من حوالي أسبوع في خطاب لرئيس بنين باتريس تالون قدام البرلمان، وزير الزراعة في بنين جاستون دوسوهي بكي في الجلسة لحظة الإعلان عن أنه بنين أصبحت المنتج الأكبر للقطن في أفريقيا.
– بكاء وزير الزراعة مكنش مجرد شو، ولكن عشان الراجل اشتغل كويس جدا علي زراعة القطن في بنين، واتحقق الهدف اللي اشتغل عشانه.
النهاردة هنحكي ليكم قصة زراعة القطن في بنين، ازاي اتطورت ووصلت للمرحلة دي؟ وايه اللي مصر ممكن تستفيده من التجربة دي؟
*******
ايه قصة زراعة القطن في بنين ؟
– منطقة غرب أفريقيا المشهورة باسم منطقة الفرانك، Franc zone فيها 3 من أكبر الدول منتجي القطن في القارة، وهما بوركينا فاسو، مالي، وبنين، وفي دائما منافسة بين الثلاثة في إنتاج القطن اللي اقتصاد الثلاث دول بيعتمد عليه بشكل كبير. بوركينا فاسو تحديداً في السنوات السابقة كانت من أعلى الدول إنتاجاً للقطن في العالم بإنتاجية تخطت 185 ألف طن.
– حسب أرقام تقرير معلومات السلع الأساسية لوزارة الزراعة الأمريكية USDA، بنين في 2019 أنتجت 1.45 مليون بالة قطن، يعني حوالي 800 ألف طن من القطن في السنة الأخيرة، وبمعدل نمو حوالي 22% عن سنة 2018. وفي الخمس سنين الأخيرة كان متوسط إنتاج القطن في بنين 435 ألف طن سنوياً، وعشان نفهم الرقم دا كبير قد ايه ممكن نعرف انه مصر انتجت من القطن في 2018 حوالي 120 ألف طن بس.
– بنين بتعتمد على القطن بشكل أساسي في صادرتها، القطن بيوفر حوالي 40 % من موارد العملة الصعبة في البلد، وبيساهم ب 12 % من الناتج المحلي لبنين اللي هو صغير جدا حوالي 11 مليار دولار.
الزراعة عموما في بنين هي أساس الاقتصاد الصغير للبلد، تقريبا 80 % من السكان بيشتغلوا في الزراعة أو في أنشطة مرتبطة بالزراعة.
– بالتالي تحقيق هدف زي أنه بنين تبقى أكبر منتج للقطن ده يعني أنه في ناس كثير من السكان حيستفيدوا من اللي حصل، خاصة أنه معظم إنتاج القطن دا من مزارعين صغيرين.
*****
ايه اللي عملته بنين؟
– في 2015 انخفض إنتاج القطن في بنين بنسبة 31 % ودا أثر بشكل كبير علي الاقتصاد.
– في أول انتخابات رئاسبة بعدها تم انتخاب باتريس تالون، وهوا أساسا رجل أعمال بنى ثروته على القطن، وكان على راس أولوياته ببرنامجه زيادة إنتاج القطن في بنين، وبدأ فورا اصلاحات بالمجال ده.
– أهم الإصلاحات هو تقليل دور هيئة إنتاج القطن في بنين، وهي الهيئة الحكومية المسئولة عن السياسات الزراعية المتعلقة بالقطن في البلد لأنه يكون دورها رقابي بعد ما كانت بتسيطر على عملية التوريد بالكامل، وتم إعطاء دور أكبر للقطاع الخاص والمستثمرين المحليين والأجانب في القطاع، خاصة في عمليات معالجة بذور القطن لإنتاج الزيوت والأعلاف اللي بقى فيها نموذج شركاء اجانب مع شركات محلية.
– السبب الأساسي في انخفاض الإنتاج في 2015 كان نقص المبيدات والأسمدة، وعشان الحكومة تحل ده وقعت عقود توريد مع شركات خاصة متخصصة.
– كمان تم تطوير مؤسسات لتدريب الفلاحين على الزراعة العضوية، وتطوير مهاراتهم ودعمهم طول الوقت، بشراكات وتمويل من الاتحاد الأوروبي والبنك الدولي.
– تم التركيز على “التوسع الرأسي” يعني زيادة انتاجية الفدان على نفس مساحة الأرض، وتم الاستعانة بالبذور المعدلة وراثيا.
– تم تطوير سلاسل توريد القطن وانشاء عدد من المعامل لمعالجة واستخراج البذور اللي بتخش بعد كدة في صناعات زي الزيوت، وتصدير البذور دي بعدين.
الحكومة في بنين أطلقت برنامجين ضمن خطة الإصلاح المتعلقة بالقطن، – البرنامج الأول هو IPPM المكافحة المتكاملة للآفات، وده اللي كان معني بشكل رئيسي بمواجهة مشاكل التعفن وبعض المشاكل البيئية اللي بتقلل محصول وإنتاجية القطن بسبب الحشرات والدود وغيره، عن طريق توعية المزارعين بمخاطر بعض المبيدات الحشرية الشائعة الاستخدام، في مقابل استخدام المبيدات الحيوية غير السامة نسبيًا.
– البرنامج التاني هو FFS المدارس الحقلية للمزارعين، وده درب آلاف المزارعين على تبني ممارسات زراعية محسّنة، زي الإخصاب المتوازن والتباعد الأمثل للنبات، لزيادة إنتاج القطن والأرز والخضروات. ودي كلها تقنيات تم استخدامها لزيادة الإنتاجية والأرباح مع تقليل المخاطر على صحة الإنسان والبيئة.
– كل دا خلى بنين في النهاية تحقق هدف مهم، بالرغم من أنها دولة فقيرة وإمكاناتها ومواردها محدودة جدا الا انها قدرت تتفوق على دول تانية كثير، بحسن التخطيط وتحديث زراعتها بالأبحاث العلمية المتقدمة، والأهم وجود إرادة سياسية بتركز على ملف الزراعة بالعموم وده اللي خلاها مش بس اتطورت في زراعة القطن، لكن كمان ارتفعت صادراتها من الأناناس والكاجو وزيت النخيل وغيرها من المنتجات الزراعية.
– الحكومة هناك عندها خطة طموحة للتحول الصناعي وزيادة “القيمة المضافة” بالاستفادة من القطن في إنشاء صناعة ألياف كبيرة حوالين الإنتاج دا، معظم انتاج بنين من القطن بيتصدر خام دلوقتي لدول مجاورة في غرب افريقيا زي نيجيريا عشان يتم عمل ألياف منه وتصديرها لاحقا، ودا بيمنع عن بنين جزء مهم من الأرباح.
– بنين هي دولة فيها نقابات فلاحين قوية، فيها اتحاد منتجين للقطن اللي معظمه من المزارعين الصغار.
– بنين هي دولة شبه ديمقراطية، بمعنى انه فيها انتخابات لكن في مشاكل وملاحظات كتير من على نزاهتها، لكن مقارنة بدول تانية في افريقيا فهي نموذج ديمقراطي جيد من وقت التحول الديمقراطي بعد دستور١٩٩٠، ومفيش أي رئيس من وقتها تجاوز فترة واحدة أو فترتين بالحكم، من انتخابات ١٩٩٠ لحد النهاردة بدلوا ٤ رؤساء بانتخابات سلمية.
الديموقراطية حتي لو ناقصة بتتيح تطورات اقتصادية من النوع دا، لأنه الرئيس والحكومة بيخافوا من العقاب الانتخابي بالتالي مشاريع زي تطوير زراعة القطن بتكون حاسمة لأي حكومة هتيجي في بنين لأنها بتمس تقريبا 80 % من سكان البلد.
– تجربة زي دي بتقولنا كثير حوالين أهمية الإرادة السياسية والأولويات في الإصلاح الاقتصادي نفسه، الإرادة دي اللي بتخلي أهداف زي اللي حققتها بنين تحصل وهي اللي بتخلي تطورات نوعية كبيرة تحصل في الاقتصاد.
*******
ايه المفيد لينا كمصر من الموضوع ده ؟
– قصة زي دي ملهمة لينا خاصة أننا تاريخيا كنا من أكبر منتجي القطن في العالم، والقطن المصري كان وما يزال سلعة عالمية على الرغم من الأزمة اللي بتعيشها زراعة القطن في الوقت الحالي، واللي هي نتيجة سياسات طويلة من التمانينات، هخصصلها بوست قادم نشرح الموضوع بكل أبعاده وجذوره.
– إصلاح ملف زي زراعة القطن بيتطلب مجهود كبير وإرادة سياسية، ونقطة الانطلاق فيه هي دعم الفلاح أو المزارع المصري باعتباره مواطن الحكومة تسعى لمصلحته، ومن ناحية تانية إنه عنصر مهم في الإنتاج، وكمان مهم فهم آليات عمل مراحل التصنيع والتسويق العالمي والجدوى الاقتصادية.
– لو بعدنا شوية عن زراعة القطن واتكلمنا عن ملف الزراعة بشكل عام فاحنا عندنا مشاكل كتيرة، منها تخلف منظومة الري لحد النهاردة ونسبة قليلة من الأراضي اللي بتتروي بالتنقيط والرش والطرق الحديثة، ومنها عدم الاهتمام بتطوير مهارات وقدرات الفلاحين والمزارعين، مفيش جمعيات زراعية بتقوم بالمهمات دي، وكمان الحكومة بتهمل جانب البحث العلمي وضروريته لتطوير أي زراعة، اتكلمنا كتير قبل كده عن تجارب رز عرابي مثلاً.
– نتمنى نشوف في مصر في يوم نهضة زراعية حقيقية، لأنها مش بس مصدر دخل لملايين المواطنين، لكنها ثروة قومية الدول بتتبني بيها، وبتصرف مليارات على أبحاثها العلمية وتحسينها، وهي مصدر أمن قومي حقيقي، والتقدم فيها انجاز حقيقي بيغير في اقتصادات الدول وتنميها.
********