“أقسم بالله العظيم أن أحافظ على النظام الجمهوري، وأن احترم الدستور والقانون، وأن أرعى مصالح الشعب، وأن أحافظ على استقلال الوطن وسلامة أراضيه”
القسم الذي ألقاه الرئيس عبد الفتاح السيسي يوم تنصيبه رئيسا للجمهورية
***
قبل ما نبدأ عرض موقفنا من موضوع الجزيرتين تيران وصنافير، عايزين نؤكد على ٣ نقاط أساسية:
– العلاقة بين الشعوب هي الأبقى دايماً، وعلاقتنا كمصريين بالشعب السعودي وكل الشعوب العربية لازم تبقى كلها ود واحترام، ونرفض تماماً أي كلام عنصري أو سخرية.
– اللي بيحصل حالياً من ظهور أدلة تاريخية مختلفة طبيعي، وأكيد كل طرف عنده حججه ووثائقه وإلا مكانش هيبقى اسمه “نزاع”، ولا كان الموضوع هيفضل متعلق حوالي ٧٠ سنة، وده بيحصل كتير في نزاعات الحدود البحرية تحديداً واللي بتحتاج عمل طويل من متخصصين، وأحيانا كتير تحتاج طرف دولي ثالث للحكم.
– إحنا بنفصل بين موقفنا من الجزر وموقفنا من مشروع الجسر بين البلدين .. من حيث المبدأ تسهيل انتقال البشر والبضائع مع جيراننا شيء إيجابي جداً، والجسر فكرة محترمة من زمان، وهيكون مفيد اقتصادياً لكلا البلدين، فضلاً عن فائدته الاستراتيجية لأنه ضد دور إسرائيل كحاجز بين الجناحين الشرقي والغرب للأمة العربية.
(مع تحفظنا على غياب المشاركة الشعبية، ونقص التفاصيل زي الأبعاد البيئية مثلا)
وعندنا تنويه إنه لأسباب تقنية اضطرينا نغير طريقة عرض لنكات مصادرنا، فمش هتكون في البوست نفسه، بل هنضيفها في أول تعليق.
****
في البداية عندنا أسئلة منطقية لازم الكل يفكر فيها سواء كنت مع أو ضد القرار:
السؤال الأول:
ازاي نكتشف فجأة إن المفاوضات شغالة من يوليو ٢٠١٥، لما وقتها زار محمد بن سلمان، ولي ولي العهد، لمصر ووقع “بيان القاهرة” اللي كان أحد بنوده “تعيين الحدود البحرية بين الدولتين”؟
يعني موضوع بالأهمية الخارقة دي، يتم اخفاؤه تماماً، ولا يعرف عنه لا الشعب ولا البرلمان ولا كلمة، إلا لما فجأة نلقى بيان طلع إن الموضوع خلص خلاص!
السؤال الثاني:
لو الجزر سعودية خالصة ليه مرجعهاش عبدالناصر أو السادات أو مبارك أو مرسي؟
لأن الموضوع مش مجرد ورق وحجج، بل متعلق كمان بموازين القوى، وواضح للأسف إن مصر الآن في حالة ضعف شديد مقارنة بالسعودية، وده مش وضع عادل للتسوية. في السياق دا مهم كمان نوضح ان القانون الدولي زيه زي العلاقات الدولية حقل لتوازنات القوى، شبهها بعض المفكرين بلعبة شد الحبل.
السعودية تحديداً ليها سوابق شبيهة، أشهرها هو قصتها مع اليمن .. سنة ١٩٣٤ عُقدت “اتفاقية الطائف” اللي نصت إن مناطق جيزان ونجران تؤجرها السعودية من اليمن ٢٠ سنة قابلة للتكرار، لكن سنة ٢٠٠٠ في لحظة أزمة اقتصادية وافق الرئيس اليمني علي عبد الله صالح والبرلمان في اليمن على “اتفافية جدة” التي أقرت نهائياً الحكم السعودي لتلك المناطق، مقابل مساعدات مالية وشراكة تجارية استفادت منها اليمن.
السؤال الثالث:
لو صح إن بنود الاتفاق تنص على إن مصر تؤمن الجزيرتين لمدة ٦٥ عاماً مقابل ٢ مليار دولار سنوياً، وإن ٢٥% من الثروات الطبيعية بالمنطقة لمصر.
لو هما جزر سعودية تماماً ومحسومة من زمان، ليه بيدونا نصيب من ثرواتها؟
وهل إحنا بنؤجر جيشنا للدفاع عن منطقة مش بتاعتنا بفلوس أياً كانت؟! دي أكبر إهانة لقواتنا المسلحة. ولو حصلت حرب على الجزيرتين فعلاً الفلوس دي هتسوى حاجة في تكاليف الدم؟
وبنقول “لو صح” لأنه حصل حاجة غريبة جداً، إن المصدر الحكومي الأول اللي ذكر المعلومة دي هو موقع “أخبارمصر” من اتحاد الاذاعة والتلفزيون، ثم حذفوا الفقرة دي من الموضوع دون أي توضيح لا نفي ولا اعتذار! الغموض والاستهانة بالشعب مستمرين.
****
دي مجرد جزر فاضية فيها إيه لما نبيعها ونستفيد حتى لو بتاعتنا؟
اللي بيقول الكلام ده غافل تماماً عن أهمية الجزر “الاستراتيجية” في العالم بشكل عام، مهو السعودية برضه مش ناقصها حتة أرض فاضية.
أولاً: امتلاك الجزر في مواقع تجارية هامة ميزة بالغة الأهمية، لأن قوة المواقع البحرية مهمة جداً في القرن القادم، اللي هيكون قرن الحروب الاقتصادية مش العسكرية مثلا:
– الصين حالفة يمين تلاتة لتاخد الجزر القريبة منها، وداخلة في نزاع مع فيتنام على جزر تديرها اسمها باراسِل، ومع اليابان على جزر سينكاكو، ومع فيتنام والفيليبين وماليزيا على جزر سبرالتي، وكمان عملت جزر صناعية أساساً في بحر الصين الجنوبي سببت توتر مع أمريكا لمرور سفنها هناك .. طيب الصين أحد أكبر اقتصاديات العالم ليه تخلي نفسها من أكثر الدول في النزاعات البحرية كده؟ هوا ده تحديداً الموضوع، إن زيادة قوتها الاقتصادية والتجارية تخليها عايزه تسيطر على أكبر قدر من الممرات البحرية التي تؤمن هذه المسارات.
روسيا أول ما لقت ضعف في المنظومة الأوروبية نزلت عسكرياً حسمت الخلاف في شبه جزيرة القرم سنة ٢٠١٤، وبعدين دلوقتي بتحارب في آخر الدنيا بسوريا، وأصبحت قواعدها العسكرية راسخة تماماً في اللاذقية وطرطوس .. هما ليه يدفعوا مليارات لدعم نظام بشار؟ .. لأنها عايزة يبقى لها وجود مركزي في البحر الأسود والبحر المتوسط.
الإنجليز كمان لسه متمسكين بجزر فولكلاند اللي بعيدة تماماً عنهم في أمريكا اللاتينية جنب الأرجنتين، وبسبببها حصلت حرب مع الارجنتين انتصرت فيها انجلترا سنة ١٩٨٢ وسقط ١٠٠٠ قتيل، وكمان الإنجليز متمسكين بجزر جبل طارق اللي جنب أسبانيا، وجزر تانية في المحيط الهندي وغيرها .. ليه كل ده؟ لنفس السبب، كقوة عالمية هي معنية بوجود جزيرة في كل محيط بالعالم يؤمن تجارتها، ويمكن عند الحاجة نقل قوات عسكرية لها.
أمريكا كمان اهتمت مؤخرًا بتحسين العلاقات مع كوبا، ومع معظم دول بحر الكاريبي اللي كلها جزر لأن الانفتاح عليها معناه الاقتصاد الأمريكي يهيمن تمامًا في المنطقة دي.
الهند ليها علاقات تاريخية مع جزر زي مالديف وسيشيل وموريشيوس.
الأهمية الاستراتيجية للجزيرتين اللي عندنا بقى جاية من كون الممر المائي بين سيناء وجزيرة تيران هو الممر الوحيد لخليج العقبة (وليس الممر بين الجزيرتين، أو بين صنافير والسعودية)، يعني المنفذ الوحيد للأردن وإسرائيل للوصول لآسيا وأفريقيا.
لما تبقى التجارة بالممر ده تحت التحكم المصري الخالص هتكون نقطة إضافية لصالح قوتنا الاقتصادية خاصة لو بعد سنوات حصل ازدهار اقتصادي في المنطقة دي لو اتنفذت كامل رؤية مشروع “تنمية محور قناة السويس”.
(رأينا السلبي في مشروع حفر التفريعة اللي شرحناه سابقاً، لا يغير من حقيقة ان تنمية محور السويس، وتوفير الخدمات اللوجستية حوله، فكرة عظيمة ومطروحة من زمان، المهم التنفيذ)
وكمان دي ورقة ضغط مهم جداً تبقى مصرية خالصة ضد إسرائيل، مش بس عشان تاريخنا بشكل عام، بل عشان ده الممر الوحيد الذي يصل إسرائيل بارتباطاتها الأفريقية في أريتريا وأثيوبيا وجنوب السودان، وإحنا محتاجين كل نقطة تخص أمننا المائي سواء عشان سد النهضة أو في المستقبل لأي قضية شبيهة قادمة. (وهنتكلم قريب في الصفحة عن سد النهضة).
كده مضيق تيران هيتحول لممر دولي بدل ما كان جزء داخل مصر، الممرات الدولية مش بس تخضع لسلطة الدولتين بل لقوانين دولية وتعقيدات إسرائيل هتتدخل فيها.
ووارد كمان من أهداف السعودية لأخذ المكان ده إنه يكون لها علاقة بشكل غير مباشر مع اسرائيل، حيث القوات الدولية في المكان ده حسب معاهدة كامب ديفيد فيتم استبدال الطرف الدبلوماسي السعودي مكان المصري، ودي نقطة قوة دولية إضافية
ثانيًا: العوامل الاقتصادية
فيه دول كتير النهاردة بتركز علي فكرة خلق مراكز اقتصادية في جزر أو مواني في مواقع مهمة، زي سنغافورة كبلد جزيرة على بعضها، ودبي كميناء معروف، وموناكو في فرنسا بموقعها المهم تاريخيًا في المتوسط بين إيطاليا وفرنسا، ومنطقة جوا اللي احتلها البرتغاليين من الهند.
بالإضافة لازدهار السياحة اللي بيجيها أغنى أغنياء العالم، والمنطقة دي تحديداً من أجمل وأفضل مناطق العالم كله في الطبيعة البحرية، وليها شهرة دولية في مناطق الغوص، وبالفعل بيروحها آلاف السائحين من شرم الشيخ.
وأكيد ده كمان من اهداف السعودية، اللي حالياً أعلنت تخصيص ٢ تريليون دولار لصندوق مرحلة ما بعد النفط، الي اكيد تشمل تعزيز السياحة، فكده إحنا بنمنح هدية لمنطقة تنافس شرم الشيخ.
مفيش دولة في الدنيا تتخلى جزر استراتيجية بالسهولة دي!
****
هل الجزر دي تاريخياً مصرية أم سعودية؟
لا يقل أهمية عن إننا نطلع خريطة على ورقة صفرا بتقول كذا، ويرد علينا اخواتنا السعوديين الأعزاء بخريطة قديمة تانية تقول كذا، ان الحق ثابت بالدم مش الخرايط .. مصر دفعت ١٠٠ ألف شهيد في حروبها مع إسرائيل عشان الأرض دي ترجع.
ده مش مجرد كلام عاطفي ونظري وبس، بل ده سند يتضاف لموقف مصر في التفاوض حول القضية، لأن لما السعودية، تنازلت إداريا عن مطالبتها بالجزر لمصر عشان معندهاش قوات تحميها (لافتقارها لأدوات السيادة) أصبح لمصر سيادة عليها مارست لأجلها الحرب، وهي من أخص أعمال السيادة الدولية.
ممكن نسمع هنا أغنية وطنية كان الناس بتسمعها على الراديو في الستينات، عن مضيق تيران لمحرم فؤاد. ” مضيق تيران مليان حيتان متسلحين للمعركة، وعلى الحدود جنود أسود، فوقهم نسور طالعة تدور بالنفاثات الفاتكة”.
****
خلينا نرجع لموضوع الوثائق التاريخية، وهنا ننوه في البداية إن السعودية الحديثة نشات أصلاً عام ١٩٣٢، وأول مطالبة لها بالجزر سنة ١٩٥٠، وغريب جداً إن ناس تبدأ التاريخ من الخمسينات كإن قبلها فراغ، أو حتى من مراسلات ١٩٩٠، كإن لو كان مبارك اللي تخلى عن الجزر كنا هنوافق!
السعوديين نفسهم لما بيقولو بتاعتنا بيرجعو بالتاريخ لتفاصيل حول حدود ولاية الحجاز.
– طول التاريخ الحديث كانت الجزر تابعة لمصر، طول عهد أسرة محمد علي كان ده هو الوضع بإقرار عثماني، ومعاها كمان الساحل الشرقي للبحر الأحمر لرغبتهم في تصدي مصر للاضطرابات هناك.
– الوضع ده تغير فقط سنة ١٨٩٢ لأسباب سياسية تخص الانتداب البريطاني على مصر، لذلك بعد وفاة الخديو توفيق، صدر الفرمان العثماني بتولية عباس حلمي الثاني، ومعاه إلغاء الولاية المصرية على الشاطيء الشرقي للبحر الأحمر وخليج العقبة والعقبة. (ودي من النقاط اللي يعتمد عليها السعوديين حالياً، وعشان كده تنشر المواقع السعودية خريطة الحجاز لعام ١٨٩٧ اللي تُظهر دخول الجزر بها ).
– سنة ١٩٠٦ تم ترسيم الحدود بين مصر والدولة العثمانية بما فيها ولاية الحجاز، وده اللي على أساس خرايطه للحدود البرية تم التحكيم الدولي بطابا لنا، لكن هنا فيه جدل، لأن لم يرد ذكر أسماء الجزيرتين سلباً أو إيجاباً، لكن فيه أدلة أخرى من نفس الفترة إن الجزر دخلت بالولاية المصرية بعد هذا التاريخ.
– فى عام ١٩١٦ نشر نعوم بك شقير كتابه “تاريخ سينا القديم والحديث وجغرافيتها”..ويعد الكتاب هو المرجع الرئيسى عن تاريخ وجغرافيا سيناء، علماً بأن شقير ظابط لبناني خدم سنة ١٨٨٩م بمخابرات الجيش المصري.
فى الفصل الأول من الكتاب عن حدود سيناء بيضم الجزيرتين لها، وملحق بالكتاب خريطة لسيناء “رسمت بمصلحة عموم المساحة بمصر عام ١٩١٤” والخريطة تضم تيران وسنافير .. الكتاب لأهميته التاريخية صدرت منه طبعات حكومية حديثة، زي كان آخرها عامي ٢٠٠٧ و ٢٠١٢.
****
هنا عايزين نستعرض شهادة مهمة من المستشارة هايدي فاروق، المستشارة السابقة برئاسة الجمهورية لقضايا الحدود الدولية، وسابقاً السعودية واليمن استعانوا بها ضمن لجنة ترسيم الحدود بينهما، يعني هي من أكثر الناس خبرة في هذا الملف على الإطلاق.
خلاصة كلامها:
تم تكليف الدكتورة هايدي رسمياً بعهد مبارك سنة ٢٠٠٦ لتوثيق وضع الجزيرتين “وقتها قالولنا لو هما سعوديتين قولولنا ولو هما مصريتين قولولنا”، ووقتها خلص بحثها إن الجزر مصرية ١٠٠%.
خطاب عام ١٩٩٠ (اللي ناس كتير بتتكلم عنه الآن) تأكدت في ٢٠٠٦ وقت شغلها إنه لم يكن صادر أصلاً من رئاسة الجمهورية ولا رئاسة الوزراء، بل من مسئول آخر.
كل الخرائط منذ “خريطة بوتنجر” بالقرن الثاني الميلادي تجعل خليج العقبة بجزره تابعاً لسيناء.
الجزيرتين قديماً كان اسمهما معاً “التيران”، والاسم مصدره مصري، حيث كان هناك جنود مصريين يؤمنون الحجيج، وكان بالجزر مربط للماشية “التيران”حتى لا تتعرض للهجمات.
الجزير تظهر بخريطة ألبي عام ١٨٠٠ التي رسمها مهندسو حملة نابليون، كان يوجد منها نسختين، واحده احترقت بالمجمع العلمي، والأخرى تسلمتها الحكومة.
خريطة تيبورجرافي جوهان ١٨٨٧، وقامت الدكتورة بتسليمها بنفسها للحكومة المصرية.
رئيس قلم التاريخ بوزارة الحربية المصرية عودة شقير، وكان ضمن لجنة محادثات طابا مع الدولة العثمانية سنة ١٩٠٦، والذي أكد أثناء وصفه لحدود شبه جزيرة سيناء إن الجزيرتين جزء منها.
….
عندنا كمان شهادة مهمة من السفير سيد المصري، أول سفير مصري للسعودية بعد عودة العلاقات بعد كامب ديفيد، يؤكد إنه شهد بنفسه المطالبة السعودية بجزيرة صنافير فقط:
“كنت أنا اول سفير لمصر بعد استئناف العلاقات، والجدير بالذكر فى هذا الصدد أن الأمير سعود الفيصل وزير خارجية السعودية فى ذلك الوقت تحدث مع الدكتور عصمت عبدالمجيد وزير خارجية مصر فى شأن جزيرة صنافير حيث إن الأوضاع تغيرت بعد معاهدة السلام ولم تعد الظروف الخاصة التى سمحت لمصر بالتمركز بها قائمة وطلب تبادل خطابات بشأنها لتأكيد تبعيتها للسعودية.
وقد قمت بنفسى بتسليم رسالة من الدكتور عصمت عبدالمجيد إلى الأمير سعود تتضمن اعتراف مصر بتبعية جزيرة صنافير للسعودية.
فى كل تلك المراحل الطويلة التى أشرت اليها، لا أحد يثير من قريب أو بعيد تبعية جزيرة تيران لمصر ووقوع تيران داخل المياه الإقليمية المصرية، وحتى مطالبة السعودية باعتراف مصر بتبعية صنافير للسعودية دون ذكر تيران تعد قرينة على ذلك.
لذلك ضحكت عندما قيل لى ان الفيس بوك يموج بكلام حول اعادة مصر لتيران وصنافير للسعودية مقابل موافقتها على اقامة جسر برى بين البلدين، ثم ذهلت لخبر منسوب إلى مجلس الوزراء يؤكد تبعية تيران للسعودية، وأرجو ان يسارع المجلس بتكذيب هذا الخبر…”
***
مين اللي كان تاريخياً يسكن هذه الجزر؟
دي نقطة مهمة جداً محدش مركز معاها للأسف .. رغم إن النقطة دي تحديداً كانت حاسمة في تحديد موقف جزر حوار بين البحرين وقطر، والخلاف الحدودي بهذه المنطقة استمر حوالي ٥٠ سنة، لحد ما لجأوا لمحكمة العدل الدولية في لاهاي سنة ١٩٩١، واستمرت المداولات ١٠ سنين! كل دولة تجيب كل دليل وتفصيلة تاريخية، وفي النهاية ضمن الحكم النهائي اللي صدر سنة ٢٠٠١ اتحكم بأحقية البحرين بجزر حوار لإنها اثبتت ان قبائل بحرينيه أقامت فى الجزر عام ١٨٢٠، رغم إنها تبعد عن قطر كيلومتر واحد، وتبعد عن البحرين ١٤ كيلو!
شهادة تانيه مهمة في موضوع سكان الجزر كانت للدكتور صبري العدل المدير السابق لدار الوثائق القومية اللي كتب التالي:
هناك بعض الإشارات في كتب الرحالة حول هاتين الجزيرتين، فقد زار منطقة خليج تيران وشمال الجزيرة العربية الرحالة الفنلندي جورج أوغست فالين مرتين، خلال عامي ١٨٤٥ و١٨٤٨ أي في عصر محمد علي، وخلال رحلته الأولي عام ١٨٤٥م قال: “وأخبرني سكان المويلح وبدو شبه جزيرة سيناء أن السَمح (نبات صحراوي) ينبت أيضا في جزيرة تيران”، وهذا يعني أن سكان شبه جزيرة سيناء كانوا علي اتصال بجزيرة تيران في البحر الاحمر.
وخلال رحلته الثانية عام ١٨٤٨م وفي معرض حديثه عن صيادي منطقة الشرم (شرم الشيخ حاليا) يقول: “وكثير من إخوانهم الرحل في جبل سيناء ومن قبيلة هتيم الذي انتقل بعض بطونها هذا العام إلي جزيرة تيران، يملكون هم أيضا قوارب يتجرون بواسطتها في نطاق ضيق بين شبه جزيرة سيناء وسواحل بلاد العرب ومصر”.
وبالمناسبة ضمن شهادة الدكتور صبري جزء آخر يخص الخرائط:
“عام ١٩٥٠ أرسلت وزارة الحربية والبحرية تستعلم من وزارة الخارجية حول ملكية جزيرة تيران، فأكد رد الخارجية علي مصرية الجزيرة بدليل اللوحة رقم (٦) جنوب سينا من مجموعة خرائط القطر المصري والتي رسمت بمقياس ١/٥٠٠٠٠٠ لسنة ١٩٣٧ والتي بينت تفاصيل الارتفاعات بجزيرتي تيران وصنافير ولونتها بلون الأراضي المصرية بينما تركت الأراضي الأجنبية بيضاء ..”
****
هل تُمارس السيادة الكاملة على أراضي الغير؟
الدولة المصرية مارست السيادة على الجزر دي طول تاريخنا الحديث، دون أي إشارة لكونها سعودية، فهنا محتاجين نسأل كتير الغلط عند مين!
مثلاً:
قرار وزير الداخلية رقم ٤٢٢ لسنة ١٩٨٢ المنشور بالجريدة الرسمية: “تنشأ نقطة شرطة مستديمة بجزيرة تيران تبع قسم سانت كاترين محافظة جنوب سيناء”
قرار رئيس مجلس الوزراء رقم ٢٠٣٥ لسنة ١٩٩٦بإنشاء محمية طبيعية بمنطقة رأس محمد وجزيرتيّ تيران وصنافير.
في ٢٣ ديسمبر ٢٠١٢، أصدر وزير الدفاع عبدالفتاح السيسي في عهد الرئيس السابق محمد مرسي، قرار بقانون بحظر تملك الأراضي بحدود مصر الشرقية بعمق ٥ كليومترات غرباً، ومذكور في النص إنه يشمل “الجزر الواقعة في البحر الأحمر، والمحميات الطبيعية”! .. غريب فعلاً إن نفس اللي أصدر القرار ده هوا اللي لما بقى رئيس يتنازل عنها.
– وعندنا مليون تفصيلة تانية لممارسة السيادة زي الترويج السياحي الحكومي ليها، وزي وضعها في كتب الدراسات لطلاب المدارس المصريين، ودي نقطة مهمة مش شكلية أبداً، لأن حلايب وشلاتين مثلاً موضع خلاف دائم حول وضعها في الخرائط المحلية بين مصر والسودان.
****
إيه هو الموقف القانوني من القضية دي؟
في القانون الدولي المادة ١٥ من إتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار تقول:
“حيث تكون سواحل دولتين متقابلة أو متلاصقة، لا يحق لأي من الدولتين في حال عدم وجود إتفاق بينهما على خلاف ذلك، أن تمد بحرها الإقليمي إلى أبعد من الخط الوسط … “
يعني الأصل إن حدود الخط الفاصل للسواحل المتقابلة هي نص المسافة بينهم، وبما إن عرض خليج العقبة، اللي بتقع فيه الجزيرتين هو ٢٤كم، يبقى الجزيرتين مصريتين، لإنهم بيقعوا في نص المسافة المصري طبقًا لهذه قاعدة العامة، لإن كده حدودنا تمتد ١٢ كم، والجزيرة على بعد ٦ كم فقط من ساحل سيناء الشرقي.
****
هل يمكن الاستثناء من هذه القاعدة العامة؟
أيوة، باقي المادة بنفس القانون تقول ” … هذا الحكم لا ينطبق حين يكون من الضروري بسبب سند تاريخي أو ظروف خاصة أخرى، تعيين حدود البحر الإقليمي لكل من الدولتين بطريقة تخالف هذا الحكم”.
هنا إحنا عرضنا لكم إن الحق التاريخي كمان معانا، لكن مع كده عارفين إنه طبيعي في النزاعات دي كل طرف يطلع خرايطه وأسانيده، وكل تفصيلة صغيرة جداً، وكل سطر مذكور في كتاب تاريخي قديم بيفرق، وممكن يستغرق سنوات، وربما يتطلب أطراف دولية أو خبرات عالمية، في عملية علنية وطويلة مش بالسرعة والاستسهال والاستهانة دي!
****
ما هو الوضع القانوني لتنازل مصر عنها للسعودية؟
المادة الأولى من الدستور المصري الحالي بتقول:
“جمهورية مصر العربية دولة ذات سيادة، موحدة لا تقبل التجزئة، ولا ينزل عن شيء منها”.
والمادة ١٥١ من الدستور المصري بتنظم إزاي يحصل الاستثناء الوحيد لقاعدة السيادة الموحدة دي:
“يجب دعوة الناخبين لاستفتاء على معاهدات الصلح والتحالف وما يتعلق ((بحقوق السيادة))…”.
يعني حتى البرلمان كمان مش من حقه التصديق على أي معاهدات تتعلق بحقوق السيادة، والطريقة الوحيدة للتصديق على الاتفاقيات من النوع ده هي الاستفتاء الشعبي.
*****
ايه البديل؟
م الآخر كده فيه طريقة من اتنين لحل الموضوع ده بكل بساطة:
١- أن يتم عمل استفتاء شعبي، وخلاله يتاح لكل الآراء حرية الكلام معانا إحنا المصريين، وطرح مزايا وعيوب الاحتفاظ أو التخلي عن الجزر، واللي الشعب يقوله يمشي أياً كان.
٢- أن يتم عمل تحكيم دولي، وكلا الطرفين يجيب كل وثائقه وأدلته، واللي يقوله التحكيم الدولي يمشي على الكل ونرضى بيه.
وعندنا نماذج قريبة كتير، كلنا نعرف قصة تحكيم طابا، وقلنا قصة البحرين، وعندنا كمان قصة الأزمة الحدودية الكبيرة بين قطر والسعودية، اللي استمرت من الستينات، وبسببها سنة ١٩٩٢ حصلت واقعة مؤسفة لما قوات سعودية اشتبكت مع حرس الحدود القطري في مركز “الخفوس”، واتقتل ظابط سعودي وجنديين قطريين .. الأزمة دي انتهت تماماً سنة ٢٠٠١ باتفاق ترسيم حدود نهائي، كان الجانب الفني فيها مسئولية شركة دولية رضى بيها الطرفين، هي شركة آي جي الفرنسية.
****
تاني: أياً كان مصير الجزر، الأكيد إن الأرض اللي تهم كل مصري، واللي لكل مصري دم فيها تستاهل إن كل مصري يكون شريك في قرارها ومقتنع بيه، ومش معقول تكون موضع خلاف يظهر فيه اختلاف آراء كبار العسكريين والدبلوماسيين السابقين كمان من رجال الدولة نفسها مش حتى عوام الناس بس.
ومفيش رئيس – أي رئيس – من حقه ياخد قرار فردي أياً كان بشأن الأرض ..



مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة