– في نهاية الشهر الماضي تم تشغيل مصنع إسالة وتصدير الغاز بدمياط بعد توقف دام 8 سنوات كاملة، وتم نجاح تجربة تصدير 4 شحنات آخرها قبل أيام بدون مشاكل.
– مؤسسة ستاندرد آند بورز – واحدة من أهم شركات الأبحاث الاقتصادية والتصنيف الائتماني في العالم – نشرت تقرير مهم عن اللي حصل.
– التركيز على ملف المصانع المعطلة بشكل عام شيء إيجابي، وعودة عودة تشغيل مصنع دمياط لإسالة الغاز تحديداً خطوة كويسة جدا تجاه هدف تحول مصر لمركز إقليمي للطاقة.
– إيه تفاصيل اللي بيحصل؟ وإيه المتوقع الفترة الجاية؟ ده اللي هنتكلم عنه في البوست الحالي.
*****
إيه اللي بيحصل؟
– تقرير مؤسسة ستاندرد آند بورز أشار لأهمية الخطوة، وإن محطة دمياط هتعالج نحو 4.5 مليون طن من الغاز الطبيعي المسال سنويًا، وهترفع قدرة مصر إلى 12.5 مليون طن.
– الشحنات التجريبية اللي تم تصديرها هي الأولى من تاريخ عودة تشغيل المحطة، بعد 8 سنين من الإغلاق، وبعد تسوية القضايا والخلافات مع شركة الغاز الأسبانية ناتورجي وشركة إيني الإيطالية.
– الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية (إيجاس) والهيئة العامة للبترول، ناويين على تقديم شحنتين غاز طبيعي مسال من محطتي دمياط وإدكو في شهر أبريل، وبكده يبقى من بداية السنة مصر صدرت 26 شحنة من الغاز الطبيعي المسال، 18 شحنة منها للأسواق الآسيوية، وباقي الشحنات للأسواق الأوروبية، ومعظم الشحنات دي تمت من محطة إدكو.
– وطبقا للتقرير، صدرت مصر لحد شهر فبراير 27 مليون متر مكعب من الغاز يومياً، يعني أكثر من ضعف معدلات التصدير قبل سنة، كانت كل مساهمة مصر في إمدادات الغاز الطبيعي المسال سنة 2019 هو 1% فقط، لكن وفقاً للتوقعات، مصر هتكون من أكبر 10 مصدرين للغاز في العالم إذا وصلت لطاقتها الإنتاجية الكاملة.
– بالشكل ده صادرات مصر من الغاز هتحقق انتعاش اقتصادي كبير لو استمرت بنفس المنهج، وبأسعار تنافسية جيدة، تخلينا نصدر زي ما قولنا حوالي 12.5 مليون طن سنوياً من الغاز للسوق الأوروبي، ودي خطوة متقدمة جداً بعد ما قدرت مصر تحقق الاكتفاء الذاتي من الغاز سنة 2018 بعد الاكتشافات الجديدة.
– كمان بحسب مؤسسة ستاندرد آند بورز مصر تسير على الطريق الصحيح لرؤية إجمالي إنتاج الغاز المحلي يتجاوز 198 مليون متر مكعب يوميًا قبل عام 2022.
– حجم التحول ده نحس بيه أكتر لما نعرف إنه مصر كانت بتستورد الغاز لحد سنة 2015، وكان عندنا مشاكل كبيرة في التنقيب عن الغاز بسبب ديون لشركات التنقيب الأوروبية اللي وصل بيها في وقت ما إنها تتوقف عن العمل لحد متاخد مستحقاتها وديونها المتأخرة، والغرامات اللي أقرها التحكيم الدولي وقتها بـ 2 مليار دولار.
– عشان كده فيه سعي حكومي لمد محطات الإسالة المصرية في إدكو ودمياط بخطوط غاز للإسالة من الجوار، زي الاتفاق مع قبرص لإرسال الغاز من حقل أفروديت لمحطات الإسالة المصرية لنفس الغرض.
– مع وجود الاكتشافات المصرية الأخيرة والاستثمارات والتجهيزات للبنية التحتية عشان التحول المنتظر، عندنا فرصة عظيمة جداً إنه مصر تكون أحد الموردين الرئيسيين من الغاز لأوروبا، اللي من ناحية هتقلل الاعتماد على النفط والفحم الملوثين للبيئة، ومن ناحية تانية هيكون عندها بديل للغاز الروسي اللي تكلفته عالية وفي نفس الوقت يكون عندها بديل جاهز ليه كنوع من تأمين الاحتياجات.
– مصر حالياً فيها 7 آبار غاز طبيعي في الدلتا والبحر المتوسط والصحراء الغربية ( ظهر، نيدوكو، أتول، شمال اسكندرية، سلامات، بشروش، نورس) بالإضافة لاكتشاف جديد وهو حقل “النورس الكبرى” باحتياطي 4 تريليون قدم مكعب، والاحتياطي ده مع وجود بنية تحتية من محطات إسالة هيدي مصر فرصة أكبر من غيرها في الاتجاه نحو تصدير الطاقة.
*****
هل في تحديات أو صعوبات قدام الحلم ده؟
– طبعاً في تحديات مهمة قدام مشروع التحول المصري لمركز إقليمي للطاقة، أهمها وضع حدود وأطر ثابتة للتعاون بين دول شرق المتوسط، واللي لايزال في بينهم خلافات طول الوقت حوالين التقسيم والحصص والمشاريع المتداخلة.
– مصر مثلاً كانت بدأت بإنشاء تحالف “منتدى شرق المتوسط” وبالفعل قطعت شوط من مذكرات التفاهم وخطط التعاون اللي تشمل في المنطقة اليونان وقبرص وإسرائيل، لكنها فوجئت بعدين بمحاولات إسرائيلية للاستحواذ على أكبر قدر ممكن من الاستفادة، وتدشين خط “إيست ميد” بين الدول التلاتة واستبعاد مصر مصر لتصدير الغاز الإسرائيلي لأوروبا، لكن لحد دلوقتي المشروع ده متعثر لأسباب لوجيستية زي التكلفة اللي هتوصل لـ 7 مليار دولار، وسنوات الإنشاء اللي هتوصل لـ 7 سنين.
– عندنا كمان الخلاف التركي اليوناني، واللي مش معروف إزاي هيتم تسويته عشان كل الأطراف تقدر تشارك ويتحط ضمانات لعدم التعدي على الحدود البحرية والامتدادات للمياه الإقليمية، ويمكن ده كان جزء من أسباب التواصل التركي المصري الأخير زي ما شرحنا في بوست سابق.
– عندنا كمان رغبات إسرائيل في الهيمنة سياسياً واقتصادياً على الغاز بالمنطقة المتداخلة واحتمالات إنها تعطل مشاريع مستقبلة، زي مثلاً حقل”غزة مارين” اللي بيبعد عدة كيلومترات عن ميناء غزة، واللي مصر بتحاول مع السلطة الفلسطينية تطويره واستيراد الغاز منه مقابل تصديره لأوروبا عن طريق مصر، وده هيدخل موارد ضخمة لقطاع غزة والسلطة الفلسطينية ومصر، لكنه طبعاً مرهون طول الوقت بالموقف الإسرائيلي.
ده غير النزاع على الحقول البحرية بين لبنان وإسرائيل، وتعقيدات الوضع سياسيا وقانونيا، خاصة إن إسرائيل دولة احتلال لأراضي 1967 بالقانون الدولي والنزاع على تفسير الحدود بالبحر أكثر تعفيدا.
– ده غير مشاكل تانية لوجيستية تتعلق بالأسعار، لأنه استخراج الغاز من أعماق كبيرة تحت البحر وتكلفة النقل وإعادة التصدير، بتخلي السعر النهائي للمليون وحدة الحرارية كبير، ممكن يوصل لـ 5.90 دولار زي تمن المليون وحدة الحرارية في الشحنة الأخيرة اللي أرسلت لبلجيكا، في حين إنه السعر التنافسي 5.50 دولار للمليون وحدة حرارية، وده تحدي مهم قدام التحول المنتظر خاصة مع أي اضطرابات.
– وفي طبعاً مشاكل مؤقتة زي السنة اللي فاتت اللي توقفت فيها صادرات الغاز المسال، نتيجة جائحة كورونا واللي خلت أسعار الغاز قليلة جداً ولا تتخطى 1.8 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية في 2020، وبالتالي أي اضطراب شبيه هيخلي مصر توقف الإمدادات من الغاز.
– غير ده كله لازم يتم الاستمرار في البحث عن اكتشافات جديدة من الغاز والطاقة، لأنه في النهاية كل الحقول ليها احتياطي معين بيستمر لسنوات حسب حجم الحقل، وبالتالي استمرار الاكتشافات ضمانة للاستمرار الأطول، وده شيء في غاية الأهمية.
– لأن ببساطة احتمالية زيادة الطلب الموسمي في السوق المحلية مع اقتراب الصيف قد يحد من قدرة مصر على التصدير.
*****
– مشروع الغاز وتصدير الطاقة سواء مصدرها مصر او ممر من دول تانية ده مهم جداً وتاريخي في مصر، وقد يكون شبيه لوجود قناة السويس، لإنه هيكون مورد كبير ومستقر لتدفق النقد الأجنبي لمصر بعيد عن تقلبات السياحة أو تحويلات العاملين المصريين في الخارج، وده معناه إنه نقلة كبيرة في الاحتياطي النقدي وفي الموازنة العامة، وكمان في تحقيق قيمة مضافة في الصناعة مش مجرد تصدير مواد خام.
– في خطط ومشاريع كتير تانية مرتبطة باكتشافات الغاز غير التصدير، زي تحول السيارات للغاز الطبيعي اللي بيوفر 50% من سعر البنزين، بالإضافة لتوفير أكبر للكهرباء، والأهم دعم الصناعات الثقيلة اللي بتعتمد على الغاز كمصدر للطاقة، وبنشوف هنا إنه صناعات زي السيراميك والبورسلين والحديد والصلب والأسمنت، كلها بترتبط بأسعار الغاز، كل ما كانت الأسعار أفضل وأرخص كل ما كان الإنتاج والميزة التنافسية للمصانع دي أعلى.
– ومحتاجين نقول كمان إن الطفرة اللي بتشهدها مصر على صعيد الغاز كان لها تأثير داخلي كويس على مستوى توصيل الغاز للمنازل، لما نعرف إن مصر وصلت الغاز الطبيعي لـ6 ملايين وحدة سكنية فقط على مدار 25 عاما حتى عام 2014، ومن وقتها تم توصيل الغاز لأكثر من 5 ملايين وحدة سكنية في 6 سنوات فقط لحد سنة 2020 بحسب مركز “المعلومات ودعم اتخاذ القرار” التابع لمجلس الوزراء.
– والحكومة المصرية عندها خطة طموحة لتوصيل الغاز الطبيعي إلى ما يقرب من 18 مليون وحدة سكنية خلال الأعوام الأربعة المقبلة، ده غير الإعلان عن خطة إحلال السيارات القديمة بسيارات تعمل بالغاز والبنزين، خاصة إن الغاز سعره أرخص.
– لكن في نفس الوقت مهم الإشارة لارتفاع أسعار الغاز للمنازل وارتفاع أسعار الكهرباء في إطار خطة خفض دعم الطاقة للمواطنين، واللي قصادها الحكومة بتتكلم عن خطط أخرى للحماية الاجتماعية، بينما فيه جدل اقتصادي طويل عن الخطة وأيضأً عن شمولها أو عدم شمولها لخفض دعم الطاقة للمصانع كثيفة الاستهلاك، وناقشنا ده في بوست سابق.
– عامة مشروع كبير وضخم زي تشغيل مصنع دمياط والتحول لمركز إقليمي للطاقة في بلد كان فيها معاناة كبيرة لتوفير الطاقة لحد سنوات قليلة، هو شيء إيجابي جداً نشيد بيه، ونشكر كل اللي بيساهم فيه من أصغر عامل ومهندس لأكبر مسؤول، ونتمنى يستمر ويصل أثره لكل مواطن، وتتوافر آليات للشراكة المجتمعية والسياسية للوصول لأفضل آليات رقابية، وأفضل اختيارات لتوجيه الدعم، وأفضل اختيارات لتوجيه المكاسب.
*****