(ألقت الأستاذة راجية هذا الخطاب في حفل تسلمها الجائزة في مقر السفارة الفرنسية بالقاهرة .. الجائزة تُمنح باسم وزيري خارجية فرنسا وألمانيا، وحصل عليها هذا العام 15 شخصاً حول العالم، وكانت الأستاذة راجية هي العربية الوحيدة بينهم)
سعادة السفير لوي/
سعادة السفير روماتيت/
الأفاضل أعضاء المجلس القومي لحقوق الإنسان/
أسرتي الحبيبة، أصدقائي وزملائي الأعزاء/
إنه لشرف كبير لي أن أقف أمامكم اليوم، في العيد السادس والتسعين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، لأتلقى الجائزة الفرنسية الألمانية لحقوق الإنسان وسيادة القانون، وان أنضم إلى الزملاء والزميلات الحاصلين عليها من كافة أنحاء العالم، الذين تم تكريمهم لمهنيتهم ومثابرتهم في الدفاع عن حقوق الإنسان.
لقد وصل مجال حقوق الإنسان اليوم إلى نقطة حرجة حيث نناضل من أجل حماية والدفاع عن حقوق أساسية، كانت من البديهيات حتى وقت قريب. وإذ يتصاعد الأرهاب وجرائم الكراهية والعنف وإذ تزيد الدول من إنفاقها على شراء السلاح في حين يعيش الملايين في ظل الفقر أو يصبحون بدون دولة أو لاجئين، يعانون من سوء التغذية بدون مياه نقية للشرب أو مأوى أو تعليم، تصبح الحاجة أكثر إلحاحا من أي وقت مضى للتسامح وقبول الأخر والحوار والبحث عن حلول سلمية للصراعات.
لقد شاهدنا خلال السنوات الماضية الشعبوية المتطرفة وكراهية الأجانب والتعصب تطل برأسها القبيح في كافة أركان الأرض.
وقد كانت هذه السنوات القليلة الماضية الأكثر سوادا وتحديا لمجتمع حقوق الإنسان في مصر وللمجتمع المدني بشكل عام.
قيدت بشدة قدراتنا على التنظيم والاحتجاج، أغلقت مراكز حقوق الإنسان، وأسكتت أصواتنا، وكما تعرض زملائي وزميالتي من المدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان لقرارات المنع من السفر وتجميد الأموال والتحقيقات المتتالية في سياق ما عرف باسم القضية 173 الشهيرة.
وقد تم كل ذلك تحت دعوى أمن الدولة والأستقرار ومحاربة الإرهاب. ومع ذلك، ومن حيث كونهم عماد مجتمع المدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان منذ أواخر الثمانينات، يستمر زملائي وزميلاتي في العمل في ظل ظروف شديدة التقييد والإحباط، متمسكين بالأيمان بقضية الدفاع عن حقوق الإنسان.. كل حقوق الإنسان: الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والمدنية والثقافية.
البعض يتحدث عن الطبيعة المنافقة للسياسة. إلا أنني لا أستخدم مثل هذه المصطلحات..
إنني كذلك شخص عملي وواقعي.. لكن ليس من العملي أو الواقعي بيع السلاح لأطراف متحاربة في بلدان غارقة في الصراعات والنزاعات يموت فيها الأطفال، وفي نفس الوقت الحديث عن حقوق الإنسان.
ليس من المجدي منح جوائز حقوق الإنسان في ذات الوقت الذي يتم فيه
التعامل بانتقائية مع حقوق الإنسان.
ليس من العملي أن نستخدم لغة حقوق الإنسان دون أن نسير على نهجها.
إنني أتفهم تماما أن مسئولية أي حكومة هي تجاه مواطنيها ومصانعها وقطاع أعمالها، إلا أن المكاسب قصيرة المدى على حساب شعوب
وبلدان أخرى ليست قصيرة الأجل فحسب، بل لها انعكاساتها السلبية والسلبية للغاية. حقوق الإنسان لا تتعلق فقط بالقيم والمثاليات. بل هي عنصر جوهري من أجل استقرار الأسواق والأمم ومن أجل مصيرنا المشترك على هذا الكوكب.
ورغم الصورة البائسة إلا أنه لازال هناك أمل. إنني أقف أمامكم اليوم وأنا أشعر بالفخر لكوني جزء من مجتمع المدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان في مصر، المستمرين في النضال والنمو والإبداع في مواجهة الصعوبات والمشقة.
ويستمر اختيار أساتذتي وزملائي – وهم أكثر عددا من أن أذكرهم جميعا هنا لكنهم يعرفون أنفسهم – للحصول على العديد من الجوائز
الدولية. إن اختيار المجتمع الدولي للمدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين المصريين للحصول على الجوائز ذات الاعتبار ليس مجرد تصويت بالثقة في هذا المجتمع وإنما أيضا تذكير بأن رحلتنا رحلة طويلة سوف نحتاج فيها إلى مساعدة الجميع كي نصل إلى هدفنا النهائي.
إنني أتسلم هذه الجائزة اليوم باسم أشخاص عديدين في حياتي ساعدوني ودعموا عملي.
بداية أتسلم هذه الجائزة باسم أسرتي – خاصة والدي الأعزاء – اللذين طالما آمنا بما أفعل ودعماني فيه. أمي وأبي.. هذه
الجائزة من أجل ليالي الأرق التي ال تحصى التي مرت عليكما وانتما في انتظار عودتي من أقسام الشرطة وأطراف البلاد البعيدة. لقد زرعتما في حبا عميقا لهذا البلد وإيمانا عميقا بالعدالة والإنسانية .. وما كنت لأتمكن من القيام بما أقوم به دون هذه القيم ودون دعمكما. إلى أخواتي الذين يتحملوني ونمط حياتي المجنون وخاصة أختي دانة: حاملة أسراري وناصحتي
وسندي، ممتنة أنا لكم إلى الأبد.
ثانيا، أتسلم هذه الجائزة باسم كل علموني، والكثير منهم معنا هنا اليوم. اليوم، في هذه الغرفة، يتواجد معنا أربعة أجيال من محامي ونشطاء حقوق الإنسان. لقد حملوا بأمانة الشعلة من جيل إلى آخر، واستمروا في النمو والتعلم ونقل الحكمة والمعرفة والتجربة والمهارة، والنضال من أجل ما حلمنا به في ميدان التحرير في مصر. لقد تعلمت الكثير من كل واحد وواحدة منكم.
من عايدة جندي إلى عزيزة حسين إلى ماري أسعد تعلمت أهمية العمل التطوعي والأشتباك مع العمل المدني.
من عايدة سيف الدولة ونوله درويش وهاله شكرالله و امال عبد الهادي و زميلاتي في مؤسسة المرأة الجديدة تعلمت أن أعبر عن رأيي وأن أكسر الممنوعات وأن أناضل من أجل مساحة لنضال النساء. جميع هؤلاء النساء هن حاملات تراث نساء مصريات قويات كرسن أنفسهن لتحسين حياة مجتمعاتهن ونشر قيم العدالة والكرامة والمساواة بين جميع المصريين.
من المحامي الحقوقي الراحل أحمد سيف والمحامي العمالي الراحل سيد فتحي – وكلاهما تلاميذ للمحامي اليساري الراحل نبيل الهلالي، أحد دعائم
المساندة القانونية التطوعية لمن يحتاج إليها – تعلمت أن دور المحامي الحقوقي لا ينتهي في قاعة المحكمة أو مكتب النيابة بل يمتد إلى ما يتجاوز ذلك إلى السجون وأقسام الشرطة وأي مكان تبرز فيه الحاجة إلى الدفاع والحديث ضد انتهاكات حقوق الإنسان.
أتمنى أن أنقل هذه المبادئ والقيم التي زرعها في هؤلاء المصريون الملهمون إلى الجيل القادم من نشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان.
ثالثا، أتسلم هذه الجائزة باسم عدد لا يحصى من المحامين والنشطاء والمواطنين الذين يناضلون كل في موقعه. منذ يوم 25 يناير 2011 التقيت عددا لا يحصى من المصريين الذين علموني أن أكون شجاعة في مواجهة الشدة، ومتفائلة في مواجهة اليأس.
فبداية من النشطاء الذين نظموا الاحتجاجات إلى ربات البيوت الذين أرسلوا الطعام والمال والأدوية لسد حاجات الاعتصامات والاحتجاجات، إلى الصحفيين والمصورين الذين خاطروا بأنفسهم لكي ينقلوا الصورة والرواية الحقيقية، إلى المحامين الذين أمضوا ليال ال تحصى في السجون والمحاكم سعيا لإخلاء سبيل المعتقلين – لم أتوقف لحظة عن استلهام روح
الصمود والكرم لدى المصريين. أنتم الأبطال الذين تمنحوني الأمل.
أخيرا وليس آخرا أتسلم هذه الجائزة اليوم باسم آلاف القابعين في السجون في انتظار أن يميل ميزان العدالة لصالحهم. وأذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر، علاء عبد الفتاح، أحمد دومه، شوكان، ماهينور المصري، عمرو علي، محمد ياسين والقائمة لا نهاية لها.
أتسلم هذه الجائزة لكل المصريين الذين ضحوا يعيونهم وحياتهم ومعيشتهم من أجل مصر أفضل، وللطلاب والمحامين والأطباء والصحفيين الشجعان المحتجزين في السجون، حيث يدفعون ثمنا باهظا من أجل مبادئ الحرية والكرامة الإنسانية.
إننا نناضل من أجل مصر تشجع فضول العقول الشابة على التفكير وطرح الأسئلة وتجاوز الحدود، بلد يسود فيه القانون لحماية البشر بغض النظر عن النوع أو الدين أو العرق أو الانتماء السياسي. وقبل كل شيء، نناضل من أجل مصر
يُعامل فيها كل مصري ومصرية باحترام وكرامة وعدل.
أود أن أختم بأحد المقولات المفضلة لدي، اقتبسها من روبرت ف. كندي:
“في كل مرة يدافع فيها شخص عن مبدأ، أو يعمل من أجل تحسين حياة الآخرين أو يقاوم فيها ظلم ما، يكون بذلك مرسالا لموجة صغيرة من الأمل؛ وإذ تلتقي كل تلك الموجات الصغيرة القادمة من الماليين من مراكز الطاقة والجرأة، تصبح تيارا قادرا على الإطاحة بأقوى قلاع القهر والظلم.”
إلى زملائي وزميلاتي في المجتمع الحقوقي المصري أقول نحن هذه الموجات الصغيرة من الأمل.. ولنبني معا ذلك التيار الذي سوف يطيح بأقوى قلاع القهر والظلم.
شكرا