سمعت عن دولة اسمها جزر كايمان؟
الدولة المجهولة بالنسبالنا دي هيا (نظرياً) سادس أكبر مستثمر في مصر! إزاي ودي دولة منعرفهاش، دولة صغيرة جداً مساحتها ٢٦٤ كيلو وسكانها ٥٦ ألف نسمة؟ .. الموضوع يبقى مفهوم لو عرفنا إن جزر الكايمان من أهم “الملاذات الضريبية” في العالم ..
يعني إيه ملاذ ضريبي؟
– هو مكان بتكون الضرايب فيه منخفضة جدًا أو معدومة، وبيعتمد على الميزة دي في جذب الأموال من مختلف دول العالم.
– في أغلب الأحيان الأماكن دي بتوفر خدمة “سرية بيانات العملاء”، عشان محدش يقدر يتعقب الأموال المهربة فيها.
– عدد الملاذات الضريبية في العالم، بحسب شبكة العدالة الضريبية، حوالي ٨٠ ملاذ، من أشهرهم جزر العذراء البريطانية، وجزر كايمان، وبنما، وجزر البهاما.
*****
إزاي بيتم استخدام الملاذات دي للتهرب الضريبي؟
بالنسبة للشركات فيه كذا طريق، من أهمها إن الشركة بتعمل لها فروع أو أو شركات وهمية مستقلة على الورق بس في الملاذات الضريبية، و تتلاعب في حساباتها بطرق مختلفة، زي انها تدفع للفرع أغلب أرباحها نظير سلع وخدمات وهمية تصدر بيها فواتير تضاف للتكاليف في الشركة الأم، بحيث تظهر أغلب الأرباح في الفرع المسجل في الملاذ الضريبي، وتخفيها من الفرع الأصلي المسجل في الدولة اللي اشتغلت فيها فعليًا.
– الشركات عندها طريقة تانية للتهرب تهمنا جداً في مصر لأنها سبب ظهور الملاذات دي في قائمة الاستثمار الأجنبي، يُطلق عليها “الاستثمار السري الدائري” Round-tripping
ومعناها إني كمستثمر أطلع فلوسي من شركتي في بلدي إلى الفرع الجديد اللي عملته في الملاذ الضريبي، وبعدين أرجع نفس الفلوس للاستثمار في بلدي عبر الشركة الأجنبية، وساعتها الاستثمار ده هيسجل بشكل وهمي في “الاستثمار الأجنبي”، ولا يخضع لنفس قانون الضرائب المحلي.
– بالنسبة للأشخاص أصحاب الثروات الكبيرة بيلجأوا للملاذات الضريبية عشان يتهربوا من ضرايب الدخل في الدول المقيمين بها، وبيوجهوا بعدها أرباحهم للادخار في الأماكن دي أولأً بأول.
*****
إيه علاقة مصر بالملاذات الضريبية؟
– دولة جزر الكايمان تحتل المركز السادس في قائمة أكبر الدول المستثمرة بمصر وفقًا لبيانات وزارة الاستثمار عن حجم الاستثمارات الأجنبية من عام ١٩٧٠ إلى عام ٢٠١٣. المركز ده متقدم جدًا، ويتفوق على دول كبيرة زي فرنسا وأمريكا وإيطاليا.
– جزر العذراء تحتل المركز الحادي عشر في القائمة، باستثمارات في مصر تبلغ ٢,٧ مليار.
– إجمالي استثمارات دويلات الملاذات الضريبية في مصر تبلغ حوالي ١٢ مليار دولار، موزعة في ٤٧٩ شركة مصرية.
– السبب في الأغلب هو إن رجال أعمال بيسجلوا أرباح شركاتهم المصرية في الدول دي، عشان ميدفعوش ضرايب في مصر.
– وده كمان اللي أشارت له “وثائق بنما” اللي كشفت إن في حوالي ٣٠٠ شخصية مصرية منهم رجال أعمال وسياسيين وإعلاميين بتستخدم الملاذات الضريبية دي.
– من الأمثلة مثلاً على التلاعب ده رجل الأعمال حسين سالم، اللي الدولة اتصالحت معاه مؤخراً، كان يملك حصة في شركة غاز شرق المتوسط، التي كانت مسؤولة عن تصدير الغاز لإسرائيل والأردن وإسبانيا، عن طريق شركة تانية مسجلة في جزر العذراء البريطانية اسمها Mediterranean Gas Pipeline ، ودي بدورها مملوكة لشركة تالتة مسجلة في بنما اسمها Clelia Assets Corp
الشركة التالتة دي بقى كانت تمتلك حصص في ١٨ شركة مصرية عن طريق صندوق استثمار مسجل في جزر الكايمان، تحت اسم Egypt Fund، بحصة تقدر بـ ٣ مليون دولار، ويشارك عائلة سالم في الصندوق ده كل من أحمد عز، وجمال وعلاء مبارك، من خلال صندوق تاني مسجل في ملاذ ضريبي تاني هو جزر العذراء البريطانية، اسمهPanworld Investments.
– مثال تاني هوا الوضع الغريب لشركة جينة للألبان لصاحبها صفوان ثابت، اللي ظهر إن ٢٥% من أسهمها، مسجلة باسم شركة Sbsmh investment limited، وهي شركة مسجلة في جزر العذراء، ويملكها برضه صفوان ثابت وزوجته وأولاده الثلاثة .. وده كان سبب إنه لما حصلت مشكلته القضائية تم التحفظ على الأسهم المسجلة باسمه داخل مصر فقط، بينما الأسهم اللي زي دي اعتبرت استثمار أجنبي ولم تخضع للتحفظ.
– ننوه إن التعامل الدولي هوا إن مجرد وضع الأشخاص لأموالهم في الملاذات الضريبية دي علامة شك، لكنها لا تثبت وحدها إنهم متهربين من الضرايب، إلى حين إجراء تحقيقات للوصول إلى الحقيقة.
– المدهش بقى إن “وثائق بنما” اللي هزت العالم كله، واللي دول كتير قررت فتح تحقيقات بناء عليها، وأدت لاستقالة رئيس وزراء آيسلندا بعد كشف امتلاكه لشركة بجزر العذراء، الحكومة المصرية لم تعيرها أي اهتمام ولم تعلن أي تحقيق في المعلومات اللي كشفت عنها رغم كثرة أسماء المصريين فيها!
*****
إيه أضرار الملاذات الضريبية عليا كمواطن؟
– كمواطن عادي انت أكتر المتضررين، لأن الضرائب هي المصدر الأول للدخل الحكومي، وطبعًا كل ما يقل حجم أموالها، كل ما تزيد الأزمة، وبالتالي هيقل الإنفاق على ما يلمس المواطنين التعليم والصحة ودعم الفقراء وغيرها.
– انت كمواطن عادي “من العاملين بأجر” في القطاع العام أو الخاص بتدفع ضرايبك كاملة لإن الحكومة بتخصمها من مرتبك قبل مايوصل لإيدك أصلًا، بينما الملاذات الضريبية بتسمح لشركات كُبرى، وأصحاب رؤوس أموال ضخمة، بتهريب أموالهم للخارج، رغم أن دول مفروض يدفعوا الجزء الأكبر من الضرائب.
– الملاذات الضريبية واحد من أسباب انخفاض الضرائب اللي بتدفعها الشركات في مصر .. حسب موازنة ٢٠١٣/ ٢٠١٤ أغلب ضرائب الشركات دفعتها جهتين حكوميتين هما هيئة قناة السويس والهيئة العامة للبترول، باستبعاد الجهتين دول نُفاجأ إن كل الشركات بمصر دفعت ٢٥ مليار جنيه فقط من إجمالي حصيلة ضريبية تبلغ ٢٦٠ مليار جنيه، مش منطقي بالمعايير العالمية إن إجمالي مساهمة الشركات بالضرائب تكون ١٠%!
– إذا عرفنا كمان إن الرقم الرسمي لتكلفة التهرب الضريبي في مصر هو ٦١ مليار جنيه عام ٢٠١٣ فقط، حسب الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد اللي اتقدمت عام ٢٠١٤ لرئيس الوزراء إبراهيم محلب، وإذا عرفنا إن منظمة النزاهة العالمية قدرت تكلفة سوء التسعيرـ وهي من أهم وسائل التهرب الضريبي باستخدام الملاذات الضريبيةـ في الفترة ما بين ٢٠٠١ و٢٠١٠ في مصر بحوالي ٢٢.٣ مليار دولار، بمتوسط 2.3 مليار دولار في السنة،هنقدر نتخيل حجم الضرر الضخم اللي واقع علينا بسبب بشكل أفضل. تخيلوا بس لو كل المليارات دي تم توجيهها لقطاعات الصحة أو التعليم أو الأجور أو الاستثمار الحكومي هيحصل إيه.
– كمان من أضرار الملاذات الضريبية إنها واحدة من الأسباب اللي بتخلي أصحاب الأعمال الصغيرة والمتوسطة يعانوا من ضعف قدرتهم التنافسية مقارنة بالشركات الكبيرة اللي بتدفع ضرايب أقل.
حسب دراسة معتمدة على بيانات الضرائب الرسمية في ٢٠٠٩، للباحث عبدالفتاح الجبالي مستشار وزير التخطيط حاليا، شركات الأشخاص اللي بيقل حجم أعمالها عن ٢ مليون جنيه دفعت حوالي ٢٨% من أرباحها كضرايب، في حين الشركات اللي حجم أعمالها أكتر من مليار جنيه دفعت فقط ٣.٥% من أرباحها كضرايب!
– كمان الملاذات الضريبية دي بتأثر على دقة بيانات الاستثمار اللي كده تبقى غير معبرة عن الوضع الحقيقي للاستثمار، أكيد مضلل للمواطن ولصانع القرار الاقتصادي لما يتقال إن الاستثمار الأجنبي زاد أو نقص، بينما في الواقع الحساب داخل فيه أموال مصرية لرجال أعمال مصريين في شركات مصرية.
عشان كده منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في أوروبا نصحت في تقرير أصدرته في ٢٠١٥، باستبعاد الشركات المسجلة في الملاذات الضريبية من بيانات الاستثمار الأجنبي لأنها بتشوهها وبتخلي الاعتماد عليها صعب.
*****
إزاي مصر تواجه عملية تهريب الأموال إلى الملاذات الضريبية؟
– زي ما قلنا سابقاً في أكتر من موضوع إن دايماً فيه جانب سياسي جنب الجانب التقني .. في أحيان كتير بيكون المستفيد من الوضع له تأثير على اتخاذ القرار الحكومي، سواء بأن له أوراق ضغط عليه، أو أصلاً هو شريك في الحكم بنفسه كعضو مجلس نواب، أو وزير، أو غيرها من المناصب.
– التصريحات الحكومية عن القضية نادرة جداً، وكلها كلام مُرسل بلا إجراءات عملية، زي تصريح وزير المالية هاني ديمان في فبراير ٢٠١٦ بمناسبة مشاركة مصر في اجتماعات دول العشرين اللي تتناول القضية، إنه “بالنسبة له كوزير للمالية يرى أن هذا الموضوع من الموضوعات ذات الأولوية، لأن تهريب الأرباح عبر الدول المختلفة للوصول إلى الملاذات الضريبية يلحق ضررا جسيما باقتصاد أى دولة، ومنها الاقتصاد المصرى.”
(كلام) جميل جداً، بس مشفناش بعده لا قرار حكومي، ولا قانون في البرلمان، ولا ذكر في أي تصريحات من الرئيس أو الوزراء.
أولاً إجراءات داخلية:
– مصر لازم تتوسع في فرض الضريبة المستقطعة على الأموال والأرباح المحولة إلى ملاذات ضريبية إلى حين التأكد من طبيعة هذا التحويل. والأسلوب ده بيتم اتباعه في أميركا وبريطانيا وحتى دول أقل نموًا زي السلفادور اللي قامت بفرض ضريبة مستقطعة إضافية بنسبة ٢٥% على التحويلات المالية للأفراد والشركات إلى الملاذات الضريبية.
– إلزام الشركات العاملة في مصر بالكشف عن دخل الشركات متعددة الجنسيات وأنشطتها الاقتصادية، والضرائب المدفوعة في كل دولة تملك الشركة فرع بها له تعامل مع الفرع المصري، وبكده نقدر نعرف إن كان في تهريب أموال لفرع بعينه عشان الشركة تدفع ضرايب أقل ولا لأ.
– في عام ٢٠١٣، قام البرلمان البلغاري بإصدار قانون يمنع الشركات المسجلة في الملاذات الضريبية من الاستثمار في ٢٨ قطاع. كذلك الحكومة المصرية ممكن تعرف إيه المجالات اللي الشركات المسجلة في الملاذات الضريبية بتستثمر فيها في مصر وتمنع أو تحد الاستثمار فيها، أو تفرض شروط تحافظ على حقوق مصر الضريبية.
– التوسع في اتفاقيات منع الازدواج الضريبي.
– مهم جدًا كمان فتح تحقيقات في البيانات اللي كشفت عنها التسريبات الصحفية الموثقة، زي وثائق بنما، وزي سويزليكس (حسابات إتش إس بي سي السرية في سويسرا) ، والكشف إذا كانت الشخصيات اللي وردت أسمائها في الوثائق دي متهربة من دفع الضرايب في مصر ولا لأ، ومعاقبتها بالقانون .. للأسف ده محصلش إطلاقاً إلى الآن.
– بالاضافة لمكافحة الاجراءات غير القانونية، مصر لازم تسن تشريعات تسد من خلالها الثغرات القانونية اللي الشركات والأفراد دول بيقدروا يهربوا أموالهم من خلالها بشكل قانوني تماماً.
ثانياً: إجراءات دولية:
– أزمة الملاذات الضريبية أزمة عالمية كل الدول بتشتكي منها، بسبب طبيعة النظام المالي العالمي الحالي، وزاد الاهتمام بيها بعد الأزمة المالية العالمية في ٢٠٠٨.
– في مايو ٢٠٠٩ الرئيس أوباما ألقى خطاب مخصص للسياسات الضريبية، أعلنت فيه اجراءات جديدة حازمة لمكافحة التهرب الضريبي في الخارج.
ضمن كلامه أشار بصراحة لقصة مبنى أوجلاند هاوس، مبنى من ٥ أدور في جزر كايمان مسجل فيه ١٢ ألف شركة! أوباما قال “هذا إما أكبر مبنى في العالم، وإما أكبر عملية احتيال ضريبية في العالم. الشعب الأمريكي يعرف ما هو عليه، إنه غش ضريبي نحن بحاجة لأن ننهيه ونغلق واحدة من أكبر الثغرات لدينا”
– حالياً الاجراءات الرئيسية لمكافحة الأزمة حصلت من تكتلات الدول الغنية زي منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، ومجموعة العشرين، بالإضافة لاجراءات منفصلة زي اتفاقيات أمريكا الثنائية مع بنما.
– مصر بوصفها من أبرز الدول الأفريقية والنامية، وبوصفها عضو بمجلس الأمن حالياً، ممكن تسعى لتأسيس تكتل من الدول النامية، عشان يساهموا في عملية الضغط الدولي من أجل الوصول لحل عالمي عبر اتفاقيات وقرارات بالجمعية العامة للأمم المتحدة وغيرها من الجهات.
– بعض الدول الغنية بتقول إنها بتخاف تشرك الدول الفقيرة في مواجهة أزمة الملاذات الضريبية بحجة إن الدول دي لا يمكن الثقة فيها في الحفاظ على سرية بيانات دافعي الضرائب، لكن لو مصر طورت آلياتها المؤسسية بحيث تأكد للعالم على جديتها في حفظ المعلومات، ساعتها هيكون عندها فرصة أكبر للتعاون مع الحكومات الأجنبية في ملاحقة المتهربين من الضرائب وغاسلي الأموال.
*****
– مصدر الصورة: الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة.