********
– ثورة يناير كانت في البداية مجرد دعوة للتظاهر في عيد الشرطة، دعا ليها عدد من الشباب المسيس عشان يطالبوا بإقالة حبيب العادلي وزير الداخلية، ويرفضوا الممارسات المستمرة من جهاز الشرطة ضد المواطنين، من انتهاك كرامتهم وتعذيبهم في الأقسام والسجون، والمعاملة السيئة، واللي بتوصل لحد القتل.
– كانت الدعوة للتظاهر من صفحة على فيسبوك اسمها ” كلنا خالد سعيد”، وخالد سعيد للأجيال اللي متعرفوش كان شاب إسكندراني عادي، موجود في “سايبر” أو “إنترنت كافيه” اللي كان منتشر أيامها في مصر بين الشباب، وحظه السيء وقف قدامه مخبر وأمين شرطة يفتشوه ويلمو البطايق لسبب ما، ولما اعترض على الطريقة اللي بيعاملوهم بيها وعلى شتيمتهم ليه ولوالدته، سحبوه على مدخل عمارة وضربوه لحد ما مات.
– ده كان شيء عادي ومتكرر في وقت مبارك، لكن كانت حادثة خدت شهرة كبيرة بسبب بيان الداخلية اللي قال إنه الشاب ده كان بيشرب بانجو في حين صور جثته مليانة تعذيب وضرب.
– الداخلية وقت مبارك كان ضحاياها كتير جدًا من الناس العادية اللي لأي سبب ممكن يلاقي نفسه بيتهان أو بيتضرب أو بيتلفقله قضية، وكانت الناس بتتجنبهم من الخوف والرعب، ووقتها كانت بتنتشر الفيديوهات بتاعت التعذيب والضرب في الموبايلات الحديثة شوية عن طريق البلوتوث، وساعات كانت بتتعرض على التلفزيون ويتقال عنها حوادث فردية أو فبركة.
– لكن الناس طول الوقت كانت بتحس من الداخلية والحكومة باستعراض قوة غير طبيعي بيمارس ضدهم بشكل موسع، زي ما حصل مثلًا في احتجاجات المحلة سنة 2008 واللي كانت بادئة بإضراب داخل المصنع، وبسبب الافترا والمبالغة في القوة من الشرطة اتحولت لاشتباكات وعصيان مدني لفترة طويلة بسبب بطش الشرطة المبالغ فيه.
– الجزء التاني من نفس المؤامرة، هو التزوير الدايم للانتخابات، قبل ثورة يناير بشهور قليلة حصلت انتخابات برلمانية تم تزويرها بشكل فج وغير مسبوق بالكامل، كان كل رموز المعارضة بلا استثناء بيسقطوا بالتزوير ده، والفيديوهات كانت مالية الدنيا بملي البطايق وقفل اللجان وانتشار البلطجية، وبعد الثورة اعترف ناس كتير بمشاركتهم في تزوير الانتخابات دي وغيرها، زي مثلًا الإعلامي أحمد شوبير اللي كان مرشح في برلمان 2010 وقال إنه القاضي كلمه وقاله تعالى حط لنفسك شوية أصوات.
– كان التزوير فج للدرجة اللي اضطرت أحمد عز أمين تنظيم الحزب الوطني المنحل، إنه في جولة الإعادة يزور نتايج شوية كراسي لصالح أحزاب التجمع والناصري ضد مرشحي الحزب الوطني عشان ميبقاش البرلمان كله حزب وطني، ورغم كل اللي حصل احتفل الحزب الوطني بسيطرته المطلقة بنسبة 97% في الانتخابات ووقتها مبارك قال على احتجاجات المعارضين اللي سقطو “خليهم يتسلو”.
– الجزء التالت من المؤامرة اللي عملت ثورة يناير، هو المأساة المعيشية المستمرة مع نظام حكم بقاله 30 سنة، كانت مصر كلها عارفة إنه في الحكومة بتاعتها مجموعة من اللصوص في مواقع وزارية ومناصب في الحزب الوطني، كانوا بينظموا نهب وسرقة الموارد الطبيعية وفلوس البنوك والقطاع العام لصالح شركاتهم ومصانعهم الخاصة، وتضخمت ثرواتهم بشكل غير عادي، واتشكلت طبقة فساد ضخمة وغنية بشكل فاحش، في الوقت اللي تلت المصريين كانوا تحت خط الفقر العالمي، ومكانش فيه حد أدنى للأجور، وكانت في مأساة يومية بيشوفها الناس في طوابير العيش والمواصلات غير الإنسانية، وغياب الصرف عن أغلب الريف، وغياب كتير من الخدمات اللي مكانتش في اهتمامات الرئيس ولا الحكومة إنه يعملهم شيء ملموس طول 30 سنة في الحكم.
– الحدث الأبرز والأهم اللي كان متخوف منه المصريين هو صعود جمال مبارك وسيناريو التوريث اللي كان بيتحضرله، يمكن في ناس مكانش عندها مشكلة كبيرة وقتها في السيناريو ده، لكنه بشكل عام شيء مهين جدًا إنه البلد تبقى تركة بيتم توارثها بدون أي اعتبار لرضا الناس وموافقتها من عدمها، لأنه مفيش انتخابات حقيقية، واللي بيعارض مبارك بشراسة أو بيمثل عليه خطورة كان بيتعرض للحبس، وده حصل لأغلب معارضة مبارك بما فيها المرشح الوحيد قدامه في انتخابات 2005، كانت الناس مش قادرة تتخيل فكرة استمرار نفس النظام ده مع شاب هيقعدله كمان 30 سنة زي أبوه عالأقل، وهما في نفس الفقر والتردي، في حين هو وأصدقاؤه من رجال الأعمال بيحققوا ثروات وأرباح غير عادية.
********
– مفيش في الدنيا مؤامرة مهما كان حجمها وحجم الداعمين ليها ومموليها تقدر تخلق ثورة شعبية تنزل مئات الآلاف من الناس للشوارع عشان يطالبوا برحيل رئيس وحكومة، المؤامرات الخارجية اللي دايمًا كان بيرددها إعلام مبارك باستماتة شيء غير منطقي إنها تقدر تخلق مشهد زي الثورة، أو تخلي عند الناس إرادة ورغبة حقيقية إنه الحكم ده يمشي وينتهي.
– المؤامرة اللي عملت ثورة يناير كان الطرف الرئيسي فيها هو حسني مبارك وحكومته ونظامه، هما اللي دفعوا الناس وأجبروهم إنهم ينقذوا نفسهم ومستقبلهم من النظام ده بالثورة عليه، خاصة مع وجود أغلبية من الشباب اللي كان بيحلم بمستقبل حقيقي ومتفائل إنه يشوف بلده زي باقي دول العالم الديمقراطية المتقدمة.
– ثورة يناير حتى أعدائها اللي بيشتموها هما نفسهم كانو بيعترفوا إنه نظام الحكم هو اللي خلا الناس تتظاهر وتثور لأنها الحقيقة اللي مستحيل إنكارها.
*****
– في النهاية ممكن أي حد يختلف مع سياسيين ورموز لثورة يناير في آليات التغيير وتوجهات وآراء، لكن الأسباب اللي دفعت الناس للنزول إلى الشارع في 25 يناير متجاوزة كتير لكل دا، وكانت عفوية ومفاجئة لنظام المخلوع مبارك نفسه، والأسباب دي كانت عادلة كفاية إنها تحرك الناس.
– إنكار واقع الناس عاشته لمجرد المكايدة السياسية شيء بيعمل فرقة وخلاف غير طبيعي لأنه إنكار لحقائق واضحة، يعني مينفعش حد يفضل مُصر إنه مكنش فيه تعذيب وإهانة وإنه مكنش فيه تزوير للانتخابات، وإن النظام مكنش بيعاني من شيخوخة، دي كلها ظروف موضوعية مينفعش حد ينكرها، لأنها فعلا هي اللي دفعت الناس للشارع بعد انسداد أي أفق للتغيير.
– ثورة يناير كانت درس كبير لكل أطراف الوطن، ومحاولات طمس الحقائق أو التحايل على التاريخ مش هتفيد البلد في شيء، بمعنى إن العداء غير المبرر ليناير بيخلينا منتعلمش أي حاجة من الماضي، وبيخلينا عرضة إننا ندخل في نفس الدواير، طالما نفس الظروف موجودة.
– لما الناس يضيق عليهم في معيشتهم، ويفضل فيه فجوة اجتماعية كبيرة وعدم عدالة في توزيع الثروة، وتعذيب وإهانة من جهاز الشرطة، وانسداد لأي أفق تغيير سياسي، والشعب يقرر ينزل الشارع، مينفعش نلومه ونقول دي مؤامرة، بالعكس هيكون معناها إن السلطة متعلمتش شيء من يناير أو من الظروف الموضوعية اللي بتخلي فيه سخط عام بيتراكم عبر سنين، مش بيظهر أبدا من يوم وليلة.
مشاركة: