
– وطبعا لطبيعة النظام كان فيه فتاوى دينية، بس بالأساس كان فيه اللي بنتكلم عنه وسائل منع الحمل كانت بتوزع مجانا في العيادات الحكومية، بما في ذلك الآلاف من المراكز الصحية في المناطق الريفية، والمساعدة على الحد من وفيات الأمهات والأطفال، وتوفير المشورة بشأن تنظيم الأسرة، وعندهم برضه حصل إن الحكومة وفرت للذكور كمان إجراء عمليات ربط الحبل المنوي.
– وكمان كان فيه عامل تاني مهم جداً، وهو الاستثمار في التعليم، فمن سنة 1976 إلى عام 2011، تضاعف معدل الإلمام بالقراءة والكتابة بين الشباب في البلاد إلى 98%.
– فلما جت الحكومة الإيرانية تغير نهجها بداية من 2011 نحو التشجيع على زيادة الإنجاب، لدرجة في 2014 اتطرح قانون في البرلمان لمنع عمليات ربط الحبل المنوي، كان فيه تشكك شعبي في الخطوة نتاج الوعي الكافي، واصوات كتير قالت لحكومتهم إزاي عاوزينا نخلف في ظل الأوضاع الاقتصادية المتدهورة دي (دا الشعب اللي قال مش الحكومة)، وهنا كان التعليم هوا أحد اهم عناصر تنظيم الأسرة.
– ودا كلام قاله البنك الدولي بشكل مباشر لما ربط العلاقة بين التعليم وتنظيم الأسرة بشكل مباشر، وقال عادة ما تكون لدى النساء المتعلمات أسر أصغر حجماً، وأكثر صحة، وبالمثل معدلات الخصوبة تنخفض عندما يكون النساء لديهن ما لا يقل عن سبع سنوات أو أكثر من التعليم، وهنا البعض بيقول إن مصر محتاجة تهتم بمسألة التعليم ضمن إستراتيجية لمواجهة الزيادة السكانية، ومينفعش أبداً لما يجي الكلام عن مشكلة التعليم، يتقال أصل الزيادة السكانية، لأن التجارب بتقول إن لازم تهتم بالتعليم لتقليل الزيادة السكانية، مش التحجج بها.
– لو رجعنا لمصر، فالتقديرات الاقتصادية للنمو المطلوب في مصر عشان تبقى كافية للتوازن مع النمو السكاني الحالي أنه مصر النمو الاقتصادي 3 أضعاف معدل النمو السكاني، وده يعني أنه معدل النمو السكاني الحالي اللي هو بين 2.5 إلى 3 بالمائة سنويا يحتاج لنمو اقتصادي من 7.5 إلى 9 بالمائة سنويا للسيطرة على الوضع.
– ومش بس معدل النمو لكن النمو يكون في قطاعات إيه، هل هتكون قطاعات مولدة للوظائف بشكل جيد بمعنى الكم والكيف ولا لأ، يعني مثلا قطاع الصناعات التحويلية له قيمة مضافة عالية بالتالي هو قطاع مهم وخلق الوظائف فيه أهم من أي حاجة .
– زيادة الإنفاق علي التعليم والصحة في الموازنة العامة مهمة أيضا لمواجهة الزيادة السكانية، لأنه كله الدول اللي معدلات النمو السكاني فيها منخفضة هي الدول اللي عندها صحة وتعليم كويس بالتالي وعي الناس أفضل.
– كذلك تقديم برامج رعاية اجتماعية قوية تزيل قلق الناس من هواجس كبر السن والرعاية، عشان يكون فيه بديل لفكرة “الأولاد والرعاية في الكبر”، وطبعا مع اعترفنا إن الأشياء الثقافية اللي زي دي مبتتغيرش بسهولة، لكن لازم نبدأ بمعالجة الأسباب كلها.
– في النهاية احنا فعلا ضد الخطابات اللي بتحرض الناس فقط على زيادة الإنجاب، وثقافة “العيل بيجي برزقه” لأنه ثبت إن الفقر بيتورث للأجيال الجديدة بمنتهى البساطة في ظل الثقافة دي!
– لكن بنفس الوقت لازم الحكومة تفهم أنه الزيادة السكانية ده موضوع معقد ومشكلة فيها أكثر من عامل وعشان تتحل محتاجة دراسة لكل عامل من عوامل النمو السكاني زي الفقر – التعليم – الصحة – سوق العمل وغيرها من العوامل اللي ليها دور في المشكلة، بالتالي تفهم أنه حل المشكلة هو في معالجة الأسباب والمشاكل دي بشكل كلي وليس جزئي وبالتأكيد الحل مش في إلقاء اللوم على الشعب فقط.
*****