فى هذه الأوقات العصيبة التى تمر بها البلاد، صدر بيان إعلامى عن القيادة العامة للقوات المسلحة وجه للفريق/ سامى عنان اتهامات خطيرة تفقده الاعتبار، وتمنعه عملياً من استكمال طريقه نحو الترشح لمنصب رئيس الجمهورية؛ وقد صدم البيان الصادر – بلهجته العسكرية الآمرة – كل الحريصين على جيش مصر وتماسكه، وعلى رموزه العسكرية التى خاضت حرب الاستنزاف وحرب التحرير فى أكتوبر 1973، وتولت أعلى المناصب القيادية بالجيش المصرى، كما صدمت كل الحريصين على مستقبل وتماسك الدولة المصرية التى طالما بشرنا رئيسها المنتهية ولايته بأنه يسعى لتمكينها من أن تكون دولة مدنية ديمقراطية حديثة !
وقد كنت حريصاً منذ اعتقال الفريق/ سامى عنان على عدم التعليق على ما وجه لسيادته من اتهامات، آملاً فى أن يبقى الأمر فى يد القيادات العليا بالقوات المسلحة التى لا أشك فى أنه يسوؤها بقدر ما يسوؤنى، بل وأكثر مما يسوؤنى، أن يتم التشهير المجانى برجل كان رئيساً لأركان الجيش المصرى لنحو سبع سنوات، خاصة وقد صدر قرار من النيابة العسكرية بحظر النشر فيما يختص بالقضية رقم 1 لسنة 2018 ، إلا أن الإعلام المصرى لم يلتزم بقرار حظر النشر بحجة أنه لا يتناول مجريات القضية وإنما فقط إبداء الرأى فى الرجل وفى ملابسات إعلانه اعتزام الترشح للانتخابات الرئاسية، الأمر الذى يمنحنى نفس الحق الذى وافقت عليه السلطات المختصة بصمتها على كل هذه الإتهامات والإهانات والبذاءات الإعلامية دون رد …
وعليه، فإن بيانى هذا لن يتعرض للقضية التى تحقق فيها النيابة العسكرية، وهى قضية لا أعرف شيئاً عن مجريات التحقيق فيها؛ وإنما يتناول بيانى هذا فقط ما جاء بالبيان الإعلامى – لا القضائى – الصادر عن القيادة العامة للقوات المسلحة المصرية، وهو البيان الذى استند إليه كل السفهاء الذين بادروا بالإهانات والبذاءات فى حق الفريق سامى عنان وفى حق معاونيه، بما يسيئه ويسيئهم، بل هو يسئ لكل الحالمين بمستقبل أفضل، لبلادنا ولشعبنا ولجيشنا، ومقارنة هذا البيان بحقيقة ما جاء فى بيان الفريق عنان بشأن اعتزامه الترشح لمنصب رئيس الجمهورية.
إنه لمن المدهش أن يبدأ البيان الإعلامى المنسوب للقيادة العامةللقواتالمسلحة المصرية بديباجة تتحدث عن تحديات غير مسبوقة تواجهها مصر، فهذه التحديات تحديداً هى ما كان قد بدأ بها الفريق سامى عنان بيانه الذى وجهه للشعب بشأن عزمه الترشح للانتخابات الرئاسية القادمة؛ وما كان قد دفعه أصلاً لاتخاذ قراره باعتزام الترشح إلا ما رآه من تآكل قدرة الدولة المصرية على مواجهة هذه التحديات بسبب إخفاق سياسات مسؤول عنها الرئيس المنتهية ولايته؛ ولم يتعرض الفريق عنان فى كلمته – لا من قريب ولا من بعيد – إلى مسؤولية الجيش – الذى كان له شرف أن يتولى رئاسة أركانه لنحو سبع سنوات كاملة – عن هذه الإخفاقات! فقد حرص بيان الفريق عنان المشار إليه على أن ينأى بجيش مصر عن هذه السياسات الخاطئة، ولم ينكر فى أى موضع ببيانه تضحيات القوات المسلحة فى مواجهة التحديات الوجودية التى تتعرض لها الدولة المصرية، بل إنه أنهى بيانه بعبارة “عاش جيش مصر مجسداً لمعانى الشرف والتضحية والفداء” !
بيد أن بيان القوات المسلحة الصادم قد وجه للفريق عنان، بعد اعتقاله، وبعد مثوله أمام النيابة العسكرية، جملة اتهامات “إعلامية” صادرة عن قراءة غير دقيقة للبيان الذى كان قد وجهه الفريق عنان للشعب المصرى، وفيما يلى ردى على هذه الاتهامات “الإعلامية”، ولا شأن لبيانى هذا بأية اتهامات “قضائية” يواجهها الفريق عنان فى محبسه:ـ
أولاً:
بخصوص ما قيل عن إعلانه الترشح لانتخابات رئاسة الجمهورية دون الحصول على موافقة القوات المسلحة أو اتخاذ ما يلزم من إجراءات لإنهاء استدعائها له … والحقيقة هى أن إعلان الفريق عنان لم يكن إعلان ترشح، وإنما كان إعلان اعتزامه الترشح؛ وقد جاء عزمه الترشح هذا مشروطاً بموافقة القوات المسلحة على وقف استدعائه، إذ قال بيانه نصاً : “إننى قد عقدت العزم على تقديم أوراق ترشحى لمنصب رئيس الجمهورية إلى الهيئة الوطنية للانتخابات، وفق ما هو معلن من قواعد ومواعيد تنظيمية، فور استيفائى إجراءات ﻻبد لى كرئيس أسبق ﻷركان حرب القوات المسلحة المصرية من استيفائها وفقاً للقوانين والنظم العسكرية”
ويتضح من هذا أنه لم يعلن ترشحه، وإنما فقط عزمه المشروط بالموافقات الضرورية وفق القوانين العسكرية التى التزم باحترامها باعتباره قائداً عسكرياً مرموقاً يعرف معنى الانضباط ويحرص عليه؛ بل إن سبب تأخر الفريق عنان فى تقديم الطلب إنما كان بسبب حرصه على تقديم طلبه هذا بنفسه لقيادات وزارة الدفاع وقتما يسمح وقتهم بهذا، تقديراً منه لهذه القيادات التى يربطه بها قسم عسكرى واحترام للتراتبيات العسكرية.
ثانياً:
بخصوص ما قيل عن تضمين البيان الذى ألقاه الفريق عنان بشأن ترشحه للرئاسة على ما يمثل تحريضاً صريحاً ضد القوات المسلحة بغرض إحداث الوقيعة بينها وبين الشعب المصرى العظيم !
ومع التأكيد – مرة أخرى – على أن بيان الفريق سامى عنان لم يكن “بيان ترشح”، وإنما “بيان اعتزام ترشح”، والفرق شاسع بين المعنيين، فإننى لا أدرى من أين جاء من صاغ بيان القيادة العامة للقوات المسلحة بهذه الوقائع التى صدرها للإعلام بعبارات تهيئ لمن يستمع إليها أن الفريق سامى عنان قد ارتكب جريمة العمل ضد الجيش الذى تشرف بقيادته والانتماء إليه؟! فالبيان الذى ألقاه الفريق عنان كان حريصاً كل الحرص على الإعلاء من شأن القوات المسلحة المصرية لا الحط منه، ولا ندرى كيف ينهى الفريق عنان بيانه بعبارة “عاش جيش مصر مجسداً لمعانى الشرف والتضحية والفداء” ويكون فى هذا تحريض على القوات المسلحة، بل وتحريض “صريح” كما جاء فى نص البيان الإعلامى المنسوب للقيادة العامة للقوات المسلحة؟!!
أيضاً، فإن بيان الفريق عنان كان حريصاً على تأكيد مسؤولية رئيس الدولة المنتهية ولايته، وهو منصب مدنى لا عسكرى، عن الإخفاق فى مواجهة التحديات التى تواجهها مصر، مؤكداً أنه كان على الرئيس المنتهية ولايته عدم تحميل القوات المسلحة وحدها مسؤولية مواجهة الإرهاب دون تفعيل أداء كثير من قطاعات الدولة المدنية … وما يقال عن تحدى مواجهة الإرهاب يقال مثله عن مواجهة التحديات المعرفية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والجيوستراتيجية.
ولا ندرى لماذا اعتبر البيان الإعلامى المنسوب للقيادة العامة للقوات المسلحة أن تحريض الشعب المصرى على رفض سياسات الرئيس المنتهية ولايته هو تحريض على القوات المسلحة وعلى دورها الذى لا ينكره أحد فى مواجهة هذه التحديات؟! فالرئيس المنتهية ولايته ليس هو الجيش، ولا الجيش هو شخص الرئيس المنتهية ولايته، فضلاً عن أن منصب القائد الأعلى للقوات المسلحة، الذى يلازم دستورياً منصب رئيس الجمهورية، هو بدوره منصب مدنى، لا علاقة له بالتراتب داخل صفوف القوات المسلحة، وليس من الضرورى – من حيث المبدأ – أن يكون القائد الأعلى للقوات المسلحة قد حمل فى أى يوم من الأيام أى رتبة عسكرية أصلاً !!
وأخيراً، فإن بيان الفريق عنان إنما يتحدث بشكل واضح وصريح عن افتقار إدارة رئيس الدولة المدنى المنتهية ولايته لـ”سياسات رشيدة تمَكِّن القطاع المدنى بالدولة من القيام بدوره متكاملاً مع دور القوات المسلحة لاستئصال هذه الأمراض الخبيثة من جسد الدولة المصرية”، ولا أدرى كيف يمكن تفسير حديث الفريق عنان عن “التكامل” بين ما هو مدنى وما هو عسكرى بأنه يحدث وقيعة بين القوات المسلحة وبين شعب مصر العظيم؟!
أما إذا كان الأمر يتعلق بما ورد فى بيان الفريق عنان من ضرورة التزام مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية بالحياد بين المرشحين فى الانتخابات الرئاسية، وما رددته وسائل الإعلام المصرية على لسان من وصفوا أنفسهم بالخبراء من أن ذلك يوحى ضمناً بانحياز القوات المسلحة لمرشح ضد آخر، فإن ذلك يكون تفسيراً لغوياً خاطئاً تماماً، ولا يمت للفقه اللغوى بصلة؛ فليس معنى الأمر بالمعروف أننا نأتى المنكر، ولا معنى النهى عن المنكر أننا لا نعمل بالمعروف !
ثالثاً:
ما ذكره البيان الإعلامى الصادر عن القيادة العامة للقوات المسلحة من ارتكاب الفريق عنان لجريمة التزوير فى المحررات الرسمية، وبما يفيد إنهاء خدمته فى القوات المسلحة على غير الحقيقة، الأمر الذى أدى إلى إدراجه فى قاعدة بيانات الناخبين دون وجه حق … فالفريق عنان لم يحرر أية أوراق رسمية بهذا الشأن، ولا هو تقدم بعد بأوراق ترشحه للهيئة الوطنية للانتخابات؛ وإنما تم تسجيل أسماء جميع أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة بمعرفة وزارة الدفاع نفسها سنة 2012 بما مكنهم جميعاً من الإدلاء بأصواتهم فى ذلك الحين فى الاستحقاقات الانتخابية !
وبعد، فإننى أكرر عدم علمى بأية أمور تتعلق بالقضية التى يخضع الفريق سامى عنان للتحقيق بشأنها أمام النيابة العسكرية، وأن ما سبق هو مجرد مقارنة بين بيانين إعلاميين صدر أحدهما عن الفريق سامى عنان وصدر الآخر منسوباً للقيادة العامة للقوات المسلحة؛ كما أننى لم أتعرض لسفه اتهام الفريق عنان بأنه يعمل لحساب تنظيمات هنا أوهناك، فمثل هذه الاتهامات السفيهة لم ترد فى البيان الإعلامى المنسوب للقيادة العامة للقوات المسلحة، وهى فى كل الأحوال اتهامات مستهلكة سئمها المصريون ولم يعودوا يعيرونها قيمة تذكر.
وأخيراً، فإن الفريق سامى حافظ عنان، الذى كان رئيساً لأركان حرب القوات المسلحة المصرية، لم يرتكب من المخالفات ما ارتكبه الرئيس الحالى حين تحدث – فى تسريبات أحلامه الشهيرة – عن طموحاته السياسية، وما بينته هذه التسريبات من حديثه عن شغفه بالوصول إلى منصب رئيس الجمهورية، ومن تحريضه على تجييش المثقفين للدعاية لترشحه للرئاسة حين كان بعد فى الخدمة وزيراً للدفاع، فضلاً عن تسجيلات أخرى له وهو فى موقعه العسكرى، بل وبلباسه العسكرى، يتحدث فيها فى شؤون سياسية مخاطباً الشعب المصرى، وهو نفسه الشعب الذى خاطبه الفريق سامى عنان باعتباره الشعب السيد فى الوطن السيد !
عاشت مصر حرة أبية، يزهو بها التاريخ الإنسانى بين الأمم؛
وعاش شعبها كريماً متحضراً، ترفرف راياته خفاقة فى العالمين؛
وعاش جيشها مجسداً لمعانى الشرف والتضحية والفداء.
القاهرة فى الرابع من فبراير سنة 2018 م