– من سبتمبر اللي فات بدأت أعمال تطوير حي مصر الجديدة، والهدف المعلن رسميا هو ربط العاصمة الإدارية وشرق القاهرة بكباري وطرق أسرع.
– بالتأكيد كلنا شفنا شكاوى السكان من إزالة المساحات الخضراء، وتخطيط الطرق الخطير على المشاة، ووزيرة البيئة الدكتورة ياسمين فؤاد عملت جلسة حوار مجتمعي.
– اللي يهمنا هنا بشكل رئيسي اننا نناقش نموذج للسياسات العامة المتكررة لـ “تطوير المناطق الحضرية” في مصر بدون مراعاة رأي سكانها، شفنا ده في مشروع تطوير جزيرة الوراق، أو مشاريع أبراج الشيخ زايد، وغيرها من الوقائع.
*****
ايه اللي حصل في مصر الجديدة؟
– المشروع بيعمل 5 كباري في نفس الوقت في المنطقة، وتوسعة للشوارع عشان الاختناقات المرورية بحسب تصريحات الرئيس السيسي اللي قال أنه المنطقة محتاجة من 10 -12 كوبري.
وده بيخلي مصر الجديدة دورها الرئيسي معبر بين مناطق شرق القاهرة والمدن الجديدة زي التجمع ومدينتي والعاصمة الإدارية.
– عملية التطوير في مرحلتها الأولى كان من المفترض أنها تنتهي في خلال 3 شهور لكن الموضوع لسه مستمر لحد دلوقتي.
****
إيه المشكلة؟ الناس زعلانة ليه؟
– بعيدا حتى عن الصعوبات المرورية في فترة تنفيذ المشروع واللي ممكن تكون مبررة، خطة التطوير نفسها كان فيها مشاكل كتير، في صعوبات مستمرة للتنقل جوة مصر الجديدة نفسها لأنه الطرق اتوسعت وفي ميادين اتشالت وتم استبدالها بدورانات طرق علشان يبقي الطريق ماشي سريع، لكن مفيش أي تجهيز لعبور المشاة في منطقة فيها سكان ومدارس!
– مصر الجديدة منذ انشائها في ١٩٠٦ مجهزة انها مكان فيه تنقل بالمشي، فجأة يتم الغاء ده كله بدون أي استعداد، عشان كده اتكررت الحوادث.
– من أغرب الأمور ان المهندس المسؤول لما اتطرح عليه سؤال عبور المشاة في جلسة “الحوار المجتمعي”، راح قال ده مش دور الدولة ده دور رجال الاعمال والمجتمع المدني!
– الأهالي اشتكو كمان من تغيير شكل “ركن” السيارات من عمودي على الرصيف إلى موازي، وده بيساهم أكتر في مشكلة توقيف العربيات والانتظار، رغم ان الطريق اتوسع لكن في مشكلة في الركن!
– اتشالت كتير من الحدائق والمناطق الخضراء اللي كانت بيتميز بيها حي مصر الجديدة، مفيش رقم رسمي لكن تقديرات السكان بتقول انه تم ازالة ٢٥٠٠ – ٣٠٠٠ شجرة.
– الحكومة قالت أنها هتعيد زراعة الشجر ده تاني، وظهرت صور لآليات الحهيئة الهندسية، لكن لحد الأن لم يتم نقل إلا 300 شجرة فقط!
– بعدها وزارة البيئة حاولت تحتوي الأزمة دي بأنها تطلق مبادرة ” اتحضر للأخضر”، لكن السؤال هل فعلا المبادرة دي هيتم تنفيذها ولا هتبقى زي مبادرات تانية كتير؟
– بحسب أرقام غير رسمية وحسابات قام بها باحثين باستخدام جوجل مابس فالتطوير دا شال 90 فدان من المساحات الخضراء في مصر الجديدة. ومش معقول أبداً نبقى في أزمة احتباس حراري وتغير مناخي، ودول تانية بتعمل مبادرات للتشجير بملايين الأشجار، وعندنا بيتشال مسحات بالحجم ده بجرة قلم!
– كمان من ضمن التغيرات المؤثرة على السكان هيحصل تغيير في بعض خطوط المياه، مشروع مترو الخط التالت هيتعرض لتغيرات بسبب العاصمة الجديدة برضه ولأسباب “أمنية” بحسب وزارة النقل، هيبقى المترو بيروح المطار من محطة “عدلي منصور” بالسلام بدل من محطة هيليوبيليس بمصر الجديدة واللي كانت هتروح للمطار عن طريق شيراتون وشارع الحجاز، صحيح وزارة النقل بررت ده بإنه تكلفته أرخص لكن في نفس الوقت حرم الناس من الوصول للمطار أو التنقل بشكل أكثر سهولة جوة مصر الجديدة، على الرغم من إن التكلفة دي بيتم تحميلها للمواطن بأسعار تذاكر المترو اللي بتوصل ل 10 جنيه في الخط التالت ده.
– بالإضافة لكل دا فأي عملية تطوير بالذات لحي عريق زي دا لازم تراعي الطابع المعماري للمكان، إزاي حي تاريخي زي ده يكون مليان بكباري وكتل أسمنتية تهد الطابع المعماري والاجتماعي للمكان ؟!
******
هل كان في بديل للتطوير بالطريقة دي ؟
– طبعاً لو اعتبرنا إن اللي حصل في مصر الجديدة تطوير فهو ليه بديل، لو الهدف هو تسهيل الحركة المرورية للعاصمة الإدارية الجديدة كان ممكن تتطرح كذا خطة، ممكن نلاقي كباري أقل باماكن أقل إضرارا، أو أنفاق ببعض الأماكن بدل الكباري، أو طرق دائرية، لكن الاستسهال وان الاولوية تكون سرعة إنجاز المشروعات لأنه بتوجيهات الرئيس بدون مراعاة الدراسة والشراكة هو سر المشكلة.
– كان ممكن حتى لو بعد استشارة السكان وصلنا انه مفيش بديل عن تنفيذ المشروع، كان ممكن يتم تنفيذه على مراحل مش نعمل 5 كباري في نفس الوقت وخلال أسابيع، ونجرف أي شيء يقف في طريقها، وكمان بدون إعلانات وتوضيحات للناس عشان التوهان المروري اللي بقى أغلب سكان وزوار مصر الجديدة بيعانو منه، وبالطبع مراعاة حلول للمشاة لحماية الأرواح من الحوادث، وكان ممكن ايجاد حلول لمسألة المساحات الخضراء.
****
كل دا بيقولنا ايه ؟
– في قصة مصر الجديدة بنشوف مؤشر مهم جدا وهوا انهم سكان من الفئات الأغنى في مصر، ومنهم ناس كانت أو مازالت في مناصب كبيرة في الدولة، ومفيش حد منهم قدر يغير حاجة، وده يدل على أنه عقلية الحكم الأمني مش مستعدة بس تتجاهل الفقراء زي ما حصل في الوراق لكن كمان تطنش الأغنياء كمان وتعمل التطوير غصب عنهم.
– سكان مصر الجديدة من المفترض أنه حالتهم الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية تسمح لهم بالتفاوض، ودي بديهيات السياسة في أي دولة، أنه في مجموعات ضغط ومصالح بتضغط، سواء بقى مجموعات منظمة من الأهالي، أو روابط ليهم، أو مجالسهم المحلية، لكن للأسف في حالة موت السياسة حتى الناس دول مبقاش عندهم الإمكانية دي.
– السلطة بتسمع من دايرة ضيقة جدا بيسموها “الأجهزة السيادية”، بينما كل المكونات المدنية الأخرى داخل هيكل الدولة بما في ذلك الجهاز البيروقراطي الكبير وموظفينه اللي المفترض أنهم كبار ملهمش أي دور، حتى نواب مصر الجديدة في البرلمان محدش قدر يضغط على السلطة أنهم يوقفوا الموضوع لحد ميتناقشو فيه، قعدو زيهم زي المواطنين بيتفرجو محدش حتى عرفهم بالخطة قبل بدايتها.
– الموضوع مش متعلق ببناء كوبري جديد لكنها رؤية كاملة في طريقة إدارة البلد، هل رأي الناس والمواطنين ومشاركتهم في إدارة شؤون حياتهم مهمة أو لا؟ من أول حق الناس في المحاسبة والرقابة على الموازنة العامة وفلوسهم وضرايبهم بتتصرف إزاي مروراً بقا بتعديلات الدستور وتعديل القوانين وخطط تطوير الأحياء والمدن، وغيره من المواضيع المتعلقة بالمجال العام.
– في الدول الديمقراطية مينفعش يتعمل طرق جديدة أو تعديلات في خدمات أي حي سكني إلا بالتشاور مع السكان في مجالسهم المحلية، والمجالس دي منتخبة بنزاهة وعندها ميزانية كبيرة مستقلة من حصيلة ضرايب على الحي نفسه، ويتفاوض للوصول لأفضل الحلول الممكنة لكن طريقة نفذ وبعدين اتظلم دي طريقة مناسبة بس في الثكنات العسكرية، لكن في الأمور المدنية وفي إدارة الدول للأسف بتسبب مشاكل وكوارث كتير.
– في القانون المصري من حق المجالس المحلية إنها توقف أي مشروع من السلطة التنفيذية لو هيتعارض مع المصالح المحلية، والمفروض إن خطط التنمية المحلية بتتراجع من المجلس الشعبي المحلي، لكن مفيش انتخابات محليات في مصر من ٢٠٠٨ أساسا!، ومفيش مكانها أي تجمعات للمواطنين في أحزاب أو نقابات تدافع عن حقوقهم ومصالحهم، وبالتالي غياب الديمقراطية وحرية التعبير مش مشكلة خاصة بالسياسيين لكن هي فعلاً مشكلة متعلقة بلقمة عيشك وسكنك وحياتك كأي مواطن عادي في أي بلد في العالم، وسواء كنت من سكان الوراق أو رملة بولاق أو الزمالك أو مصر الجديدة، طالما مفيش ديمقراطية فرأيك ورغبتك مش مهمة قصاد أوامر وطموحات وخطط السلطة اللي محدش بيحاسبها، دي ضريبة غياب الديمقراطية اللي نتمنى إنها ترجع لبلدنا.
******



مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *