في 3 ديسمبر من كل سنة بيحتفل العام باليوم العالمي لذوي الاحتياجات الخاصة، أو أصحاب الهمم، ودي فرصة كويسة للإشادة بالخطوات اللي بتاخدها الدولة في السنوات الأخيرة في سبيل تمكين ذوي الهمم في المجتمع المصري بعد سنوات طويلة من التهميش.
بنشوف إهتمام الرئيس السيسي السنوات الأخيرة بالموضوع، بيحضر دايما احتفاليات وفعاليات لذوي الهمم وفي شعور عام أنه بقي فيه إهتمام بالفئة دي في المجتمع وده شيء جميل جدًا، لكن هل ده كافي ؟ وامتا تنتهي المعاناة الاقتصادية والاجتماعية لمتحدي الإعاقة ؟
ده اللي هنتكلم عنه في بوست انهردة، إزاي الاهتمام والتشجيع الممتاز اللي واضح من تصرفات وتصريحات الرئيس السيسي يتحول لأفعال حقيقية ومؤثرة أكتر من الحفلات والتكريمات.
*****
ايه اللي اتحقق في السنين الأخيرة لذوي الهمم ؟
من 2018 بدأ يحصل خطوات جدية في سبيل التمكين، بالإعلان عن مشروع بطاقات الخدمات المتكاملة، وهي بطاقات بتسهل لذوي الهمم الحصول على عدد من الخدمات في المؤسسات الحكومية زي الرعاية الصحية والتعليم في المؤسسات المتخصصة واشتراك خاص مخفض في وسائل النقل العام.
الدفعة الأولى من البطاقات دي كانت 500 ألف بطاقة أصدرتها وزارة التضامن الاجتماعي، ومن المقرر أنه يصدر تباعا 3 مليون بطاقة.
لكن عدد ذوي الهمم في مصر أكبر من كده بكثير، بحسب الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء عدد ذوي الاحتياجات الخاصة حوالي 10 ٪ من السكان يعني حوالي 10 مليون مصري، وفي إحصاءات غير رسمية بتقول أنهم 14 مليون.
وبالتالي في حاجة لتوسعة البرنامج ده أكثر من الـ 3 مليون المقرر أنهم يكونوا ضمن مستهدفات البرنامج.
كمان من الحاجات الكويسة اللي اتعملت في 2019 هو تأسيس صندوق خيري برأس مال مليار جنية لدعم ذوي الاحتياجات الخاصة وجمع التبرعات وإن كان مشوفناش كثير من شغل الصندوق ده لحد دلوقتي.
كمان بقا في إهتمام أكثر بمراكز تأهيل ذوي الهمم، وإن كان لحد دلوقتي لسه غير كافي بالنظر لمشكلات التهميش والتجاهل التاريخية اللي بيعاني منها الأشخاص دول.
صدر قانون بإنشاء المجلس القومي لذوي الإعاقة في 2019 وده خطوة مهمة جدا خاصة أنه المجلس المفترض يكون له صلاحيات واسعة، وكمان صدر مؤخرًا قانون جديد بيشدد من عقوبة التنمر على ذوي الهمم وبقت عقوبة الفعل ده بتوصل للحبس 5 سنوات.
وقبل ده كله الدستور وضع ذوي الاحتياجات الخاصة ضمن الفئات اللي بيتم تمييزها إيجابيًا في المجالس النيابية، وإن كانت الممارسة السياسية للحق ده فيها قدر كبير من التحايل.
وبنشوف مؤخرًا حفلات ومؤتمرات بتتعمل بوجود رئيس الدولة بيستضيف فيها مجموعات مختلفة من ذوي الهمم أو متحدي الإعاقة، وبتكون فرصة جميلة ليهم إنهم يحسوا بمكانهم ووجودهم وإنه ليهم فرصة في المجتمع وبدعم من الرئيس شخصيًا، ده نفسيًا بيفرق جدًا حتى لو كانت مجرد حفلات وصور تذكارية وإعلانات، لكنه طبعًا غير كافي
****
ايه المفترض يحصل في الفترة الجاية؟
في مصر عندنا مشكلات متراكمة كتيرة لذوي الهمم، يمكن أهم المشكلات دي واللي بنسمع عنها دائما هو عدم الالتزام بنسبة الـ 5 ٪ إجباري من ذوي الهمم في التعيينات، سواءًا من قبل القطاع العام أو القطاع الخاص.
من المفترض أنه في نص قانوني إلزامي في قانون الخدمة المدنية بيلزم أصحاب العمل اللي عندهم أكثر من 20 عامل بتعيين 5٪ من العمال من ذوي الاحتياجات الخاصة بناء على ترشيحات من وزارة التضامن.
لكن ولأنه الناس عندها وعي مغلوط في التعامل مع ذوي الهمم أنهم أقل إنتاجية – مع إن ده في معظم الأوقات بيكون غلط – لكنه نتيجة لده محدش بيهتم بتعيين ذوي الهمم، وأحيانًا أصحاب العمل الخاص لما بيضطروا يجيبوا متحدي إعاقة عشان استكمال الورق، بيقولولهم اقعدوا في البيت واحنا هنبعتلكم المرتب عشان منتعبكوش، ونظريًا ده في تصورهم إنه مساعدة ليهم، لكن في الحقيقة هو بيؤلم متحدي الإعاقة بشكل كبير من الناحية النفسية، لأنه بيزيد من شعور التمييز ضده وإنه ملوش حق يروح وييجي شغل ويبقاله أصدقاء ومعارف زيه زي غيره.
هنا بيجي دور المجلس القومي لذوي الإعاقة بالتنسيق مع مكاتب العمل، واللي المفروض تراقب علي أصحاب الأعمال الخاصة في مصر في الموضوع ده وهو دور شبه غائب بسبب ترهل الأجهزة الإدارية دي وعدم كفائتها، لأنه بشكل عام القطاع الخاص مبيلتزمش بتسجيل الموظفين أو توثيق عقود ليهم أو تأمين عليهم، فطبيعي يتهربوا من تعيين متحدي الإعاقة.
في مشاكل تانية مهمة أكتر لذوي الاحتياجات الخاصة، وهي الحصول على التعليم الجيد والمناسب ليهم ولكل إعاقة لوحدها لأنه طرق التعليم بتختلف بشكل كبير من الإعاقة البصرية أو السمعية مثلًأ للإعاقة الحركية، وهنا يجي دور مؤسسات الدولة اللي تقريبا شبه غائبة عن دور الرقابة أو التأهيل.
الوضع في أرض الواقع، بيقول إنه متحدي الإعاقة لازم أسرته تكون ميسورة الحال عشان تقدر توفرله تعليم في مدارس وجامعات خاصة بتكاليف كبيرة عشان يلاقي اهتمام براحته وصحته وتعليمه وأبسط الأمور زي دورات مياه مخصصة ليهم أو طرق خاصة يقدروا يتنقلوا بيها داخل الجامعة أو المدرسة بالكراسي بتاعتهم.
وبالتالي لو الإمكانيات المادية دي مش متوفرة لأسرة متحدي الإعاقة فالموضوع بيكون صعب جدًا جدًا، وللأسف استمرار الحكومة في تجاهل أهمية الانفاق على التعليم بيأخر وبيعطل مهمة دمج متحدي الإعاقة داخل منظومة التعليم.
مشكلة تانية مهمة هي مصاريف الرعاية الصحية والطبية للأشخاص والأطفال تحديدا من ذوي الاحتياجات الخاصة، وده يخلينا ممكن نفكر في إزاي نوفر دعم نقدي للأسر دي وخاصة أنه في تقاطع مهم جدا بين الفقر والإعاقة في مصر، كثير من ذوي الاحتياجات الخاصة من أسر فقيرة ودي مش حالة مصر بس تقريبا معظم ذوي الاحتياجات الخاصة في العالم في الدول النامية واللي فيها معدلات الفقر مرتفعة.
مشكلة تانية بتقابل ذوي الهمم إنه الشوارع والمؤسسات العامة والشركات مش مصممة معماريا أنها تراعي احتياجاتهم سواء في التنقل، أو في وجود أماكن مخصصة للاستراحة ليهم وغيرها من الاحتياجات، بالتالي محتاجين يكون إلزامي في تصميم المباني الجديدة مدى الملائمة لذوي الاحتياجات الخاصة.
*****
التجارب الدولية بتقول إيه ؟
لو بصينا على الدول اللي ناجحة لحد كبير في عملية دمج ذوي الهمم في المجتمع هنلاقي انه هي الدول الغنية اللي التنمية الاقتصادية اللي حصلت فيها نهضت بالمجتمع كله بما فيهم ذوي الاحتياجات الخاصة.
بالتالي التعديلات القانونية والاحتفاء بذوي الهمم مهم جدًا وأكيد ليه دور مهم في أننا نبين لهم أنه الدولة والمجتمع مهتمين وبنرفض محاولات التنمر ضدهم أو التقليل منهم بأي شكل، لكن الإجراءات الحقيقية في الواقع لسه ناقصة كتير لأنها مرتبطة بمشكلة التنمية الاقتصادية في مصر بشكل عام.
يعني كمثال مينفعش نقول أننا هنؤهل ذوي الاعاقات مثلا من خلال التعليم الفني والتدريب ، وفي مشكلة أساسية في التدريب والتعليم الفني في البلد ككل، بالتالي البرامج اللي زي دي سواء عملتها الدولة أو مؤسسات المجتمع المدني اللي بالمناسبة بتقوم بدور مهم جدا في تمكين ذوي الهمم بس بدون تنمية شاملة لسوق العمل بشكل عام حتكون حاجات جزئية ومش حتساهم في إصلاح الوضع على المدى الطويل.
بالتالي إحنا محتاجين نفكر في أفكار كلية لحل مشكلات بتنتج فقر ذوي الهمم، زي ظاهرة الفقر الريفي في مصر، وزي مشكلات ضعف جودة سوق العمل وعدم وجود وظائف بجودة كافية وعدم وجود أجور عادلة في القطاع الخاص وخاصة للعمال الموسميين في قطاعات زي المقاولات والخدمات ( المطاعم – الفنادق – وغيرها).
بشكل عام التفكير في حل مشكلات ذوي الهمم بيكون من جوة الاقتصاد نفسه، وبالتالي لازم مثلا يكون في تطوير لنظم حماية اجتماعية ناجحة وتشمل النسبة الأكبر من الناس اللي تحت خط الفقر ومن ضمنهم ذوي الهمم.
*****