– في يناير اللي فات وقعت مصر اتفاقية عسكرية مهمة جداً مع أمريكا اسمها اتفاقية CISMOA، بعد سنوات طويلة من رفض مصر توقيع نفس الاتفاقية!
– التوقيع تم بسرية كاملة محدش عرف عن الموضوع إلا في مارس الماضي، ورغم رد فعل من بعض أعضاء مجلس النواب الموضوع بعدها اختفى تماما، ولا اتعرض على البرلمان ولاحد اتكلم عنه.
*****
ايه هي اتفاقية سيزموا؟
– سيزموا CISMOA هي اختصار لـ Communication Interoperability and Security Memorandum Agreement، يعني اتفاقية مذكرة التشغيل التبادلي للاتصالات وأمنها.
– الاتفاقية بتنص على ربط أنظمة وأجهزة الاتصال العسكرية بالدول الموقعة مع الأنظمة الأمريكية، وباستخدام الأجهزة الأمريكية فقط.
– تسمح الاتفاقية بتوحيد نظم القيادة والسيطرة للدول الشريكة، خبير عسكري أمريكي شرح إن ده مثلاً بيسمح ان كل الدول الأعضاء تشوف طائراتهم نفس الأهداف بنفس الوقت، وده تم استخدامه أثناء حرب العراق لتوحيد الأوامر العسكرية ومنع استهداف طائرات الدول الصديقة لبعضها بالخطأ.
– الاتفاقية بتنص إن أمريكا بتبعت الفنيين المختصين لتولي اجراءات الضبط والصيانة للأجهزة، وغير مسموح إلا لهم بذلك.
– من حق أمريكا تفتش على الأنظمة والأجهزة دي بأي وقت لضمان عدم نقلها إلى أي طرف ثالث.
– تنص الاتفاقية على منع تصنيع نسخ مُرخصة من الأجهزة دي محلياً أو بالتعاون مع طرف تالت.
– بعض الصفحات قالت إن الاتفاقية تنص على استخدام أمريكا للقواعد المصرية وخدماتها لكن ده مش سليم، وبيخلط مع اتفاقية تانية هي LSA Logistics Supply Agreement ودي مصر لم توقع عليها.
*****
ايه اللي ممكن تستفيده مصر؟
– أمريكا بترفض تدي بعض أنواع الأسلحة الحديثة بكامل إمكانياتها للدول غير الموقعة على الاتفاقية.
ومن المحتمل يكون ده السبب، خاصة ان صحيفة لاتريبيون الفرنسية قالت في فبراير الماضي إن فرنسا مسلمتش مصر صواريخ كروز SCALP EG الموجهة الخاصة بالطائرات الرافال لأنها بتحتاج مكون أمريكي، وأمريكا رفضت تصديره لفرنسا لصالح الصفقة المصرية!
والمتحدث العسكري العقيد تامر الرفاعي لما سألته جريدة إيجبت انديبندنت عن الخبر مأنكروش، واكتفى انه قال إن دي “شؤون فرنسية داخلية”.
إيه الضرر اللي ممكن يصيب مصر؟
– الاتفاقية تمس حقوق السيادة لأنها تسمح بالتفتيش الأمريكي على الأجهزة بالمواقع العسكرية.
– الاتفاقية هتخلي أنظمة الاتصال والقيادة متاحة للضغط الأمريكي، لأنه ممكن ببساطة لو انت بتحارب ضد عدو مش عايزينه يرفض يبعتلك المختصين بالصيانة.
– ده غير احتمالية الوصول أمريكا لاتصالات الجيش التي تتم باستخدام المنظومة.
– عشان الأسباب دي رفضت الهند بشكل كامل توقيع الاتفاقية رغم ضغوط أمريكا عليها، واللي تضمنت برضه منع تصدير تجهيزات معينة لطائرات حربية هندية.
لكن الهند طلبت تعديلات في الاتفاقية واتعملتها صيغة جديدة باسم COMCASA وحالياً تتم المفاوضات النهائية عليها.
*****
إزاي اتأكدنا انه مصر وقعت الاتفاقية دي فعلاً؟
– اتأكدنا لأن المصدر هوا السفارة المصرية في واشنطن، اللي نشرت على حسابها الرسمي على تويتر أجزاء من نص شهادة الجنرال فوتيل قائد القيادة المركزية الأمريكية عن التعاون العسكري مع مصر أمام لجنة بمجلس الشيوخ، وضمنها قال بالنص “في يناير 2018، احتفلنا بالتوقيع الناجح على اتفاقية CISMOA، والتي توّجت 30 عامًا من الجهود لتعزيز الأمن والتعاون في مكافحة الإرهاب”
– ضمن نفس الشهادة الجنرال فوتيل امتدح إن “مصر تقدم لنا الدعم في طلبات عبور مجالها الجوي، وتأمن عبورنا في قناة السويس، وتشاركتا التزامنا لهزيمة تنظيم داعش الإرهابي”، وأكد إن مصر ستبقى مركز للمصالح الأمريكية بالمنطقة، وان ده سبب طلب الرئيس ترمب من الكونجرس تقديم مبلغ 1.3 مليار دولار كمساعدات عسكرية إلى مصر في 2018.
*****
ليه مصر موقعتش على الاتفاقية ده قبل كده؟
– مفيش أي مصدر رسمي يقولنا، لكن أغلب الكلام في الموضوع ده بنقدر نعرفه من خلال تسريبات ويكليكس.
– وثيقة من سنة 2005 بتوضح ان مسؤول أمريكي قال ان غياب التوافقية بين الجيشين المصري والأمريكي بتعطل زيادة الشراكة، وان مصر رافضة توقع اتفاقية سيزموا، واتفاقية تانية مختصة بالخدمات المشتركة (ACSA)، وعشان كده القيادة المركزية الأمريكية ادت تعليمات للمسؤولين العسكريين الأمريكيين انهم يتوقفو مؤقتا عن الكلام عن اتفاقية سيزموا مع وزارة الدفاع المصرية، لانه عدم احراز تقدم في الموضوع ده بيأثر بشكل سلبي على العلاقات.
– وثيقة تانية سنة 2005 كانت بتنقل عن الفريق سامي عنان، رئيس أركان الجيش المصري وقتها، مطالبته بتسليم نظارات رؤية ليلية وأسلحة تانية، وبيقول للمسؤولين الأمريكان إن الحفاظ على مستوى التعاون الحالي بين البلدين يستلزم ان مصر تمتلك الأدوات الصحيحة، وان ده ماحصلش، مصر هتضطر تجهز نفسها من اماكن تانية غير الولايات المتحدة.
– وثيقة تالتة سنة 2009 بيقول فيها مسؤولين عسكريين أمريكيين إن مصر مازالت ترفض توقيع اتفاقية سيزموا، اللي من ضمن بنودها ضمان الحماية المناسبة لـ “الاستخدام النهائي” للتكنولوجيا، بمعنى منع نقلها لأي دولة تانية، وان ده بيخلي أمريكا ترفض امداد مصر بتجهيزات معينة، خاصة إن مصر قامت بست انتهاكات محتملة للاستخدام النهائي، منها زيارة مسؤول عسكري صيني إلى منشأة طائرات إف 16 في قاعدة عسكرية مصرية.
وحسب الوثيقة الفريق عنان والفريق رضا حافظ قائد القوات الجوية كانوا يشعروا بالقلق والإحباط للسبب ده، خاصة انه تضمن ادخال تعديلات على صفقة شراء مصر ل 24 طائرة إف 16، ليتم منحها لمصر بأنظمة تسليح أقل تقدماً.
وقالوا برضه إن فيه أنظمة لن يتم تصديرها لأعتبارات تخص الحفاظ على التفوق العسكري الإسرائيلي Israel’s Qualitative Military Edge (QME).
– وثيقة رابعة سنة 2007 بتنقل عن اللواء محمد العصار لما كان مساعد وزير الدفاع لشؤون التسليح وقتها، رفضه التوقيع على الاتفاقية، وكان شايف ان مافيش فرق جوهري بين الاتفاقية دي واتفاقية تانية اسمها COMSEC MOA، ومرضيش يقدم تفسير كتابي لسبب الرفض.
– وثيقة خامسة لسنة 2010 نقلت عن اللواء العصار إنه قال لمسؤولين أمريكيين ان مصر عندها أسبابها لتأجيل التوقيع على الاتفاقية، كان واضح في الوثيقة ان فيه خلاف مصري أمريكي على توريد سلاح لمصر أمريكا معطلاه بسبب عدم التوقيع على الاتفاقية، وكان العصار بيقول للمسؤولين الأمريكيين ان آلاف الضباط تدربوا على التكنولوجيا والاستراتيجية الأمريكية، وان الضباط الأصغر سنا محبطين بسبب تأخر الحصول على التكنولوجيا الأكثر تقدما، رغم ان أمريكا سلمتها لبلاد تانية لكنها عطلت تسليمها لمصر، مع أن التوقيع على الاتفاقية مش شرط أو عائق ادام الحصول على التكنولوجيا دي.
*****
مادام احنا رافضين بقالنا 30 سنة، ايه التطور اللي خلانا نوقع دلوقتي؟!
– بشكل رسمي مفيش أي تفسير .. شيء مخجل ومهين إننا نعرف بالصدفة من صفحة السفارة المصرية على لسان مسؤول أمريكي مش مصري، وكمان بعدها مفيش أي مسؤول قال مثلاً ايوه احنا وقعنا وكنا رافضين سابقا بسبب وكذا، لكن دلوقتي اتغير كذا وكذا.
– البعض قال تفسيرات سياسية محتملة زي انه جايز ليها علاقة بانتخابات الرئاسة عشان كده تم التوقيع في يناير قبلها مباشرة لضمان الدعم الأمريكي للسيسي مهما حصل في الانتخابات، وشفنا فعلا انها تمت بدون مرشحين تقريبا وعادي جداً الرئيس ترمب هنأ الرئيس السيسي.
*****
طيب البرلمان فين من الموضوع ده ؟
– المادة 151 بتقول ” يمثل رئيس الجمهورية الدولة في علاقاتها الخارجية، ويبرم المعاهدات، ويصدق عليها بعد موافقة مجلس النواب، وتكون لها قوة القانون بعد نشرها.. ويجب دعوة الناخبين للاستفتاء على معاهدات الصلح والتحالف وما يتعلق بحقوق السيادة”
– المادة 197 من اللائحة الداخلية للبرلمان، بتقول ان رئيس مجلس النواب يحيل المعاهدات إلى اللجنة الدستورية والتشريعية، لاعداد تقرير خلال سبعة أيام حول إذا كانت تخضع للبرلمان ولا لازم استفتاء شعبي، وبعدها البرلمان يناقشها ويصوت عليها، وبعدين يصدق عليها الرئيس، ولا تكون نافذة الا بعد نشرها فى الجريدة الرسمية.
هل أي حاجة من الكلام ده كله حصلت؟
– العميد حمادة القسط، عضو لجنة الدفاع والأمن القومي، قال في 26 مارس لجريدة المصريون إنه ميعرفش أي حاجة عن الاتفاقية، ولا اطرحت على اللجنة، وقال:
“الاتفاقية بوضعها الحالى والموقع عليها من قبل بعض الدول العربية، غير مناسب لحجم الدولة المصرية بالمرة، ولا يمكن لمجلس النواب أن يوافق على مثل هذه البنود، والتى تمثل انتهاكًا واضحًا للدولة المصرية.. سيتم حل الحكومة فى حالة عرضها على المجلس بنفس الطريقة المعروفة عن الاتفاقية، خاصة أن مصر ليست مثل دول الخليج، ولديها جيش قوى ولها تاريخ فى المنطقة العربية”
– اللواء محمد عقل عضو لجنة الدفاع والأمن القومي برضه قال انهم ميعرفوش أي حاجة عنها، وقال ان كل النواب مشغولين في الانتخابات، لكنه أكد أنه “فى حالة وجود اتفاقات دولية، فإنه بحكم القانون يجب عرضها على مجلس النواب، وإلا تعتبر غير قانونية”.
– النائب هيثم الحريري طالب في بيان رسمي رئيس الحكومة ووزيري الخارجية والدفاع بتوضيحات عن الاتفاقية.
– ومن ساعتها مفيش أي حد رد، والاتفاقية متعرضتش على البرلمان أصلاً، وكله سكت خالص!
– نقارن ده في الهند مثلاً كان فيه نقاش كبير عن التوقيع والانضمام للاتفاقية، وناس بتطلع على التلفزيون وتعبر عن رأيها المؤيد أو المعارض للموضوع.
*****
– فيه جانب سياسي مهم الاشارة ليه وهو إذا كان الموقف الرسمي المصري حالياً بيعزز الشراكة العسكرية مع أمريكا بشكل غير مسبوق للدرجادي، وإذا كان الرئيس السيسي قال بصراحة سابقاً إننا نسعى إلى “السلام الدافيء مع إسرائيل”، ليه كل شوية نلقى خبير استراتيجي طالع في الاعلام يخوف الناس من المؤامرة الرهيبة علينا؟! ليه كل شوية يتكلمو عن مخطط التقسيم والتفكيك؟
وليه مازالت بتتم جلسات محاكمة قضية “التمويل الأجنبي” للمراكز الحقوقية والجمعيات الأهلية؟ إيه الأخطر: مثلا منحة أوروبية لمركز نظرة للدراسات النسوية أو للمركز المصري للحق في التعليم، وده بموجب اتفاقية مصرية وتحت رقابة وزارة التضامن أصلا، ولا اتفاقية سيزموا؟!
– ومن جديد بيتكرر مخالفة الدستور بشكل كامل، رغم انه سابقاً حصل بالفعل اعتماد البرلمان لاتفاقيات عسكرية زي ما حصل في 2016 بالموافقة على اتفاقية قرض بين وزارة الدفاع ومجموعة بنوك فرنسية لشراء السلاح بقيمة 3 مليار و 375 مليون يورو.
وأكيد البرلمان ده هيوافق مش هيعطل الاتفاقية، لكن أصلاً مفيش ارادة ان الناس تعرف أو تشارك، ومفيش اهتمام بالدستور، وبعدها برضه يتكلموا عن “هيبة مؤسسات الدولة” بينما هما اللي بيهدموها كل يوم.
– مفيش جريدة مصرية أو موقع كتب عن الموضوع، ولو من باب نقل كلام السفارة المصرية نفسها، ولا حتى خبر مختصر، رغم نشر الصحافة الغربية وتسريبات ويكيليكس اللي متاحة للجميع .. ده مش بس لأن حقنا في المعرفة حق أساسي، وحقنا في قانون لتداول المعلومات التزام دستوري واضح بيتم تأجيله كل ده، لكن كمان لصالح الجهات الرسمية نفسها غياب المعلومة الصح بيبقى مجال لنشر الشائعات اللي المسؤولين بيتضرروا منها.
– بالتأكيد احنا مش خبراء عسكريين وبنحترم السرية العسكرية، لكن مفيش حاجة من اللي اتقال تخص معلومات سرية فعلاً زي أماكن الأجهزة دي وامكانياتها – مع إن أمريكا عارفة كل ده بأدق التفاصيل – لكن كلامنا عن الجانب السياسي والقانوني كمواطنين مصريين بنطالب بحقنا في معرفة اللي بيحصل لبلدنا وبيأثر علينا كلنا.