النهاردة أعلن رئيس الوزراء الفرنسي إنه سيتم تعليق العمل بالزيادات الضريبية على الوقود لمدة 6 أشهر إلى حين التفاوض عليها، وده بعد الاحتجاجات الشعبية الضخمة اللي شملت أعمال عنف في اطار حركة “السترات الصفراء”.
– إدوار فيليب رئيس الوزراء ظهر على التلفزيون ليعلن القرارات، وقال في الخطاب للناس “لا ضرائب تستحق أن تعرض وحدة الأمة للخطر”، وقال ان “الغضب في الشارع نابع عن شعور عميق بالظلم لعدم القدرة على العيش بكرامة من العمل الذي يقوم به المرء”.
– مهم جدا في حدث بالضخامة دي نعرف انه الصورة فيها عناصر مختلفة وبعضها عكس بعضه كمان، مفيش أحكام سهلة تقول ان كذا حلو أو وحش بشكل مبسط.
– في البوست ده هنتكلم عن إيه قصة الحركة؟ وايه رد فعل الحكومة هناك؟ ومدى شعبية الحركة عند الشعب الفرنسي؟ وايه ممكن نشوفه كمواطنين مصريين عندنا أزمة ارتفاع أسعار وقود برضه؟
*****

الناس دول زعلانين ليه؟
– اللي حصل إن الحكومة الفرنسية خلال السنة اللي فاتت رفعت سعر الديزل بنسبة 23 % وسعر البنزين بنسبة 14 % ومن المقرر أن الحكومة ترفع السعر تاني في يناير اللي جاي.
– المعلن رسميا ان الزيادة الجديدة دي عشان البيئة، كجزء من تقليل الاعتماد على الوقود غير المتجدد لأن فرنسا بتستهدف في 2040 أن كل العربيات اللي فيها تشتغل بطاقة غير ملوثة أو بالكهرباء.
– الاحتجاج الرئيسي مجاش من سكان باريس اللي فيها شبكة مواصلات عامة كويسة وملاك السيارات الخاصة فيها من فئات أكثر قدرة على تحمل الأسعار، لكن جه من سكان الضواحي والأرياف والمدن الصغيرة، اللي بالنسبالهم التنقل بالسيارات الخاصة حاجة مهمة جدا والبدائل العامة مش بنفس الكفاءة.
– الحركة كمان مكانتش عشان الوقود بس، لكن انضم ليها ناس من خلفيات اجتماعية مختلفة من المعترضين على ارتفاع أسعار المعيشة بشكل عام.
*****

يعني إيه “السترات الصفراء”؟
– هي حركة احتجاجية بدأت عن طريق حملة انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي في مايو اللي فات، وفي خلال الفترة دي عملوا موقع الكتروني للحركة، وعدد كبير من الصفحات على وسائل التواصل الاجتماعي.
– الحركة حشدت للتظاهر في 17 نوفمبر، ودعوا المتظاهرين بيلبسوا السترات الصفراء اللي بيلبسها السواقين علشان لما يحصل حادثة يكونوا واضحين للمسعفين كمجاز يعني علي انه الحكومة مش منتبهة ليهم ولأوضاعهم المعيشية.
– أكتر حاجة معقدة الموضوع إن دي حركة “غير سياسية”، يعني كل الأحزاب والنقابات محدش منهم خرجت الدعوة منه، والأهم إن ملهاش قيادة واضحة، فالحكومة مش عارفة تفاوض مين، حتى مفيش صفحة فيس بوك واحدة.
– الحركة شملت تيارات مختلفة جدا، فيه متظاهرين كانوا بميول يمينية يعني اعتبروا ان سبب الغلاء هوا المهاجرين أو التزامات الاتحاد الأوروبي، واعتدوا على أي حد بملامح اجنبية جنبهم وممثلي اليمين زي لوبان مثلا حاولوا يستغلوا المظاهرات في توجهاتهم لاسقاط ماكرون اللي بيمثل تحالف واسع من الأحزاب .. وفي المقابل كان فيه متظاهرين بميول يسارية اعتبروا ان الغلاء بسبب سياسات الرأسمالية اللي بتسمح للأغنياء بعدم دفع قدر كافي من الضرايب، أو اللي زودت أعباء الطبقات الوسطى والأفقر.
وكان فيه متظاهرين بلا توجهات واضحة إلا الغضب الفردي، ونفتكر هنا ان فرنسا حصلت فيها موجة عنف كبيرة في 2005 على يد شباب الضواحي برضه لأسباب اقتصادية مباشرة.
– الاحتجاجات كانت بدأت خارج باريس بقطع الطرق السريعة حوالين العاصمة، وبعدها توجهت للتظاهر في قلب العاصمة.
– الحكومة أكدت على حقهم بالتظاهر وخصصت لهم أماكن، لكن المتظاهرين رفضوا ذلك، وتوجهوا لأماكن رمزية زي قوس النصر والشانزليزيه، وقطعوا الطرق، ده غير مظاهرات حاولت تحاصر مصافي البترول.
*****

إيه مدى شعبية الاحتجاجات دي؟
– بي بي سي نقلت عن مؤسسة “هاريس إنتر أكتف” بناء على استطلاع رأي ان التأييد الشعبي لحركة “السترات الصفراء” وصل إلى سبعة من كل عشرة فرنسيين.
– حسب معهد إيلابي وهو مركز إحصائي مهم في فرنسا شعبية ماكرون انخفضت لأقل من 30 %، وبحسب المركز نفسه برضه ف 73 % من الفرنسيين داعمين للحركة، و54 % من الناس اللي انتخبت ماكرون متعاطفين مع الحركة.
– هل معقول أغلب الشعب ده مبسوط من التكسير والتخريب؟ بالتأكيد لا، لكن الفكرة في جوهر المشكلة وواضح ان المطالب دي بتعبر عن قطاع كبير من الناس فعلا.
– جريدة لوموند الفرنسية المعروفة وصفت الحركة بأنها احتجاجات الطبقة الوسطى الدنيا على غلاء المعيشة اللي بتدفع ضرائب كتيرة ومش حاسة بأي تحسن اقتصادي في عهد ماكرون زي ما وعد قبل كده.
*****

ايه رد فعل الحكومة؟
– رغم العنف الشديد في الأحداث، وان الشرطة قبضت على مئات المتظاهرين وأصابت مئات، لكن متمش استخدام أي قوة مميتة بمعنى الرصاص الحي، والضحايا تلاتة فقط اتنين دهسا في حوادث والحالة التالتة بسبب عبوة غاز.
– الرئيس ماكرون دعا المحتجين للحوار أكتر من مرة لكن المشكلة الرئيسية ان مفيش ممثلين أصلا، والوساطة من الأحزاب والنقابات غير مجدية للحوار مع “حركة غير سياسية” .. بالبلدي مفيش كبير تتفاوض معاه الحكومة.
– بعض الممثلين للسترات الصفراء كانوا وافقوا على الحوار ثم انسحبوا بعد ما تلقوا تهديدات بالقتل من متظاهرين تانيين اعتبروا ان الحوار خيانة!
– في الآخر زي ما قلنا الحكومة تراجعت، ورئيس الوزراء قال ان تعليق الزيادة الضريبية على الوقود بالاضافة إلى اجراءات أخرى زي تعليق زيادات في اسعار الغاز والكهرباء لبعد الشتاء الحالي وغيرها، ده عشان “تسمح للحكومة بأن تبدأ حوارا مع الفرنسيين في ظروف هادئة”.
– ماكرون صرح بعد تصاعد الاحتجاجات بأنه لم “ينجح في مصالحة الشعب الفرنسي مع قادته”، ودا بالمناسبة كان أحد شعارات حملته الانتخابية.
– بخصوص واقعة تحطيم محتويات قوس النصر أحد أهم رموز فرنسا، الشرطة قالت انها بتعمل تحقيقات وهتستعين بتقنيات الدي ان ايه لضبط الأشخاص دول تحديدا بالاسم.
*****

إيه اللي ممكن نفهمه من اللي بيحصل ده؟

– أولا من حق الناس أنها تحاسب الرئيس لو فشل أو تراجع عن وعوده الانتخابية، ومن حقها تحتج على غلاء المعيشة مهما اتقال من مبررات، فكرة المساءلة الشعبية اللي أحد آلياتها التظاهر دي مهمة لأي دولة لأنها جزء من الديمقراطية اللي هيا مش صناديق فقط.
– ثانياً وهو الأهم أنه أي اجراء اقتصادي لازم يراعي تأثيراته على فئات المواطنين، مش يتجاهل وجودهم، وماكرون لما قرر يرفع الأسعار لاسباب بيئية مقدمش للناس خاصة اللي خارج المدن المغطاه بشبكات المواصلات العامة الجيدة بديل كافي للتحول للسيارات الكهربائية بسرعة.
وبشكل عام هوا محققش وعوده بتحسين مستوى المعيشة والقدرة الشرائية للمواطنين.
– مفيش حد أكيد عاجبه أحداث العنف والخسائر الكبيرة اللي حصلت، وبالتأكيد مش كل المتظاهرين مثاليين بل وارد يبقى وسطهم كل أنواع المخربين أو المتطرفين أو المستغلين، وشفنا ازاي اليمين استغل المشهد .. لكن برضه الفكرة في ايه اللي وصل بينا للنقطة دي، وازاي كان ممكن تجنبه من الأول.
– ثالثا مهم نتابع رد فعل الحكومة الفرنسية، سواء في تعامل الشرطة مع المتظاهرين بالغاز والمياه والاشتباك اليدوي مش بالرصاص، أو رد فعل الخطاب الرسمي اللي بيحاول يتحاور مع الناس وآخره يحذر من استغلال اليمين، لكنه اكد تفهم المطالب مقالش عليهم عملاء وخونة وممولين من الخارج.
– رابعاً رغم انه فرنسا نظام ديمقراطي والنقابات والأحزاب فاعلة لكن ده ميمنعش أبداً انه لو فئة من الناس شايفة إنه الأحزاب أو النقابات مبتمثلش مصالحهم يخلقوا حركة بديلة يعبروا عن مطالبهم، ومهمة الأحزاب والنقابات انها تتطور من اليات تواصلها مع المواطنين واحتياجاتهم وتخلق عملية التفاوض السياسي عليها، لكن في النظم غير الديمقراطية فالأحزاب والنقابات ممنوعة من التواصل مع احتياجات المواطنين أصلاً وبالتالي هتفضل ضعيفة التواجد والتأثير، والمواطنين هيفضل يتراكم جواهم الغضب، وده مسار خطير فعلا لو حصل أي طاريء من أي نوع بدون وجود تمثيل حقيقي للناس، وساعتها المشاكل اللي في فرنسا بسبب ده هيكون عندنا اضعافها للأسف وده اللي لا نتمناه لبلدنا، وعشان كده دايما بنؤكد أهمية توفير وسائل التعبير والتمثيل السلمي للناس.
*****




مشاركة:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة