– من حوالي أسبوعين تابعنا كلنا حادثة قتل “سيدة السلام”، والنهاردة عندنا حادثة جديدة هيا الاعتداء وسحل “فتاة المرج” بنفس السبب إن الجيران شافوها مع خطيبها في البلكونة وبيدعوا انهم شافوهم حاضنين بعض أو بيبوسو بعض، فدخلوا ضربوهم كلهم بما فيهم أم البنت وأختها اللي كانوا في البيت.
البنت من ناحيتها بتنفي القصة وبتقول كانت واقفة في البلكونة وهوا بيشرب سيجارة وراجعين جوا قاعدين مع الأسرة، والموضوع راح قسم المرج اتعمل محضر وبعدها اتعمل تصالح.
– قصة سيدة السلام كمان حصل من أيام تطور غريب، وهو إن جريدة الوطن نشرت نقلا عن مصدر بالطب الشرعي إن جثة السيدة كانت ترتدي ترينج بني اللون “بدون ملابس داخلية”، وإن النيابة أمرت بإجراء فحص أو مسحة “مهبلية” للسيدة لإثبات وجود معاشرة جنسية من عدمه قبل الوفاة!
– الخبر بكل أسف يحمل معاني شديدة السلبية، ليه ده بيحصل؟ وإيه اللي ممكن يكرر النوع ده من الجرايم؟ وإزاي الجرايم دي تقف؟ ده اللي هنتكلم عنه في البوست الحالي.
*****
إيه اللي حصل؟
– في 14 مارس، النيابة أصدرت بيان رسمي حول معلومات قضية سيدة السلام. قالت إن جارة للمجني عليها شهدت إنها شافت المتهمين التلاتة مكتفين شخص جوا البيت، وان الضحية رمت نفسها من البلكونة.
البيان قال كمان ان الشخص اللي كان متكلف ده شهد إن الأشخاص المعتدين خطوا الباب وفتحت ليهم المجني عليها، فاعتدوا عليها بالضرب بالأيدي وبعصي خشبية، ودخلوا كتفوه، وفوجيء إنها رمت نفسها.
– النيابة وجهت للتلاوة تهم ارتكاب جرائم “حجز المجني عليها والشخص الذي كان في رفقتها بدون وجه حقٍّ، وتعذيب الأخير بدنيًّا، واستعراضهم القوة والتلويح بالعنف واستخدامهما ضد المجني عليهما بقصد ترويعهما وتخويفهما بإلحاق الأذى بهما، وكان من شأن ذلك إلقاء الرعب في نفسيهما وتعريض حياتهما وسلامتهما للخطر، ودخولهم مسكن المجني عليها بقصد ارتكاب هاتين الجريمتين”
– في نهاية البيان النيابة طالبت بالالتزام بما تصدره من بيانات حول القضايا قيد التحقيق “وعدم الالتفات إلى أية معلومات بشأنها من أية مصادر أخرى”، وأن “النيابة وحدها صاحبة الحق في تقدير ما يجوز نشره أو ما يُرى حجبه من ملابسات الوقائع التي تُحققها”
– البيان ده كان إيجابي لإنه بيوصف الجرائم اللي عملها الأشخاص دول بدون الخوض في أي تفاصيل شخصية، مفيش حد يخصه مين الشخص اللي كان معاها أو غيرها من الملابسات.
– طلعت أكتر من قصة اللي يقول ده كان بائع أنابيب ومعدي بالصدفة، واللي يقول ده كان سائق مكروباص، واللي يقول ده صديق أو قريب ليها، كلها حاجات مفروض محدش يتدخل فيها أصلا.
– لكن فوجئنا بنشر أخبار من أيام بتتكلم عن إن النيابة نفسها هيا اللي طلبت ان الطب الشرعي يحقق هل كانت المجني عليها مارست علاقة جنسية قبل الوفاة ولا لا، ومن الغريب جدا إن النيابة معلقتش خالص على الأخبار دي اللي بتنسب ليها الفعل ده.
*****
إيه المشكلة لو كان الخبر صحيح؟
– الأزمة الكبيرة لو ده صح هوا إن دور النيابة تعاقب المجرمين دول بأشد العقاب، عشان تمنع تكرار النمط ده من الجرايم، واللي ليه سياق من قطاع في المجتمع بيدعمه، لكن الخبر ده بيعني إنه النيابة بتدي مبرر قدام المجتمع إنه من حق المتهمين اللي عملوه، لو الست فعلاً كانت بتمارس الجنس وبالتالي مفيش داعي للعقاب والردع وهي تستاهل!!!
– وطبعاً تصرفات من النوع ده لما تحصل من النيابة، فإحنا للأسف بنرسخ لنفس المشكلة، إنه من حق أي حد التدخل في خصوصيات السيدات والفتيات، لبسها، سلوكها الشخصي، عملها، بيتها، والتدخل ده حق مشاع يقدر يقوم بيه بواب العمارة والبقال والجار وأي حد معدي في الشارع، والمبرر واضح وموجود دي واحدة ست، وإحنا “رجالة” والأخلاق والدين والشرف وباقي المبررات! ده اللي يخلي واقعة تانية تتكرر زي اللي حصل النهاردة في المرج.
– كمان النيابة على الرغم من إنها أحالت القضية للجنايات سريعاً، وده إيجابي طبعا، لكن في نفس الوقت موجهتش استبعدت زوجة صاحب العقار و2 آخرين من الاتهام من البداية، والمتهمين مش موجه ليهم تهم الشروع في القتل أو القتل الخطأ، ومش مؤكد التهم الموجهة دي هتؤدي لأحكام شكلها إيه حسب تقدير القاضي اللي وارد يدي أحكام مخففة، خاصة على خلفية الأحكام المخففة بجرائم قتل الشرف.
– وللأسف النيابة ساهمت في اشاعة أجواء الرقابة والتدخل دي باستخدامها في عدة وقائع تهمة الإساءة لقيم الأسرة المصرية لفتيات التيك توك، اللي معملوش شيء غير “رقص على أغاني”، لكنه ده كان مبرر كافي من الدولة والنيابة لقمعهم وحبسهم وتشويه صورتهم واستباحة عرضهم قدام المجتمع، والتغاضي عن كل الإساءات والاعتداءات اللي اتعرضت ليها الفتيات دول.
– من حق كل انسان يرفض أفعال البنات دي ويستاء منها حسب ذوقه أو مرجعيته هوا حر، وساعتها سهل يعملهم بلوك مثلا على وسائل التواصل فمش هيشوفهم تاني وخلاص. لكن مفيش سند قانوني لأن كل أفعالهم لا تضير أحد في شيء، ويندرجوا تحت بند الحرية الشخصية المكفولة دستوراً وقانوناً، ولا بيعتدوا على خصوصية حد، ولا بيجبرو حد على ارتكاب شيء معين، لكن الدولة والنيابة قررت تغذي السلوك المعتدي والمنتهك ده في المجتمع.
– ولأن مفيش أي سند قانوني النيابة وجهت تهم الاتجار في البشر وغيرها من التهم اللي في النهاية اتحكم فيها لصالح حنين حسام ومودة الأدهم بالبراءة.
– النيابة والدولة كمان بتساهم في ده وبتغض الطرف عن وسائل الإعلام اللي بترتكب مخالفات مهنية واضحة وجسيمة، هنلاقي بكل بجاحة مواقع محسوبة على الدولة، كانت بتتعمد نشر كافة صور فتيات “التيك توك” وكمان نشر معلومات وبيانات كتيرة عنهم وعن تاريخهم وأسرهم وسكنهم، ومعلومات تانية بقى من التحقيقات عن سلوكهم الشخصي، بينما نفس وسائل الإعلام دي كانت بتغطي على صور متهمين بالتحرش زي الشخص الي اعتدى على طفلة المعادي.
*****
– باختصار شديد المجتمع المصري محتاج إعادة تقييم وضبط لسلوك التدخل في شؤون الآخرين، وإيه حدود حق كل واحد إنه يرفض أي سلوك أو رأي مش مناسب ليه حسب عاداته أو قناعاته الدينية أو غيرها من العوامل، وبين حقه انه يتدخل في حياة غيره عشان يجبره يبقى زيه، وأد إيه ده باب لارتكاب كتير من الجرايم، وإنه كل شخص هو “حر في بيته” طالما لم يؤذيك، وكل شخص حر في لبسه وعمله ونمط حياته برضه طالما لم يؤذيك، وإنه أي مبرر لمخالفة القواعد البديهية والإنسانية دي، هو اللي مخلي مجتمعنا بيتدي تبريرات للتحرش اللي عندنا واحدة من أعلى نسبه في العالم وفيه كل يوم وقائع اعتداءات جنسية متكررة بتحصل في المواصلات وأماكن العمل والمدارس والجامعات، وإنه ده كله خطر هتواجهه مراتك وأختك وبنتك وأمك وصديقتك وجارتك، وللأسف كلمات زي هي لابسة إيه وهي رايحة فين يقولها البواب والجيران وأي حد هي المفاتيح اللي بتأدي للجرايم المتكررة دي، واللي بتدفع ناس زي اللي قتلوا سيدة السلام واللي اعتدوا على فتاة المرج إنهم يقتحموا البيوت ويضربوا الناس وينتهكوا أعراضهم لمجرد إنه تفكيرهم شك في شيء لايخصهم.
– التدخل في خصوصيات الآخرين وممارسة سلطة الوصاية على السيدات ده ملوش علاقة بقيم القانون والدولة، ولا حتى ليه علاقة بالدين، اللي بيمنع التجسس على البيوت والتلصص على الحرمات، وبيمنع اتهام الناس في شرفها بدون دليل وبشروط شديدة الصعوبة والتعقيد.
– ياريت الدولة والمجتمع وإحنا جميعاً نراجع السلوكيات دي، ونحطها في ميزان القانون بشكل حقيقي، ونعلم ده للأطفال والكبار بحيث يكون ثقافة، وربنا يرحم سيدة السلام وكل ضحايا العنف ضد النساء.
*****