– الشهر اللي فات نشرت مؤسسة حرية الفكر والتعبير ورقة بحثية عن التحكم الأمني حاليا بسفر أعضاء هيئة التدريس للمهام العلمية، وده جزء من التحكم الأمني الكامل بالعمل الجامعي، يشمل التعيينات والترقيات، ولحد إنه مفيش مؤتمر علمي، أو اتفاقية شراكة علمية بدون موافقة أمنية!
البحث كتبه محمود ناجي (لينك البحث في أول كومنت).
– في البوست هنعرض ملخص للورقة، وأهمية الموضوع ونتايجه.
******
امتى بدأ شرط الموافقة الأمنية في الجامعات؟
– في أبريل 2014، بدأ الموضوع بخطاب “سري” من وائل الدجوي، وزير التعليم العالي وقتها. واتبعت الخطاب لكل رؤساء الجامعات. الخطاب طلب عدم استضافة أي مؤتمرات دولية بدون موافقة وزارة الخارجية والتنسيق معاها في كل شيء، وده بالرغم من إن الدستور المصري بينص على استقلالية الجامعات.
– بعدها في يونيو 2015 أعلن حاتم صلاح الدين، رئيس جامعة دمنهور، منع توقيع أي بروتوكولات تعاون مع أي جامعات أو جهات أجنبية إلا بعد الحصول على موافقة وزارة الخارجية والجهات الأمنية والرقابية. وبرر كلامه بإنه خايف “من اختراق البلد من البعثات الخارجية، ولأن معظم المشاريع المقدمة من الجهات الأجنبية وراها أغراض تضر البلاد”.
– في نفس الشهر طلعت جامعة القاهرة قرار بإن أي أستاذ جامعة أو عضو هيئة تدريس عايز يسافر لازم يدفع 10 آلاف جنيه كتبرع للجامعة، في أول 10 سنين شغل ليه، و20 ألف بعد ما يعدي 10 سنين شغل.
– في 2016 انتشر بين أعضاء هيئة التدريس في جامعة عين شمس قرار رسمي من وزارة التعليم العالي، بيلزم أعضاء هيئة التدريس بتقديم 4 استمارات و4 صور شخصية لإدارة الجامعة للحصول على إذن السفر للخارج.
– الدكتور مصطفى كامل السيد، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة نشر في مقال بجريدة الشروق، سبق لينا نشره على الصفحة، أن “كنا في حالة السفر للخارج لحضور مؤتمرات علمية، نطلب موافقة الجامعة على السفر، وكانت الجامعة لا توافق فقط على السفر، ولكنها كانت مستعدة لتمويل جانب من نفقات السفر إذا كان بهدف تقديم بحث علمي، وهو إجراء معروف في كل جامعات العالم” لكن الوضع دلوقتي أصبح يتطلب الموافقة الأمنية.
– التضييق مش بس على الأساتذة المصريين، لكن على الأجانب. كون بقى لازم الموافقة الأمنية قبل استضافة ضيوف أجانب في ندوات أو مؤتمرات أو ورش عمل داخل الجامعات المصرية، بشهرين كاملين.
******
إيه اللي حصل بناءً على القرارات دي؟
– دلوقتي بقى مطلوب بشكل رسمي موافقة الأجهزة الأمنية على سفر أعضاء هيئة التدريس. وبدون موافقة الأجهزة الأمنية هترفض وزارة التعليم العالي طلب السفر، وهيكون علي الأستاذ أو عضو هيئة التدريس، لو حابب يحضر أي مؤتمر علمي، تحمل مصاريف السفر بدون تمويل أو مساعدة من وزارة التعليم العالي.
– ده حصل مع الدكتور نبيل لبيب يوسف (أستاذ متفرغ بكلية العلوم جامعة القاهرة)، واللي طلب السفر في 2015 عشان يتابع الإشراف علي رسالة دكتوراة لطالب مصري في المجر، لكن اترفض طلبه بسبب عدم الموافقة الأمنية على الطلب.
– وحصل كمان مع الدكتور محمد حسن سليمان، اللي اتمنع من السفر لنفس السبب “عدم الحصول على الموافقة الأمنية”. كان رايح أمريكا في منحة من مؤسسة فولبرايت عشان يحضر أكبر مؤتمر للطاقة المتجددة في العالم، في دنفر في الولايات المتحدة، لكن مقدرش يسافر لعدم قدرته على تمويل نفقات سفره على حسابه الخاص.
– واتكرر ده مع الباحثة خلود صابر، مدرس مساعد في قسم علم النفس بكلية الآداب جامعة القاهرة، واللي اتفاجئت بخطاب من جامعة القاهرة، بيبلغها إنها مش هتحصل على إجازة دراسية مدفوعة الأجر عشان تستأنف منحة الدكتوارة بتاعتها في جامعة لوفان في بلجيكا، بسببب عدم حصولها على الموافقة الأمنية، رغم موافقة الجامعة والكلية في 2015 على الإجازة.
– الحالة الأسوء يمكن، كانت لسفر أساتذة من جامعة القاهرة لحضور مؤتمر علمي في ألمانيا لمدة 3 شهور، بعد ما حصلوا على موافقة الجامعة على السفر، لكن فوجئوا وهم في ألمانيا بطلب الكلية رجوعهم، بسبب رفض الجهات الأمنية سفرهم. واضطروا فعلا يرجعوا، ومايلتزموش ببرنامج المؤتمر.
– وللأسف اتلغت كتير من المؤتمرات العلمية والندوات اللي كان هيتم استضافة أكاديميين أجانب فيها بسبب تأخر الموافقات الأمنية، اللي المفروض تاخد شهرين. ده غير إن الأكاديميين الأجانب أصبح مطلوب منهم يسلموا جواز سفرهم لمدة طويلة عشان ياخدوا موافقة أمنية لدخول مصر، وده طبعا بيخلي كتير منهم يرفضوا يحضروا بالأساس.
– دي الحالات اللي اشتغلت عليها المؤسسة في التقرير، بالتأكيد في حالات تانية لكن أصحابها فضلوا عدم الحديث بسبب الخوف على مستقبلهم الأكاديمي، أو غيرها من المبررات.
******
إيه تأثير ده على البحث العلمي؟
– في وضع متأزم لوحده، بعدم انفاق الدولة بشكل جيد على البحث العلمي، بيكون التعاون الدولي والأكاديمي بين الجامعات المصرية والجامعات الدولية فرصة لإن أساتذة الجامعات يكملوا أبحاثهم، ويطوروا نفسهم، ويطلعوا على أحدث الأفكار والمناهج في مجالاتهم.
– بحسب الدكتورة ليلي سويف، دكتورة الرياضيات بكلية العلوم جامعة القاهرة: “إحنا عيشتنا على التعاون الدولي لأن الدولة لا تنفق على البحث العلمي، الناس إذا ما كانش عندها علاقات تعاون دولي الشغل يقف.. لا فيه بحوث علمية ولا حاجة. من غير التعاون الدولي وعمليات التبادل العلمي بين الجامعات المصرية والجامعات الأجنبية والسفر إلى الجامعات الأجنبية الدنيا تُقف خالص محناش مكتفين ذاتيا عشان نعرف نشتغل”.
– ده بيأثر بشكل عام على الأكاديميين المصريين، وخاصة في التخصصات العلمية اللي بتمثلها كليات زي: علوم وهندسة وصيدلة وزراعة. وغيرها من التخصصات اللي مصر معندهاش القدرة الكافية إنها تتطور فيها لوحدها.
– مفيش دول طبيعية في العالم عندها القيود دي كلها. في النهاية العلم منتج عالمي، لازم يحصل تواصل بين منتجيه في كل دول العالم. ومفيش أي خطر أمني في إن دكتور جامعة يسافر لمنحة دراسية أو تبادل علمي أو إننا نستضيف أساتذة جامعات لنفس الأسباب. بل مهم ندعمه ونسهل إجراءات سفره.
– طبعا ده بيأثر على ترتيب وتقييم الجامعات المصرية، اللي مفيش أي منها في قائمة أفضل 500 جامعة على مستوى العالم. وبالتأكيد برامج التبادل الأكاديمي واحدة من المعايير الهامة في ترتيب الجامعات عالميًا.
*******
نعمل إيه عشان نحل مشكلة زي دي؟
– طبعا، وبشكل عاجل، لازم يقف شرط الموافقة الأمنية. ده أمر:
* ضد كل القوانين الدولية اللي بتنظم الحريات الأكاديمية.
* وضد حتى أعراف الجامعات المصرية لحد وقت قريب.
* وضد كمان النصوص الصريحة لقانون تنظيم الجامعات، اللي بيدي الحق المطلق لإدارات الكليات والجامعات في تنظيم شؤونها الداخلية، وبيدي مجالس الأقسام العلمية مهمة التنسيق مع أعضائها قبل أي سفر لمهمة علمية.
– مفهوم إن كل أستاذ لوحده حقه يخاف من الأذى الأمني ليه، واحنا شفنا أساتذة اتفصلوا أو اتسجنوا، لكن مفيش بديل لتغيري الوضع عن موقف جماعي من إدارات الجامعات اللي بايدها توقف اطلاع الجهات الأمنية على تفاصيل برامجها العلمية، وانتظار الإذن.
– الحرية الأكاديمية في المواثيق الدولية هي “حرية البحث والتدريس والتحدث والنشر مع الإلتزام بمعايير وقواعد البحث العلمي دون تدخل أو فرض عقوبات، ودون تقويض لما يمكن أن يقود إليه هذا البحث أو الفهم”. وإحنا في مصر عندنا رسايل ماجستير ودكتوراة وأبحاث بتتمنع من المناقشة أو من العمل فيها، وعندنا مؤتمرات علمية بتتمنع، وبرامج بحث علمي وتبادل طلابي بتتوقف، ده غير منع أساتذة من التدريس لأسباب سياسية زي ما شفنا اللي حصل مع الدكتور يحيي القزاز.
– الدولة ملزمة تزود الإنفاق على البحث العلمي في مصر. الإنفاق في 2017 كان 0.6% بس من الناتج المحلي. في حين المتوسطات العالمية في الدول المتقدمة بتتراوح بين 2-3% من الناتج المحلي.
– إحنا بننفق 20 مليار جنيه تقريبا (حوالي 1.3 مليار دولار) سنويا علي البحث العلمي، في حين دولة شرق أوسطية زي تركيا بتنفق 6 مليار دولار تقريبا سنويا. وفي حين إسرائيل بتنفق 11 مليار دولار سنويا على البحث العلمي (ما يمثل 4.7% من الناتج المحلي)، يعني حوالي 10 أضعاف رقم مصر.
– في رابط مباشر بين الإنفاق على البحث العلمي وبين تحقيق معدلات نمو جيدة. مش صدفة إن أكبر الدول إنفاقاً على البحث العلمي هي أكبر اقتصادات العالم وأقواها. لازم نحل مشاكل البحث العلمي في مصر لو عايزين نمو اقتصادي وتنمية مستدامة. وكل ده مش هيتحل غير بقرارات سياسية، وإرادة تتيح حريات أكاديمية وإنفاق أكتر على البحث العلمي عشان نبقى زي دول العالم المتقدمة.
– مصر مفيهاش ولا جامعة داخل تصنيف أفضل 500 جامعة في العالم. وأسباب ده متنوعة، ١- انهيار البحث العلمي ومستويات الحرية الأكاديمية. ٢- عدد الطلاب داخل الجامعات وطرق التقييم. ٣- القيود على وبرامج التبادل الأكاديمي والمنح الدراسية. ٤- تطور المناهج. ٥- عدد الطلاب الأجانب. ٦- اسهام الجامعة في المجتمع. وغيرها من المعايير التانية.
– لكن كل المعايير دي بتدور حوالين الإنفاق على التعليم العالي والبحث العلمي، ومستوى الحريات الأكاديمية، وابتعاد البيروقراطية وأجهزة الأمن من السيطرة على الجامعات وإدارتها.
– صحيح السلطة عاوزه تجيب جامعات أجنبية كتير في العاصمة الإدارية الجديدة، لكن لو ده مش للاستعراض، وفيه رغبة فعلًا في تطوير التعليم الجامعي المصري، والسلك والأكاديمي، فمن باب أولى إزالة القيود اللي بتحصل ضد الجامعات والأكاديميين المصريين.
******