– الأسبوع اللي فات أحالت النيابة الإدارية طبيب وحدة كوم الصعايدة بمركز جرجا – سوهاج للمحاكمة التأديبية، بسبب إجراءه عملية تشويه الأعضاء التناسلية (اللي بيسموها ختان) لطفلة عندها 12 سنة، تسببت بنزيف حاد وعاهة مستديمة للطفلة، قعدت بسببها في المستشفى لمدة سنة ونص.
– رغم اننا بشكل عام بنعتبر أي اجراء لمحاسبة أي متورط في الجريمة دي تحرك إيجابي، لكن القصة دي تحديدا فيها تفاصيل اشتملت على أحكام مخففة جدا على الطبيب ووالد الطفلة في الشق الجنائي بخلاف القانون.
– كتبنا قبل كدة عن الجريمة دي بعد وفاة الطفلة ندى من أسيوط، وشرحنا الحقائق العلمية المرتبطة بالجريمة دي، وانها ملهاش علاقة بعفة المرأة زي مابيتروج ليها، وردينا على التبريرات اللي بتتقال .. النهاردة حنحكي لكم قصة طفلة سوهاج، وهنعيد هنا نشر أجزاء من البوست السابق.
*****
ايه اللي حصل؟
– الواقعة ترجع ل سنة 2018 لما والد الطفلة خدها الوحدة الصحية اللي شغال فيها عامل، والدكتور المسئول عن الوحدة عملها العملية بناء على طلبه.
– العملية نتج عنها نزيف ومضاعفات، والطفلة أصيبت بصرع، واتحجزت في مستشفى سوهاج الجامعي لمدة سنة ونصف.
– بعد الموضوع ما اتعرف تم القبض علي الطبيب، وقال ساعتها أنه كان بيشيل “كيس دهني”، وهي حجة معروفة لاستغلال ثغرة قانونية بتغيير التوصيف، لكن الطب الشرعي أثبت كذبه.
– بعدها اتحاكم الطبيب أمام محكمة جنايات سوهاج، وصدر ضده حكم بالسجن سنة مع وقف التنفيذ، ونفس المدة لوالد الطفلة اللي اتحاكم غيابيا.
– ده حصل رغم ان القانون بينص بوضوح ان عقوبة من يطلب ختان الإناث هيا السجن عام إلى 3 أعوام، ومن يقوم بالعملية 7-5 أعوام.. ولو مفيش قانون أصلا ده اللي بيتخانق مع واحد ويتسببله بعاهة مستديمة بدون قصد عقوبته السجن 3 -5 سنوات!
– ده غير إن القاعدة المعروفة هي ان اللي بيتحاكم غيابي بيصدر عليه أقصى عقوبة كاجراء تحذيري، عشان لما يتقبض عليه بيتم إسقاط الحكم وإعادة المحاكمة.
– كمان المحاكمة التاديبية اللي اتحال ليها دي غالبا الحكم فيها هيكون بوقف ترقيته مثلا أو منعه من المعاش المبكر، وده معناه انه هيكمل شغله الطبي عادي!
– الحكم المخفف ده، هو نتاج استخدام القاضي للمادة 17 من قانون العقوبات المصري واللي بتنص علي “أنه يجوز في مواد الجنايات إذا اقتضت أحوال الجريمة المقامة من أجلها الدعوى العمومية رأفة القضاة بتخفيف العقوبة”، وبالتالي احنا مش بس قدامنا ندرة شديدة في تقديم أي بلاغات، وفي وصول أي حد للمحاكمة بالجريمة دي من وقت التجريم في 2008، ده كمان عندنا قضاة بيخففوا الأحكام بشكل كبير جدا.
*****
من الناحية الطبية، إيه أضرار ما يسمى “ختان الإناث”؟
١- مضاعفات العملية الخطيرة، زي النزيف الحاد لأن المنطقة غنية بالأعية الدموية ما قد يؤدي للوفاة، وأيضا لإن المنطقة غنية بالأعصاب قد يسبب صدمة عصبية تؤدي للوفاة برضه.
٢- التئام الجرح بيعمل “ندوب” (يعني مكان الأنسجة الطبيعية بتتكون ألياف أكتر صلابة) فد تسبب تضيق فتحة البول واحتباسه المستمر، أو تضيق فتحة المهبل وآلام شديدة بالدورة الشهرية.
٣- مشاكل جسدية مباشرة في العلاقة الجنسية بعد الزواج، والأطباء هنا بيقولو ان بظر المرأة يقابل تشريحيا العضو الذكري للرجل، يعني ده عضو في الجسم زي أي عضو مش مجرد “حتة جلد” زي ما بيتقال بجهل، وأزواج كتير بيشتكوا من أزمات مختلفة ده سببها.
٤- مشاكل نفسية في العلاقة الزوجية، بعض البنات بتجيلهم صدمة نفسية تتعقد من أي اقتراب من المكان ده في جسمها، أو بالعكس قد يصيبها هوس بالمكان ده في جسمها.
٥- أبحاث حديثة وجدت علاقة وثيقة بين الختـان والعقم.
– في ٢٠٠٥ باحثين من معهد كارولولينسا في السويد اشتغلوا على دراسة في السودان وجدت إن نسبة العقم بتزيد ٥ إلى ٦ مرات عند المختونات عن غير المختونات، بسبب تعرضهن للعدوى البكتيرية اللي بتوصل للجهاز التناسلي، أو الالتهابات والندوب.
– نفس النتايج بيأكدها أطباء مصريين، مثلا الدكتور حسين فايد، أستاذ امراض تأخر الانجاب بطب الأزهر، قال في مؤتمر علمي بمصر ٢٠١٤ ان ختـان الإناث من الأسباب الرئيسية لحالات العقم في مصر.
٦- مضاعفات أثناء الولادة، لإن المكان اللي تعرض للجراحة والندوب قد يؤدي لتضيق المهبل وعسر الولادة وخطورة على الطفل، أو يؤدي لنزيف الأم وخطورة عليها تصل للوفاة.
وممكن كمان تقروا على هاشتاج #حكايات_الختان تجارب مؤلمة لبنات بيحكو عن المآسي اللي عاشوها بنفسهم وكل واحد يسأل نفسه هل ممكن يخاطر بتعرض بنته أو أخته لنفس التجربة.
*****
لكن ازاي بعض الأطباء بيعملوا بنفسهم الجريمة دي رغم كل ده؟
– طبعا دي مشكلة رئيسية لإن ده بيدي شعور لبعض الأهالي انه عمل مفيد، وحسب مسح عملته منظمة اليونسيف في 2014 لقوا إن 82 % من عمليات الختـان بتتعمل على ايد أحد أفراد الفريق الطبي، سواء من الأطباء أو المعاونين أو التمريض.
– للأسف كل المهن فيها فاسدين أو جهلاء، زي ما وارد بعض المهندسين يغشوا في بناء عمارات وتقع مثلا، ده ميخليش اللي عملوه صح.
– أي دكتور محترم هيبقى عارف إنه محدش بيخترع طب لوحده، والطب اللي في المراجع العلمية بما فيها أبحاث الأطباء العرب والمسلمين مفيهاش أبدا حاجة اسمها “ختـان الإناث”، لكن اسمها جريمة “تشويه الاعضاء التناسلية للإناث” بمعنى انه تدخل جراحي بلا داعي طبي.
– يعني مفيش أساسا مرجع علمي لطريقة إجراء العملية، عشان كده بنشوف اختلافات في الجزء اللي بيتم بتره بين محافظات مختلفة في مصر، وبين الدول الافريقية المختلفة، وبالتأكيد ده أبعد ما يكون عن الممارسة العلمية.
*****
هل فعلا “لازم يتكشف على كل بنت من دكتور أمين عشان فيه بنات عندها عيب خلقي لازم يتصلح وبنات سليمة”؟
أو مش وارد فعلا البنت محتاجة “عملية تجميل”؟
– أي طفل ذكر أو أنثى وارد يكون عنده عيب خلقي نادر، بس ده لازم يسبب مشكلة، مثلا فعلا بيحصل نادرا ان بنات بتتولد بانغلاق تام بالمهبل فبتشكي وقت البلوغ من انتفاخ البطن وألم شديد جدا لاحتباس الدورة فتحتاج عملية بالمكان ده، لكن ده موضوع تاني خالص، دي عملية مذكور بمراجع الطب دواعيها وطريقتها ملهاش أي علاقة بالختـان.
– ده حتى لو موجود فعلا عيب خلقي محدش بيحط طفل تحت خطورة الجراحة، إلا لو فيه شكوى خطيرة واضحة، ده احنا بنشوف ناس مولودين مثلا ب ٦ صوابع مكان خمسة في القدم أو اليد، والأهل بيسيبو الطفل لما يكبر ويشوف هيشيلها ولا لا مادامت مش مأثرة على حياته، وفيه ناس لما تكبر بتسيبها فعلا!
– نفس الكلام من باب اولى عن “عمليات التجميل” اللي ممنوعة تماما تجرى للأطفال خاصة انهم بيكونو عرضة للنمو وتغير شكل الجسم. على الأقل سيبوا البنات تكبر وهيا تقرر بنفسها لو حاسة بمشكلة وعايزة تعملها.
– للأسف عندنا ثقافة منتشرة ان جسد الطفل ملك الأهل بالكامل، بتوصل ساعات لحالات الأهالي اللي بيضربوا اولادهم لدرجة التعذيب حتى الموت، زي قصة أستاذ الأزهر اللي ضرب ابنه بسير غسالة حتى الموت، وقصة الطفلة جنة وغيرها من المآسي.
*****
هل الجانب الديني هوا السبب؟
– للأسف عندنا ناس كتير بتخلط العادات بالدين، والختـان في مصر عادة ترجع لقبل الإسلام والمسيحية، وبعض الباحثين يرجح وجود ختان الإناث بعهد الفراعنة أصلا.
– احنا هنا مش صفحة دينية، وهنكتفي بنقل فتاوى التحريم من دار الافتاء والأزهر هتلاقوها في المصادر، وفيها كلام تفصيلي سواء مناقشة الأحاديث الضعيفة، أو مرجعية “مقاصد الشريعة”، ده غير سؤال بسيط طرحه المفتي شوقي علام إننا إزاي وردنا في السيرة ختـان الرسول للحسن والحسن ولم يردنا أي واقعة ختـان لبناته لو كان أمر بيه فعلا؟
– لكن اللي نحب نضيفه هنا ونفكر فيه: هوا ازاي حاجة دينية كده مش موجودة في السعودية نفسها ولا في الغالبية الساحقة من البلاد الإسلامية؟!
لو شفتو التعليقات على أي خبر يخص ختان الإناث في مصر في أي وسيلة إعلام عربية هتلاقو تعليقات كتير من عرب بكل الجنسيات ميعرفوش أي حاجة عن الموضوع ده، إزاي متبقاش موجودة إلا في البلاد المرتبطة بأفريقيا زي مصر والسودان والصومال، زينا زي دول افريقية تانية زي إثيوبيا ومالي وكينيا؟
– وطبعا عندنا مسيحيين في مصر من ممارسي نفس العادة والكنيسة بتبذل جهود من جانبها.
*****
ايه المفروض يحصل عشان يتفعل القانون؟
– المشكلة الرئيسية هنا إن تقريبا مفيش أي بلاغات بتوصل للقضاء إلا لو البنت ماتت، وحتى زي ساعات يخبوها زي ما شرحنا، لأن أصحاب المصلحة متواطئين سواء كانو الأهل أو المجرم مرتكب العملية.
– المبادرة المصرية للحقوق الشخصية والاجتماعية عملت ورقة موقف بتتكلم عن تفعيل مادة تجريم الختـان، اقترحت سياسة مختلفة وهيا ان خلق مصلحة مباشرة لدائرة أكبر من الأشخاص اللي لهم علاقة بالطفلة ممكن يؤدي لزيادة البلاغات.
١- لو اتحددت عقوبة لـ “مدير المؤسسة الطبية” اللي حصل فيها ختـان وكان عارف بحدوثه، هيبقي من مصلحته انه يبادر بالابلاغ ويقول مكنتش أعرف عشان ميتعاقبش.
٢- تاني حاجة التمييز بين الأهالي والدكاترة في العقوبة، عشان بالوضع الحالي الأهل والطبيب عليهم نفس العقوبة، فبحالات كتير الأهالي بيخافو يبلغو لو ماتت الطفلة عشان ميتسجنوش، وكمان بعض الحالات اترصدت ان البنت بتتساب تنزف عدة أيام لحد ما تموت أو توشك على الموت عشان الأهل خايفين يروحو بيها مستشفى يتبلغ عنهم.
٣- ورقة المبادرة بتقترح السماح قانونا بالاعفاء من العقوبة أو تخفيفها للأهل لما يبادروا بالإبلاغ مع بقاء إدانتهم بارتكاب الجريمة، وتقترح اعتبار الفاعل الأصلي هوا مجري العملية خاصة انه الطبيب عارف كويس مدى عدم قانونية الفعل، وهيكون الردع أوقع لو كل مجرم منهم عرف ان الاهالي مش هيكونو بالضرورة في نفس صفه ووارد هما اللي يبلغو عنه لو حصل ضرر
٤- لو تغير التكييف القانوني لوفاة بنت أثناء الختـان، وبقي “جرح أدى إلى وفاة” هيكون فيه عقوبة أكبر ممكن توصل ل15 سنة سجن مشدد وده هيكون رادع أكبر.
٥- بعد الواقعة الأخيرة المنظمات المجتمعة في إطار “قوة العمل لمناهضة ختان الإناث” أصدرت توصيات منها عدم استخدام المادة١٧ من قانون العقوبات الخاصة بتخفيف العقوبات في قضايا الختان، زي ما تم الغاء استخدامها في قضايا المخدرات.
*****
– غير التفاصيل القانونية فللأسف التعامل الرسمي العملي في قضية الختـان مش بيظهر غير لما فتاة تموت أثناء الجراحة، وفي قصة الطفلة ندى مثلا ظهر ان الطبيب ده كان معروف باجراء الجريمة دي في المنطقة من سنوات طويلة، ليه مفيش أي جهة تدخلت إلا لما ضحية ماتت؟!ليه عمرنا ما شفنا حملات تستهدف المعروفين بالممارسة دي وده مش بيكون سر خاصة في القرى والأرياف؟
– بشكل عام الأضرار الجسدية والنفسية البالغة واللي ممكن توصل للوفاة تستحق من الدولة والمجتمع، اهتمام أكبر، ولازم يتم تكثيف حملات التوعية بطرق فيها مصداقية مش تسديد خانات موظفين، في المدن والقرى، في المدارس والإعلام والمساجد والكنايس وكل المساحات العامة، سواء بمجهودات الحكومة أو المجتمع المدني. حياة وصحة أطفالنا يستحقوا مجهود أكبر في التصدي للجريمة دي.
– بندعو أي حد يعرف عن حالة ختان إناث وارد تحصل انه يحاول يمنعها بنصح الأهل، ولو منفعش يبلغ على رقم 16000 ، ده رقم خط نجدة الطفل اللي خصصه المجلس القومي للأمومة والطفولة.
– فريق الموقف المصري بيحيي أي تحرك إيجابي من الجهات الرسمية أو المجتمعية في القضية دي، ونتمنى تزايد الاهتمام بالقضية يكون يكون بداية تفعيل القانون في الملف ده ووصول الوعي الخاص بيه لكل المصريين، وانتهاء الجريمة نهائيا من كل مصر.
*****



مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *