– من شهر تقريبا نشر موقع “the intercept” الأمريكي أرشيف ضخم من الرسائل بين المدعي العام، والقاضي البرازيلي سيرجيو مورو، اللي أصبح وزير العدل حاليا، حوالين التحقيق في أكبر فضيحة فساد في البرازيل، واللي اتسجن بسببها الرئيس البرازيلي السابق لولا دا سيلفا.
– الرسايل المتبادلة وضحت التحيز السياسي ضد دا سيلفا، وتجاوز إجراءات قانونية مهمة للنوع ده من القضايا. وفي البوست هنشوف تفاصيل أكبر قضية فساد في أمريكا اللاتينية، واللي بيتحاكم فيها 3 رؤساء سابقين: اتنين برازيليين، ورئيس لبيرو، ومئات السياسيين في 7 دول في أمريكا اللاتينية. ودور الصحافة الحرة عليها في قضية بهذا المستوى.
*******
إيه تفاصيل قضية “لافا جاتو” أو “غسيل السيارات”؟
– في 2008 بدأ إنشاء مجمع ضخم للصناعات البتروكيماوية في ولاية ريو دي جانيرو البرازيل، المجمع كان يتبع شركة “بترو براس”، أكبر شركة بترول في أمريكا اللاتينية، وهي إحدى الشركات المملوكة للدولة البرازيلية.
– “بتروبراس” كان متوقع تفتتح المشروع في 2011، لكن لحد دلوقتي لسه ماتمش إنجازه. كمان المشروع كانت تكلفة تنفيذه 6 مليار دولار، لكن لحد دلوقتي متكلف أكتر من 14 مليار دولار.
– في 2013 وأثناء التحقيق مع صاحب مغسلة عربيات في ريو دي جانيرو، اكتشف المحققين شبكة من غسيل الأموال بيديرها صاحب المغسلة وناس تانيين، لصالح سياسيين ومديرين تنفيذيين في بتروبراس، وغيرها من الشركات البرازيلية.
– شركة بتروبراس، بالتعاون مع أكبر شركة مقاولات في أمريكا اللاتينية “اودبريشت”، وشركات مقاولات تانية، تم اكتشاف إنهم كانوا بيتلاعبوا في المناقصات الحكومية في 7 دول في القارة خلال آخر 10 سنين. عن طريق تقديمهم عروض مالية أكبر للحكومات، والشركات التابعة للحكومة ساعدتهم في ده، بعد تقديم رشاوي للسياسين، وتمويل حملات انتخابية. بنسبة توصل لـ5% من مبالغ التعاقدات. واتفضحت الشركة في أكتر من بلد بعد كده.
– تحالف الشركات دي كان فاز بـ17 مشروع، عن طريق دفع 600 مليون دولار تقريبا رشاوي. منها مثلا 800 ألف دولار كرشوة لحاكم ريو دي جانيرو السابق سيرجيو كابرال، واللي مولت الشركات حملته الانتخابية قبل ما يتم الإطاحة بيه بسبب قضية الفساد.
– حاليا فقدت بتروبراس نصف قيمتها السوقية، وشركات كتير تضررت جدا بسبب الفضيحة. ده طبعا ساهم في الأزمة الاقتصادية وانخفاض معدلات النمو اللي بتعيشه البرازيل دلوقتي.
******
إيه علاقة ده بالرئيس البرازيلي السابق لولا دا سيلفا؟
– دا سليفا واحد من أكثر الرؤساء شعبية في البرازيل بسبب أصوله الاجتماعية البسيطة، كان عامل في مصانع الحديد والصلب وهو عنده 14 سنة، واشتغل ماسح أحذية. وهو مؤسس حزب العمال البرازيلي، واحد من أكثر الأحزاب شعبية في البرازيل، بعد نهاية الحكم العسكري. وساهم دا سليفا في إنهاء الحكم العسكري كقائد للحركة العمالية.
– والأهم بسبب النجاح الاقتصادي اللي حققه. في الفترة من 2003 لـ2011 نجح في رفع 40 مليون برازيلي تقريبا من تحت خط الفقر بسياسات عدالة اجتماعية ناجحة. وكانت البرازيل بتحقق معدلات نمو اقتصادي جيدة جداً، وصلت في 2010 لـ7.5%.
– فضيحة الفساد اتسببت في التحقيق مع سياسيين كتير، منهم لولا اللي كان متهم بالحصول علي شقة بـ700 ألف دولار، كرشوة لتسهيل حصول مجموعة شركات على عقود حكومية. وفي 2017 اتحكم عليه بـ9 سنين ونصف سجن، من قاضي التحقيق الأساسي في فضيحة الفساد سيرجيو مورو. وفي 2019 اتحكم على دا سيلفا بالسجن 12 سنة، اتخففت بعدها بشهرين والحكم بقى 8 سنين و10 شهور في القضيتين.
******
إيه الجديد في القضية ورجعها تتفتح تاني؟
– الجديد هو تحقيق مجلة متخصصة في التحقيقات الاستقصائية بحجم وثقل “ذا انترسبت”. الصحفي جلين جرينوالد مع زملاء ليه نشروا رسايل على ابليكيشن تليجرام، بتبين الانحياز السياسي الكبير للقاضي اللي حكم علي لولا دا سيلفا.
– الرسائل كمان بتأكد إنه تواصل مع المحققين أكثر من مرة عشان يطلعوا بيانات صحفية تدين لولا. علي عكس المفروض: إن القاضي يكون طرف محايد بين النيابة ومحامين الدفاع.
– في الرسائل كمان، سخر القاضي أكثر من مرة من لولا دا سيلفا وفريق محاميه، واشترك في استجواب لولا لأكثر من 5 ساعات في أحد جلسات المحاكمة. وتدخلات توصل لتعليمات بتطبيق الملاحقة القضائية واعتقال لولا، ومنعه من القيام بحوار صحفي. وهو أمر ممنوع علي القضاة.
– سيرجيو مورو بعد كده بقى وزير العدل في حكومة الرئيس اليميني الحالي جاير بولسارنو، واللي بيشوف مورو بطل بسبب اللي عمله، خاصة وإن مورو كان ليه دور كبير في منع دا سيلفا من الترشح مرة تانية. شبهة التسيس ضد لولا بتخلي ناس كتير، مع شعبيته، ترفض الاتهامات اللي اتوجهت له، وتشوف إن محركها كان الخصومة السياسية.
– مع ظهور المعلومات والتسريبات دي، حاول الرئيس الحالي بولسارنو نفي الاتهامات عن وزيره. وده بكلام عن إن رئيس تحرير “ذا انترسبت” بيشتغل لصالح جماعة إرهابية وليه علاقة بمؤسس ويكيليكس، وإنه مش مهني وبيخدم أجندات معينة. وبشكل عام الحزب اليميني اللي بينتمي ليه بولسارنو مش أزمته التضحية بمورو قد عودة دا سيلفا منتصر بعد ثبوت إن محاكمته مش مبنية على أساس قانوني سليم وخضعت للتحيز السياسي.
*****
إيه ممكن نشوفه في قضية زي دي؟
بعيد عن لولا دا سيلفا نفسه، وهل هو برئ أو لأ، فالقضية بتوضح حاجات كتير:
أولا: أهمية ودور الصحافة الحرة والمهنية. الصحافة البرازيلية والدولية ساهمت بشكل كبير في ١- كشف قضية فساد “لافا جاتو”. ٢- ساهمت في إن القضاء والنيابة يتعقبوا كتير من المسئولين الفاسدين. ٣- في الكشف عن تسييس القضاء في محاكمة لولا دا سيلفا.
ثانيا: القضاء والنيابة المستقلين، والبعيدين عن المصالح السياسية، ضرورة لمحاربة الفساد ولتحقيق العدالة. وشوفنا في مصر خلال الـ5 سنين اللي فاتت، قضايا مسيسة كتير وقضاة بيحاكموا أشخاص وهما ضدهم سياسيا، زي اللي بيحصل في قضية أحمد دومة، وزي قضايا معتقلين سياسيين كتير بيتعرضوا لمحاكمات شكلية.
ثالثا: إن محاربة الفساد مهما كانت عواقبه أرلوية. لإن إدراة الموارد العامة وأموال دافعي الضرائب مش حاجة ممكن التساهل مع سوء إدارتها، زي ما حصل مع بتروبراس الشركة المملوكة للدولة، اللي كان ممكن الناس تقول عنها: ما نسكت وخلاص ونحافظ على الشركة “الوطنية” من إنها تنهار.
رابعا: إن الديمقراطية ضمانة أساسية لمحاربة الفساد. البرازيل تاريخيا بلد معروف بالفساد السياسي. ومن وقت حكم العسكريين (من 1964 لحد 1985) ماكنش فيه قضايا بالحجم ده. كانت البلد فاسدة ومتعايشة مع الفساد.
خامسا: إن محاربة الفساد لازم تتم بكل شفافية، وعن طريق ناس ملهاش خصومة سياسية، وإلا هتتحول مع الوقت زي ما حصل في البرازيل لمجرد تصفية حسابات سياسية. واحنا في مصر عندنا تجارب كتير لمسؤولين مش بنشوفهم بيتحاسبوا إلا لما بيدخلوا في عداوة مباشرة مع رأس السلطة التنفيذية أو نظام الحكم.
أخيرا نتمنى يجي اليوم اللي نقدر فيه نتعلم من تجارب دول زي دي في محاربة الفساد بشفافية، ووجود قضاء مستقل ونزيه وعادل، وإن يكون عندنا ديمقراطية تسمح بتداول السلطة ومحاسبة أي مسؤول عن فساد أو فشل، وصحافة وحرية فكر وتعبير يراقبوا ويحاسبوا.
******