امبارح المحكمة الدستورية العليا حكمت بإلغاء كافة الأحكام المتعلقة باتفاقية تيران وصنافير، سواء أحكام مجلس الدولة والإدارية العليا، أو الأحكام المعاكسة من محكمة الأمور المستعجلة.
يعني الحكم قال الجزر سعودية؟
– الحكم لم يناقش إطلاقاً “الموضوع”، بمعنى مقالش لا سعودية ولا مصرية، لكن ناقش “الاجراءات”.
– الحكم انتصر لدفاع الدولة اللي كان بيقول من الأول خالص أن الاتفاقية من “أعمال السيادة” الخارجة عن رقابة القضاء، عشان كده مكانش بيقدم أدلة إنها سعودية للمحكمة، كان بيقول انتو متحكموش أصلاً.
*****

هل معنى كده انه معادش فيه مسارات قانونية؟
– حسب نص الحكم الرقابة على الاتفاقية قبل اقرارها حق لمجلس النواب فقط وليس أي جهة قضائية، أما بعد التصديق عليها فالجهة الوحيدة اللي حقها تفصل فيها هي الدستورية العليا نفسها.
– وحيث انه مفيش مواطن عادي ممكن يرفع قضية أمام الدستورية بل تُحال لها من المحاكم، فالمتاح دلوقتي إن الإدارية تحيل قضية مرفوعة أمامها ضد الاتفاقية بعد التصديق عليها إلى الدستورية العليا.
وساعتها الدستورية تحكم في “الموضوع”، مصرية ولا سعودية، خالفت الدستور ولا لم تخالف.
– لكن الجانب القانوني ده مختلف عن الجانب السياسي، وكمان الجانب العملي لأنه لو كان العلم السعودي اترفع على الجزر والحدود الجديدة اتبلغت للأمم المتحدة والأمر انتهى ودي بقت باعتراف عالمي أرض سعودية خالصة، فساعتها حكمك المصري يُلزمك بس ومحتاج تاخد طريق دولي معقد جداً.
*****
والمحكمة الإدارية العليا لما حكمت مكانتش تعرف موضوع “السيادة” ده؟
المحكمة الإدارية العليا كانت ردت على ممثل الحكومة في حيثياتها:
1- توقيع الحكومة على الاتفاقية، وتنفيذ التنازل عن الجزيرتين، هو عمل إداري وبالتالي هو يخضع لقضاء مجلس الدولة، حسب المادة 190 من الدستور.
2- المادة 151 من الدستور تنص على أنه ” ويجب دعوة الناخبين للاستفتاء على معاهدات الصلح والتحالف وما يتعلق بحقوق السيادة، ولا يتم التصديق عليها إلا بعد إعلان نتيجة الاستفتاء بالموافقة. وفى جميع الأحوال لا يجوز إبرام أية معاهدة تخالف أحكام الدستور، أو يترتب عليها التنازل عن أى جزء من إقليم الدولة”.
وبالتالي فالقيود اللي حددتها الفقرتين الأخيرتين من المادة، ترفع عن الأعمال المتصلة بها صفة كونها من أعمال السيادة.
3- الخضوع للرقابة القضائية لا يتنافى مع سيادة الدولة، “والقول بغير ذلك يحيى فكرة اندثرت فى العالم والفهم القانونى، كانت تقوم على أساس أن السيادة حق أصيل للحاكم وهو مالكها (نظريات الحق الإلهي) … استقر فى الوجدان القانونى أن صاحب السيادة هو مجموع المواطنين، ولم تعد هيئة من هيئات الدولة مالكة للسيادة وإنما تباشرها كوكيلة عن الشعب”.
*****

– الشرح اللي فوق كان للوضع القانوني، لكن الحقيقة إن الأبعاد السياسية للموضوع هي الأساس.
– توقيت الاتفاقية .. زي ما قلنا سابقاً إنه بشكل عام أحد العناصر الحاسمة في النزاعات الدولية بين الدول هوا موازين القوى، زي ما السعودية أخدت أراضي من اليمن مثلا، وبالتالي إيه اللي يخلي دلوقتي بس السعودية تتسلم الجزر، مش في أي وقت من الخمسينات مع اختلاف كل العهود؟ سبب سياسي بامتياز، تراجع قوة مصر النسبية، وإنها تحت نظام حكم أحد عناصر قوته هو تحالف إقليمي مع السعودية والإمارات.
– توقيت الحكم .. لما الرئاسة المصرية تعلن قبل الحكم بيوم عن زيارة مفاجأة لولي العهد السعودي بن سلمان بعد الحكم بيوم، في أول زيارة خارجية ليه بعد توليه منصبه، فدي مش صدفة بل رسالة سياسية.
– أسلوب الاتفاقية .. ولما تكون السلطة استخدمت حملات واسعة للقبض على معارضي الاتفاقية سواء من مظاهرات أو من بيوتهم وبعضهم في السجن لحد النهاردة زي إسلام مرعي أمين تنظيم الحزب المصري الديموقراطي، وضمن الحملات اقتحام نقابة الصحفيين للقبض على اتنين معارضين للاتفاقية، والرئيس قال “أرجو ان محدش يتكلم عن الموضوع ده تاني”، وحملات إعلامية رهيبة، والبرلمان اللي السلطة تدخلت باختياره هوا اللي وافق في جلسة سريعة موجهة، يبقى كل دي عناصر سياسية خارج أي جدل قانوني.
– بشكل واقعي خيارات المعارضين للاتفاقية سواء أفراد أو قوى سياسية محدودة جداً، واللي حصل جزء من مشهد كبير شفنا فيه الأحداث المتسارعة في انتخابات الرئاسة اللي انتهت بالمشهد الهزلي الحالي، وتغيير معادلة الاتفاقية مرهون بوجود تغيير في المشهد الكلي.
– التاريخ علمنا انه مفيش ثبات على حال، وكل السيناريوهات مفتوحة بإيد الناس، لكن حالياً لو متقدرش تغير الغلط فعلى الأقل لا ترضى بيه، ولو متقدرش تغير الباطل فعلى الأقل قول كلمة الحق .. تيران وصنافير مصرية.
*****


المصادر




مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *