قبل أيام أجلت محكمة القضاء الإداري دعوى مقامة من المبادرة المصرية للحقوق الشخصية لإلزام الحكومة برفع قيمة الإنفاق على التعليم لتصل للنسبة الدستورية الحالية اللي هي ما لا يقل عن 4 % من الناتج القومي الإجمالي.
– محامي الحكومة دفع بانتفاء سلطة القضاء في المسألة، وبنفي وجود مصلحة لرافع الدعوى!
النهارده هنشوف إيه الأساس القانوني والدستوري للدعوى؟ وليه دا شيء مهم يستحق أكبر تضامن ممكن؟ وإزاي ممكن نصلح ملف التعليم من خلال زيادة الإنفاق؟
*****
إيه هي دعوى المبادرة المصرية؟
– المبادرة كانت رفعت دعوى عن طريق محاميها علاء فاروق، بتختصم فيها رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء وآخرين من أجل إلزامهم بتطبيق النص الدستوري، ورفع نسبة الإنفاق على التعليم لحوالي 4 % للتعليم الأساسي من الناتج القومي الإجمالي.
– مهم نذكر إن المادة 19 من الدستور المصري ألزمت الحكومة بتخصيص “نسبة من الناتج القومي الإجمالي لا تقل عن 4% للإنفاق على التعليم الإلزامي حتى المرحلة الثانوية، وتتصاعد النسبة تدريجيًا حتى تصل للمعدلات العالمية”.
– والمادة دي دخلت حيز النفاذ بعد 3 سنوات من إقرار الدستور الحالي عام 2014 لتصبح ملزمة للحكومة بدءًا من موازنة العام المالي 2016/2017.
– القضية بتحمل رقم 22475 لسنة 75 قضائية، وفيها محامي المبادرة بيرفع الدعوة بصفته ولي أمر بنته اللي في المرحلة الإعدادية لأنه في القضاء الإداري لازم اللي يرفع الدعوى يكون متضرر.
– القضية كان اتحدد أول جلسة لها في نهاية فبراير اللي فات وتأجلت لـ 3 أبريل لسماع دفاع الحكومة.
– لكن المثير والغريب جدا أنه محامي الحكومة دفع بعدم اختصاص القضاء الإداري في الفصل في القضية دي لمبدأ الفصل بين السلطات.
– دفع محامي الحكومة أيضا بعدم قبول الدعوى لانتفاء القرار الإداري ولرفع الدعوى من غير ذي صفة. وطلب من المحكمة رفض الدعوة بشقيها الموضوعي والشكلي بسبب “عدم تقديم المدعي أي أوراق رسمية تفيد بأن القرار المطعون فيه يمثل حالة قانونية خاصة بالنسبة له مؤثرة تأثيرًا مباشرًا في مصلحة شخصية له”.
– وده على الرغم من تقديم المبادرة ما يثبت إقامة الدعوى لصالح ابنة المدعي اللي هو محامي المبادرة اللي هي طالبة في أحد المدارس الإعدادية الحكومية في الجيزة.
– أيضاً قالت المبادرة أنه تم إخطار المحكمة بأنه الدكتور عبد الجليل مصطفى، عضو لجنة الخمسين لكتابة الدستور الحالي، ومدحت الزاهد، رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي عايزين ينضموا بجانب المبادرة في إقامة الدعوى.
بالتالي تأجلت القضية لـ 26 يونيو القادم لإتمام ضم الاتنين للدعوى.
– كمان محامي المبادرة طلب إلزام محامي الدولة بتقديم صورة من الحساب الختامي لقطاع التعليم للسنوات من عام 2016 وحتى العام الحالي، ودا من خلال تقارير الجهاز المركزي للمحاسبات ووزارة المالية؛ وصورة من تقرير لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب والخاص بموازنة العام المالي 2016/ 2017.
*****
إيه وضع الإنفاق على التعليم في مصر؟
– لحد دلوقتي الحكومة من 2017 عمرها ما التزمت بالنسبة الدستورية، السنة اللي فاتت أنفقت 3.05% على التعليم قبل الجامعي والعالي مع بعض، رغم أنه من المفترض أنه دي نسب دستورية منفصلة، على بعض يكونوا 6 % من الناتج القومي الإجمالي.
– السنة دي انخفضت النسبة إلى 2.6% (106.6 مليار جنيه) فقط من الناتج القومي الإجمالي في العام المالي الحالي أي أن المخصص لقطاع التعليم بالمجمل (قبل جامعي وعالي) كان أقل من نصف النسبة التي حددها الدستور للقطاعين، وهي 6% من الناتج القومي الإجمالي.
يعني لو الحكومة كانت عايزة تلتزم بالنسب الدستورية كان المفروض تزود الإنفاق بحوالي 163.4 مليار جنيه، بيبلغ نصيب التعليم قبل الجامعي منها الثلثين يعني 91 مليار جنيه.
– الرقم اللي يبان كبير ده لما تقارنه بمشاريع أخرى بتنفق عليها الحكومة يتضح قد إيه هو صغير، تقريبا في الخمس سنوات اللي فاتت الدولة أنفقت سنويا 800 مليار جنيه على مشاريع الطرق والكباري والبنية التحتية بحسب كلام الرئيس السيسي.
– مصر فيها 22 مليون طالب، وبتنفق الدولة بشكل عام على التعليم (جامعي وما قبل جامعي) حوالي 157 مليار جنيه، لكن أغلب الإنفاق ده حوالي 80 % بيروح لفاتورة الأجور الكبيرة في الوزارة، واللي على الرغم من تدني أجور المعلمين في مصر، إلا أنها فاتورة كبيرة.
– ده لأنه 61 % من إجمالي الـ 1.3 مليون اللي شغالين في الوزارة هما مدرسين بس، يعني تقريبا 40 % من اللي شغالين في الوزارة هما إداريين مش معلمين.
– توزيع الإنفاق على التعليم نفسه فيه مشكلة، هنلاقي مثلا إن المرحلة الابتدائية نصيبها أقل في نسب الإنفاق. في حين معظم الدراسات العلمية بتأكد على أهمية الإنفاق في المراحل المبكرة لأن دي المرحلة اللي بتأسس لكل المراحل التالية.
– ضعف الإنفاق ده بيخلي في مشكلات كتيرة في العملية التعليمية، مثلا كثافة الفصل الدراسي في مصر في المتوسط حوالي 47.5 طالب خلال المرحلة الابتدائية ده متوسط أعلي من الهند (24 طالب) والصين (27 طالب) اللي فيهم ثلث سكان العالم تقريبا، تخيل!
– أكثر من 75 % من التلاميذ المصريين بيدرسوا في فصول تحوى أكثر من 40 تلميذًا، وده يخلي في استحالة فعلية أنه في مدرس يهتم بالعدد ده، وصعوبة بالغة في التعلم والتواصل في ظل الكثافة دي.
– بل أن متوسط الكثافة في مرحلة رياض الأطفال في مصر بيصل إلى 32 طالب وهو رقم مرتفع للغاية في المرحلة الحساسة دي من حياة الطفل، اللي بتحتاج اهتمام أكبر.
وهنا بنشير لمقالات ودراسات الباحثة هانية صبحي المتخصصة في مجال تطوير التعليم، واللي بنشوفها مهمة جداً في السياق دا وعرضنا بعضها سابقا.
– حل مشكلة الكثافة دي جزء أساسي منه هو الإنفاق، مصر مثلا وبحسب التقديرات الرسمية محتاجة 250 ألف فصل لحل مشكلة الكثافة بتكلفة 130 مليار جنيه، وتاني لازم نقول أنه الرقم ده على رغم من ضخامته إلا أنه لا يقارن بإنفاق الدولة على قطاعات أخرى مش هنقول إنها مش مهمة، لكنها على الأقل في سلم أولوياتنا هي أقل أهمية من التعليم في الوقت الحالي.
– مثلا موازنة هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة واللي هي هيئة اقتصادية تابعة للدولة كانت السنة اللي فاتت 140 مليار جنيه، ده رقم في سنة واحدة يكفي لإصلاح مشكلة الكثافة.
– وكمثال عشان نتخيل قد إيه نسبة الإنفاق على التعليم قليلة في محافظة زي الجيزة، اللي بيقيم فيها محامي المبادرة مقدم الطعن، ووفقا لكتاب الإحصاء السنوي لوزارة التربية والتعليم، لم يتجاوز نصيب الفرد من الإنفاق العام على التعليم في العام المالي 2017-2018 مبلغ الـ 2000 جنيه. ويفترض بهذا المبلغ أن يغطي كل تكاليف العملية التعليمية لطالب واحد في عام واحد في المرحلة ما قبل الجامعية.
– وكمان تبعا لصحيفة الدعوى كثافة الفصول في محافظة الجيزة تدهورت من متوسط 35 تلميذ في الفصل في 2014، إلى 52 تلميذ عام 2016/2017.
*****
نشوف إيه من كل ده؟
– الحقيقة بنستغرب من محاولات التهرب الحكومية من استحقاق دستوري واضح وصريح فيما يخص نسبة الإنفاق على التعليم، بمبررات واهية جداً.
– كمان بنشوف خلال السنوات اللي فاتت تم الترويج لطارق شوقي على أنه وزير إصلاح التعليم، وعلى الرغم من أنه التابلت وتغيير المناهج وغيرها من الخطوات الإصلاحية حاجات كويسة إلا أنه المشكلة الأساسية هي مشكلة إنفاق.
– الوزير طارق شوقي نفسه قبل كده اشتكى وطلب زيادة مخصصات التعليم 11 مليار في موازنة 2019 -2020 بالتالي في مشكلة حقيقية والحكومة عارفاها في مخصصات التعليم.
– مشكلات الإنفاق دي حتى بتنعكس على مشاريع التطوير الحالية واللي فيها المكون التكنولوجي مهم جدا، مش معقول نعمل تابلت وامتحانات إلكترونية في ظل مدارس فيها ضعف في الإنترنت ومعرضة حتى للإنهيار، بنعمل تطوير بدون وجود بنية تحتية تكنولوجية سليمة.
– ده يرجعنا لدور المبادرة المصرية، واللي عملت خطوة تستحق الإشادة برفع الدعوى أمام القضاء الإداري، ومش بس المبادرة لكن دور المجتمع المدني في دعم الدولة في حل مشكلات التعليم والصحة وغيرها.
كل ده يتطلب حوار مستمر مع المؤسسات دي مش إقصاء من كل موائد الحوار والقبض على مسئولي المؤسسات واتهامهم بالعمالة والخيانة.
– المبادرة قبل كدة ساهمت في مقترح قانون التأمين الصحي الشامل وعلى رأس أولوياتها ملف الصحة والتعليم وكل يوم بتطلع رأي أو تقرير أو دراسة عن المواضيع دي.
– بالتالي الدولة لازم تدرك أنه المؤسسات دي عايزة حل للمشاكل مش عايزه تعقيد ليها. لازم نعرف أنه مشاكل التعليم فى مصر معقدة وكتير ومتداخلة جدا، ومتطلبات إصلاحها مش سهلة أكيد، وعشان كده لازم يحصل نقاش مجتمعي حواليها، لأنه ده ملف يهم المصريين كلهم وعشان نغير في التعليم أو نحط نظام جديد لازم الناس تشارك في قرارات التغيير عشان تثق في المنظومة الجديدة. طبعا الناس دي منهم الخبراء والمتخصصين اللي هيكتبوا أفكارهم ودراساتهم وينشروها من خلال الإعلام.
– نتمنى القضاء الإداري ينصف كل مواطن مصري بيحلم أنه يعلم ولاده كويس، الإنفاق على التعليم مش رفاهية بل أولوية والتعليم بيعمل وعمل كثير في أوطان ضائعة.
*****