– يوم الأربعاء الماضي أقر مجلس النواب الأمريكي قانون باسم “جورج فلويد” يهدف لإصلاح شامل في الشرطة الأمريكية.
– القانون اتسمى باسم جورج فلويد الأمريكي من أصل أفريقي اللي اتقتل من 9 شهور بعد ما خنقه ضابط شرطة بركبته، واتسبب المشهد الشهير ده في انتفاضة كبيرة داخل أمريكا ضد ممارسات الشرطة.
– إيه تفاصيل القانون ده؟ وليه مجلس النواب الأمريكي أقره؟ وليه ممكن نهتم بالقانون ده؟ ده اللي هنتكلم عنه في البوست الحالي.
*****
إيه أبرز ما ينص عليه القانون ده؟ وليه تم إقراره دلوقتي؟
– القانون بيلزم الحكومة الاتحادية بفرض حظر على ممارسة “الضغط على الرقبة” كأداة لتقييد حركة المتهمين.
– القانون بيحظر ما يسمى بـ”الحصانة الموصوفة” أو “الحصانة المؤهلة” اللي كانت بتمنع وبتقيد الدعاوي القضائية ضد الضباط، كمان بيقلل ويقيد أي ممارسات عنف بتحصل أثناء القبض على أي مشتبه به، وكمان يعمل معايير موحدة على مستوى جميع الولايات، عشان تزيد إمكانيات المحاسبة للضباط على أي انتهاكات.
– كمان القانون بيشترط إنشاء قاعدة بيانات وطنية لتتبع سوء سلوك الشرطة وحظر بعض أوامر الضرب، بالإضافة لعدد من النصوص اللي بتسهل محاسبة الضباط على سوء السلوك في المحاكم المدنية والجنائية.
– القانون ده بيتزامن مع بداية محاكمة الضابط ديريك شوفين اللي قتل جورج فلويد، وسط حشود وترقب من حركات السود اللي عملت حراك كبير في أمريكا من شهور بعد قتل جورج فلويد، واضطرت قوات الحرس الوطني والجيش للنزول للشوارع لمحاولة ضبط ووقف المظاهرات اللي استمرت لأسابيع كتيرة.
– القانون ده واخد دعم الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن، اللي أعلنه في مكالمات لأعضاء الكونغرس وقالهم إنه فرصة تاريخية لإصلاح الشرطة، وده متسق تماماً مع أولويات الرئيس الأمريكي بايدن، وكمان بيدي مزيد من الحقوق لصالح الأمريكان السود اللي هما الجمهور التقليدي والطبيعي للحزب الديمقراطي.
– الرئيس قال في بيان صادر عنه “لجعل مجتمعاتنا أكثر أمانًا، يجب أن نبدأ بإعادة بناء الثقة بين سلطات إنفاذ القانون والأشخاص الذين يُعهد إليهم بخدمتهم وحمايتهم”. “لا يمكننا إعادة بناء تلك الثقة إذا لم نحاسب ضباط الشرطة على إساءة استخدام السلطة ومعالجة سوء السلوك المنهجي – والعنصرية المنهجية – في أقسام الشرطة”.
– وبالتالي القانون تم تمريره بواسطة أغلبية الحزب الديمقراطي 220 صوت قدام 212، وهيتم تحويله لمجلس الشيوخ لإقراره نهائياً واللي للصدفة التاريخية فالأغلبية برضه لصالح الحزب الديمقراطي، بالشكل اللي بيدي الحزب الديمقراطي فرصة كبيرة لتمرير كتير من القوانين الإصلاحية بشكل ناجز.
*****
ليه ممكن نهتم بالموضوع ده؟
– أمريكا اللي هي بلد كبير جداً ومتقدم اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً وعلمياً وكل حاجة أكتر مننا مئات المرات، ومع ذلك بتعترف إن عندها مشاكل في حقوق الإنسان وبتحاول إنها تعالجها.
– والمشاكل دي سببت خروج مظاهرات شعبية ضخمة، حصل في بعضها أعمال عنف وإحراق مباني حكومية، ومحدش قال دي مؤامرة وحروب جيل رابع.
– وعلى الرغم من إنه فعلاً أمريكا حقوق الإنسان فيها انتهاكات متكررة فيما يخص حالات الاشتباه ضد السود، لكن ده ممنعش إنه الظابط يصوره مواطن وهو بيقوم بالانتهاك، والصحافة تنشره، من غير ما المواطن ده يتقبض عليه ويترمي في الحبس الاحتياطي سنين، أو الصحافة تخاف تنشر، أو الداخلية تحجب المواقع اللي نشرت، لأن الدستور يكفل حرية التعبير بجد مش شعارات.
– الكونغرس الأمريكي وخاصة الديمقراطيين اللي وصلوا بأصوات قطاعات كبيرة من السود بقى لازم يستجيب للضغط الشعبي وبيعمل تعديلات تشريعية عشان يقلل من صلاحيات الضباط ويوسع من إمكانية محاسبتهم.
– بنشوف العكس تماماً عندنا في مصر، الشكاوى مستمرة ودايمة ولا تتوقف من التعذيب وسوء المعاملة، وعلى الرغم من كده فإما إنه الدولة بأجهزتها ومؤسساتها بتتواطأ لأنها بتشوف إنه ده الطبيعي، ومبتتحركش لمحاسبة حد عمل جريمة تعذيب أو انتهاك أو قتل لمتهم إلا نادراً جداً لو قضية خدت انتشار واتصورت مثلاً.
– كان آخر تجاهل حصل للبلاغ اللي قدمته أسرة الناشط علاء عبد الفتاح للنائب العام، واللي طلبت فيه التحقيق في شهادة علاء أثناء تجديد حبسه واللي قالها فيها إنه (بيسمع أصوات تعذيب بالكهرباء في الزنازين المجاورة، وأنه يشعر بتهديد)، دا غير انتهاكات تانية كتير بتحصله، واللي تم الاكتفاء من جانب الداخلية بمهاجمة الأسرة، والنيابة بتتفرج بدون تحرك.
– عندنا في مصر البرلمان ميقدرش يشرع قوانين تحد من سلطات وصلاحيات الداخلية وضباطها، أو تيسر إجراءات المحاسبة والمحاكمة ضد التجاوزات، بل عندنا وزير الداخلية لا يسأل أصلاً أمام البرلمان ولا يحاسب ولا يستدعى، مش بواقع القانون لكن بالأمر الواقع.
– ومبقاش عندنا إعلام يقدر يرصد أو يكتب عن تجاوزات ضد القانون في حق المواطنين، لأن وسائل الإعلام كلها تم تأميمها وشرائها بواسطة الأجهزة الأمنية، واللي بيحاول يعمل تغطية لقضية تعذيب أو قتل خارج القانون زي مثلاً قضية إسلام الاسترالي ضحية المنيب اللي اتقتل على إيد أمين شرطة، أو عويس الراوي اللي اتقتل في قرية العوامية بالأقصر، بيتم اعتقال الصحفيين دول زي ما حصل مع الصحفيين إسلام الكلحي وبسمة مصطفى، ونماذج تانية كتيرة.
*****
هل مصر مكانش فيها محاولات لإصلاح الشرطة؟
– الفترة الوحيدة والقليلة في تاريخ مصر اللي حصل فيها محاولات لإصلاح جهاز الشرطة كانت بعد ثورة يناير مباشرة، وقتها كان في مقترحات كتيرة حول التعامل مع جهاز أمن الدولة بين دعوات لإلغاءه أو إعادة هيكلته، وبمعاقبة الضباط اللي بيعذبوا المواطنين أو قتلو المتظاهرين أثناء الثورة، وكان في اقتراحات بوضع حد أقصى لعدد ساعات العمل للضباط ومحاولات كتيرة لضبط عملهم وفق قواعد قانونية وحقوقية محترمة لصالحهم هما كمان، وكان مجال للنقاش بين الأحزاب والصحافة والمراكز البحثية والأكاديميين، ومن أبرز المشاريع كان “المبادرة الوطنية لإعادة بناء جهاز الشرطة”.
لكن كل المحاولات دي بائت بالفشل وحصل ضدها تمرد كبير.
– التمرد ضد محاولات الإصلاح مكانش مجرد رفض بيحصل في الإعلام أو على لسان بعض السياسيين، لأ التمرد ده كان بيحصل إنه الضباط مبيشتغلوش، يرفضوا يعملو كماين أو يواجهوا المجرمين والبلطجية في الشوارع، أو بيرفضوا التحرك لتنفيذ أحكام، كان الدافع اللي بيتقال بشكل رسمي وغير رسمي، إنهم عاوزين يشتغلوا بطرقهم القديمة، لكن الشغل تحت قيود القانون كان بيواجه مقاومة، وللأسف البرلمان اللي جه بعد الثورة مبذلش مجهود كفاية في المسألة دي، وجت فترة رئاسة مرسي تجاهلت الأمر بشكل غريب.
– وبعد كده بقينا نسمع رئيس الجمهورية بنفسه، وهو بيطمن الظباط إنه محدش هيتحاسب أو هيتحاكم تاني، ومحصلش غير في حالات استثنائية جداً زي قضية مجدي مكين أو عفروتو أو عربية الترحيلات أو شيماء الصباغ، وكلها كانت أحكام مخففة جداً لا تقارن بالأحكام اللي بتصدر ضد المعتقلين سياسياً واللي بيتحاكموا على التظاهر.
*****
طب هل إصلاحات الشرطة دي شيء يهمني كمواطن بعيد عن السياسة؟
– طبعاً ده المفروض شيء يهمك، لأن نفس السياق السياسي والقانوني ده مش هيحميك في حالة الخصومة مع ضابط أو أمين شرطة لأي سبب كبير أو تافه، لأنه مفيش قضاء أو نيابة هتنصفك لما تقول إنه ضابط شتمك أو أهانك أو عاملك بشكل سيء داخل قسم أو مصلحة حكومية، أو حتى اتخانقتوا على ركنة في الشارع، أو كلمك بطريقة سيئة في الكمين، ودي كلها أمور بتحصل طول الوقت لناس كتير.
– وبالتالي انت ممكن فعلاً تكون شخص بعيد عن السياسة، لكن معرض لتهور وتجاوز أو خصومة بدون ما يكون في منظومة تضمنلك حقك ومحاسبة الضابط ده، ولا حتى المؤسسة اللي هو بيتبعها عندها قواعد حقيقية أو رغبة لمحاسبة أفرادها على التجاوزات خارج حدود القانون أو صلاحياتهم، للأسف ده كله شيء بيخلي الفئة دي من المجتمع دايماً عندها إحساس وسلطة جاية من التفوق ده، إنهم فوق القانون وفوق المحاسبة، ومفيش شيء ممكن يوقف ده أو يعطله أبداً.
*****
– إصلاح الشرطة مش معناه إننا ضد الشرطة في حد ذاتها، بالعكس لا أحد ينكر دور الأمن في أي مجتمع، ولكن المنظومة الأمنية مينفعش تبقى خارج الحساب، وتبقى بتقايض المواطن بالأمن أمام السلطة المطلقة، وكمان الإصلاح دا متعلق بحقوقهم زي حقهم في ساعات عمل عادلة، وتوفير إمكانيات حديثة تحل محل كل الأسلوب القديم، بحيث الكفاءة تبقى المعيار.
– سواء كنت مؤيد أو معارض، ليك في السياسة أو بعيد عنها، فموضوع إصلاح المؤسسات الشرطية والأمنية ده مهم جداً لينا كلنا، وإذا كانت أمريكا بتعمل إصلاحات كبيرة فيه على الرغم من إنها دولة قانون حقيقية وفيها حماية للمواطنين والمهاجرين بشكل حقيقي وحفاظ على حقوقهم، فمن باب أولى الدول اللي سجل حقوق الإنسان فيها سيء جداً زينا إنها تحاول تراجع سياساتها في الملف ده وتوقف الطرمخة والتجاهل للوضع اللي بقينا فيه.
*****



مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *