خلال الفترة اللي فاتت القضاء الأسباني والصحافة الأسبانية بينشروا عن فضيحة فساد كبيرة في شركة ديفيكس الأسبانية المختصة بتوريد السلاح والأنظمة الأمنية، متورط فيها مسؤولين من 3 دول على الأقل، ومنهم مصر اللي اتوجه في حالتها اتهامات مباشرة لشركة مملوكة لجهاز المخابرات وبعض الضباط مذكورين بالاسم.
– وللأسف كل معلوماتنا حاليا عن القصة دي مصدرها التحقيقات الأسبانية والصحافة الأسبانية، بينما مفيش أي جهة مصرية اهتمت تاخد أي رد فعل حتى لو بالنفي، مثلا يقولو حققنا وتواصلنا مع القضاء الأسباني للاطلاع على الأدلة والنتيجة عندنا كذا، لكن اللي حصل هو تجاهل تام لقضية بالخطورة دي!
*****

ايه قصة القضية دي ؟

– بدأت القضية في 2014 للتحقيق في رشاوي دفعتها شركة ديفكس لمسئولين في انجولا عشان يفوزوا بعقود توريد معدات للشرطة هناك، ومن ساعتها بدأ التحقيق في نشاط الشركة كله على مدار 23 سنة.
– شركة ديفكس هي شركة بتمتلك 51 % من أسهمها الحكومة الاسبانية والباقي لمستثمرين، متخصصة في تصدير الأسلحة وعقود الخدمات الأمنية بشكل عام.
– في البداية المحققين الأسبان اكتشفوا شبكة من الشركات اللي موجودة في ملاذات ضريبية في جزر الكايمن وغيرها تبع الرئيس التنفيذي السابق للشركة خوسيه إجناثيو إنثيناس ومدير العمليات السابق أنخيل ماريا لاورمبي.
– القضية بتقول إن مسئولي الشركة الاسبانية كانوا بيدفعوا رشاوي لمسئولين كبار في 3 دول هما انجولا، والسعودية، ومصر، لتسهيل انهم ياخدوا العقود، وبعدين يقسموا العمولات ما بينهم.
– المحكمة الوطنية في مدريد اكتشفت 23 صفقة فيهم شبهات فساد واضحة، منهم 11 قضية للسعودية لوحدها في الفترة من 2005 ل 2014.
– التحقيقات لسه مستمرة لكن أسبانيا بدأت تاخد اجراءات بالفعل قبل صدور الأحكام القضائية، أهمها في أبريل 2017 قرر البرلمان الأسباني حل شركة ديفكس نفسها، ودمجها مع شركة حكومية أكبر بسبب الفضائح دي.
– دورنا أكتر ولقينا ان فيه حالات تانية لنفس الشركة .. في العراق انه اتضح انه الفريق خالد العبيدي وزير الدفاع العراقي السابق متورط برضه في قضية فساد بإتمام إجراءات تعاقد مباشرة من غير مناقصات او مقارنات أسعار، وتم اكتشاف ده بعد تشكيل لجنة “نزاهة” من البرلمان العراقي للتحقيق في عقود التسليح اللي تم إبرامها في عهد نوري المالكي رئيس الوزراء الأسبق، واللجنة كانت مهتمة بصفقات السلاح من روسيا فاكتشفت المستندات ده بالصدفة بعد رفض وزير الدفاع السابق تقديم أي أوراق للصفقات بحجة “حماية الأمن القومي”، واتضح انه الوزير تربح واشترى عقارات في أمريكا بعد الصفقات ده.
*****

واحنا في مصر إيه علاقتنا؟

– اللي يخص مصر في القصة أنه فيه عقد اتوقع سنة 2010 بين شركة “ديفكس” الاسبانية وبين شركة “ديسكو ” المصرية وهي أحد الشركات التابعة للمخابرات العامة المصرية.
– العقد كان بقيمة 30 مليون يورو، ارتفعت بعد كده ل 35 مليون يورو، وكان العقد يقتضي إنه الشركة المصرية تستورد نظم حماية لاستخدامها فى حماية وتأمين مناطق أثرية هامة من بينها أهرامات الجيزة ومعبد الأقصر ووادى الملوك، وكمان تقديم خدمات ومنها التدريب على أعمال الحماية في الأماكن الأثرية دي.
– مسئولي الشركتين المصرية والاسبانية اقتسموا عمولة تقدر ب 5 مليون يورو من الصفقة بحسب مستندات القضية، منهم 1.5 يورو خدهم الرئيس السابق لشركة ديفكس ومدير العمليات فيها في الفترة دي خدوها عن طريق تكوين شركة وهمية في ايرلندا وتحويل الفلوس ليها .
– شركة ديسكو هي شركة مصرية تأسست في 2005 وهي شركة تابعة للمخابرات العامة وترأس الشركة من تأسيسها لحد 2011 اللواء مدحت مرشد، وهو اللي وقع العقد في نوفمبر 2010 مع شركة ديفكس، بعد كدة تم توقيع إضافات جديدة على العقد مع الرؤساء الجدد للشركة وهما اللواء محمود عبد الوهاب واللواء توفيق حسين في عامي 2012 و 2013.
– قاضي التحقيقات قال “أنه لا يمكن التحديد على وجه الدقة كم المبالغ اللي تلقاها المسئولين المصريين”، خاصة أنه ديفكس دفعت مبلغ 1.8 مليون يورو كعمولة لشركة اسمها “سيان” مسجلة في بريطانيا، وبحسب التحقيقات محدش يعرف سيان دي بتاعة مين بالضبط، لكن المستفيد من العمولة بحسب تقرير داخلي في شركة ديفكس هي سيدة مصرية تدعى إيناس جوينة.
– وظيفة سيان كانت “تقديم ديفيكس إلى وزير الثقافة في مصر” و “تقديم ديفيكس لديسكو” .. وسبحان الله بالصدفة البحتة شركة سيان كانت تقوم بدور “المستشار الحصري للمجلس الأعلى للآثار ووزارة الثقافة” وده اللي خلاها ترسي العقد علي ديفكس وشركة المخابرات العامة بسهولة طبعا.
– القضية بالفعل اتنشرت عنها بعض الأخبار في الصحافة المصرية بتأثير مراجعة ملفات كتير بعد الثورة هتلاقوها بالمصادر، بس كانت الاتهامات بالفساد ساعتها مقتصرة على المسئولين السابقين بالمجلس الأعلى للآثار وده كان تقرير اترفع للوزير في 2011 انه العقد اتعمل ب 30 مليون يورو رغم ان نفس المنظومة دي اتعملت في الأهرامات قبلها ب 30 مليون جنيه فقط .. لكن الموضوع كله اختفى خالص بعدها، ودلوقتي أكيد عندنا سبب محتمل ليه اتدفن، لأن مسؤولي الآثار دول مكانوش لوحدهم!
*****

نستفيد ايه من القصة دي؟

– أولا إنه مسار التحقيقات في وقائع الفساد بتكون كدا، يعني الحكومة الاسبانية مطرمختش وقالت الشركة دي بتصدر سلاح وبتاعة الحكومة وبنستفيد فايه المشكلة يعني؟ لا عملت تحقيق ولما تأكد الفساد هتحاسب المسئولين عنه وحلت الشركة بسبب سوء سمعتها، وده مش معناه هدم للدولة الأسبانية ولا للأجهزة الأمنية فيها، بالعكس ده حماية لموارد الدولة.

– ثانيا والأهم واللي اتكلمنا عليه في بوست تصدير الغاز السابق وعلاقته بالمخابرات العامة، أنه مينفعش فلوس المخابرات العامة – الغير معلنة – تفضل سايبة كده، وانها محتاجة يكون في رقابة عليها، لأنه زي ما كانت الفلوس دي منجم ذهب لحسين سالم والنظام السابق فهي مستمرة بنفس الطريقة وبتحول مهمة الجهاز الأمني للتربح سواء الشخصي أو لمصاريف سرية للجهاز خارج أي رقابة إلا الثقة الشخصية!

– تالت حاجة أنه طالما الطريقة دي في ادارة الموارد والاقتصاد مستمرة، وفي دائما أجهزة سيادية فوق القانون وفوق أي محاسبة ومسائلة، فمش منطقي نسمع شعارات مكافحة الفساد، بينما في القصة دي مثلا الوقائع منشورة وتحقيقات شغالة في أكتر من دولة ومفيش مسؤول في مصر طلب أي تحقيق.
وبالعكس بنشوف اجراءات أكتر بتوسع مساحة الأعمال خارج الرقابة، سواء بتعاقدات الشركات التابعة ل “الجهات السيادية” المختلفة، أو مثلا قانون المناقصات اللي تم تعديله للسماح بمساحة أوسع للتعاقد بالأمر المباشر، وده بوابة واسعة لحماية عمليات الفساد والتربح من التعاقدات، بعد اخراج كل وسائل الرقابة القضائية أو السياسية عبر النواب المنتخبين والمحليات.
*****




مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *