من أسبوع طلع أحمد القطان، وزير الدولة للشؤون الأفريقية، والسفير السعودي السابق في مصر، في لقاء على روتانا خليجية واتكلم في أكثر من موضوع يهم المصريين، منهم الانتخابات الرئاسية في 2012، علاقة الجيش بالإخوان، التنازل عن تيران وصنافير ودور الرئيس السيسي فيها وعن الجامعة العربية، وعن دور المملكة المرتقب في ملف سد النهضة.
رغم الحساسية الشديدة لتصريحاته، ورغم إنه وزير سعودي حالي يعني ممثل لدولته مينفعش يتقال ده موقف شخصي، إلا أن الخارجية المصرية وكل الجهات الرسمية لم ترد.
التعليق الوحيد كان فقط عن موضوع الجامعة العربية، وبشكل شبه رسمي، في مكالمة من مساعد الأمين العام لجامعة الدول أحمد أبو الغيط.
في البوست ده هننقل لكم تصريحات السفير السعودي، وتساؤلاتنا حول الصمت المصري التام، ونشوف ممكن نفهم إيه من القصة دي كلها؟
*****
إيه أهم تصريحات قطان المتعلقة بمصر؟
– أولاً: السفير السعودي قال إنه تم إبلاغه رسميا أنه اللي فاز في انتخابات 2012 الرئاسية كان الفريق أحمد شفيق، وأنه ده شيء معروف لدرجة أنه مصطفى بكري أعلن ذلك، لكن اللي خلى مرسي يفوز هو تدخل السفيرة الأمريكية.
وبعيدا عن إن كلام السفير السعودي هو إشاعة متداولة من زمان وبتنافي المنطق لأنه الأصوات كانت تحت الاشراف القضائي الكامل، وتحت حماية القوات المسلحة، ده غير إن في الجولة الثانية كان متوقع أنه أغلب أصوات أبو الفتوح وحمدين اللي كانوا سوا أكتر من أصوات شفيق هتروح للرئيس الراحل مرسي بسبب الخوف من الفلول حسب الكلام وقتها.
لكن السفير مقالش مين اللي بلغه “بشكل رسمي” وبصفته إيه يتم إبلاغه؟ دي مشكلة كبيرة لازم يتجاوب على أسئلة كثير محيطة بيها من المجلس العسكري والدولة المصرية.
ومعنى كلامه إنه بيتهم المجلس الأعلى للقوات المسلحة بالخضوع لضغوط أمريكية في أمر بحساسية تنصيب الرئيس المصري، وبيتهمه كمان بإخفاء الحقيقة دي لحد النهاردة.
ثانياً: السفير قال أنه في اجتماع مع هيلاري كلينتون قالها “أنه الجيش المصري لن يترك الإخوان يحكموا البلد”، وللأسف مفيش أي رد رسمي مصري لحد دلوقتي على شبهة تآمر واضحة خاصة أنه علاقة القطان بالمجلس العسكري كانت جيدة لدرجة أنه بحسب تعبيره كان بيصرف للجيش تأشيرات الحج بمنطق “الجيش المصري كله هيحج”.
ثالثا: في إجابته على السؤال الخاص بهل تدخلت السعودية لحماية مبارك؟ رد بأنه لا يعلم، وقد يكون حدث حديث بين الأمير سعود وزير الخارجية وقتها وبين المشير طنطاوي لكنه لا يعلم.
وفي الأغلب يعني دي إجابة دبلوماسية غير حقيقية لأنه معروف التدخل الخليجي لمحاولة حماية مبارك، ودا ظهر بوضوح في مذكرات الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما اللي اتكلم فيه عن مكالمات وصلته من أبوظبي والرياض بتحذره من دعم ثورة المصريين.
رابعا: في سياق حديثة عن التنازل عن تيران وصنافير، قال “الموضوع لم يكن سهلاً، لكن الذي سهّل الموضوع هو الرئيس عبد الفتاح السيسي، (الذي) اجتمع مع كبار المصريين في قصر رئاسة الجمهورية وتحدث معهم بكل إسهاب عن حقيقة هذا الأمر”، وحكى قصة محدش يعرفها عن ظابط مصري عنده أكتر من 90 سنة شهد إنه هوا اللي نقل طلب الملك فاروق للملك عبدالعزيز حول الجزيرتين، لكن غريب إن القصة دي محدش يعرفها خالص في مصر.
أيضا وفي سياق الحديث عن تيران وصنافير السفير قطان قال أنه مصطفى الفقي سكرتير المعلومات السابق لحسني مبارك اقترح عليه أنه السعودية تشتكي مصر في مجلس الأمن في موضوع الجزيرتين وأنه السفير قطان رفض وقاله فيما معناه إزاي مصر والسعودية يشتكوا بعض يا دكتور.
مفيش تعليق رسمي على الكلام ده، لكن الفقي نفى الجزء اللي يخصه وقال إن الكلام مقتطع من سياقه ومكنش بالصورة دي وإن توصيته كانت للدولتين سوا بالتحكيم الدولي بشكل ودي.
خامسا: بحكم منصبه كوزير دولة للشؤون الأفريقية القطان هوا المختص بقضية سد النهضة، وكان فيه كلام من حوالي شهر إن السعودية هتعمل قريبا قمة مخصصة للموضوع، خاصة بوجود استثمارات سعودية وإماراتية وقطرية كبيرة في إثيوبيا، لكن قال الخبر غير صيح وان “القمة السعودية الافريقية ستعقد في الرياض في الوقت المناسب الذي يراه خادم الحرمين”.
*****
هل دي أول مرة تحصل؟
حديث السفير قطان في شؤون داخلية مصرية حساسة ممكن نشوف سياق آخر مهم له.
السعودية ليها تاريخ طويل في استخدام المال السياسي لشراء الإعلاميين ودوائر الضغط من المحيطين بالأنظمة السياسية، وحتى استخدام التأشيرات الخاصة للحج في العلاقات السياسية زي ما حكى اللي حصل مع المشير طنطاوي.
الدكتور مصطفى الفقي نفسه قبل كدة حكى في فيديو شهير عن رحلة له مع دبلوماسيين مصريين كل واحد منهم خد 12 ساعة روليكس من في رحلات خارجية كانت من بينها المملكة، وكان بيحكي الموضوع بشيء من التفاخر وهو صاحب منصب في رئاسة الجمهورية!
مصطفي الفقي نفسه كان بتلقى تحويلات مالية مستمرة من السفارة السعودية في مقابل كتابة تقارير بحثية ليهم، منهم تقرير عن الإخوان والقضية الفلسطينية، واللي هو موضوع أي باحث عادي ممكن يكتب فيه ورقة أو ممكن الفريق السياسي في السفارة نفسها مش حد بحساسية منصب مصطفى الفقي السابق وعلاقاته السياسية.
اتسريبات ويكيليكس في 2015 كشفت عن برقيات كثيرة من السفارة السعودية بيظهر فيها أسماء صحفيين مصريين من اللي بيحصلوا على منح وجوائز مالية من السفارة مقابل كتابة مقالات في تلميع المملكة، وموقع مدى مصر عمل عرض دقيق ليها هتلاقوه في المصادر.
من الصحفيين دول على سبيل المثال لا الحصر، مصطفي شردي، ومصطفى بكري، والكاتب صبري غنيم، ودار الهلال، وصحيفة الموجز وقائمة أخرى.
على سبيل المثال في برقية أخرى بتشرح موقف قطان من نجيب ساويرس أيام ما كان مالك لأون تي في وظهر فيها المعارض السعودي سعد العسيري فاتصل السفير بساويرس ووعده بعدم تكرار الأمر.
*****
نشوف إيه من كل ده؟
السفير السعودي كان بيتكلم وبيحكي وكأنه سياسي مصري في تفاصيل شديدة الحرج والحساسية ولم نجد أي رد رسمي عليه، خاصة والرجل بيحمل صفة رسمية كوزير دولة حالي.
– كان فيه محطات قبل كده لخلاف مصري-سعودي زي حول الموقف من قرار مجلس الأمن عن سوريا، ويمكن ناس بتشوف التصريحات الجديدة في سياق خلاف حالي بسبب عدم إصدار مصر بيان لدعم ولي العهد السعودي في تطورات قضية خاشقجي مؤخراً، لكن أيا يكن اللي بيدور في الكواليس تصريحات بالخطورة بدي، الصمت الرسمي تجاهها محل تساؤل.
وطبعا لازم مننساش أنه كل العلاقات مع سفارة دولة زي السعودية والإعلاميين والمسؤولين والدبلوماسيين المصريين كلها بتمر من خلال الأجهزة السيادية اللي راضية عن الموضوع لأنه المملكة ومصر دول حليفة وتأثير المملكة في مصر واضح بالتالي لو العلاقات الواضحة للعلن دي مع سفارة دولة أوروبية كانت الناس دي كلها انضمت لقضية تخابر أجنبي.
لازم أشياء زي دي تخلينا نفكر في الأمن القومي المصري، وفي أنه مفهوم واسع، التواصل مع السفارات الأجنبية في مصر محرم بس على معارضي النظام إنما التواصل من المؤيدين أو مسؤولي الحكومة وتلقي هدايا مالية وعينية عادي مفيهوش مشكلة بالنسبة للنظام.
تصريحات قطان مش جديدة كل الناس في المجال السياسي عارفه التأثير الخليجي في مصر خاصة السعودية والإمارات، المواقع والصحف والقنوات اللي بتمولها السعودية والإمارات بشكل مباشر أو غير مباشر في مصر موجودة وشغالة تحت عين النظام ومحدش ساعتها بيتكلم عن تمويل أجنبي ولا أمن قومي، لكن على العكس المعارضين السياسيين للنظام بيتم التنكيل بيهم مجرد بس ما يفكروا يعملوا أي حاجة.
النظام المصري محتاج يرد على كل الأسئلة المفتوحة في حوار السفير أحمد قطان، لأنه مصر مش دولة صغيرة في المنطقة عشان يتم استخدام إعلامها بالشكل ده والحصول على مكاسب داخلية في السعودية على حساب جزيرتين مصريتين أو على حساب التخلي السعودي عن الضغط على أثيوبيا باستثماراتها هناك لدعمنا بملف سد النهضة، رغم كل الشعارات عن الأمن القومي العربي اللي قالها بيان جامعة الدول حول القضية دي بدون التحول لخطوات ملموسة.