– يوم الثلاثاء نائب ديمقراطي في الكونجرس الأمريكي قدم دعوى قضائية ضد الرئيس السابق دونالد ترامب يتهمه فيها بالتمرد، على خلفية أحداث العنف اللي حصلت في مقر الكونجرس، يوم 6 يناير الماضي.
الدعوى أقيمت بعد 3 أيام من إنهاء مجلس الشيوخ إجراءات مساءلة ترامب، وقرر عدم إدانته بتهمة التحريض على التمرد، لكن القرار مكنش معناه برائته بالكامل.
إجراءات مساءلة ترامب بدأت في مجلس النواب في الأيام الأخيرة لولايته الرئاسية، يوم 20 يناير، بهدف عزله من منصبه في الأيام اللي كانت متبقية له في الحكم، لكن الإجراءات استغرقت وقت أطول، وده كان واحد من أسباب عدم إدانته لإنه مبقاش رئيس ودا مأزق دستوري، هنحاول نفهم مع بعض إيه القصة اللي حصلت، وإيه ممكن نستخلصه منها؟
*****
إيه سبب مساءلة ترامب؟
– من وقت ما بدأت المؤشرات الأولية لنتائج الانتخابات الأمريكية تقول إن ترامب هيخسر، ترامب لم يعترف بالنتيجة، وقال إنه تم التلاعب بها.
– كلام ترامب كان بدون دليل، عشان كدا كل المحاكم الأمريكية رفضت ادعاءاته، ومكنش أدامه إلا تحريض أنصاره على التظاهر.
– فعلا أنصار ترامب كانوا حاضرين دايما، ونزلوا يعترضوا بشكل عنيف في كذا مناسبة، وحاولوا منع فرز الأصوات في بعض الولايات، وكان ظهورهم دايما مرتبط بمخاوف عند الحكومة من حدوث أعمال عنف، خصوصا إن بعضهم بيكونوا مسلحين.
– ولازم هنا نذكر إن آخر مظاهرة مؤيدة لترامب يوم 12 ديسمبر، شاركت فيها مجموعة اسمها “براود بويز” أو الأولاد الفخورون، وهيا مجموعة يمينية متطرفة بتؤمن بتفوق العرق الأبيض، واتعرض خلالها أشخاص للطعن، والشرطة أوقفت فيها عشرات من مؤيدي ترامب
– يوم 6 يناير كان يوم موعد اعتماد نتيجة الانتخابات وقرارات المجمع الانتخابي بإعلان فوز بايدين، لكن ترامب دعا أنصاره للتظاهر أمام مبنى الكونجرس وقال لهم “حاربوا مثل الشياطين”.
المظاهرات دي تطورت لأحداث عنف واقتحام مبنى الكونجرس. وأدت الأحداث لمقتل 5 أشخاص بينهم ظابط.
– وسائل الاعلام العالمية نقلت على الهواء لقطات صادمة لوصول بعض المتظاهرين لقاعات المجلس وجلوسهم على مكاتب قيادات الكونجرس، اللي قوات الشرطة قدرت تأمن خروجهم.
– الديمقراطيين وبعض الجمهوريين كانوا شايفين إن اللي حصل ده مهزلة ووصمة عار في تاريخ البلد، ولا يمكن السكوت عليه ويجب إدانة اللي حصل، وإلا هيتكرر مرة ثانية، وبالفعل بعدها بأيام، بدأوا في إجراءات المساءلة بهدف عزل ترامب.
– بالمحاكمة دي ترامب هيكون أول رئيس أمريكي في التاريخ يحاكم مرتين في الكونغرس، وكمان أول رئيس يحاكم وهو خارج السلطة، وكمان هوا أول رئيس ينجو من محاكمتين.
*****
لماذا لم تتم إدانة ترامب؟
– الإجراءات المتبعة في حالة مساءلة الرؤساء في أمريكا، بتبدأ من مجلس النواب اللي بيوجه التهمة للرئيس بعد موافقة أكثر من نصف أعضاءه، وبعدها يحيل الأمر لمجلس الشيوخ اللي بيعمل محاكمة سياسية للرئيس، ويسمع الشهود، وبيبقى فيه فريق دفاع عن الرئيس، وبيصوت في النهاية على القرار النهائي بأغلبية الثلثين.
– في الوضع الحالي، إجراءات العزل بدأت قبل أيام من رحيل ترامب عن منصبه، وكان فيه جدال حول جدوى استمرار المحاكمة بعد رحيله. الديمقراطيين دافعوا عن استمرار الإجراءات، على أن تؤدي لمنع ترامب من الترشح لأي منصب فيدرالي في المستقبل.
– فعلا استمرت الجلسات، ودفاع ترامب قدم مرافعته، والمجلس سمع الاداعاءات وشاف الأدلة المقدمة ضد ترامب، وتم التصويت على القرار.
– عدد الموافقين على إدانة ترامب كانوا 57 من أصل 100 عضو في الكونجرس، من ضمنهم 7 أعضاء جمهوريين، لكن ده مكانش كافي لإصدار القرار، وكان لازم يصوت 10 أعضاء آخرين لصالح الإدانة.
– ورغم إن معظم الجمهوريين (حزب ترامب) اللي بيسطروا على نص مجلس الشيوخ، لم يصوتوا ضد ترامب، لكن كتير منهم كانوا شايفين إن ترامب مذنب.
– على سبيل المثال، زعيم الجمهوريين في الكونغرس، السيناتور ميتش ماكونيل، قال إن ترامب كان مسؤول عن الهجوم، لكنه صوت ضد إدانة ترامب لإنه شايف إن المحاكمة غير دستورية لأنه ما بقاش رئيس، وقال إن ترامب لم يفلت من الإدانة وإن مكان محاكمته هو القضاء، خصوصا إن القانون مش بيمنح حصانة للرؤساء السابقين.
– من ناحية تانية الرئيس جو بايدن قال “في حين أن التصويت النهائي لم يؤد إلى إدانة، فإن جوهر التهمة ليس موضع خلاف”.
*****
إيه اللي هيحصل بعد كدا؟
– القصة ممكن تكون لسه مخلتصش، وفيه قضية مرفوعة أمام محكمة فيدرالية ضد ترامب، ومن المنتظر إنها تبدأ خلال الفترة الجاية.
– القضية رفعها النائب الديمقراطي بيني تومسون ضد ترامب، ومحاميه رودي جولياني، ومجموعتين يمينيتين لدورهم في اقتحام مقر الكونجرس.
– من الناحية السياسية فيه نقاش واسع داخل الحزب الجمهوري حول دور ترامب السياسي في الحزب في الفترة القادمة، في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس سنة 2022، وهل ترامب هيكون مشارك في الحملات دي ولا لا.
– وكمان اللي حصل ممكن يكون فيه انتصار جزئي لترامب لأنه احتفظ بحقه في الترشح للرئاسة مرة أخرى عام 2024، وكمان قاعدته لسه موجودة، وكمان عمل شرخ جوا مؤسسة الحزب الجمهوري، ودا اللي ظهر في التصويت، وكمان ظهر في تهديداته بتأسيس حزب جديد.
– من جهة أخرى فيه رأي بيقول إن ممكن يكون ترامب حافظ فعلا على كتلته وخرج بأقل الخساير من المساءلة، إلا إن ارتباط صورة اللي حصل في مبنى الكونجرس بترامب وأنصاره هيخلي قاعدة “الناخبين المستقلين” اللي الحزبين بيتصارعوا عليها في كل انتخابات يكونوا ضد أي مستقبل لترامب في العملية السياسية أو لتياره في الحزب الجمهوري، ودا ممكن يخلي قادة الحزب الجمهوري يراجعوا مواقفهم من ترامب في المستقبل خوفا من التصويت العقابي.
*****
كل ده يهمنا في إيه؟
– لازم نعرف إن الديمقراطية مش محصنة أبداً حتى في أكبر دول العالم اللي عندها إرث ديمقراطي حقيقي، للدرجة اللي تخلي رئيس أمريكا المنتخب جو بايدن يقول “ذكّرنا هذا الفصل الحزين من تاريخنا بأن الديمقراطية هشة. ويجب الدفاع عنها دائمًا. ويجب أن نكون يقظين دائمًا”.
– بالتالي دول زي اللي في منطقتنا اللي لسه بتسعى لعملية تحول ديمقراطي حديثة، لازم نعرف إن طبيعي هتواجه عقبات زي الشعبوية اللي بقت كلمة منتشرة جدا في الاعلام وبيتم نقاشها من المتخصصين السياسيين حول تعريفها ومخاطرها، وكمان إنه مفيش حاجة اسمها حالة مثالية نهائية، وإن الحفاظ على الديمقراطية طريق طويل قد تشوبه نتائج غير مرضية.
– ويهمنا نعرف كمان إن مواجهة العقبات دي هيكون من قلب العملية الديمقراطية نفسها، اللي القانون والمؤسسات بيمثلوا أهم الركائز فيها، ومهما حصل فيها من أخطاء (وقولنا إنها واردة في أعتى الديمقراطيات) فيه دايما طريقة ما للتعامل معها، أفضل بكتير من السلطوية وحكم الفرد.
– هنشوف ده ببساطة في كل التفاصيل، من أول ادعاءات ترامب بتزوير الانتخابات، اللي رفضتها المحاكم والمؤسسات الرسمية عشان بلا دليل.
– كمان بنشوف ده في أعضاء حزب ترامب اللي صوتوا ضده، أو اللي اعترضوا على المحاكمة البرلمانية لكن شايفين إن المحاكمة القضائية أفضل.
– وإجراءات زي إمكانية مساءلة الرئيس في حد ذاتها واستخدمها مرتين (حتى لو لم يدينوا ترامب)، وعدم وجود حصانة للرؤساء السابقين أمام القضاء، بترسخ لأفكار وأدوات لحماية الديمقراطية وتوزيع السلطات والفصل بينها.
– كمان بنشوف رئيس أكبر دولة في العالم، مقدرش يغير حقيقة إنه خسر الانتخابات، ولا قدر يقعد في الحكم دقيقة واحدة بعد انتهاء ولايته، لإنه في بلد تحكمها مؤسسات حقيقية وقوية، وليست قائمة على فرد واحد أو حزب واحد، بل بيتقدم للمحاكمة سياسيا بكل بساطة، وبيتحقق في قضايا تانية تخص أعماله التجارية هوا وجاريد كوشنر جوز بنته.
– نتمنى نشوف دروس في كل اللي بيحصل حوالينا، وإننا نشوف كمان ممارسات ديمقراطية زي دي وحياة حزبية، وتداول سلمي للسلطة في بلدنا اللي تستحق إنها تكون دولة قانون ومؤسسات.
*****
المصادر
مشاركة: