– امبارح السبت حصلت مشادة حادة بين اتنين من نواب المنصورة بحضور اللواء كامل الوزير، وزير النقل، حول مشروع “تحيا مصر المنصورة”.
– اللواء كامل الوزير كان بيزور المحافظة لوضع حجر الأساس للمشروع، وهو عبارة عن مجمعات سكنية وتجارية هتتعمل مكان بعض الحدائق والمباني التراثية على مساحة حوالي 136 ألف متر مربع.
– النائب أحمد الشرقاوي (عضو تكتل 25-30) وجه حديثه للواء كامل وطالبه بضرورة الحفاظ على حدائق المدينة وانها المتنفس الوحيد لأهالي المنصورة، واستشهد بالتخريب اللي حصل لحديثة حيوان المنصورة وحديقة شجرة الدر اللي بيتبني مكانها محلات.
تصدى ليه عضو مجلس الشيوخ طارق عبدالهادي (أمين مساعد حزب مستقل وطن بالمنصورة) وقال “الجناين دي خرابة .. وكان فين النواب وقتها اللي بيتكلموا دلوقتي”، فرد عليه شرقاوي “طول عمرنا مع الناس، لكن انتا أصلا مش نائب عن الناس، وبرافو عليك انت ان شاء الله كده هتوصل!”.
وانتهى الموقف بالاتفاق على عقد لقاء بين كل النواب والوزير بعد أسبوع.
– قبلها بيومين، نائبة في البرلمان قدمت طلب إحاطة حول هدم قصر ثقافة المنصورة المصنف، ضمن المبانى ذات الطابع الخاص بسجلات جهاز التنسيق الحضارى، بالإضافة إلى حدائق الهابى لاند (حديقة الخديوى اسماعيل) وعروس النيل (حديقة الأميرة فريال) اللي فيها أشجار معمرة من 100 سنة، وحديقة صباح الخير يا مصر.
– دي مش أول حدائق يتم إزالتها أو أشجار يتم قطعها، وعلى مدار الأشهر والسنوات اللي فاتت أصبح خبر متكرر إزالة المساحات الخضراء العامة بحجة التطوير وتوسيع الطرق أو إقامة المشروعات.
– هنتكلم في البوست ده عن هذه الممارسة وخطرها علينا، وعلى البيئة والاقتصاد.
*****
إيه اللي بيحصل؟
– قطع الأشجار ممارسة قديمة وكانت بتتكرر في أوقات مختلفة، لكن بدأ الموضوع يزيد جدا بالسنوات الأخيرة، وبقت قضية رأي عام لما الحكومة قررت تعمل 5 كباري في نفس الوقت في حي مصر الجديدة.
– وقتها اتقطع ما بين 2500 و 3000 شجرة وفقا لتقديرات السكان، وبعضها أشجار مميزة. وحسب إحصاءات غير رسمية عملها باحثين باستخدام جوجل مابس فالتطوير دا شال 90 فدان من المساحات الخضراء في مصر الجديدة.
– السياسة دي استمرت في مناطق أخرى، وقطعت الأشجار اللي زرعها الخديوي اسماعيل في حي العجوزة، وأشجار أخرى في شوارع رئيسية بمدينة نصر، وأشجار نادرة وعمرها يصل لـ200 سنة في شارع محمد علي بالإسماعيلية.
– في الأيام الأخيرة ظهرت صور جديدة لقطع أشجار الحديقة الدولية في مدينة نصر، ومخاوف في حديقة المسلة في الزمالك من مجزرة لأشجار تاريخية عشان يتعمل مكانها العجلة الدوارة (مشروع ترفيهي باسم عين القاهرة).
– نفس الشيء حصل في حديقة قصر المنتره في الإسكندرية، وحديقة الخالدين اللي أنشأت في الأربعينيات،
وتحولت بعد التطوير لمنطقة مفتوحة لأكشاك بيع الوجبات السريعة.
– الحقيقة إننا منقدرش نعد عدد الأخبار اللي بتتكلم عن مجازر بحق الأشجار على مستوى الجمهورية من كثرتها، دا بجانب استغاثات بيئية وشعبية وطلبات إحاطة في البرلمان السابق والحالي بدون أي توضيح أو توقف للسياسة دي.
*****
ليه الحكومة بتقطع كل الأشجار دي؟
– في حجج كتير بنسمعها، زي إنها بتشرب مية كتير وعايزين نوفر المية، أو إن الحدائق دي مهملة والأولى إن مكانها يستغل لصالح مشاريع استثمارية.
– توسعة الطرق وبناء الكباري هي حجة رئيسية برضو بيرددها المسؤولين كل ما يتسألوا عن أسباب السياسة دي.
– فيه تبريرات بتقول إن الأشجار النادرة هتنقل ويعاد زراعتها في أماكن أخرى، وهيتم تشجير الفراغات أسفل الكباري للإبقاء على الشكل الجمالي للمكان.
– طيب هل المبررات دي كلها قوية ومقنعة؟ جزء كبير من الكلام ده محتاج مراجعة، لأن طريقة قطع معظم الأشجار ممكن تنهي حياة الشجرة ولا تسمح بإعادة زراعتها. كمان إعادة التشجير اللي بتحصل بعد رصف الطرق أو تحت الكباري، بتستخدم أشجار زينة أو نباتات عمرها قصير بتموت بعد فترة ولا يتم العناية بها أو يعاد زراعتها.
– وكمان وجود حديقة مهملة، مش معناه أبدا إن إزالتها شيء إيجابي، لإن اللي أهملها بالأساس هو مسؤولي الحكومة، والحكومة هي المسؤولة عن إعادة زراعتها.
– خبراء ومختصين فى الأشجار والحدائق كمان بيعترفوا بأهمية التقليم المستمر، لكن في نفس الوقت بيأكدوا أن ما يجري يتسم بالعشوائية، وبيقترب من تدمير الأشجار ويهدد بقاءها.
*****
إيه أضرار السياسة دي؟
– بخلاف الأهمية التاريخية لبعض الأماكن دي، فسياسة تقطيع الأشجار بتضر البيئة وبتأثر بشكل سلبي على المواطنين في المقام الأول.
– في سنة 2018، القاهرة صنفت في تصنيف مجلة فوربس كأعلى المدن تلوثا في العالم، من بين 48 مدينة كبيرة حول العالم، بناء على نسب تلوث الهواء والضوضاء والضوء.
– المعلومة دي اتكررت على لسان النائبة في البرلمان سميرة الجزار عن الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، لما وجهت أسئلة لوزيرة البيئة الدكتورة ياسمين فؤاد خلال إلقائها بيانها أمام الجلسة العامة لمجلس النواب.
– أيضا وفقا لدراسة عملتها منظمة الصحة العالمية سنة 2016، القاهرة في المركز الثاني عالميًّا في تلوث الهواء المحيط، والحقيقة إن دي إحصائيات ودراسات أقل ما يُقال عنها إنها كارثية على صحة المصريين.
– قلة المساحات الخضراء سبب أساسي لكل هذا التلوث، لأن زي ما الكل عارف، الأشجار والنباتات تمتص الجزئيات الضارة من الجو وثاني أكسيد الكربون وتنتج الأكسجين بدلا منه.
– في المقابل معظم الأماكن اللي بيحصل فيها قطع الأشجار، فيها أصلا مساحات خضراء ضئيلة للغاية، وقطع الأشجار بيقضي تماما على أي مساحات خضراء عامة.
– لازم نعرف إن نصيب الفرد من المساحات الخضراء في مصر = متر مربع، وده أقل من الحد الأدنى الموصى به عالميا، حوالي 10 أمتار للفرد.
– والمعدل المصري أقل بشكل مفزع من مدن كبيرة عالميا، ومدن مزدحمة زي لندن مثلا اللي نصيب الفرد فيها من المساحات الخضراء أكتر من 30 متر مربع، ودبي اللي في الأساس مبنية في الصحراء، وزحمة بشكل كبير، لكن نصيب الفرد فيها من الخضرة 13 متر مربع.
– كمان فيه ارتباط وثيق بين التلوث وصحة الناس، وكل ما بيزيد التلوث كل ما بيزيد تردد المصريين على مستشفيات الصدر، حسب دراسة أجراها البنك الدولي بالتعاون مع الحكومة المصرية.
– تلوث الهواء وتغير المناخ من الأسباب اللي بتساهم في زيادة معدل الإصابة بالأمراض غير المعدية، زي السرطان وأمراض القلب والأوعية الدموية، والأمراض التنفسية المزمنة، والداء السكري، والاضطرابات العقلية والعصبية.
– تقديرات منظمة الصحة العالمية بتقول إن 90% من الوفيات المبكرة على مستوى العالم (7 ملايين حالة سنوية) بتحصل في البلدان الأكثر تأثرا بشدة تلوث الهواء.
*****
إزاي قطع الأشجار له أثر سلبي على الاقتصاد؟
– تقدير البنك الدولي بيقول إن تلوث الهواء في مصر يكلف الاقتصاد نحو 5% من الناتج القومي الإجمالي السنوي، وقدرها وقت نشر الدراسة في 2019، بما يعادل 2.42 مليار دولار سنوياً.
– في القاهرة الكبرى لوحدها بيكبد الاقتصاد المصري 1.35% تقريبا من إجمالي الناتج المحلي سنويا.
*****
تحركات حكومية واجبة
– يوم الأربعاء اللي فات مجلس الوزراء وافق على اتفاقية تمويل بين الحكومة المصرية والبنك الدولي لإعادة الإعمار والتنمية، لتنفيذ مشروع بقيمة 200 مليون دولار لـ”إدارة تلوث الهواء وتغير المناخ” في القاهرة الكبرى.
– ماعندناش تفاصيل كتير عن البرنامج، لكن بيان الحكومة بيقول إنه هيركز على دعم خطط إدارة النفايات الصلبة، والحد من انبعاثات السيارات.
– أي خطوة في اتجاه تحسين جودة الهواء لازم تاخد في اعتبارها زيادة المساحة الخضراء، وتقليل الاعتماد على السيارات الخاصة.
– كمان كان فيه حملة قومية للتشجير أعلنتها وزيرة البيئة في 2019 بتستهدف زراعة مليون شجرة و2700 فدان حدائق كمرحلة أولى لتعويض المردود البيئى للأشجار اللي بيتم إزالتها سواء نتيجة السلوك الفردى للأشخاص، أو لتنفيذ مشروعات المنفعة العامة للدولة.
– والهدف كان زراعة عدد من الأشجار يوازى على الأقل ضعف الأشجار اللي يتم إزالتها، على أن يتم إدراج مواقع زراعة الأشجار دي فى مخططات التطوير العمرانى والحضارى للمحافظات المختلفة، ودا شيء جيد وطموح جداً، لكن السؤال هنا هل السياسة دي بتطبق فعلا؟ وأنجزت قد أيه في مقابل سرعة عمليات تدمير الأشجار؟
– من ناحية تانية مشروعات الطرق اللي بتتنفذ مؤخرا، مش بتستثمر بشكل كافي في باقي وسائل بدائل التنقل والمواصلات العامة، وده معناه اللي بيستفيد من “مشاريع التطوير” وتوسعة الطريق، هما أصحاب العربيات الخاصة، وبالتالي فيه عدد أكبر من الناس بيتشجع أكتر لشراء عربيات خاصة، وده يعني مباشرة زيادة الانبعاثات والتلوث.
– القانون المصرى بينص على معاقبة كل من يقوم بقطع الأشجار، وقانون العقوبات بيعاقب كل من قطع أو أتلف أشجارا مغروسة فى الأماكن المعدة للعبادة أو فى الشوارع أو فى المتنزهات أو فى الأسواق أو فى الميادين العامة بالحبس أو بالغرامة، لكن لما يكون اللي بيعمل دا جهات حكومية أو جهات خاصة واخدة تراخيص حكومية يبقى أيه العمل؟!
– وقبل كل ده أهم خطوة بنقولها دايما هيا إعادة الاعتبار لشراكة سكان كل منطقة، وده الأصل انه يكون عبر المجالس المحلية المنتخبة بنزاهة، وحيث ان آخر انتخابات محليات حصلت عندنا في 2008، فبحكم الأمر الواقع المؤسف ممكن يكون ده دور نواب البرلمان والجمعيات الأهلية، خاصة أن بعض الأحياء زي مصر الجديدة والزمالك فيها جمعيات أهلية عريقة بتجمع سكانها للحفاظ على تراثها من سنوات طويلة.
– محدش ضد التطوير والمشروعات الجديدة لكن مش معقول إن دا ميراعيش أي معايير بيئية ويكون على حساب صحة ومستقبل المصريين، التفكير البيئي مش ترف أبدا زي ما البعض بيتخيل، لكن دا بيمثل الآن تحدي عالمي مرصود له ميزانيات ضخمة، نتمنى الحكومة والمجتمع ياخد المسألة دي على محمل الجد.
*****