– في مارس 2015 أعلن الرئيس السيسي عن مشروع إنشاء العاصمة الإدارية الجديدة، وبعد أكثر من اربع سنين على الإعلان ده المشروع مر بتغيرات كتيرة، ومازالت معلومات كتير غايبة عننا.
– النهاردة هنعرض لكم ملخص ورقة بحثية اتنشرت في مجلة دولية لشئون الشرق الأدنى والأوسط عن مشروع العاصمة الإدارية، الورقة كتبها باحثين ألمانيين شغالين في جامعات ألمانية ومتخصصين في الجغرافيا البشرية. الباحثين هما باتريك لوفريت وكريستيان شتاينر.

– الباحثين اعتمدوا على العمل الميداني في مصر لمدة 3 سنين، ومقابلات ميدانية مع 36 شخص ومسئول من اللي شغالين في مشروع العاصمة الإدارية، بالتالي الورقة اللي كتبوها مهمة لأنها من مصادر المعلومات النادرة في ظل غياب الشفافية، وده كان سبب ان المصريين يحتجوا في 20 سبتمبر على القصور الفخمة الجديدة ومنها القصر الرئاسي الموجود في العاصمة الإدارية.

– الورقة بعنوان “الاقتصاد السياسي لإنتاج المساحات العمرانية في القاهرة” وبيركزوا فيها على 3 أسئلة رئيسية ايه دور الاستثمار الأجنبي؟ ايه الجهات الحكومية اللي ساهمت في التمويل وحدود تدخل الجيش في التمويل؟ ليه تم بناء القصر الرئاسي؟
*********
ايه دور الاستثمار الأجنبي في المشروع؟
– من بداية الإعلان عن المشروع كان الخطاب الحكومي واضح وهو أنه المشروع هيبقي ليه دور مهم في استقطاب الإستثمار الأجنبي، في البداية كان مستهدف للمشروع أنه يجيب اجمالي استثمارات بحوالي 500 مليار دولار، تقريبا حوالي ضعف الناتج المحلي المصري في 2018.
– الرقم ده ورغم انه كبير جدا إلا أنه كان مبرر في حالة نجاح المشروع، لو المشروع مشي زي ما كانت الحكومة عايزةا، لأنه المشروع ضخم، جدا حجم إنشاءات على نطاق 753 كيلو متر مربع، ومشروعات عملاقة زي الحي الحكومي، والقصر الرئاسي، وحي الأعمال، ووحدات سكنية موجهة لمرتفعي الدخل.
– لكن للأسف الحكومة فشلت في استقطاب الإستثمار الأجنبي، مثلا تعثرت المفاوضات مع الشركات الإماراتية اللي كان من المفترض أنها تكون جزء أساسي من المشروع، وعلى رأسها إعمار وصاحبها رجل الأعمال محمد العبار اللي وقع مذكرة تفاهم مع الحكومة في المؤتمر الاقتصادي بشرم الشيخ، قبل ما تتعثر المفاوضات بين الحكومة والشركة بدون أسباب واضحة.
– بعض التكهنات بتقول انه العبار اختلف مع الحكومة على بنود العقود، وأنه سحب استثماراته اللي كان من المتوقع انها تكون كبيرة، لأنه شاف عدم جدوى اقتصادية من الإستثمار ده وانه المشروع مكلف.
– نفس القصة تقريبا حصلت مع المستثمرين الصينين اللي تراجعوا عن ضخ استثمارات كثيفة في المشاريع، واكتفوا بأنهم ينشأوا حي الأعمال، ولكن من خلال قرض هتاخده الحكومة المصرية من البنوك الصينية ب 3 مليار دولار. وقرض القطر السريع اللي هيتعمل في العاصمة الإدارية.
– الخلافات دي كان جزء منها بحسب الورقة هو تدخل الجيش في الإشراف على المشروع، والتخبط بين وزارة الإسكان اللي من المفترض هي وهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة ليهم ولاية قانونية على المشروع، وبين الهيئة الهندسية لأنها مشرف على المشروع، والجيش بما انه الأراضي بتاعة المشروع تحت سيطرته، وكمان لإن شركة العاصمة يتقاسم أسهمها هيئة المجتمعات وجهاز الخدمة الوطنية للجيش.
– بالتالي بحسب الورقة المشروع عانى في جذب الاستثمارات الأجنبية، ليه واعتمد على الشركات المحلية في تنفيذ المرحلة الأولى للمشروع أو الاقتراض عشان ينفذ حاجات زي حي الأعمال.

******

مين بيمول المشروع؟

– الكلام ده ياخدنا للجزء التاني من الورقة عن تمويل المشروع، واللي الحكومة بتؤكد دائما أنه خارج الموازنة العامة بدون إيضاح أي تفاصيل عن التمويل. زي ما حصل مثلا مع مشروع المسجد والكنيسة، واللي اللواء كامل الوزير وقتها قال أنه الشركات خدت 25 % بس من مستحقاتها والباقي هنجيبه من التبرعات!
– الورقة قالت أن خلال الفترة الزمنية اللي بتغطيها (من 2015 إلى بداية 2018) هيئة المجتمعات العمرانية ضخت على الأقل 15 مليار دولار (244 مليار جنيه) في المشروع، ودي هيئة عامة وأموالها والأراضي اللي هي مصدر دخلها الأساسي هي مال عام من موارد الشعب المصري.

– بالإضافة إلى إن الشركات المصرية متوقع أنها تاخد فلوسها من تخصيص مباني حكومية في القاهرة من اللي هيتم نقلها للعاصمة الإدارية الجديدة. وده بحسب كلام النائب محمد بدراوي عضو اللجنة الاقتصادية بمجلس الشعب .
– كمان القروض اللي هيتنفذ بيها مشروعات زي حي الأعمال والقطر السريع، هي قروض مضتها وزارة الإسكان وهتتحسب فوائدها وأقساطها من الموزانة العامة للدولة ومن ضرائب المصريين.
*******

إيه المعروف عن القصر الرئاسي بالعاصمة الجديدة؟

– حسب الورقة في البداية كان مقرر أنه القصر يتم على مساحة 9.5 كيلو متر مربع في وسط العاصمة بجانب الحي الحكومي، لكن بعد كدة تقرر نقله للطرف الشمالي من العاصمة وخفض مساحته ل 6 كيلو متر مربع وزيادة التحصينات الأمنية حواليه.
– الشركة الصينية اللي كانت المفروض تصمم وتنفذ القصر انسحبت من المشروع بعد النقل، ودخل مكانها شركات مصرية.
– اتنقل القصر لمنطقة محصنة خارج قلب المدينة، وبحسب الورقة هو دلالة على الخوف من المخاطر الأمنية في العاصمة الجديدة، رغم كونها منطقة للأغنياء فقط.
– مفيش أي تكلفة معلنة عن القصر الرئاسي، ومشاريع تانية كبيرة زي الوزارات ومقر الجيش اللي بتصميم مستوحى من البنتاجون الأمريكي تحت اسم “الأوكتاجون”، لكن كل المشاريع دي كبيرة جدا من حيث المساحة وأكبر من مثيلاتها في العالم.

****

– في النهاية الورقة بتقول أنه غياب المشاركة المجتمعية في المشروع، وإقصاء الحكومة لكل الجهات الرقابية والشعبية من عملية التخطيط للعاصمة، عن طريق أنهم يقولوا أنها برة الموازنة خاطئ وكان جزء من تعثر تمويل المشاريع.
– كمان نتيجة مهمة بتقولها الورقة انه تضارب المصالح في أحيان كثيرة بين الجيش، وبين وزارة الإسكان وهيئة المجتمعات العمرانية كان جزء من إحجام المستثمرين عن ضخ إستثمارات كبيرة في العاصمة.

****

– اللي شفناه في الورقة البحثية بيرجعنا لسؤال مهم حوالين جدوى المشروع؟ هل كانت مصر فعلا في ظل الأزمة الاقتصادية قادرة على أنها تضخ المبالغ دي في مشروع مازالت عوائده مش مؤكدة على الأقل؟
– وإيه كانت “كلفة الفرصة البديلة” لو تم انفاق الأموال بطريقة مختلفة؟
– والأهم هو إزاي حيتم تمويل المرحلة الثانية والثالثة في المشروع في ظل التقشف الحالي؟ هل هتلجأ الحكومة للإقتراض تاني؟ ولا هنعمل ايه؟
– حتى الآن نموذج المدينة الربحي اللي بيقوله مؤيدي المشروع قائم على الإسكان الفاخر المدعوم بانشاءات ضخمة غير إنتاجية، زي أكبر جامع وأكبر كنيسة وفندق الماسة، اللي حسب كلامهم هيخلي أسعار الأراضي جنبها تغلى، وشركة العاصمة تبيعها للشركات اللي بتبني المساكن جنبها فالدولة لا تتكلف شيء!
– طبعا معندناش أي أرقام معلنة نقدر نقيس بيها الربح والخسارة، أو نسب تحقق المستهدفات، وندعو المؤيدين المتحمسين يطلبوا نشر الميزانيات ونساعد في الحساب سوا، لكن الحقيقة انه في ظل عدم دعم ده بمشاريع واستثمارات إنتاجية واقتصادية حقيقية توفر فرص عمل متنوعة هيكون مستحيل نوصل لهدف 6.5 مليون نسمة من السكان لما تكتمل. ومصر عندها بالفعل تجارب كتير لمدن جديدة لم تحقق المستهدف بعهود السادات ومبارك.
– وإيه الأسباب الإدارية اللي أدت لرفع 14 شركة بالعاصمة دعاوى تحكيم دولي (شركة هولندية و13 شركة كويتية) ؟ وليه مشفناش إعلان رسمي عن اللي حصل؟ وياترى لو خسرناها دفع التعويضات هيتقال أصله من “خارج الموازنة” برضه؟
– وإلي أي مدى بيتحكم بالمسار للهدف السياسي بالابتعاد عن القاهرة بكثافتها السكانية واحتمالات المظاهرات فيها لمنطقة أبعد وأسهل في التأمين والتحكم؟ وده نشوفه في الاستعجال الشديد لنقل الموظفين لدرجة اعلان مواعيد غير واقعية اتأجلت أكتر من مرة، قالوا هنبدأ الانتقال رسميا بالربع الأخير من 2018، بعدها بقت خلال 2019، بعدها حاليا مفروض هيبدأ النقل الفعلي ل 50 ألف موظفي في 2020.
– كل دي أسئلة ملهاش إجابات مؤكدة في مشروع فيه مليارات بتنفق بدون أي رقابة من الأجهزة الرقابية ولا من الشعب على الأموال العامة دي، وكل دي أبواب كبيرة للفساد سواء بالإسناد المباشر أو من خلال غياب الرقابة على أنشطة القوات المسلحة الاقتصادية، وكل ده على المدى الطويل هو اللي بيرسخ للفساد في قلب أجهزة الدولة المصرية.

****************




مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *