– من أيام وتحديداً في 16 إبريل 2018 وافق البرلمان على تعديل بعض أحكام القانون رقم 100 والخاص بتحديد رواتب بعض الموظفين الحكوميين الكبار ( رئيس مجلس الوزراء ونوابه ، رئيس مجلس النواب، والمحافظين ونوابهم ).
– التعديلات الجديدة أقرت للمرة الأولي وجود معاش للفئات المذكورة يمثل 80 % من آخر مرتب تم تقاضيه، وكمان إعفاء هذه الأموال من الضرائب .
– التعديلات كمان نصت على أن يكون مرتب رئيس مجلس الوزراء ورئيس مجلس النواب مساوي للحد الأقصى للأجور أي 42 ألف جنيه .أيضاً نص التعديل علي أن يتقاضى نواب رئيس مجلس الوزراء، الوزراء، والمحافظين نفس المرتب وهو 42 ألف جنيه. أما نواب الوزراء المحافظين هياخدوا 90 % من الحد الأقصى يعني حوالي 37800 جنية .
– الموضوع خد أبعاد كبيرة في النقاش بين الناس، والبعض طالب الرئيس بعدم التصديق على القانون.
*****
هما بيقبضو كام أصلاً؟
– دي أهم نقطة غايبة عن النقاش .. بيتقال ان رواتب المسؤولين دول قبل التعديل تتراوح بين 8 و 12 ألف جنية، ده نظرياً صح لكن فعلياً ده خداع لأن هياكل المرتبات في مصر عموما هي شيء معقد جدا، وبيتضاف ليها البدلات والعلاوات والحوافز ..الخ.
– واقعة مهمة حصلت الشهر اللي فات، جنايات الجيزة حكمت ببراءة وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي من قضية “الاستيلاء على أموال الداخلية”. .. القضية كان اتحكم فيها قبل النقض بالسجن 7 سنوات “بتهمة الاستيلاء والإضرار بأموال الداخلية بمبلغ 2 مليار و388 مليون جنيه”!!
القضية كلها كانت ان الفلوس دي اتصرفت كمكافئات لقيادات الداخلية، الدرجة الأولى برأت 90 قيادة بسبب “توافر حسن النية لديهم تجاه المال العام، وعدم توافر القصد الجنائي”، دول ناس أخدوها قانوني رسمي .. بعد النقض البراءة جت برضه لل 12 مسؤول اللي أخدوا قرارات الصرف لأسباب شبيهة، كله قانوني وحلال عليهم!
بدون الجانب ده أصلاً النقاش عن ارقام المرتبات هيفضل نقاش غير واقعي إطلاقاً.
*****
ليه فى الوقت الحالي بالذات؟
– ليه في الوقت اللى الحكومة فيه بتقول أنها عايزه تقلل مصروفات الجهاز الإداري للدولة بتزود مرتبات الوزراء والمحافظين ونوابهم اللى هما جزء من الجهاز الإداري، وأجورهم من بند الأجور بالموازنة.
– الإجابة على السؤال دي محتاجة أننا ندور شوية فى الماضي القريب والمتعلق بزيادة رواتب الموظفين الكبار، والعسكريين النواب، واللى أقر كل القوانين دي هو البرلمان الحالي اللي بيقر إجرءات التقشف اللي الحكومة بتقترحها واللى منها خفض الدعم .
– مثلا النائب في برلمان 2012 كان أقصى سقف له إجمالي الأساسي وبدلات الجلسات 12 ألف، تضاعفت إلى 25 ألف في البرلمان الحالي.
-فى نهاية 2017 صرح الدكتور علي عبدالعال رئيس مجلس النواب إن الحد الأقصى للأجور في مصر ظالم لأنه يساعد على هروب الكفاءات العلمية للخارج للبحث عن فرص أفضل . وبعيدا عن جدلية هذا التصريح ليه مشفناش البرلمان مثلا يقر بزيادة استثنائية لمرتبات الباحثين العلميين أو استقدام علماء أو ناجحين من الخارج، وإنما شوفنا زيادة راتبه هوا نفسه رواتب الوزراء والقضاة والعسكريين ومعاشاتهم.
– القرار دا جه فى نفس الوقت اللي بيتم إعداد مشروع الموازنة الجديدة لعرضه على البرلمان واللى فيه بند الأجور والتعويضات بيمثل 266 مليار جنية بزيادة قدرها 10 % فقط عن السنة اللي فاتت. رغم أنه البعض توقع أنه نسبة الزيادة فى الأجور هتكون أكبر نظراً لارتفاع معدلات التضخم وزيادة الأسعار الحالية.
– لو السلطة فعلا كما تدعي عايزة تقوم بإجراءت تقشف والسنين اللي فاتت الحكومة بتقول أنها بتعمل موازنة تقشفية بتحاول تقلل مصروفات الجهاز الإداري للدولة، لتخفيض عجز الموازنة ل 8.4 % من الناتج المحلي زي ما أعلن في البيان التمهيدي لمشروع الموازنة الجديدة. لو فعلا ده الهدف فالأولى بالتخفيض هم المسؤولين ذوي المرتبات الأضخم مش الطبقة الوسطى والطبقات الدنيا اللى بتعاني تحت وتيرة متسارعة من التضخم ورفع الدعم، أو على الأقل الكل يزيد أو ينقص بنفس النسب.
– وده بيحصل برضه فى الوقت اللي الحكومة والبرلمان بيتجاهلوا الكلام عن زيادة الحد الأدنى للأجور (1200 جنيه) بعد كل التضخم ده.
*****
هل ده بيحصل في دول تانية من العالم؟
– اللي بيحصل العكس، معظم التجارب الدولية الحديثة فعلا بتركز على تقليل مصاريف الجهاز الإداري للدولة كأول خطوة من التقشف، لكن بيبقي الخطوة الأولي فى أي عملية تقشف هي تقليل رواتب الموظفين الكبار وليس العكس.
– عندنا أمثلة كثيرة أقربها اليونان واللى أقرت في 2015 إجراءت تقشف شملت تخفيض الرواتب لكبار الموظفين فى الدولة بنسبة 17% ، كمان فى 2011 إيرلندا خفضت أجور كبار الموظفين الحكوميين بنسبة 5 %، وفرنسا فى 2012 خفضت رواتب الوزراء بنسبة 15 % .
– في سبتمبر 2016 رئيس الوزراء التونسي يوسف الشاهد بدأ بنفسه وخفض راتبه هو وكل الوزراء 30% ليطلب من الشعب قبول خطته للتقشف.
*****
هل دا قرار كويس لمكافحة الفساد؟ يقبضو حلو فميسرقوش؟
– الاجابة على السؤال دي صعبة جدا،ً لأنه الموضوع متعلق زي ما قلنا بمعرفة دخولهم أصلاً، ومعرفة ازاي تقوم بإجراءت الرقابة على هؤلاء، ومن يراقب دخلهم، وإيه أهم مصادر التربح للمسئولين، وقياس نسب الظاهرة وارتباطها بالمرتبات.
لكن خلينا نحاول نخمن فعلا هل دا ممكن يساعد فى محاربة الفساد أم لا؟
– أولاً لازم نتفق أنه الفساد مش مرض محلي بس فى مصر، يعني بيحصل في أغنى دول بأعلى مرتبات مسؤولين برضه، لكن الفرق أنه في الدول الديمقراطية اللى بتراعي فكرة الشفافية بيكون موجود آليات محاسبة ( شعبية- إعلامية – إدارية) .
– ثانياً كلنا عارفين قد إيه ممكن تكون مستويات فساد المسؤولين، والقضايا اللي شفناها بالسنتين الأخيرتين رغم قلتها بتوضح حجمه في أعلى المناصب، وأرقامه زي وزير الزراعة (رشوة واحدة 11 مليون جنيه) ومحافظ المنوفية (رشوة واحدة 2 مليون) ومسئولي تعليم 6 أكتوبر (مجموع اختلاسات فوق 330 مليون جنيه) .. هنعوضهم ازاي دول؟ مش معقول هنديهم ملايين مرتبات عشان يبطلوا! ونعتقد أنه تجربتنا التاريخية مع نظام مبارك ووزراءه هي خير مثال.
– فيه إجراءات تانية لمكافحة الفساد موجودة بالفعل ولا تطبق، منها كما ذكرنا سابقا كشف الذمة المالية، من وقت إقرار دستور 2014 اللي نص صراحة على نشر ذمة الوزراء والمسئولين الكبار فى الجريدة الرسمية، لم ينشر إقرار ذمة مالية واحد لأي مسئول بما فيهم الرئيس السيسي.
– من حقنا نطالب بتطبيق الدستور، لنراقب على الأموال اللى هندفعها من أموال الضرائب، جنب وجود جهات تحقيق مستقلة تقوم بالتحقيق قبل وبعد الخروج من المنصب حول تضارب المصالح اللي اتكلمنا عنه سابقا.
*****
“أصله المنصب بيقع بخسارة، ولما يطلع منه لازم يبقى ضامن مستقبله”
الحقيقة إن أي وزير أو محافظ مجرد انه تولى المنصب ده ده بيديه أفضلية كبيرة بمجرد خروجه بيبقى متاح أمامه فرص كتير وممتازة، سواء بالقطاع الخاص داخل مصر، أو لبعضهم فرص مميزة جداً بشركات أو جهات دولية خارج مصر.
*****
– تلخيصاً زيادة رواتب المسئولين فى مصر تتناقش الأول لما نعرف دخولهم الحقيقية، وبشكل عام لا نعتقد أنها مفيدة في الوقت الحالي للاقتصاد المصري في ظل أزمة اقتصادية، في الوقت اللي كلام الحكومة دايماً إنه لازم ندفع فاتورة الإصلاح الاقتصادي والشعب يصبر عليها.
– الخلاصة إما انه التقشف يطال الجميع وبالتالي ممكن نقلل أصلا عدد الوزارات، ونقلل تكاليف العربيات والمواكب والمكاتب والبدلات ..الخ، يا إما انه مفيش أزمة من الزيادة عشان تحسين دخول المواطنين بغض النظر عن عجز الموازنة وفي الحالة ده يبقى نزود الحد الأدنى للأجور والمعاشات والتأمينات للكل.