كل ما حد يتكلم عن الاجراءات الاقتصادية الأخيرة المرتبطة بقرض صندوق النقد بيتقال انه الحكومة هتوفر جنبها “شبكات أمان اجتماعي”، وفي الإطار ده وزارة التضامن بتفخر ببرنامج “تكافل وكرامة” للدعم النقدي.
وبمناسبة اليوم العالمي للعدالة الاجتماعية في 20 فبراير الماضي أصدرت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية دراسة بعنوان “النقود وحدها لاتكفي”، من اعداد الباحثين محمد جاد وحسناء محمد، بتتكلم عن تقييم سياسة “التحويلات النقدية” على المدى القصير أو الطويل.
*****

يعني ايه دعم نقدي ؟ ايه فايدته؟ وموجود في مصر من امتى؟

– كتير من المواطنين بيعجزوا عن توفير احتياجاتهم الأساسية، وبالتالي أي دولة بيكون عليها مسؤولية سواء بتقديم مساعدات “عينية” بتوفير المستلزمات بأسعار أرخص، أو مساعدات “مالية”.
– السياسات دي عالميأً مفيدة لكل المواطنين، لأنه خفض الفقر والبطالة يؤدي لخفض الجريمة ورفع الأمان للكل، وكمان رفع الانتاجية وتحسين الاقتصاد للكل.
– سياسة الدعم المالي موجودة في مصر من قبل ثورة يوليو، حكومة الوفد في عهد الملك فاروق أصدرت قانون سنة 1950 بتقديم معاشات اجتماعية للفئات غير القادرة، وتم تمويله من الموازنة العامة بكلفة 0.5% من الدخل القومي.
– في عهد عبدالناصر استمر الدعم النقدي ده ومعاه حصلت توسعة كبيرة للدعم على رأسها دعم الغذاء.
– في عهد السادات تم تعديل نظام الدعم المالي (المعاشات الاجتماعية) مرتين، واحدة سنة 1975 بإدخال الارامل والمطلقات للفئات المستحقة، وبعد انتفاضة 1977 حاول السادات امتصاص غضب المواطنين فوحد قيمة المعاشات بين القاهرة والمحافظات ورفع قيمة المعاش.
– في عهد مبارك استمر صرف المعاشات الاجتماعية بنسب إنفاق إجمالية لا تتعدى 0.1 % من إجمالي النفقات العامة.
– في 2014 د.زياد بهاء الدين وزير التعاون الدولي بالوقت ده أسس برنامج “تكافل وكرامة” كبرنامج دعم نقدي مباشر، يستهدف تقديم معاش للأسر الفقيرة اللي عندها أطفال في المدارس بشرط عدم خروجهم منها “تكافل”، و كبار السن ومتحدي الإعاقة والأرامل والمطلقات “كرامة”.
– في البداية البرنامج اتمول بقرض من البنك الدولي قيمته 400 مليون دولار، وبعدها تم استكمال الانفاق الحكومي وتوسعة قواعد المستفيدين، لحد ما وصلنا النهاردة إلى 2.2 مليون أسرة تمثل حوالي 9.3 مليون مصري.
– مهم نقول أن معاش الضمان الاجتماعي الموجود من أكثر من 50 سنة وصل عدد الأسر المستفيدة منه إلى 1.7 مليون أسرة، بينما تكافل وكرامة وصل لعدد أكبر خلال أقل من 3 سنين، وده ايجابي فعلاً في حد ذاته.

*****

هل أرقام الفقر كانت بتتأثر بالدعم؟
– الاحصاءات المتعلقة بالفقر تاريخياً في مصر فيها ارتباك، لكن الأرقام المتوفرة بتقول إنه أكثر فترة تم فيها إفقار المصريين كانت الثمانينات اللي حصل فيها تضخم كبير تزامن مع انخفاض أسعار البترول واللي أدى لتراجع العمالة الخليجية.
– في التسعينيات حصل تراجع واضح للفقر في مدن القاهرة والاسكندرية وبورسعيد والسويس، لكن أرقام الفقر زادت جداً في الصعيد والريف، لدرجة ان احصائية حكومية سنة 2006 قالت انه 78% من الفقراء بيعيشوا في الريف، وإن 95% من القرى الفقيرة في الصعيد، وان أفقر 1000 قرية منهم 762 قرية في 3 محافظات تحديداً هي المنيا وأسيوط وسوهاج.
وده معناه انه سياسة الدعم طول السنين دي متوجهتش للفئات الأكثر فقراً.

*****

هل البرنامج الحالي هيساعد في خفض نسب الفقر؟
– تصريحات المسؤولين الحكوميين مختلفة في الرؤية، هل الهدف توسيع دائرة المستفيدين من الدعم المالي، ولا الهدف إنهاء دعم السلع وتحويله لدعم نقدي.
– السبب في الاختلاف ده انه استراتيجية الدعم بشكل شامل غير واضحة، بمعنى هل هو جزء من خطة عامة لانتشال ملايين الأسر من الفقر والبطالة؟ ده مجرد مسكن لتخفيف آثار القرارات الأخيرة؟
– سنة 2016 انحفضت قيمة الجنيه أكثر من النص بسبب قرار التعويم، وده سبب ارتفاع كل الأسعار، ولذلك الدراسة تتوقع ارتفاع نسبة الفقر من27.8% حالياً إلى 35% من السكان.
– اللواء أبوبكر الجندي، رئيس الجهاز المركزي للتعبئة والاحصاء، قال انه بسبب القرارات الاقتصادية هيتغير خط الفقر من 482 جنيه إلى قرب 1000 جنيه للفرد. (يعني الأسرة من 4 أفراد اللي دخلها أقل من 4000 آلاف جنيه هتبقى تحت خط الفقر)
– في المقابل معاش تكافل قيمته 325 جنيه في الشهر + 60 جنيه لطفل المرحلة الابتدائية، 80 للاعدادية، 100 للثانوية. بعد التعويم زادت قيمته 100 جنيه شهرياً + 20 للطفل .. واضح جداً الفارق الضخم بين نسبة زيادة الأسعار ونسبة زيادة الدعم.
– رغم محاولة استهداف الصعيد في برنامج تكافل وكرامة بتركيز أكبر، وهو تطور ايجابي فعلاً، لكن الواضح انه ده مش جزء من سياسة حكومية لتنمية مجتمعات الصعيد.
– عندنا دلالة مهمة جداً هنا هي إن “صندوق تنمية الصعيد” انخفضت ميزانيته الحكومية من 600 مليون جنيه في موازنة (2013 – 2014) إلى 200 مليون جنيه فقط بموازنة (2014 – 2015)، انخفاض اكتر من 66 %، وده بالظبط وقت بداية برنامج تكافل وكرامة، كإننا هنخلي الناس تاكل بالفلوس بدل ما نشغلهم بيها! واستمر الرقم المحدود د 200 مليون ثابت بالموازنات التالية لحد الموازنة الأخيرة (2017 – 2018)!!
– الأرقام الحكومية بتورينا مشهد غريب وهو أن المواطنين الأقل تعليماً أرقام الفقر بينهم أعلى من المتعلمين فعلا، لكن البطالة بينهم أٌقل بكتير برضه.
– مثلاً البطالة بين الأميين 1.6% فقط، بينما بين خريجي الجامعات 21.2%، في المقابل نسبة الفقر لما يكون رب الأسرة أمي تصل 36.8%، مقابل 7.9% للجامعي.
– حالياً الدعم المادي في برنامج “تكافل” بيقدم دعم للأسر اللي عندهم أولاد في سن التعليم الأساسي، لكن الحكومة برضه معندهاش سياسات توظيف شاملة سواء حكومي أو خاص، ولا بيئة العمل بتساعد أبناء الأسر الفقيرة لو حصلوا على شهادات جامعية إنهم بشكل منتظم “يصعدوا اجتماعياً” للطبقة المتوسطة، وبالتالي مفيش بيئة بتحفز على تطوير مستوى التعليم بما انه النتيجة واحدة.
يعني حتى لو الاولاد فضلوا في التعليم الأساسي بفضل “تكافل” ممكن ميكملوش للجامعات، ولو كملوا برضه ممكن مستوى الأسرة لا يتغير.
*****

هل الدعم النقدي ده عندنا بس ولا في أماكن تانية بالعالم؟

– أغلب دول العالم عندها برامج مختلفة لدعم الخدمات زي الصحة والتعليم، أو الدعم النقدي زي اعانات البطالة وغيرها، والمهم إن الدعم ده مرتبط بمجموعة تانية من السياسات والاجراءات لعمل تغيير حقيقي.

– مثلاً بلد زي الأوروجواي في عهد الرئيس فاسكوز عملت برنامج مهم لتقديم الدعم النقدي للأسر شديدة الفقر اسمه “الطوارئ الاجتماعية”، وده مكانش بس مجرد دعم بالفلوس إنما كان برنامج فيه تشغيل وتوظيف مؤقت للمواطنين، وتأهيل وتدريب ليهم عشان يقدروا يرجعوا تاني لسوق العمل الدائم، إلى جانب كروت للحصول على الأغذية الأساسية، وتم تطوير البرنامج ده سنة 2007 عشان يبقى اسمه “خطة المساواة الاجتماعية”.
نجح البرنامج ده في تخفيض الفقر من 32% من السكان سنة 2004 إلى 18% سنة 2010، يعني نجح في خفض معدلات الفقر في 6 سنوات فقط، وده كمان لأنه ارتبط بسياسة اقتصادية ناجحة قدرت ترفع من الأجور الحقيقية بنسبة 18%، وخفضت الضرائب غير المباشرة على السلع الغذائية.
– تجربة ثانية ملهمة جداً هي تجربة البرازيل في عهد الرئيس لولا دا سيلفا عن طريق تطوير برنامج “بولسا فاميليا”، وده كان برنامج دعم نقدي مشروط للأسر شديدة الفقر بمعدل 87 دولار شهرياً، بشرط التزام الأسر بإرسال أطفالها للتعليم والالتزام بالحصول على التطعيمات بشكل منتظم، ووصل عدد المستفيدين من البرنامج إلى 11 مليون أسرة بما يعني 64 مليون شخص بمعدل 33% من الشعب البرازيلي.
البرنامج ده قدر يحرك أكثر من 23 مليون شخص من الطبقات الأفقر إلى الطبقة المتوسطة.
*****

– الخلاصة انه سياسة الدعم في مصر رغم ان وجودها إيجابي في حد ذاته لكنها مليانة مشاكل، سواء في مدى وصولها للمستحقين بسبب مركزية وبيروقراطية عملية الدعم، أو في مدى تأثيرها العام.
– والأهم انه السياسات والاجراءات الاقتصادية اللي بتنفذها الدولة هي ضد فكرة الدعم، لانها لما تؤدي لرفع كلفة كل السلع والخدمات بدون رفع موازي للأجور أو الدعم بتكون النتيجة الاجمالية عدم تغير حال الفقر.
– وزي ما قلنا كمان الدعم النقدي المشروط بتعليم الأطفال هو أمر ممتاز وإيجابي جداً، وكان جزء من تجارب دولية ناجحة، لكن ده مش هيكون كافي لوحده لرفع مستوى الأسر من طبقة الفقراء للطبقة الوسطى ومنع تحول الخريجين لعاطلين جدد.

– والسلطة اللي عاوزة تغير حال الفقراء بشكل مستدام أول خطوة ليها هيا الالتزام بالنسب اللي حددها الدستور للإنفاق على التعليم والصحة وفي الاطار ده يتم تطوير الاقتصاد، ونوعية سوق العمل، وتحسين سياسات التعليم وإعادة هيكلتها بجد لتقديم خريجين مؤهلين لسوق عمل جاهز لاستقبالهم.
– لكن غياب إرادة الالتزام بالدستور بيحول الدعم النقدي لمجرد أداة إسكات للفقراء عشان يجدوا الحد الأدنى من الطعام وميحتجوش على أوضاعهم المعيشية.
– للأسف زي باقي القضايا التانية مفيش حوار تم فتحه في موضوع مهم زي ده مع الأحزاب أو النقابات أو الاتحادات والجمعيات أو المجالس المحلية، فضلاً عن اننا اصلاً معندناش مجالس محلية منتخبة، والبرلمان كلنا عارفين ازاي الدولة تدخلت بانتخاباته.. خطوة رئيسية لأي تعديل اقتصادي هوا المشهد السياسي العام ده اللي فيه السياسيين بيعرفوا فضل وجودهم يرجع للناس ولا للأجهزة الأمنية.
– التوصية اللي طرحتها المبادرة المصرية للحقوق الشخصية هي تبني سياسة متكاملة للحماية الاجتماعية تقدر تحافظ على القيمة الحقيقية لامتيازات الطبقة الوسطى كي لا تهبط فئات منها للفقر، وبنفس الوقت تتوسع في الدعم للفئات الأفقر، بحيث يكون الدعم النقدي جزء صغير ضمن السياسة الأوسع لانتشالهم من الفقر.




مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *